لجريدة عمان:
2025-01-21@10:53:02 GMT

الإعلام العربي وعام من طوفان غزة

تاريخ النشر: 8th, October 2024 GMT

طوال عام الطوفان والحرب الصهيونية العالمية على غزة وقوى إسنادها في اليمن ولبنان، كنت أتجنب الحديث عن الإعلام العربي ومواقفه واتجاهاته وأهدافه وأدواره الظاهر منها والخفي، ربما لعدم استباق الأحداث، وإصدار أحكام متسرعة علي الأداء الإعلامي لوسائل الإعلام العربية أثناء الحرب، وأملا في أن يراجع القائمون على بعض هذه الوسائل، بمرور الوقت أنفسهم ويغيروا مواقعهم ومواقفهم نتيجة استمرار المذابح البشعة التي يرتكبها وبشكل يومي جيش الاحتلال الإسرائيلي مدعوما من الإدارة الأمريكية والجيش الأمريكي ومصانع السلاح الغربية.

بعد مرور عام على انطلاق الحرب العالمية الثالثة على غزة ثم صنعاء وبيروت ودمشق وربما عواصم عربية أخرى، من جانب قوى الاستكبار العالمي الكبرى التي تضم الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا وبريطانيا وإسرائيل، يمكن القول إن الإعلام العربي واجه وما زال اختبارا صعبا في هذه الحرب التي يمكن وصفها بالحرب العالمية، والتي تحالفت فيها قوى الشر العالمي لتدمير غزة المحدودة المساحة والمحاصرة برا وبحرا وجوا وقتل أهلها وحرمان من بقي منهم من مقومات الحياة الإنسانية.

مع بداية الحرب تمايزت الصفوف الإعلامية والسياسية الرسمية وتحددت المواقف من أطراف الحرب غير العادلة وغير المتكافئة بناء على مواقف الأنظمة العربية، ومن هنا أصبحنا أمام فريقين، الفريق الأول وربما الأكبر والأغنى والأكثر ضجيجا هو إعلام الدول والأنظمة المطبعة مع العدو الصهيوني أو تلك التي تسعى بكل ما أوتيت من قوة إلى الانضمام إلى طابور المطبعين والحصول على الرضا الأمريكي السامي، وبوجه عام دول النعمة كما سماها نتنياهو أمام الأمم المتحدة. الفريق الثاني الأصغر والأقل إمكانيات والأقل ضجيجا هو إعلام المقاومة والدول التي قررت دعم غزة وفتحت "جبهات الإسناد" والرافضين للتطبيع والمؤمنين بحق الفلسطينيين في المقاومة المسلحة. وبين الفريقين ظهرت المواقف غير الخاضعة للسلطات الرسمية والتي عبرت عن نفسها في شبكات لتواصل الاجتماعي وانقسمت أيضا هي الأخرى إلى فريقين، الأول والأكثر حضورًا وربما الأكثر تأثيرا هو فريق المؤيدين للمقاومة، وضم الفريق الثاني، الأقل حضورا وتأثيرا، الصهاينة أو المتصهينين العرب الذين لم يخفوا دعمهم لإسرائيل والهجوم على المقاومة.

إذا استثنينا شبكة الجزيرة من المقارنة باعتبار أنها في تقديري وسيلة إعلام تخطت حاجز الإقليمية وأصبحت شبكة عالمية يجب أن تقارن بمثيلاتها العالمية، يمكن القول إن إعلام المقاومة وإعلام الدول المتعاطفة مع المقاومة أدى دوره في إطار إمكاناته المادية والبشرية المحدودة، واستطاع أن يواجه إلى حد ما الدعاية الإسرائيلية والأمريكية والعربية المعادية للمقاومة والمؤيدة لدولة الاحتلال. ومثلما كانت الحرب ومازالت غير متكافئة فقد كانت الحرب الإعلامية غير عادلة وغير متكافئة أيضا. ويظهر عدم التكافؤ في امتلاك إعلام التطبيع عشرات المنصات والقنوات التلفزيونية الفضائية والجيوش الإليكترونية المنظمة التي تطلق أسلحتها الثقيلة ليل نهار على المقاومة التي لا تمتلك سوى منصة رسمية واحدة على منصة تلغرام، ومنصات محدودة في جبهات الإسناد، تماما مثلما لا تملك المقاومة في غزة ولبنان واليمن منظومات دفاع جوى يمكن أن تردع سلاح الجو الصهيوني المسؤول عن تدمير غزة والضاحية الجنوبية في بيروت. ولعل من أبرز الأدلة على نجاح إعلام المقاومة انه من خلال وسائل ومنصات وحسابات محدودة استطاع أن يكشف حقيقة إسرائيل كدولة احتلال فاشية، كما استطاع أن يعيد تشكيل قطاعات واسعة من الرأي العام العالمي، ودفعها إلى التظاهر في شوارع العواصم والمدن الأوروبية، وفي أكثر من ثمانين جامعة أمريكية وغربية.

ما يهمنا في خذا المقال هو الفريق الأول من الإعلام العربي الذي يؤيد إسرائيل ويطالبها بسرعة الانتهاء من القضاء على المقاومة سواء في غزة أو الضفة الغربية أو لبنان أو اليمن. فماذا فعل هذا الاعلام الذي فقد البوصلة والاتجاه وأصبح ناطقا بلسان العدو؟

لقد عملت وسائل إعلام الدول المطبعة ومناصريها وجيوشها الإليكترونية على منصات التواصل الاجتماعي على توظيف أكثر من إطار قدمت من خلاله الحرب بهدف تشكيل مدركات واتجاهات الجماهير العربية نحو الحرب. وهدفت هذه الأطر إلى دعم الموقف الإسرائيلي وحشد مناصرين لها في العالم العربي. ولعل أول وأخطر هذه الأطر هو إطار المسؤولية عن الحرب، والتي أسندتها بالكامل إلى المقاومة الإسلامية في غزة التي بادرت في السابع من أكتوبر للهجوم على مستعمرات غلاف غزة. وبالتوازي مع ذلك عمدت هذه الوسائل والمنصات الإعلامية إلى تجاهل السياقات التاريخية والسياسية والعسكرية التي تمت فيها عملية طوفان الأقصى، وهي سياقات الاحتلال الإسرائيلي الجاثم على صدور الفلسطينيين منذ أكثر من سبعين عاما، والاعتداءات الصهيونية المستمرة على الفلسطينيين وعلى المسجد الأقصى، والمؤامرات التي كانت تجرى على قدم وساق لتهجير أهل غزة وإقامة الشرق الأوسط الجديد بالمعايير الأمريكية والإسرائيلية إلى جانب التخلي التام عن حل الدولتين واتفاق أوسلو.

في الإطار العام لتقديم الحرب على غزة تبنت وسائل إعلام أنظمة التطبيع العربية السردية الإسرائيلية الكاذبة والمضللة القائمة على أن المقاومة هي المعتدية على إسرائيل. وصورت الحرب بالنسبة لإسرائيل على أنها حرب دفاع عن النفس. وانساقت تلك الوسائل الإعلامية وراء الدعاية الصهيونية بترويج أكاذيب عن أهداف الحرب وأولها تحرير الأسرى الإسرائيليين، وهو ما ثبت بعد مرور عام على الحرب أنه كان هدفا كاذبا، ولم يكن الهدف الرئيسي للحرب. في هذا الإطار أيضا يروج إعلام دول التطبيع ويحرص على دعم الهدف الإسرائيلي الرئيسي وهو القضاء على كل أشكال المقاومة للاحتلال باعتبار أنه لا يحقق مصلحة إسرائيل فقط وإنما يخدم مصالح دول المنطقة أو بالأصح مصالح أنظمة التطبيع العربية.

لقد نسي هذا الإعلام والقائمين عليه أنهم عرب، ولم يهز قتل إسرائيل لعشرات الآلاف من إخوانهم في حرب غزة، والآلاف في اليمن ولبنان مشاعرهم، ووظفوا إطار الاهتمامات الإنسانية للدفاع وإبداء التعاطف مع الأسرى الإسرائيليين وعائلاتهم ونشر القصص الكاذبة عن تعرض بعضهم للتعذيب والاغتصاب، وهو ما كذبه الأسرى الذين أفرجت عنهم المقاومة، وإدانة العمليات الاستشهادية وقتل المدنيين، رغم أن المجتمع الإسرائيلي كله مجند لخدمة جيش الاحتلال. في مقابل ذلك يتعمد هذا الإعلام تجاهل المدنيين الفلسطينيين الذين تحصدهم الطائرات الأمريكية على مدار الساعة في غزة وعواصم الإسناد.

وضمن إطار المبادئ الأخلاقية يتجاهل إعلام التطبيع الانتهاك الفاضح للجيش الإسرائيلي لكل المبادئ الأخلاقية المتصلة بالحروب مثل تدمير المستشفيات وقتل الأطباء والصحفيين ومنع وصول المساعدات إلى المحاصرين في غزة، ويرد كل هذه الممارسات في حال الإشارة لها إلى مسؤولية المقاومة عن ذلك. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ باركت بعض وسائل ومنصات الدول المطبعة المعادية للمقاومة، حفلات القتل الجماعية التي إقامتها إسرائيل في لبنان مثل تفجيرات أجهزة النداء الآلي "البيجر" وجرائم الاغتيال التي استشهد فيها إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية وحسن نصر الله الأمين العام لحزب الله وعدد من قادة المقاومة في لبنان وفلسطين.

لقد سقط الاعلام العربي في امتحان غزة سقوطا مريعا، وأكد لنا أن إعلام الأنظمة لا يمكن أن يكون في الوقت نفسه إعلاما للشعوب، تلك الشعوب التي أصبحت تكتفي بالبكاء على ضحايا الهمجية الإسرائيلية، وبأضعف الإيمان وهو الإنكار بالقلب والدعاء على الظالم ومن يعاونه.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الإعلام العربی فی غزة

إقرأ أيضاً:

خبراء إيرانيون يقيّمون طوفان الأقصى بعد اتفاق غزة

طهران – مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة حيز التنفيذ، يرى سياسيون في إيران أن معركة طوفان الأقصى بشكل عام وصمود المقاومة الفلسطينية في القطاع على وجه الخصوص؛ جنبا الشرق الأوسط تطورات إقليمية خطيرة كان الاحتلال الإسرائيلي قد خطط لها.

وبالعودة إلى التطورات التي سبقت "طوفان الأقصى"، نرى أنه بعد احتواء إيران احتجاجات مهسا أميني الشابة الكردية التي توفيت عام 2022 إثر إصابتها بإغماء جراء اعتقالها من قبل "شرطة الإرشاد" بسبب ارتدائها "ملابس غير مناسبة"، انهالت العقوبات الأميركية والأوروبية على طهران بزعم "استخدامها العنف المكثف ضد المتظاهرين السلميين".

وقالت السلطات الإيرانية حينها إن لديها معلومات استخبارية تشير إلى وقوف جهات خارجية وراء الأحداث التي شهدتها البلاد.

في السياق، اتهم المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، في أكتوبر/تشرين الأول 2022، الولايات المتحدة وإسرائيل ومن وصفهم بـ"عملاء واشنطن" وبعض "الخونة" من الإيرانيين المقيمين في الخارج "بالتخطيط لزعزعة الأمن والاستقرار وإثارة الشغب في البلاد"، وفق تعبيره.

اتفاقيات أبراهام

وتزامنت تلك الأحداث بتكثيف واشنطن نشاطها الدبلوماسي لدفع بعض الدول العربية للتوقيع على اتفاق سلام مع كيان الاحتلال الإسرائيلي في إطار اتفاقيات أبراهام، حتى أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الأسبوع الماضي، في كلمة أمام المجلس الأطلسي بأن هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 "أثرت على مسارات التطبيع".

إعلان

وعلى وقع التقديرات الأمنية لدى محور المقاومة -كما ورد على لسان قادته- واستشرافه مخططًا إسرائيليا للانقضاض على فصائله الواحدة تلو الأخرى، قررت حركة حماس مباغته فجر يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، فخلطت أوراق إسرائيل وبرهنت على هشاشة منظومتها الأمنية.

ويعتبر الباحث الإيراني المختص في النزاعات الإقليمية مصطفي نجفي، أن اتفاقيات التطبيع والمخطط "الصهيوأميركي" لتصفية القضية الفلسطينية، محركًا أساسيا لعملية طوفان الأقصى التي استبقت الإعلان الأميركي عن تطبيع دولة عربية وازنة مع الكيان الإسرائيلي بـ3 أيام فقط.

طوفان الأقصى

وفي حديث مع الجزيرة نت يرى الباحث الإيراني، أن تفجيرات أجهزة التنبيه (البيجر) والاتصالات اللاسلكية في لبنان وكذلك ما كشفته المخابرات الإيرانية من عملية تخريب واسعة كانت تستهدف صناعاتها الصاروخية وبرنامج الفضاء، وكذلك اجتياح كيان الاحتلال مؤخرا للأراضي السورية وتدميره تسليحاتها الإستراتيجية؛ يدل على صوابية تقديرات محور المقاومة بشأن ما كانت تدبره إسرائيل طوال السنوات الماضية للمنطقة بأسرها.

وتابع نجفي أن محور المقاومة قد دشن "إستراتيجية وحدة الساحات" إثر عملية طوفان الأقصى، وفرض موازنة جديدة للقوة بالمنطقة بانتقاله من موقع الدفاع إلى الهجوم في رسالة للجهات المعنية على الصعيدين الإقليمي والدولي حول عدم السماح باستفراد الأعداء بحلقات محور المقاومة بعد السابع من أكتوبر.

وخلص الباحث المختص في النزاعات الإقليمية إلى أن عملية طوفان الأقصى أربكت مخططات الاحتلال الإسرائيلي، وجنبت المنطقة تطورات أمنية خطيرة لم يكن تفويتها بالحسبان سوى بتجرع مرارة تداعياتها التي استمرت نحو 15 شهرا، على حد تعبيره.

صمود غزة

من جهته، يضيف مدير معهد العلاقات الدولية مجيد زواري، أن صمود المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وإسناد فصائل المقاومة في لبنان واليمن والعراق لأهالي غزة قد جنّب المنطقة حربا واسعة بين طهران وتل أبيب لاسيما بعد أن حظيت الأخيرة بشتى أنواع الدعم التسليحي والمالي والسياسي من قبل حلفائها الغربيين.

إعلان

وفي حديث للجزيرة نت، يشير زواري إلى فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها بالقضاء على المقاومة بالقطاع، والسيطرة الكلية الآمنة على غزة بشكل كامل، واستعادة الأسرى لدى المقاومة، مضيفا أن عجز حكومة الاحتلال عن مواجهة فصيل مقاوم على رقعة جغرافية لا تتجاوز مساحتها 360 كيلومترا يطرح تساؤلات جدية عن مدى جاهزيتها لمواجهة محور المقاومة بكامل طاقاته وأوراق قوته.

وبرأي المتحدث نفسه فإنه ما كان لصواريخ ومسيرات فصائل المقاومة أن تدك عمق كيان الاحتلال بشكل يومي خلال أكثر من عام لولا صمود جبهتي غزة وجنوب لبنان اللتين استنزفتا قدرات العدو الإسرائيلي الذي كان يمنّي نفسه بالإجهاز على ما يسميه "رأس الأفعى" بالمنطقة.

واستدرك زواري أن المواجهة الصاروخية المباشرة بين طهران وتل أبيب وكذلك الرسائل التي أرسلتها طهران بشكل صريح عن تصورها لليوم التالي لأي هجوم قد يستهدف أراضيها قد أقنعت الدول الإقليمية بضرورة الضغط على الولايات المتحدة لكبح جماح إسرائيل واحتواء التوتر بالمنطقة.

وختم بالقول إنه بعدما أفشلت عملية طوفان الأقصى مخططات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتصدير أزماته الداخلية إلى الخارج هروبا من المحاكمة، فإن المجازر التي ارتكبها في غزة قد فضحته في الأوساط الدولية وجعلته ملاحقا بعد صدور مذكرة المحكمة الجنائية الدولية ضده، مما يجعل حلفاءه الغربيين يفكرون جيدا قبل إعطائهم الضوء الأخضر لإقدامه على أية مغامرة جديدة في الشرق الأوسط.

مقالات مشابهة

  • تأكيدا لموقف أُعلن من بداية الحرب.. ما قصة قرارات الإفراج التي سلمتها المقاومة للأسيرات؟
  • إعلام الشيوخ: ضرورة وضع خطة للقضاء علي الإعلانات المضللة في مصر
  • ما سر الهدايا التي منحتها «حماس» للأسيرات الإسرائيليات في غزة؟
  • صدمة في إسرائيل بعد استعراض المقاومة بسيارات حديثة وجديدة، لا أحد يعلم أين كانت!
  • طوفان الأقصى: هل كان كارثيا؟ اتفاق غزة يجيب «2-2»
  • أبو عبيدة: 471 يوما على معركة طوفان الأقصى التاريخية التي دقت المسمار الأخير بنعش الاحتلال
  • في أول ظهور منذ شهور.. أبو عبيدة: التضحيات والدماء العظيمة التي بذلها شعبنا لن تذهب سدى / فيديو
  • خبراء إيرانيون يقيّمون طوفان الأقصى بعد اتفاق غزة
  • إعلام عبري: الحرب كلفت إسرائيل 41 مليار دولار ومقتل 840 جندياً
  • موندويس: وقف إطلاق النار في غزة يكشف هشاشة إسرائيل وقوة المقاومة