من الحرب إلى البحر.. قصص عن عشوائية النزوح في لبنان
تاريخ النشر: 8th, October 2024 GMT
على شاطئ الرملة البيضاء في بيروت، تجلس "أم محمد" على كرسي بلاستيكي أمام خيمتها، تحدق في الأفق بعيون يملؤها الحزن، تبدو كأنها تغرق في أمواج الحياة المتلاطمة. بصوت خافت تقول "من بيتي المتواضع إلى هذه الخيمة... هكذا تبدّلت حياتنا بين ليلة وضحاها. البحر الذي كان رمزاً للأمل، أصبح الآن مرآة تعكس مأساتنا".
لم تكن "أم محمد" على الشاطئ للاستجمام كما هو معتاد، بل دفعها النزاع بين حزب الله، المصنف جماعة إرهابية، وإسرائيل إلى النزوح من منزلها في الضاحية الجنوبية، فمع تصاعد القصف على معقل الحزب في حارة حريك، اضطرت للفرار مع عائلتها سيراً على الأقدام، تاركة خلفها أغراضها وذكريات.
وتقول المرأة الهادئة التي رسم الزمن تجاعيده على وجهها، حيث تختبئ خلف كل خط حكاية من الصبر والتحمل، "نزحنا يوم القصف المرعب حين جرى اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصر الله، قضينا ليلتنا الأولى في العراء على الشاطئ، وفي الصباح ذهبنا إلى طرابلس بحثاً عن منزل للإيجار، لكن الأسعار كانت خيالية، ولم نجد مأوى في مراكز الإيواء المكتظة، فعدنا إلى بيروت ونصبنا خيمتنا هنا".
View this post on InstagramA post shared by قناة الحرة | Alhurra (@alhurranews)
تروي "أم محمد"، لموقع "الحرة"، كيف تحولت الخيمة التي نصبها أبناؤها بأدوات بسيطة من بطانيات وأقمشة إلى ملاذ هش في مواجهة معاناة أكبر، وتقول "الحرارة خانقة، فالأقمشة التي نستخدمها لا تقينا حرارة الشمس. وفي إحدى الليالي الماطرة، غمرت المياه الخيمة، ما اضطررنا للوقوف ساعات بانتظار أن يحل الصباح وتجف المياه، ويبقى القلق الأكبر مما سيحمله لنا الشتاء".
وتضيف "الرمال تغطي كل شيء، الفرش والملابس والأواني، لا كهرباء ولا مياه عذبة، فيما اضطر لمشاركة الحمام مع نساء أخريات، بينما يلجأ ولداي للاستحمام في البحر".
تعاني "أم محمد" كغيرها العديد من العائلات اللبنانية والسورية التي وجدت نفسها في ظل التصعيد العسكري الأخير بلا مأوى، وسط أزمة سكنية غير مسبوقة. وبينما تمكّن بعض النازحين من اللجوء إلى منازل أقاربهم أو استئجار مساكن مؤقتة، تبقى عائلات كثيرة مجبرة على النوم في العراء أو داخل خيام مؤقتة على الأرصفة والشواطئ
وتستمر حركة النزوح من المناطق التي تتعرض للقصف، إذ وصل العدد الإجمالي للنازحين إلى 179,500 نازح، موزعين على 37,000 عائلة في مراكز الإيواء. وقد سجلت النسبة الأعلى من النازحين في منطقتي جبل لبنان وبيروت، وذلك وفقاً لتقرير لجنة الطوارئ الحكومية.
كما قال التقرير إنه تم فتح 973 مركزاً لاستقبال النازحين حتى يوم الاثنين، وقد وصل 773 مركزاً منها إلى الحد الأقصى من قدرتها الاستيعابية.
عالمان مختلفانتنظر "أم محمد" بأسى إلى الأبنية الفاخرة التي تحيط بالشاطئ، وتقول "نعيش تحت نفس السماء مع قاطني هذه الأبنية، لكننا في عالمين مختلفين تماماً، كل يوم أشعر وكأني أغرق في بحر من اليأس".
كانت العائلة تعيش حياة كريمة في حلب قبل أن تدمر الحرب منزلها، وبعدما نزحت إلى بيروت اعتقدت أنها نهاية المعاناة، لتتفاجأ أن المعاناة مستمرة فيما باتت العودة إلى سوريا مستحيلة، كون ولديها مطلوبان للخدمة العسكرية الإلزامية، وتقول "نعيش في مواجهة يومية مع صعوبات الحياة والمستقبل المجهول، حيث يمثل كل يوم معركة جديدة للبقاء".
وكما "أم محمد"، تتقاسم ريما وأسرتها مساحة ضيقة في شبه خيمة على كورنيش عين المريسة في بيروت، بعد فشلهم في العثور على مأوى في مراكز الإيواء المكتظة.
كانت ريما تعيش في تحويطة الغدير بالضاحية الجنوبية، حين أجبرت وأهالي الحي على إخلاء منازلهم بعد تلقيهم تحذيرات من الجيش الإسرائيلي. لم يكن أمامها سوى بضع لحظات لجمع أفراد أسرتها والهروب، وسط أمل ضئيل في النجاة.
وتقول "نعيش الآن في الشارع. لدي سبعة أطفال، أحدهم يعاني من التوحد. نحاول التأقلم لكن الوضع صعب جداً. ليس لدينا أي شيء، لا فرش ولا بطانيات ولا أدنى مقومات الحياة، نرتجف من البرد طوال الليل ونخشى الاستمرار على هذا الحال".
أصوات الأمواج التي تضرب الشاطئ ليلاً تزيد من معاناة ريما وعائلتها، وتقول "كأنها تذكرنا بكل ما فقدناه، وأبسط مثال على ذلك، أنه حين نضطر لاستخدام مرحاض نقصد مطعم قريب أما الاستحمام ففي البحر"، وتشير إلى أنها فقدت منزلها في الضاحية بعدما دمّر منزلها في بلدتها عين قانا الجنوبية.
ويشهد لبنان التصعيد الأكبر في النزاع بين حزب الله وإسرائيل منذ عام 2006، كما أعلنت منظمة "أطباء بلا حدود" في بيان، موضحة أن أكثر من 70% من مراكز الإيواء في لبنان قد امتلأت، وفقاً للسلطات المحلية.
وأضافت المنظمة أن معظم النازحين بحاجة إلى المساعدة بشكل عاجل، حيث "نزحوا دون توافر الاحتياجات الأساسية، في حين أن المجتمعات والملاجئ التي تستضيفهم بحاجة ماسة إلى الدعم".
وفي هذا السياق، قالت المنسقة الطبية للمنظمة في لبنان، الدكتورة لونا حمّاد، "تجلى العائلات من منازلها بحثاً عن الأمان. والكثير منها يبحث عن مأوى في ملاجئ غير مهيأة ومكتظة. النازحون هم من الفئات الأشد حاجة، هم أطفال ونساء ومسنّون وأشخاص من ذوي الاحتياجات البدنية الخاصة، ويعيشون في ظروف مزرية بما في ذلك محدودية الوصول إلى المياه النظيفة والصرف الصحي وخدمات الرعاية الصحية الأساسية والاحتياجات مهولة".
وأكدت حمّاد أن "الكثير من النازحين هم أطفال يعانون من الصدمة بسبب العنف، والخوف من القصف، وفقدان منازلهم".
يذكر أن لبنان يمر في ظل أزمة اقتصادية حادة منذ عام 2019، حيث أفاد البنك الدولي بأن 70% من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر متعدد الأبعاد. هذه الأزمة ألقت بظلالها على مختلف جوانب الحياة في البلاد، مما زاد من معاناة المواطنين في تأمين احتياجاتهم الأساسية.
كارثة تجتاح لبنانجلست رتيبة مع أولادها وأقاربها على كورنيش عين المريسة، على قطعة من السجاد، مستذكرة اللحظات المرعبة التي عاشوها أثناء قصف منطقة برج البراجنة في الضاحية الجنوبية، الذي وقع على بعد 50 متراً منهم.
وتشرح رتيبة، لموقع "الحرة"، "بدأ أطفالي بالصراخ. هربنا سيراً على الأقدام، ليقوم بعدها شبان بنقلنا إلى منطقة قصقص في بيروت عبر دراجات نارية. قيل لنا إن النازحين يتوجهون إلى عين المريسة، فتوجهنا إلى هناك، لنمضي ليلتنا ونحن نرتجف من البرد والخوف، وفي الصباح خاطرنا وذهبنا إلى المنزل لجلب بعض الأغراض".
مع إغلاق مستشفيات.. منظمة الصحة العالمية تحذر من تفش محتمل للأمراض في لبنان حذر مسؤول بمنظمة الصحة العالمية في بيروت، الثلاثاء، من خطر تفشي الأمراض في لبنان بسبب ظروف التكدس في ملاجئ النازحين وإغلاق مستشفيات مع فرار مسعفين من الهجوم الإسرائيلي.رغم محاولاتها المتكررة للعثور على مأوى في مراكز الإيواء، تواجه رتيبة صعوبة كبيرة، حيث جميع المراكز ممتلئة. وتوضح قائلة "نحن خمس عائلات لا نرغب بالابتعاد عن بعضنا البعض، كما أن لدينا عدداً كبيراً من الأطفال، مما يجعل من الصعب قبولنا في مراكز الإيواء."
ما يزيد من وجع رتيبة ملاحظتها "وجود تمييز في توزيع المساعدات، سواء كانت فرشاً أو بطانيات أو مواد غذائية"، وتشدد "الأولوية دائمًا للبنانيين، لم نحصل حتى على خيام، فلا زلنا ننام في العراء على الحصيرة".
وتقول "نحن من حلب، هربنا من هناك في العام 2015، على أمل أن نعثر على الأمن والأمان لكننا اليوم نعجز عن تأمين سقف يحمينا وحليب لأطفالنا".
يذكر أن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أعلنت، في بيان، عن دعوة المفوض السامي، فيليبو غراندي، لتوفير المزيد من الدعم الدولي لوضع حدّ للكارثة الإنسانية التي تجتاح لبنان.
وقال غراندي "مع نزوح أعداد كبيرة من الأشخاص داخل البلاد خلال أسبوعين فقط، باتت المآوي التي تديرها الحكومة مثقلة للغاية. تعمل المفوضية مع الشركاء في المجال الإنساني والسلطات المحلية على إيجاد مأوى آمن وبشكل عاجل لكل من هو دون مكان يأوي إليه".
وعبّر غراندي عن تقديره للكرم الذي يبديه لبنان في استضافة العديد من اللاجئين على مر السنين "بمن فيهم أولئك الذين أُجبروا على الفرار من سوريا، على الرغم من التحديات الجمة التي تواجه البلاد"، والآن، يضطر هؤلاء اللاجئون كما قال "للفرار مرة أخرى، في ظل نقص حاد في الموارد، وغياب أماكن آمنة يمكنهم التوجه إليها".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: فی مراکز الإیواء فی بیروت فی لبنان مأوى فی أم محمد
إقرأ أيضاً:
كيف سيؤثر سقوط الأسد وهدنة لبنان على حرب غزة؟
بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا والتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان بين حزب الله وإسرائيل في سياق تطورات كبيرة ومتسارعة تشهدها المنطقة تُطرح تساؤلات عن مصير الحرب الإسرائيلية على غزة والتأثيرات المحتملة على "محور المقاومة"، بما في ذلك المقاومة في فلسطين ولبنان وغيرهما.
ووفقا لآراء خبراء ومحللين سياسيين تحدثت إليهم الجزيرة نت، قد تسهم هذه التغيرات في تشكيل تحالفات إستراتيجية جديدة في المنطقة، مع تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على القضية الفلسطينية، سواء في غزة أو الضفة الغربية.
حرب غزةوبشأن تأثيرات هذه التغيرات في المنطقة على مسار الحرب بغزة، يستبعد الكاتب المصري والباحث في العلوم السياسية الدكتور خليل العناني أن تنتهي هذه الحرب، لأن الاحتلال يصر على البقاء هناك بشكل أو بآخر.
وأضاف العناني للجزيرة نت "قد نشهد توقفا مؤقتا نتيجة لضغوط داخلية وخارجية على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولكن ما دام هناك احتلال هناك مقاومة"، وفق رأيه.
ويتابع "صحيح أن الظرف الإقليمي لا يبدو في صالح المقاومة، ولكن هذه أوضاع مؤقتة ومتغيرة ولن تحسم المعركة في المدى المنظور".
ويتفق الكاتب والخبير في الشأن الإسرائيلي سليمان بشارات مع العناني في توقعه باستمرار الحرب على غزة، مؤكدا للجزيرة نت أن ظلال هذه الحرب ستبقى موجودة إلى فترة تقدر بعام أو أكثر.
إعلانويوضح بشارات أن استمرار الحرب لا يعني بالضرورة شراسة القتال وضراوته بقدر أن تبقى تفاعلاتها، قائلا "حتى وإن وصلنا في مرحلة معينة لوقف تام للحرب على القطاع لكن ارتداداتها ستبقى حاضرة، والوجود الإسرائيلي في قطاع غزة سيبقى إلى حد ما حتى وإن كان ضمن تموضع في محاور معينة".
ويشير الخبير في الشأن الإسرائيلي إلى أن الوضع الإنساني الحالي في غزة وجرائم الإبادة والانتهاكات التي تمارسها إسرائيل ربما تفتح المجال أمام ضغوط كبيرة قد تمارس على مستوى قانوني وحقوقي، سواء على الولايات المتحدة أو حتى على بعض من الدول الإقليمية أو حتى على إسرائيل، وربما تفضي إلى تسوية سياسية على حساب الخيار العسكري.
بشارات: استمرار الحرب لا يعني بالضرورة شراسة القتال وضراوته بقدر أن تبقى تفاعلاتها (الجزيرة) إضعاف المقاومةومن ناحية أخرى، يقول أستاذ العلوم السياسية وحل النزاعات في الجامعة العربية الأميركية بجنين أيمن يوسف إن ما حدث في سوريا ولبنان مؤخرا ربما أضعف جبهة "المقاومة والممانعة" التي تقودها إيران.
ويتوقع يوسف في تصريحات للجزيرة نت أن تغيّر إيران سياساتها في المنطقة، ليس فقط تجاه لبنان وسوريا، بل وحتى تجاه غزة وحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، خاصة أن فصائل المقاومة تتلقى مساعدات من إيران، وبالتالي فإن عدم وجود مسار عسكري قوي تدعمه إيران يعني وجود مسار تفاوضي سياسي.
العناني: المقاومة الفلسطينية تعول على الحق المشروع في مقاومة المحتل الغاصب (الجزيرة)وفي السياق نفسه، يؤكد العناني أن سقوط نظام الأسد في سوريا شكّل خسارة كبيرة لإيران وحزب الله، وهو ما قد يفرض ضغوطا على المقاومة الفلسطينية بسبب علاقة الحزب بإيران.
ويتوقع أن تسعى إسرائيل وأميركا إلى الاستفادة من الوضع الجديد للضغط على حماس لتقديم تنازلات فيما يخص وقف إطلاق النار وصفقة الرهائن، مؤكدا أن هذا كله مؤقت ومرتبط بتوجهات الإدارة الجديدة في سوريا، وهل ستكون مع أو ضد المقاومة، وهذا أمر متروك للزمن، وفق تعبيره.
إعلانوبحسب الباحث المصري، فإن المقاومة الفلسطينية تعول على أمرين هما "الحق المشروع في مقاومة المحتل العنصري الغاصب، وهذه مسألة مهمة للغاية وتمثل ركيزة في نضالات الشعب الفلسطيني بمختلف أطيافه".
أما الأمر الآخر فهو التعويل على شعبية المقاومة، خاصة بين الشباب الذين يرفضون الاستسلام للاحتلال "وهو ما نرى تجسيده في الضفة الغربية وفي قدرة حماس على تجنيد أعضاء جدد رغم الحرب الدموية على القطاع".
بدوره، يشير أيمن يوسف يشير إلى أن هناك تراجعا واضحا في قوة المقاومة الفلسطينية، خاصة بعد استهداف القيادات العليا في حركة حماس، وفي الضفة الغربية تسعى السلطة الفلسطينية إلى إظهار قدرتها على ضبط الأوضاع الأمنية، مما يعزز دورها في ترتيبات إعادة إعمار غزة، لكن الانقسام الفلسطيني الداخلي يعقّد المشهد، خاصة مع اختلاف ترتيبات غزة عن الضفة.
مستقبل الضفةوثمة مخاوف أيضا من خطط إسرائيلية بشأن الضفة الغربية استغلالا للأوضاع الحالية، وهو ما يشير إليه بشارات بقوله "الاحتلال يسعى لتحويل وجوده في الضفة الغربية إلى صوره مماثلة لوضعه غزة، مما يمكنه من التمركز وبناء المستوطنات وتنفيذ عملياته الأمنية والعسكرية من دون قيود، مما يعيد مفهوم الاحتلال العسكري المباشر".
وأضاف بشارات أن الاحتلال يربط بين غزة والضفة في إطار صفقات سياسية محتملة من الممكن أن تشمل التنازل عن السيطرة الكاملة على غزة مقابل ضوء أخضر لضم الضفة الغربية واعتبارها امتدادا للدولة اليهودية، وهذا سيؤدي إلى القضاء على مشروع الدولة الفلسطينية بشكل كامل.
أما خليل العناني فلا يستبعد سقوط السلطة الفلسطينية "نتيجة فقدانها الشرعية وبسبب قمعها كتائب وحركات المقاومة في الضفة الغربية، وهو ما سينقلب عليها وقد يؤدي إلى انهيارها"، وفق تحليله.