شاهد.. قصة نجاة عائلة سورية نازحة من القصف الإسرائيلي
تاريخ النشر: 8th, October 2024 GMT
إدلب- شهدت سوريا حركة نزوح عكسية بعد اشتداد العدوان الإسرائيلي على لبنان، مما دفع مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى العودة هربا من الموت الذي فروا منه سابقا.
وبلغ عدد الوافدين 239 ألف سوري في إحصائية غير نهائية تتزايد بشكل يومي قادمين من مناطق الضاحية الجنوبية لبيروت وصور وصبرا والنبطية وغيرها من البلدات والقرى في الجنوب اللبناني، إلى جانب دخول 91 ألفا من الوافدين اللبنانيين.
وتوزّع نحو 235 ألف وافد سوري في مناطق سيطرة النظام السوري في دمشق، وحمص، وحماة، وطرطوس، فيما توجه قرابة 4 آلاف آخرين إلى مناطق ريف حلب الشمالي وإدلب "في ظل عجز شبه تام من قبل السلطات المحلية على تقديم الدعم أو تأمين سكن لهم، حيث يعيش معظمهم -مؤقتا- مع أقرباء لهم أو في مخيمات النزوح".
عادت أم محمد مع أسرتها إلى إدلب بعد رحلة نزوح بدأتها منذ عام 2012 من حي التضامن في دمشق -بعد أن قُصف منزلها- إلى معرة النعمان فجبل الزاوية ثم إلى لبنان عام 2018، هربا من القصف وهول الحرب والبراميل المتفجرة من قبل النظام السوري. وعاشت لحظات الهروب من الموت في لبنان لتكرر رحلة النزوح وتصل إلى الشمال السوري.
في حديثها للجزيرة نت، تسترجع المرأة مشهدا لا يفارق ذاكرتها بمقتل شابين أمام عينيها لا يفصلها عنهما سوى متر واحد وذلك في منتصف الليلة التي تم بها استهداف موقع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله. وكانت ليلتها الأخيرة في مدينة صور وهربت سيرا على الأقدام تحت ظلمة الليل التي كانت تنيرها الانفجارات الضخمة، حتى لجأت مع عائلتها إلى السفارة الكويتية.
شهدت أم محمد دمار منزل ابنتها أمام عينيها ونجت منه ابنتها مع أطفالها في الليلة الأخيرة لها بالجنوب اللبناني، لتقرر العائلة بعدها مغادرة المكان الذي تركه جميع السكان.
لكن حالها كان شديد الصعوبة بسبب عدم امتلاكهم سيارة وهي تعاني وزوجها من أمراض تعيق سيرهم على الأقدام، واستطاع أبناؤها إخراجهما بصعوبة من المنطقة التي كان القصف فيها لا يتوقف أبدا.
تصف أم محمد المشهد وتقول "كانت الأرض وكأنها تفور من شدة القصف والأطفال يصرخون ويبكون، ولا يستطيع الأهالي فعل شيء غير الهروب سيرا على الأقدام لمسافات طويلة أنهكتهم من التعب والجوع".
استمرت رحلة نزوحها 4 أيام بعد خروجها من صور، وقضت 3 أيام بجانب السفارة الكويتية حتى استطاعوا تأمين رحلة إلى سوريا بسبب الازدحام الشديد للعابرين في معبر المصنع بين لبنان وسوريا.
ولكن الهروب من الصواريخ لم ينته بعد وصولها الحدود، لتشهد من جديد القصف الذي طال المعبر وكاد يودي بحياتها مرة ثانية، وتسبب بحفرة كبيرة جدا، مما اضطرهم إلى قطع الطريق على الأقدام لتنقلهم بعد ذلك باصات إلى داخل سوريا.
وطالبت أم محمد المنظمات والجمعيات الأممية والدولية بتأمين سكن لها ولعائلتها قبل قدوم فصل الشتاء، لأنها لا تملك أي مكان للعيش فيه بعد فقدان منزلها الأول في حي التضامن بدمشق بالقصف، ومن ثم خسارة بيتها في معرة النعمان، والذي لا تستطيع العودة إليه الآن في ظل سيطرة النظام السوري، كما قالت.
من جهتها، لم تتمالك الطفلة ماسا (10 سنوات) دموعها وهي تتذكر اللحظات التي عاشتها وهي تركض هربا من الموت بين الصواريخ التي تساقطت في منطقتها السكنية، وكأنها حمم نارية تنزل من السماء في "فيلم رعب"، كما تقول للجزيرة نت.
وأضافت "كنا نركض ونختبئ تحت أي جدار أو بناء، وكنت أضيع أمي وأبي تارة وأجدهما تارة أخرى، وكل ذلك كان في ساعات الليل، خرجتُ من المنزل مسرعة ولم أحمل معي حتى لعبتي وكتبي والهدايا من رفيقاتي في لبنان".
أما أبو محمد، الذي فر من الحرب في سوريا ليعيش مع ابنه العامل في لبنان، ويعاني من أمراض عدة ولا يستطيع قطع مسافات طويلة سيرا على الأقدام، كان هول المشهد عليه أصعب بكثير لأنه كان "يعيق سير العائلة بأكملها"، وفق حديثه للجزيرة نت.
وقال "كنت أطلب من أولادي أن يتركوني ويذهبوا فأنا لم أعد أستطيع السير ولا أحد يستطيع حملي، لكنهم كانوا يصرون على البقاء معي مما كاد يتسبب بمقتلنا جراء سقوط صاروخ قريب أدى إلى مقتل شابين أمام عيني، ولم نستطع أن نفعل لهما شيئا".
امتد نزوح أبو محمد من صور إلى صبرا، ثم من تحت هول القصف الكثيف الذي أحدث دمارا كبيرا وشاملا دفع جميع السكان من اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين في المنطقة للهروب، وذلك في الليلة نفسها التي قُصف بها مكان وجود نصر الله، والذي يبعد عن منطقة نزوحهم الأولى نحو كيلومتر واحد فقط.
وتابع "لم أتخيل النجاة بسبب وضعي الصحي، ولكن قدر الله ولطفه نجّاني من الموت أكثر من مرة حتى وصلنا مع الكثيرين إلى السفارة الكويتية التي احتمينا فيها، حتى استطعنا تأمين موعد للعبور إلى سوريا لأننا لا نملك سيارة ويجب أن ننتظر الدور لتأمين رحلة في الباصات اللبنانية التي نقلتنا إلى معبر المصنع".
بعد ذلك، توجه أبو محمد ومن معه إلى دمشق، ومرّوا بحمص وحماة ومدينة معرة النعمان، التي عاش بها الرجل طفولته ولكنها الآن -كما يقول- مدينة أشباح خاوية من السكان، ومن ثم إلى حلب ومنها إلى منبج التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية والتي "جمعتنا بساحة كبيرة وتركتنا تحت الشمس لساعات طويلة دون أكل أو ماء، وكنا أعدادا كثيرة ومعظمنا يحتاج الدواء".
ويتابع أبو محمد "بعد ساعات من التعب والحر، كان يجب علينا السير على الأقدام بمشهد بات يؤرقنا خاصة نحن كبار السن والنساء والأطفال، لأننا كنا نحمل حقائب لنعبر إلى مدينة جرابلس الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني السوري".
وفي هذا الواقع الصعب، حثّ محمد حلاج مدير فريق "منسقو استجابة سوريا" -في تصريح للجزيرة نت- المنظمات الإنسانية العاملة على التحرك بشكل فوري للاستجابة لاحتياجات القادمين إلى المنطقة، والاستعداد لاحتمالية تزايد أعداد اللاجئين أو النازحين فيها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات على الأقدام للجزیرة نت من الموت فی لبنان أبو محمد أم محمد
إقرأ أيضاً:
FP: هل يتمكن حكام سوريا الجدد من مواجهة المشاكل التي زرعها الاستعمار الغربي
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للزميل الأول لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية ستيفن كوك، قال فيه إن المسألة لم تكن سوى مسألة وقت قبل أن تخترق حقائق الوضع في سوريا الروايات الأخيرة، التي اتسمت في معظمها بالأمل والتفاؤل، حول انتقال البلاد من سلالة الأسد.
في 7 آذار/ مارس، اندلعت انتفاضةٌ ضد النظام السوري الجديد الذي أسسه أحمد الشرع، واشتبكت مع السلطات في اللاذقية وطرطوس وجبلة. بعد أن حقق الأسديون بعض النجاح الأولي، حشدت القوات الموالية للشرع قواتها وقمعت الانتفاضة.
تفاصيل هذه الأحداث غامضة نوعا ما نظرا لسيل الشائعات والمعلومات المضللة التي غمرت منصات التواصل الاجتماعي، فضلا عن ندرة الصحفيين الفعليين في المنطقة.
بحسب من اختار المراقبون تصديقه، كانت هناك إما مجازر بحق العلويين والأكراد والمسيحيين السوريين، أو لم تكن.
كان الشرع على علم بهذه المجازر، أو لم يكن. أما الرئيس السوري، فهو إما جهادي غير متجدد، أو أنه انفصل عن ماضيه ويحاول بناء سوريا جديدة بعد خمسة عقود من حكم عائلة الأسد.
تشير التقارير الموثوقة إلى أن القوات الحكومية والقوات الموالية للشرع سحقت الموالين للأسد بشراسة صادمة خلّفت نحو ألف قتيل، معظمهم من المدنيين.
تفاصيل الانتفاضة - كما هي، وإلى الحد الذي يستطيع المحللون فيه استنباط ما حدث - أقل تعقيدا من التحديات والعقبات التي تعترض بناء مجتمع يتفق فيه الجميع على معنى أن يكون المرء "سوريا".
لا شك أن الغالبية العظمى من السوريين سيقولون إن جميع سكان البلاد - العلويون والأكراد والدروز والمسلمين والإسماعيليون والمسيحيون والقلة المتبقية من اليهود - سوريون. هذا شعور إيجابي، لكنه شعور هش. وكما رأينا للتو، ففي أوقات الأزمات، يُمكن بسهولة وبعنف الطعن في هذه الفكرة التعددية. وهذا لا يُبشر بالخير لمستقبل البلاد القريب.
تُتيح الظروف الحالية في سوريا فرصة شبه مثالية لأصحاب المشاريع السياسية والقوى الخارجية العازمة على تقويض الشرع وجماعته التابعة سابقا لتنظيم القاعدة، هيئة تحرير الشام. عندما كانت فرنسا قوة استعمارية في بلاد الشام، رسّخت مكانة الطائفتين العلوية والدرزية كأقليات مُفضّلة، بل ذهبت إلى حدّ إنشاء دويلات لكليهما.
وتمّ في النهاية ضمّ هذه الدويلات إلى سوريا، لكن هذا لم يكن الحال بالنسبة للدولة المسيحية التي اقتطعها الفرنسيون مما أسماه القوميون ذوو الرؤية التوسعية لبلادهم "سوريا الطبيعية" لإنشاء دولة ذات هيمنة مارونية تُدعى لبنان. تمّ كل هذا على حساب السكان السنة، الذين كانوا كثيرين وغير مُرتاحين عموما للمشروع الأوروبي في المنطقة.
لقد خلق التلاعب الاستعماري بالطوائف والجماعات العرقية مجموعة من التبعيات المسارية التي ثبت أنه من الصعب على السوريين التخلص منها على مدى المائة عام الماضية.
كان حافظ الأسد، الذي حكم سوريا من عام 1971 حتى وفاته عام 2000، عضوا في حزب البعث - وهو حزب قومي عربي بامتياز. لقد حافظ، مثل الأحزاب والفصائل القومية العربية في جميع أنحاء المنطقة، على وهم أن الشرق الأوسط عربي بامتياز، مما أدى إلى محو التشكيلة الغنية من الجماعات العرقية والدينية التي كانت من السكان الأصليين للمنطقة.
لم يكن التزام حافظ بالبعث مهما كثيرا من الناحية العملية أو السياسية. ربما كان الرجل القوي في سوريا لفترة طويلة، لكنه لم يستطع أبدا التخلص من حقيقة أنه كان علويا - عضوا في مجتمع فقير تقليديا يمارس دينا غير تقليدي وتعاون قادته مع السلطات الاستعمارية الفرنسية.
وعلى الرغم من وجود سوريين من خلفيات متنوعة في هيكل السلطة السورية خلال فترة حكم حافظ الأسد الطويلة، فإنه اعتمد على العلويين كقاعدة لسلطته، مما أدى إلى إعادة خلق وتعزيز الاختلافات الطائفية والعرقية بين السوريين.
خلال فترة حكمه، قيل إن المسيحيين كانوا محميين، والأكراد كانوا يتعرضون للقمع ما لم يُستخدموا ضد الأتراك، وكان العديد من السنة مستائين. تمرد البعض - وتحديدا جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها - وأشهرها في حماة عام ١٩٨٢. من جانبهم، مارس الدروز التقية.
هذه تعميمات بالطبع. لم يدعم كل علوي نظام الأسد، ولم يعارض كل سني النظام. كان هناك مسيحيون فعلوا ذلك، وكان هناك دروز وطنيون سوريون. أراد معظم السوريين ما يريده الجميع في كل مكان: عيش حياة كريمة ورؤية أطفالهم يكبرون ويزدهرون. مع ذلك، لا تقلل هذه الفروق الدقيقة من البعد الطائفي للسياسة السورية، وهو قابل للاستغلال.
ليس من المستحيل على السوريين التغلب على المؤسسات الاجتماعية والسياسية التي تقسمهم وتصنفهم حسب الطائفة والعرق، لكن الأمر سيكون في غاية الصعوبة.
من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت السياسة الجديدة في سوريا ستقوض هذه الأنماط، التي ترسخت في سياسة البلاد ومجتمعها على مدى القرن الماضي، أم ستعززها.
تُفسر هذه السمة "المتأصلة" لماذا، بمجرد أن أقدم الأسديون، الذين تدور مظالمهم ظاهريا حول السلطة والسياسة، على التحرك، بدا أن العنف الذي أعقب ذلك قد اتخذ طابعا طائفيا وعرقيا. ذلك لأن السلطة والسياسة في سوريا متشابكتان بشدة مع هذه الاختلافات.
لا شك أن أشخاصا وجماعات ودولا - إيران؟ روسيا؟ إسرائيل؟ - داخل سوريا وخارجها، سعت إلى تضخيم هذه الاختلافات وتعزيز فكرة أن ما كان يحدث هو هجوم جهادي شامل على الأقليات السورية.
يبدو - من التقارير غير الدقيقة التي ظهرت من غرب سوريا - أن هناك بعض الحقيقة في هذه الروايات. لا يمكن إنكار حقيقة أن أتباع الشرع قتلوا أعدادا كبيرة من العلويين (مع ذهاب البعض خارج البلاد إلى حد التلميح إلى أنهم يستحقون ذلك). رفض ناشطون وشخصيات على مواقع التواصل الاجتماعي الاتهامات الموجهة إلى مؤيدي النظام الجديد بقتل المسيحيين، ولكن يبدو أنهم كانوا مستهدفين. وهذا أمرٌ لا ينبغي أن يُفاجئ أحدا. فالمتطرفون الإسلاميون يهددون رجال الدين المسيحيين وكنائسهم منذ سقوط الأسد.
هذا ليس دفاعا عن الأسديين. فقد كانت سوريا بلدا قمعيا ودمويا للغاية خلال العقود الممتدة بين صعود حافظ الأسد عام ١٩٧١ وسقوط بشار الأسد أواخر عام ٢٠٢٤. وكان تصميم الابن على استخدام القتل كوسيلة للخروج من الانتفاضة ضد حكمه عام ٢٠١١ هو الدرس الذي تعلمه من والده، الذي قتل عشرات الآلاف ردا على انتفاضة حماة عام ١٩٨٢.
بل إن وجهة نظري هي أن السوريين، مثل جيرانهم في لبنان والعراق، من المرجح أن يواجهوا صعوبات في التكيف مع الهياكل الاجتماعية التي أورثهم إياها التاريخ. هناك نماذج قليلة يمكن للسوريين اتباعها. يُسهم النظام السياسي الطائفي في لبنان في التشرذم، بينما يُسهم النظام العراقي في دوامة من الغنائم والاختلال الوظيفي. لقد قال الشرع كلاما صائبا عن كون سوريا لجميع السوريين.
إنها رؤية إيجابية لمستقبل سوريا، يتفق عليها بلا شك الكثير من مواطنيه. ولكن، وبعيدا عن التعبير عن المشاعر، لم يُقدم الرئيس السوري طريقا حقيقيا للمضي قدما. في الوقت الحالي، يحق للسوريين أن يتساءلوا: "إلى أي سوريين يشير؟".