تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية خلال الفترة الحالية بصوم السيدة العذراء مريم، وهى فترة تتسم بالفرح والخشوع في قلوب المسيحيين، حيث تهتم الكنائس التى تحمل اسم "السيدة العذراء مريم" بعمل نهضات روحية، تشمل إقامة الصلوات والتماجيد والتسابيح، إلى جانب إلقاء الكلمات الروحية المختلفة، لتكون هذه الفترة بمثابة بناء روحي وفرصة لرفع الصلوات والطلبات إلى الخالق، إلى جانب كون هذه الفترة مناسبة لتجديد الحياة الروحية.

   

‎«البوابة نيوز» حرصت على التواجد داخل أشهر الكنائس التى تحمل اسم العذراء مريم، حيث قامت بجولة في كنيستي "العذراء حارة زويلة"، وكنيسة "العذراء قصر الريحان"، للتعرف على تاريخ تأسيس الكنيستين وسر شهرتهما، وارتباط الأقباط في كل مصر بهما، ليس فقط خلال فترة صوم السيدة العذراء ولكن على مدار العام وفي مختلف المناسبات. 

‎بنيت كنيسة العذراء «قصر الريحان» فى القرن الخامس الميلادى ضمن مجموعة من الكنائس داخل نطاق حصن بابليون الذى كان مقراً للحامية الرومانية فى هذه المنطقة، إلا أنها اندثرت فى عصور الاضطهاد المذهبى وتذكر المراجع القديمة والمخطوطات الأثرية الموقوفة على الكنيسة أن المنطقة الموجود بها هذه الكنيسة كانت تسمي (درب التقى).

كما كان الزقاق المؤدى لها كان يسمى (زقاق بنى الحصين) نسبة إلى حصن بابليون الذى يضم هذه الكنيسة وبعض الكنائس الأخرى وهى من أقدم الكنائس  الأثرية التى ما زالت قائمة وموجودة فى مصر حتى الآن، بالرغم ما تعرضت له عبر الزمان من عوامل سواء طبيعية مثل الزلازل أو إنسانية مثل تعمد الهدم أو تغيير الهوية إلا أنها وقفت شاهدة على قوة ذراع الله التى حمت هذه الكنائس على مر العصور. 

‎وتشتهر هذه الكنيسة باسم "قصرية الريحان" ولهذه الشهرة سبب، فمنذ القرن الرابع عندما أعلن الإمبراطور قسطنطين الديانة المسيحية كديانة رسمية للدولة، اهتم الأقباط ببناء الكنائس وإطلاق أسماء القديسة العذراء مريم والملائكة والرسل والشهداء على هذه الكنائس، ولتميزها بعضها عن بعض وخصوصًا كنائس العذراء مريم فأطلقت عليها بعض الصفات، مثل المغيثة (بحارة الروم) والدمشيرية (بمصر القديمة) وحالة الحديد (بحارة زويلة).

أما كنيستنا هذه اسم شهرتها جاء من واقعة تاريخية، حيث إنه فى أيام البابا خائيل الثالث (880 ــ907 ميلادية)، وكان محل إقامته بكنيسة العذراء المعروفة بالمعلقة، حدث أن أحد أرخنة الأقباط في عصر الدولة الطولونية وكان اسمه يوحنا أبو مقارة قد وقع عليه ظلم بين، فتشفع بالسيدة العذراء أن تنجيه مما هو فيه وكعادتها أم النور فى تلبية كل من يطلبها فلم تخيب رجاؤه فيها وتجلت له بهيئة نورانية، ووعدته بنهاية مشكلته وطلبت منه إعمار كنيستها التى كانت قد اندثرت وأوضحت له مكانها الحالى وأوضحت المكان بعلامة، حيث يجد «إصيص» مزروع به نبات ذكى الرائحة هو نبات الريحان BASIL من هنا جاءت التسمية (قصرية الريحان). 

‎وفعلا ذهب هذا الأرخن إلى هذا المكان ووجد «إصيص» نبات الريحان، ونقب عن أطلال الكنيسة وأعاد بناءها بصورة جميلة تليق بكنيسة السيد المسيح وأمه السيدة العذراء مريم وتخليدا لتذكار هذه الواقعة زينت نوافذ الكنيسة بمناظر «لإصيص الريحان»، وكانت مصنوعة من الزجاج المعشق على شكل إصيص به نبات يرمز إلى إصيص الريحان (قصرية الريحان)، كانت تنفذ منها أشعة الشمس لتتلون بألوان جميلة  تضفى على المكان صبغة روحية لتذكر المصلين بقوس قزح  الذى صنعة الرب ليكون عهدا بينه وبين البشر بعد الطوفان.

وفى قول آخر قاله الدكتور فتحى عثمان وهو عالم أثرى إن لفظ الريحان أطلق على المنطقة الشمالية من حصن بابليون نسبة لأحد قواد جيش عمرو بن العاص الذى دخل الحصن من بوابته الشمالية، وهناك رأى آخر أن الاسم كان «قيصرية الريحان» حيث كان يطلق على أماكن السوق التى تأخذ فيها رسوم باسم القيصر على البضائع الداخلة والخارجة من السوق، هذه اللفظة نسبة للقيصر أو الحاكم أيًا كان سبب التسمية إلا أنها شاعت وانتشرت وتميزت بها هذه الكنيسة.   

‎وأشار تاريخ البطاركة إلى أن البابا خائيل الثالث كان يقيم فى هذه البيعة أحياناً ويخرج منها لمقابلة الوالى أحمد بن طولون فى مدينة القطائع (حى السيدة زينب عند مسجد أحمد بن طولون)، عندما فرض هذا الحاكم ضرائب باهظة على الأقباط، وكان يذهب للتفاوض فى هذا الأمر، وكان ذلك فى عام 895م وبعد هذا التاريخ جددت الكنيسة أكثر من مرة، كان آخرها فى عام 1494 للشهداء الموافق 1778 م (فى حبرية البابا يؤنس 18 وفى ولاية على بك الكبير ومراد بك، أيام كان فيها المعلم إبراهيم الجوهرى كبير كتاب مصر).

وهذا التاريخ كان مدون على حجاب الهيكل، والذى كان يعتبر تحفة فنية حيث كان مصنوعا من الخشب المعشق والمطعم ‎بسن الفيل والصدف، وكان تحفة فنية رائعة من الفن القبطى فى هذا العصر وكان محل اعجاب كل من يشاهدة، وهناك أيضا صندوق من الفضة مطعم بالاحجار الكريمة كانت تضع فية نسخة من الإنجيل (البشارة) ويستخدم فى الطقوس الكنسية ومدون عليه صنع بتاريخ 1424 للشهداء الموافق 1704م ومدون عليه أنه وقف أبديا على بيعة العذراء قصرية الريحان وهذا الصندوق محفوظ فى المتحف القبطى ومن أندر مقتنياته.

كما توجد ضمن مخطوطات الكنيسة كتاب البصخة قبطي وعربي تاريخه 1054 للشهداء الموافق 1338م، وكانت هناك أيضا أيقونة رائعة للسيدة العذراء مريم في المقصورة الأولى على يمين الداخل للكنيسة كان مدون عليها تاريخ صنعها في 1092 للشهداء، وهذا يدل على الكنيسة التي كانت كائنة في كل هذه العصور.   

‎أما كنيسة العذراء مريم في حارة زويلة فقد كانت مقــرًا بابويًــا لــ23 بطريركا ولمدة 360 ســنة مــن عــام 1300 م إلــى 1660، ويذكر المقريزي أن كنيسة السيدة العذراء الأثرية بحارة زويلة يرجع تاريخ تأسيسها إلى ما قبل الفتح العربي لمصر بحوالي مائتي عام وبالتقريب في عام 352 ميلادية. 

‎ويقول القس متياس كاهن كنيسة السيدة العذراء بحارة زويلة لموقع "البوابة" إن الكنيسة بنيت عام 352 ميلادية وأسسها  شخص اسمه الحكيم زيلون، وهو ما ذكره المقريزري، وهي من القرن الرابع، ولها قيمة كبيرة عند الأقباط، وكان مقرا للأباء البطاركة بدأ من البطريرك الـ80 وحتي البطريرك الـ102 من باباوات الكرسي المرقسي.

وأشار متياس إلى الكنيسة تزخر أيضا بالأيقونات، وهى أيقونات من القرن الـ18 والقرن الـ19، ويوجد أيضا بالكنيسة أيقونة شهيرة تمثل السبع أعياد السيدية ويرجع تاريخها للقرن الـ12، كما يوجد بالكنيسة 36 عمودا، وكل تاج لهذه الأعمدة يشهد على عصر معين من العصور التى شهدتها مصر على مدى تاريخها، "الفرعوني واليوناني والإسلامي والقبطي". 

‎وأضاف أن الكنيسة تبتعد عن سطح الأرض بنحو 4 أمتار وهو ما يثبت أقدميتها، كما يحيط الكنيسة بكل جوانبها المياه الجوفية، لافتا إلى أن الكنيسة بنيت في هذا المكان، لأن العائلة المقدسة مرت في هذه المنطقة واستراحت وهى في طريقها من منطقة المطرية إلى مصر القديمة، لذلك اختار الحكيم زيلون هذا المكان لبناء الكنيسة فيه، موضحا أن الكنيسة يوجد بها 4 مذابح على اسم الملاك غبريال ومذبح على اسم السيدة العذراء مريم، وآخر على مذبح رئيس الملائكة الجليل ميخائيل، ومذبح باسم القديس يوحنا المعمدان. 

‎ويدل موقع كنيسة السيدة العذراء بزويلة علي أنها من أقدم كنائس القاهرة الفاطمية، الأمر الذي يوضح ويؤكد زيارة العائلة المقدسة لهذه البيعة المباركة كما أن وضع الكنيسة طبوغرافياً في الوقت الحالي لا يترك مجالاً لأدني شك بأن هذه الكنيسة قدمها ضارب في أعماق التاريخ ويساعد علي ذلك أيضاً انخفاضها عن مستوي الأرض وما حولها من مبان وعقارات بعمق حوالي خمسة أمتار. 

‎تأسست كنيسة السيدة العذراء هذه قبل أن يقوم جوهر الصقلي بتأسيس مدينة القاهرة بحوالي ستة قرون، وقد ذكر لنا أفيلينو بأن هناك مخطوطة قبطية مقرها المكتبة الأهلية بباريس قد ورد بها أسماء كنائس في مواقع شتي بالقاهرة بعضها يقع في قاهرة المعز وهي (كنيسة السيدة العذراء مريم الأثرية) بحارة زويلة كما جاء ذكر كنيسة عذراء زويلة بمخطوطة اللورد «كوفورد» تحت اسم : (كنيسة والدة الإله مريم بحارة زويلة). 

‎وفي كتابه «كنائس وأديرة مصر» يحدثنا الشيخ المؤتمن أبو المكارم سعد الله بن جرجس وكان قد خطه في الفترة ما بين عامي 893ش – 920ش. يقول: إن هذه الكنيسة قد شهدت تجديداً في أواخر القرن الثاني عشر الميلادي اشترك فيه أبو المكارم والأرشيدياكون أبو سعيد ابن جمال الكفاءة وغيرهما، ومن تاريخ مصر يتضح لنا أن هذه الفترة هي فترة الحافظ والظافر وقد سمحا بترميم الكنائس التي تحتاج إلى ترميم. 

‎كما يحدثنا أبو المكارم عن الزخارف التي كانت موجودة بكنيسة السيدة العذراء بحارة زويلة في أيامه فيقول: «إنه كان في جاق» هذه البيعة صورة مخلصنا يسوع المسيح له المجد في العرش والأربعة وجوه حاملته ليس لها شكل ولا مثال في جميع ما صور في المسكونة وهى موجودة حتى الآن إلا أنها تحتاج إلى ترميم. 

‎كما يشرح لنا بأنه على يسار الداخل إلى كنيسة السيدة العذراء بزويلة توجد ثلاث صور تحدث عن واحدة منها مسجلاً بأنها كانت للقديس مارجرجس والتي رسمها الراهب مقارة ونظراً لارتباط كنيسة السيدة العذراء الأثرية بدير راهبات السيدة العذراء بزويلة فيجدر بنا أن نتذكر بأن أول إشارة تاريخية مسجلة تؤرخ لدير الراهبات بحارة زويلة هي التي وردت في «خطط المقريزى» (ت1442م).   

‎وفي الخطط التي كتبها المقريزى مؤرخاً لتاريخ مصر يحدثنا عن الآثار التي عاصرها في حياته، ومنها الكنائس والتي اكتفى بذكر أسمائها. وقليلاً ما سجل وصفاً وإشارة عن هذه الكنائس. لكن المقريزى سجل عن كنيسة السيدة العذراء الأثرية (أنها عظيمة عند النصارى) أي المسيحيين المصريين.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: صوم العذراء البوابة کنیسة السیدة العذراء السیدة العذراء مریم إلا أنها

إقرأ أيضاً:

التشكيل مقروءًا| الدكتور شادي أبو ريدة خلال حواره لـ«البوابة نيوز»: كتابي بداية لاستكشاف المؤثرات الإبداعية.. والدراسات النقدية مقياس راصد لحركة التشكيل المصري

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق _ لوحة الغلاف على كتابي من أعمالي الفنية بتقنية الطباعة البارزة الملونة_ «الطبعة الفنية فكرٌ وجماليات» بداية لاستكشاف المؤثرات الابداعية للفنان التشكيلي_ الدراسات النقدية مقياس راصد لحركة التشكيل المصري.. وعودتها للمعرض العام قرار سديد_ التأثير بين الأدب والفن التشكيلي متبادل _ الإقبال على شراء الكتب الفنية وارتياد المعارض يجب أن يتضاعف

 

أكد الفنان شادي أبو ريدة أهمية دراسة مراحل تطور التشكيل البصري؛ مشيرًا إلى أن لكل فن أصيل أصولًا وجذور، يستمد منها غذاءه البصري والفكري، ثم يختلط هذا الفن ببصمة الفنان.

وأضاف أن كتابي «الطبعة الفنية.. فكرٌ وجماليات»، الذي شارك بمعرض القاهرة الدولي للكتاب العام الحالي هو بداية طريق لاستكشاف التأثيرات والمكونات التي أثْرَت خيال فناني الطبعة الفنية، وساهمت في تشكيل وجدانهم.. حول الكتاب وآفاق وقضايا الفن التشكيلي؛ وهل حظيت الكتب الفنية على اهتمام رواد المعرض هذا العام؟ التقت «البوابة نيوز» أبو ريدة وكان الحوار التالي. 

 

 

■ حدثنا عن كتابكم الجديد المُعَنْوَن «الطبعة الفنية فكرٌ وجماليات»؟

- لقد سعيت أن يكون كتابي «الطبعة الفنية.. فكرٌ وجماليات» بداية لاستكشاف كل المؤثرات الفكرية التي أثْرَت خيال فناني الطبعة الفنية، وساهمت في تشكيل وجدانهم، وتحفيز ملكاتهم الإبداعية؛ وكذلك دراسة تاريخ التطور التشكيلي والبصري للطبعة الفنية حتى وصلت إلى صورها المعاصرة، فلكل فن أصيل أصولٌ وجذور، يستمد منها غذاءه البصري والفكري، ثم يختلط هذا الفن ببصمة الفنان الوراثية الفنية الفريدة، ليُزهر ألوانًا وأشكالًا جديدة غير مستنسخة، فالفن المتفرد فكرًا وتناولًا وعرضًا يثير الدهشة والإعجاب، أما الأشكال والصياغات الفنية المكررة، وإن كانت جميلة ومتقنة، تفقد جمالها وتأثيرها شيئًا فشيئًا مع كل تكرار لها، حتى تفقد طاقة الجذب، وتُشحن بطاقة التنافر والنفور، وكذلك الفن الهش المبتور، مجهول المصدر والأصل، ربما يلفت الانتباه لحظيًا، لكنه سرعان ما يسقط ويزول، لأنه لا يمتلك مقومات الحياة.

وقد طمحتُ لهذا الكتابِ أن يكون لَبِنةً متماسكة في بناءِ المكتبةِ العربيةِ، وبخاصة في ركنه التشكيلي الفكري، محاولًا الجمعَ بين الشمولِ والإيجاز، متتبعًا الإرهاصات الأولى للمؤثرات الفكرية منذ أن طبع الإنسانُ البدائي بيديه على جدران الكهوف، تمهيدًا لدراسة المؤثرات الفكرية في الطبعة الفنية منذ أن أصبحت عملًا فنيًا قائمًا بذاته، وانعكاسات تلك المؤثرات على المضمونِ الفكري للعملِ الفني المطبوع، وتنوعهِ التقني والأسلوبي.. وقد كانت الغاية الرئيسة لهذا الكتاب، أن يتوجه إلى عمومِ القراء، وبخاصة المهتمين بالشأن التشكيلي منهم، لتعريفهم بهذا الفن الفريد، وإلى المتخصصين في الطبعة الفنية وفنون الجرافيك على وجه الخصوص، ولذلك فقد حَاولت الجمعِ بين سلاسةِ الكتابة وبساطة التناول والطرح، مع الحفاظ- قدر المستطاع- على الإطار والأسلوب الأكاديمي والمنهج العلمي، عسى أن يجدَ قبولًا لدى كل مهتم، وأن يكون التوفيق قد حالفني في تحقيق ما طمحت وسعيت إليه. 

■ هل يوجد إقبال ملحوظ على شراء الكتب الفنية؟

- بالنسبة لكتب الفنون التشكيلية فهي كتب متخصصة بصورة ما، لكنها- في تصوري- مفيدة وداعمة لكثير من التخصصات الأخرى، العلمية والأدبية، فبالنسبة للتخصصات العلمية فهي لا تخرج في أغلب صورها عن النطاقات المحددة الصارمة كمدخلات ومخرجات، معادلات مُدَقَّقَة، أو مسائل حسابية مضبوطة. لذا، فالمشتغلون بالحقل العلمي يتواجدون في مساحات جافة، وفضاءات في أغلبها مغلقة ومقيَّدة، يشعرون من حين لآخر برغبة مُلِحَّة في التحرر من تلك القيود والحقائق، ليأخذوا نزهة فنية جمالية إبداعية، داخل كتابٍ فني أو عملٍ تشكيلي، فالعقل يحتاج إلى روح ليظل حيًا قادرًا على الإتيان بالجديد المفيد، والفن هو روح العقل.. أما إذا انتقلنا إلى التخصصات الأدبية، فحاجتها للفنون التشكيلية أشدُّ وأعمق، فالأدباءُ شعراءٌ وروائيون وقصَّاصون ونقاد ومقاليون.. إلخ، يعتمدون اعتمادًا كبيرًا على الخيال في كتاباتهم الإبداعية، ولن يجدوا أفضل من الفن التشكيلي لإثارة خيالهم، وتوسيع مداركهم إلى أبعد الأمدية، والولوج في فضاءات بكر غير مألوفة.. ولا شك أن التأثير بين الأدب والفن التشكيلي هو تأثير متبادل، وأود الإشارة هنا إلى أن آخر معرض فني لي معرض «طَيْشُ الفَرَاش»، كان بعنوان: الشعر كمثير إبداعي في الطبعة الفنية المعاصرة، قصيدة مقبرة الفراشات نموذجًا «العنوان العلمي للمعرض»، وقد استلهمت جميع الأعمال الفنية فيه من قصيدة النثر البديعة لصديقي الشاعر الكبير د. الضوي محمد الضوي.. وبناءً على ما قَدَّمْتُ، أرى أن الإقبال على شراء الكتب الفنية وارتياد معارض الفن التشكيلي يجب أن يتضاعف أضعافًا كثيرة، وأن تنتشر تلك الثقافة، التي هي محورٌ لقيام الحضارة، فلا نهضة ولا حضارة بلا فنون وعلوم إنسانية، ومن يرغب في التأكد من هذه الحقيقة فليتتبع تاريخ الحضارات من أقدمها إلى أحدثها.

■ ما رأيك في عودة الدراسات النقدية المصاحبة للمعرض العام ٢٠٢٥م؟

- منذ انطلاق دورته الأولى في الخامس من شهر مايو عام ١٩٦٩م، كان للمعرض العام خصوصية وميزة نسبية ميزته عن سائر فعاليات عرض الفنون التشكيلية في مصر، حيث يعد ملخصًا سنويًا للحراك الفني المصري، وثمارًا من أزكى ثماره، وخلاصة للوعي الفكري والجمالي والإبداعي لعدد كبير من أهم فناني مصر، ومن يرغب في الحصول على تلك الثمار واقتنائها، أو الاستمتاع بمشاهدتها، دون الحاجة لمتابعة الغرس والإثمار أو الثمار غير الناضجة أو التالفة، فمقصده الطبيعي والمنطقي هو قاعات المعرض العام. لذا، فمن الواجب والضروري المحافظة على تلك الخصوصية والميزة النسبية بكل جهد وإخلاص، من قبل المختصين بهذا الشأن والقائمين عليه والداعمين له.. ولا شك أن قرار عودة الدراسات النقدية المصاحبة للمعرض العام -كتقليد كان متبعًا في العديد من الدورات السابقة- هو قرار سديد، حيث تمثل تلك الدراسات مقياسًا راصدًا لحركة المؤشر الفني التشكيلي المصري، صعودًا أو ثباتًا أو هبوطًا، من خلال نموذج من أهم نماذجه، سعيًا لتحديد المستويات الفكرية والجمالية والتقنية والفنية لمبدعي مصر، وأماكن تموضوعهم وتحركاتهم النشطة أو الخاملة داخل فضاءات الحركة الفنية التشكيلية العالمية، وكذلك موقفهم من التعامل والتعاطي مع قضايا الهُوية والأصالة من جانب والعولمة والمعاصرة من جانب آخر.

■ ما القضايا والموضوعات الهامة التي يجب على الفنانين تناولها فى أعمالهم الفنية في الفترة الراهنة؟

- في اعتقادي أن الفنان الصادق لا يختار موضوع عمله الفني، لكن الموضوع والمحتوى يتشكلان تلقائيا، ويفرضان معطياتهما على الفنان، فالفنان يعيش داخل مؤثرات خارجية تحيط به، وتعيش بداخله مؤثرات أخرى داخلية يحيط بها، وبين تصارع الداخل والخارج أو تفاعلهما، يتكون المحتوى الفكري برمزيته ودلالاته أو تعبيريته أو غير ذلك، داخل بوتقة العمل الفني، وربما يكون المحتوى جماليا صرفا، بلا مرجعية فكرية أو رسائل ضمنية بالمعنى المعتاد، بل تكون المرجعية هنا الطبيعة والكون، والتأثر بالبيئة المحيطة بمعزل عن التعبير عن أفكار معينة، والهدف هنا يكون الجمال لذاته.

 

 ■ حدثنا عن لوحة غلاف كتابكم الجديد «الطبعة الفنية.. فكرٌ وجماليات»؟

- لوحة الغلاف هي عمل فني من أعمالي، بعنوان: منظر طبيعي رقم «٧»، منفذ بطريقة الطباعة البارزة الملونة من القالب الخشبي طولي المقطع «قوالب متعددة» على ورق أبيض، مساحة القالب الطباعي  ٤٠.٦ × ٤٠.٦ سم، من إنتاج عام ٢٠١٩م، ضمن مجموعة من الأعمال تضم ثلاثة عشر عملا فنيا ملونا، وعملين بالأسود والأبيض، في مساحة مربعة الشكل، وهي امتداد للمرحلة التي سبقتها، مع تطور في الصياغة التجريدية الهندسية، وهي مجموعة من المناظر الطبيعية الساحلية لمدينة رشيد التاريخية، وهي المدينة التي نشأت فيها وتأثرت بمفردات بيئتها الثرية وتاريخها العريق، وقد استخدمت الألوان الساخنة كالأصفر والبرتقالي الناتجة عن تأثير أشعة الشمس، لتحقيق شعور بالديناميكية، التي تتلاشى لحظة انصهارها في ألوان مياه النيل التي تتلون بألوان الأشجار والنباتات الخضراء على الضفة الأخرى حينا، أو بلون السماء الزرقاء الباردة حينا آخر، فأحدثت أجواء متناغمة بين الحركة والدفء والسكون، بمساعدة اللون الأسود بخطوطه ومساحاته القوية، والذي يلعب دور حلقة الوصل والتواصل بين الألوان الساخنة والباردة تارة، ودور الفصل في الصراع بينها تارة أخرى، كما يمثل الظلال التي تنشأ عن سقوط أشعة الشمس على عناصر الطبيعة، فيحتوي ويظلل المساحات اللونية ويزيدها قوةً وتماسكًا.

■ ما مصدر إلهامك لإنتاج لوحة غلاف الكتاب؟

- استلهمت أبرز عناصر هذا العمل الفني من صناديق تربية الأسماك المنتشرة بشكل كبير على سطح النيل بمدينة رشيد،  والأكشاك الخشبية التي يبنيها الصيادون فوق تلك الصناديق لرعاية أسماكهم الصغيرة وإطعامها، وكنت أصل إلى تلك الصناديق بواسطة قارب صغير، وأجلس مع الصيادين وبعض الأصدقاء في تلك الأكشاك التي تتحرك برفيق وفق حركة المياه، فعلقت هذه المشاهد في مخيلتي وتأثرت بها، وتحولت إلى صور ذهنية قمت باستدعائها لحظة رسم الرسوم التحضيرية لهذا العمل الفني.

 كتابى «الطبعة الفنية.. فكر وجماليات» بداية اكتشاف المؤثرات الإبداعية للفنان التشكيلى  الإقبال على شراء الكتب الفنية وارتياد المعارض يجب أن يتضاعف التأثير بين الأدب والفن التشكيلى متبادل

سطور من مسيرة أبو ريدة

الدكتور شادى أبوريدة.. هو أحد أبناء مدينة رشيد، فنان وناقد فنى، مدرس بقسم الجرافيك، كلية الفنون الجميلة، جامعة المنيا، والحائز على جائزة الدولة التشجيعية في الفنون لعام ٢٠٢٤م، فرع الطبعة الفنية اليدوية «جرافيك»، بالمجلس الأعلى للثقافة، وجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي «المركز الأول»، الدورة الرابعة عشرة ٢٠٢٣م، تحت عنوان دور الترجمة في النقد التشكيلي الحديث، عن بحث بعنوان ترجمة الفن وفن الترجمة بين الإمتاعية واللإمتاعية، كما شارك في العديد من المعارض الفنية التشكيلية، الفردية والجماعية، في مصر والعالم، أعماله الفنية مقتناة لدى متحف الفن المصري الحديث، والعديد من الجامعات والمؤسسات والفنانين والأفراد، قام بنشر العديد من الأبحاث والكتب والمقالات.

له أعمال فنية أخرى مستلهمة من المناظر الطبيعية الساحلية لمدينة رشيد والتجريدية ٢٠ منظرا طبيعيا للسفن ومراكب الصيد وصناديق الأسماك والصخور وعناصر البيئة الساحلية ومنظر طبيعى لمسجد أبو مندور الأثري مستخدم فيه ألوان أكريليك على توال.

كل هذا الزخم الفنى لم يجعله يتوقف عن توثيق خبرته الفنية ومعلوماته الثرية لمحبى الفن التشكيلى والمهتمين من طلاب وهواه، فقد أصدرت الهيئة العامة لقصور الثقافة، كتابة «الطبعة الفنية.. فكر وجماليات» ضمن إصدارات معرض القاهرة الدولى للكتاب فى الدورة الـ٥٦.

 

 أمل نصر: «الطبعة الفنية يلقى الضوء على المؤثرات الفكرية فى العملية الإبداعية»

في تقديم الكتاب تقول د. أمل نصر، رئيس تحرير سلسلة آفاق الفن التشكيلي: حرص الدكتور شادي أبوريدة مؤلف الكتاب على الجمع بين سلاسة الكتابة وبساطة التناول والطرح، مع الحفاظ على الإطار والأسلوب الأكاديمي والمنهج العلمي، متتبعًا المؤثرات الفكرية في العصور البدائية والقديمة التي اعتبرها المحطة الأولى في رحلة فن الطبعة الفنية منذ أن بدأ البدائي بطباعة بصماته على جدران الكهوف واكتشافه السطح بشكل عفوي؛ ليكون حاملا مشاعره ومخاوفه الأولى ومحاولاته لخلق التوازن مع ما حوله من ظواهر عليه أن يواجهها.

ويهدف الكتاب إلى الكشف عن المؤثرات الفكرية منذ بدايات الطبعة الفنية، وانعكاساتها على المضمون البصري للعمل الفني المطبوع، وتنوعه التقني والأسلوبي، ودور هذا الفن في تنمية وتطوير الثقافة البصرية. 

كما يُلقي الكتاب الضوء على التراث والدين والأدب والسلطة باعتبارها من العوامل الأساسية التي تؤثر في العملية الإبداعية. وهذا ما يوضحه مؤلفه الدكتور الفنان شادي أبوريدة الذي أشار إلى تداخل هذه العوامل وتأثيراتها المتبادلة في تقديم أعمال إبداعية تجمع بين الأصالة والتجديد، والتقاليد والحداثة، والتعبير الذاتي والتفاعل مع المحيط الثقافي والاجتماعي؛ مسترشدا بفناني الطبعة الفنية الذين تأثروا بهذه العوامل من خلال رؤى واتجاهات فنية مختلفة.

يذكر أن سلسلة آفاق الفن التشكيلي، سلسلة فصلية تعني بنشر الثقافة المتعلقة بالفن التشكيلي، وتصدر برئاسة تحرير د. أمل نصر، مدير التحرير د. إنجي عبد المنعم، والغلاف تصميم سمر أرز.

 

مقالات مشابهة

  • أستاذ بجامعة القدس لـ"البوابة نيوز": الاحتلال تهرب من تنفيذ بعض بنود الهدنة.. والموقف المصري بشأن تهجير الفلسطينيين "متقدم"
  • “البوابة نيوز” تنشر حيثيات الحكم.. المؤبد لربة منزل قتلت عاملا رفض الزواج بها بالمرج
  • ماجدة خير الله لـ"البوابة نيوز": مسلسل شباب امرأة فيه اختلافات عن الفيلم
  • مجهولون أقدموا على نزع تمثال السيدة العذراء في سنيا - جزين
  • التشكيل مقروءًا| الدكتور شادي أبو ريدة خلال حواره لـ«البوابة نيوز»: كتابي بداية لاستكشاف المؤثرات الإبداعية.. والدراسات النقدية مقياس راصد لحركة التشكيل المصري
  • شادي أبو ريدة لـ«البوابة نيوز»: الدراسات النقدية مقياس راصد لحركة التشكيل المصري
  • موفد «إكسترا نيوز»: زيارة الرئيس السيسي لإسبانيا تعزز التعاون الاستراتيجي بين البلدين
  • الكنيسة تحيي ذكرى رحيل البابا يوأنس الثالث عشر
  • زيلينسكي في أنقرة.. زيارة تحمل رسائل سياسية في توقيت حساس
  • البوابة نيوز تهنئ العروسين ريجين واستيفان بمناسبة الزفاف السعيد