الإعلام العربي وعام من طوفان غزة
تاريخ النشر: 8th, October 2024 GMT
طوال عام الطوفان والحرب الصهيونية العالمية على غزة وقوى إسنادها في اليمن ولبنان، كنت أتجنب الحديث عن الإعلام العربي ومواقفه واتجاهاته وأهدافه وأدواره الظاهر منها والخفي، ربما لعدم استباق الأحداث، وإصدار أحكام متسرعة علي الأداء الإعلامي لوسائل الإعلام العربية أثناء الحرب، وأملا في أن يراجع القائمون على بعض هذه الوسائل، بمرور الوقت أنفسهم ويغيروا مواقعهم ومواقفهم نتيجة استمرار المذابح البشعة التي يرتكبها وبشكل يومي جيش الاحتلال الإسرائيلي مدعوما من الإدارة الأمريكية والجيش الأمريكي ومصانع السلاح الغربية.
بعد مرور عام على انطلاق الحرب العالمية الثالثة على غزة ثم صنعاء وبيروت ودمشق وربما عواصم عربية أخرى، من جانب قوى الاستكبار العالمي الكبرى التي تضم الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وإسرائيل، يمكن القول إن الإعلام العربي واجه وما زال اختبارا صعبا في هذه الحرب التي يمكن وصفها بالحرب العالمية، والتي تحالفت فيها قوى الشر العالمي لتدمير غزة المحدودة المساحة والمحاصرة برا وبحرا وجوا وقتل أهلها وحرمان من بقي منهم من مقومات الحياة الإنسانية.
مع بداية الحرب تمايزت الصفوف الإعلامية والسياسية الرسمية وتحددت المواقف من أطراف الحرب غير العادلة وغير المتكافئة بناء على مواقف الأنظمة العربية، ومن هنا أصبحنا أمام فريقين، الفريق الأول وربما الأكبر والأغنى والأكثر ضجيجا هو إعلام الدول والأنظمة المطبعة مع العدو الصهيوني أو تلك التي تسعى بكل ما أوتيت من قوة إلى الانضمام إلى طابور المطبعين والحصول على الرضا الأمريكي السامي، وبوجه عام دول النعمة كما سماها نتنياهو أمام الأمم المتحدة. الفريق الثاني الأصغر والأقل إمكانيات والأقل ضجيجا هو إعلام المقاومة والدول التي قررت دعم غزة وفتحت "جبهات الإسناد" والرافضين للتطبيع والمؤمنين بحق الفلسطينيين في المقاومة المسلحة. وبين الفريقين ظهرت المواقف غير الخاضعة للسلطات الرسمية والتي عبرت عن نفسها في شبكات لتواصل الاجتماعي وانقسمت أيضا هي الأخرى إلى فريقين، الأول والأكثر حضورًا وربما الأكثر تأثيرا هو فريق المؤيدين للمقاومة، وضم الفريق الثاني، الأقل حضورا وتأثيرا، الصهاينة أو المتصهينين العرب الذين لم يخفوا دعمهم لإسرائيل والهجوم على المقاومة.
إذا استثنينا شبكة الجزيرة من المقارنة باعتبار أنها في تقديري وسيلة إعلام تخطت حاجز الإقليمية وأصبحت شبكة عالمية يجب أن تقارن بمثيلاتها العالمية، يمكن القول إن إعلام المقاومة وإعلام الدول المتعاطفة مع المقاومة أدى دوره في إطار إمكاناته المادية والبشرية المحدودة، واستطاع أن يواجه إلى حد ما الدعاية الإسرائيلية والأمريكية والعربية المعادية للمقاومة والمؤيدة لدولة الاحتلال. ومثلما كانت الحرب ومازالت غير متكافئة فقد كانت الحرب الإعلامية غير عادلة وغير متكافئة أيضا. ويظهر عدم التكافؤ في امتلاك إعلام التطبيع عشرات المنصات والقنوات التلفزيونية الفضائية والجيوش الإليكترونية المنظمة التي تطلق أسلحتها الثقيلة ليل نهار على المقاومة التي لا تمتلك سوى منصة رسمية واحدة على منصة تلغرام، ومنصات محدودة في جبهات الإسناد، تماما مثلما لا تملك المقاومة في غزة ولبنان واليمن منظومات دفاع جوى يمكن أن تردع سلاح الجو الصهيوني المسؤول عن تدمير غزة والضاحية الجنوبية في بيروت. ولعل من أبرز الأدلة على نجاح إعلام المقاومة انه من خلال وسائل ومنصات وحسابات محدودة استطاع أن يكشف حقيقة إسرائيل كدولة احتلال فاشية، كما استطاع أن يعيد تشكيل قطاعات واسعة من الرأي العام العالمي، ودفعها إلى التظاهر في شوارع العواصم والمدن الأوروبية، وفي أكثر من ثمانين جامعة أمريكية وغربية.
ما يهمنا في خذا المقال هو الفريق الأول من الإعلام العربي الذي يؤيد إسرائيل ويطالبها بسرعة الانتهاء من القضاء على المقاومة سواء في غزة أو الضفة الغربية أو لبنان أو اليمن. فماذا فعل هذا الاعلام الذي فقد البوصلة والاتجاه وأصبح ناطقا بلسان العدو؟
لقد عملت وسائل إعلام الدول المطبعة ومناصريها وجيوشها الإليكترونية على منصات التواصل الاجتماعي على توظيف أكثر من إطار قدمت من خلاله الحرب بهدف تشكيل مدركات واتجاهات الجماهير العربية نحو الحرب. وهدفت هذه الأطر إلى دعم الموقف الإسرائيلي وحشد مناصرين لها في العالم العربي. ولعل أول وأخطر هذه الأطر هو إطار المسؤولية عن الحرب، والتي أسندتها بالكامل إلى المقاومة الإسلامية في غزة التي بادرت في السابع من أكتوبر للهجوم على مستعمرات غلاف غزة. وبالتوازي مع ذلك عمدت هذه الوسائل والمنصات الإعلامية إلى تجاهل السياقات التاريخية والسياسية والعسكرية التي تمت فيها عملية طوفان الأقصى، وهي سياقات الاحتلال الإسرائيلي الجاثم على صدور الفلسطينيين منذ أكثر من سبعين عاما، والاعتداءات الصهيونية المستمرة على الفلسطينيين وعلى المسجد الأقصى، والمؤامرات التي كانت تجرى على قدم وساق لتهجير أهل غزة وإقامة الشرق الأوسط الجديد بالمعايير الأمريكية والإسرائيلية إلى جانب التخلي التام عن حل الدولتين واتفاق أوسلو.
في الإطار العام لتقديم الحرب على غزة تبنت وسائل إعلام أنظمة التطبيع العربية السردية الإسرائيلية الكاذبة والمضللة القائمة على أن المقاومة هي المعتدية على إسرائيل. وصورت الحرب بالنسبة لإسرائيل على أنها حرب دفاع عن النفس. وانساقت تلك الوسائل الإعلامية وراء الدعاية الصهيونية بترويج أكاذيب عن أهداف الحرب وأولها تحرير الأسرى الإسرائيليين، وهو ما ثبت بعد مرور عام على الحرب أنه كان هدفا كاذبا، ولم يكن الهدف الرئيسي للحرب. في هذا الإطار أيضا يروج إعلام دول التطبيع ويحرص على دعم الهدف الإسرائيلي الرئيسي وهو القضاء على كل أشكال المقاومة للاحتلال باعتبار أنه لا يحقق مصلحة إسرائيل فقط وإنما يخدم مصالح دول المنطقة أو بالأصح مصالح أنظمة التطبيع العربية.
لقد نسي هذا الإعلام والقائمين عليه أنهم عرب، ولم يهز قتل إسرائيل لعشرات الآلاف من إخوانهم في حرب غزة، والآلاف في اليمن ولبنان مشاعرهم، ووظفوا إطار الاهتمامات الإنسانية للدفاع وإبداء التعاطف مع الأسرى الإسرائيليين وعائلاتهم ونشر القصص الكاذبة عن تعرض بعضهم للتعذيب والاغتصاب، وهو ما كذبه الأسرى الذين أفرجت عنهم المقاومة، وإدانة العمليات الاستشهادية وقتل المدنيين، رغم أن المجتمع الإسرائيلي كله مجند لخدمة جيش الاحتلال. في مقابل ذلك يتعمد هذا الإعلام تجاهل المدنيين الفلسطينيين الذين تحصدهم الطائرات الأمريكية على مدار الساعة في غزة وعواصم الإسناد.
وضمن إطار المبادئ الأخلاقية يتجاهل إعلام التطبيع الانتهاك الفاضح للجيش الإسرائيلي لكل المبادئ الأخلاقية المتصلة بالحروب مثل تدمير المستشفيات وقتل الأطباء والصحفيين ومنع وصول المساعدات إلى المحاصرين في غزة، ويرد كل هذه الممارسات في حال الإشارة لها إلى مسؤولية المقاومة عن ذلك. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ باركت بعض وسائل ومنصات الدول المطبعة المعادية للمقاومة، حفلات القتل الجماعية التي إقامتها إسرائيل في لبنان مثل تفجيرات أجهزة النداء الآلي "البيجر" وجرائم الاغتيال التي استشهد فيها إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية وحسن نصر الله الأمين العام لحزب الله وعدد من قادة المقاومة في لبنان وفلسطين.
لقد سقط الاعلام العربي في امتحان غزة سقوطا مريعا، وأكد لنا أن إعلام الأنظمة لا يمكن أن يكون في الوقت نفسه إعلاما للشعوب، تلك الشعوب التي أصبحت تكتفي بالبكاء على ضحايا الهمجية الإسرائيلية، وبأضعف الإيمان وهو الإنكار بالقلب والدعاء على الظالم ومن يعاونه.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الإعلام العربی فی غزة
إقرأ أيضاً:
الخديعة الكبرى التي اجتاحت العالم .. شحوم المواشي علاج للبشر ام كارثة على البشرية
ثمة «ثورة» تجتاح العالم الآن بعد نشر أبحاث تقول بأن الأمراض التي ضربت البشرية خلال سبعة عقود كانت نتاج كذبة كبيرة سوّقت لها شركات الغذاء الكبرى والتي اعتمدت على الانتاج الصناعي ومنها «الزيوت المهدرجة والسكر الصناعي» واعتمدت على أبحاث طبية مزيفة للتخويف من الأغذية الطبيعية، والترويج لأخرى صناعية، والهدف اقتصادي؟
الأطباء الذين بدأوا يرفعون الصوت عالياً أن الدهون الطبيعية خطر على الحياة وأنها سبب رئيس للكوليسترول، كذبة كبيرة، فالدهون أساس طبيعي للبقاء في الحياة، وأن ما يمنعونك عنه يتوازع في كل جسمك بما فيه المخ، وأن ما قيل عن خطر الدهون المشبّعة كانت نتاج نقل عن بحث لبرفيسور أمريكي كتبه في نهاية الخمسينيات، حيث عملت الشركات الغذائية الكبرى على سدّ الحاجات البشرية من الغذاء بعد أنّ حصل نقص كبير في الثروة الحيوانية بعد الحرب العالمية الثانية، ولهذا تمّ تلفيق هذه الكذبة الكبيرة، وقد مُنع الصوت الآخر، بل وصل الأمر كما يقول الأطباء المخدوعون: إنهم كانوا يدرسون ذلك كحقيقة علمية، بل إنّهم لا يتوارون عن تحذير مرضاهم من الدهون الطبيعية، في حين أنّ الأمراض التي ضربت البشرية خلال العقود السابقة كانت نتيجة الزيوت المهدرجة، والسكر الصناعي، والوجبات السريعة..
والحل الطبيعي بإيقاف تلك الأطعمة الصناعية، ومنتجات تلك الشركات، والعودة للغذاء الطبيعي، وتناول الدهون الطبيعية بكل أنواعها والإقلال من الخبز والنشويات، ويضيف المختصون : أنّ جسد الإنسان مصمم لعلاج أي خلل يصيبه ذاتيًا، ولكنّ جشع الإنسان في البحث عن الأرباح الهائلة دفع البشرية إلى حافة الهاوية، فكانت متلازمة المال «الغذاء والدواء» والاحتكار لهما، وهكذا مضى العالم إلى أن القوى العظمى من تحوز على احتكار وتجارة ثلاثة أمور وجعل بقية العالم مستهلكاً أو نصف مستهلك أو سوقاً رخيصة للإنتاج، وهي الدواء والغذاء والسلاح، فضلاً عن مصادر الطاقة، ولعل ذلك بات ممثلاً بالشركات عابرة القومية بديلاً عن السيطرة المباشرة من الدول العظمى!
ثمة تخويف للعالم من الكوليسترول، وما يسببه من جلطات وسكر، تخويف ساهم الإعلام فيه، حيث استخدم الإعلام « السلاح الخفي للشركات العملاقة» لتكريس الكذبة بوصفها حقيقة، وهناك من استخدم الإعلام للترويج للزيوت المهدرجة والمشروبات الغازية، على أنّها فتح للبشرية، دون أن يعلم خطورتها، فقد ارتبط بقاء الإعلام بالدعاية للشركات الكبرى حتى يستطيع القائمون عليه تمويله، وبدل أن يقوم الإعلام بكشف تلك الكذبة باتت الشركات الكبرى تفرض عقوبات على كل من لا يغني على هواها بأن تحرم تلك الوسيلة وغيرها من مدخول الإعلان الهائل فيؤدي ذلك لإفلاسها وإغلاقها!
قبل سنوات، وفي مؤتمر عالمي للقلب في الإحساء في المملكة العربية السعودية، قال البرفيسور بول روش إن الكوليسترول أكبر خدعة في القرن العشرين، أو كما يقول د. خالد عبد الله النمر في مقال له بجريدة الرياض في 31 ديسمبر 2014 :
(في مؤتمر عالمي للقلب بالأحساء بالسعودية نظمه مركز الأمير سلطان بن عبدالعزيز لأمراض القلب فجّر الدكتور الأمريكي بول روش رئيس المعهد الأمريكي لأبحاث التوتر العصبي بواشنطن مفاجأة حيث أعلن أن الكولسترول أكبر خدعة في القرن الماضي والحقيقة: أن الطعام الدسم بشحوم الأغنام وتناول دهون الأبقار (سمن البقر) هو الذي يقوم بإخراج السموم من الجسم وإعطاء الليونة والمرونة للشرايين والجلد وتغذية الكبد والأمعاء وكافة الأجهزة بالجسم والدفع بالطاقة لأعلى مستوياتها وهو بريء من كولسترول الدم أو الإصابة بالنوبات القلبية والمتهم الحقيقي هو الزيوت المهدرجة دوار الشمس والذرة وغيرهم والسمن الصناعي من: المارجرين وغيره)
فهل نحن أمام خديعة كبرى قتلت ومازالت ملايين البشر؟ ولصالح من؟ وهل كانت قيادة الإنسان الغربي للبشرية قيادة صالحة وإنسانية أم إن ما قاله العلامة الهندي أبو الحسن الندوي قبل خمسة وسبعين عاماً مازال القاعدة وليس الاستثناء. يقول الندوي: «إنّ الغرب جحد جميع نواحي الحياة البشرية غير الناحية الاقتصادية، ولم يعر غيرها شيئاً من العناية، وجعل كل شيء يحارب من أجله اقتصادياً!» وقد شهد شاهد من أهله إذا يذكر إدوارد بيرنيس أخطر المتلاعبين بالعقل البشري في عام 1928 في كتابه الشهير «بروبوغندا» ما يؤكد ما ذهب إليه الندوي. وكان بيرنيس المستشار الإعلامي للعديد من الرؤساء والمسؤولين الأمريكيين، وهو من أحد أقرباء عالم النفس الشهير سيغموند فرويد. ويتباهى بيرنيس في مقدمة كتابه الشهير ويعترف فيه بأن الحكومات الخفية تتحكم بكل تصرفات البشر بطريقة ذكية للغاية دون أن يدري أحد أنه مجرد رقم في قطيع كبير من الناس يفعلون كل ما تريده منهم الحكومة الخفية بكامل إرادتهم. ويذكر بيرنيس كيف نجح مثلاً في دفع الأمريكيين ومن بعدهم الأوربيين إلى تناول لحم الخنزير قبل حوالي قرن من الزمان. وهنا يقول إن تجارة الخنازير في أمريكا كانت ضعيفة جداً، وكان مربو الخنازير يشكون من قلة بيع اللحوم، فعرض عليهم بيرنيس خطة جهنمية لترويج لحوم الخنازير. ويذكر الكاتب أنه اتصل بمئات الأطباء والباحثين وأقنعهم بأن يكتبوا بحوثاً تثبت أن الفطور التقليدي للأمريكيين وهو الحبوب والحليب ليس صحياً ولا مغذياً، وبالتالي لا بد من استبداله بفطور جديد يقوم على تناول لحوم الخنزير بأشكالها كافة. وفعلاً نشر بيرنيس كل البحوث التي طلبها من الأطباء والباحثين في معظم الصحف الأمريكية في ذلك الوقت، وبعد فترة بدأ الناس يتهافتون على شراء لحم الخنزير ليصبح فيما بعد المادة الرئيسية في فطور الأمريكيين ومن بعدهم الأوربيين بشكل عام. وقد ازدهرت تجارة الخنازير فيما بعد في الغرب لتصبح في المقدمة بعد أن اكتسحت لحوم الخنازير المحلات التجارية وموائد الغربيين.
هل كانت نصيحة بيرنيس للأمريكيين بتناول لحم الخنزير من أجل تحسين صحة البشر فعلاً أم من أجل تسمين جيوب التجار والمزارعين وقتها؟ وإذا كان الغرب الرأسمالي يتلاعب بعقول وصحة الغربيين أنفسهم، فما بالك ببقية البشرية؟