هل صديق التوم القيادي بالشيوعي فتح بابا للرأي أم هي غلطة؟ بعد مرات غلطات غير محسوبة تفجر ينابيع من الفكر و الثقافة، كما حدث بعد ثورة الطلاب في فرنسا عام 1968م حيث إبرزت مفكرين جدد في الساحة بقيادة جان بول سارتر. هل غفل صديق التوم أن الاستالينية لا تقبل التجاوز، بل تؤمن أن هناك رجل واحد يفكر نيابة عن الكل.
بعد عام و نصف من الندوتين جاء الخاتم عدلان من لندن للقاهرة و لكنه بهوية جديدة، لأنه كان قد غادر أسوار الحزب الشيوعي،، و زارني في الشقة و هي لم تكن بعيدة من الشقة التي كان يقطن فيها التجاني الطيب، و طلب الخاتم مني التحضير لندوة تكون مناظرة مع الحزب الشيوعي، ثم سألني هل تستطيع إقامتها؟ قلت أن الفكرة جيدة خالص حوار الشيوعيين. قال لا حوار الشيوعين و الديمقراطيين، و فكرت أتصل بالتجاني الطيب، و كنت قد تعودت أن اتصل به السادسة صباحا و أذهب إليه هو بيستيقظ مبكرا، و كانت زوجته عليها الرحمة ( فتحية) تحضر الشاي مبكرا، و ذهبت إليه، و قبل ما تحدث عن الفكرة جاء ضيوف لم اتعرف عليهم من قبل، تركته و في المساء ذهبت للبروف فاروق محمد إبراهيم و طرحت عليه الفكرة، قال فكرة رائعة جدا، و جميل فتح الحوارات الفكرية، قلت له ذهبت الصباح للتجاني و لكن حضر ضيوف سوف أعاود إليه، و عند خروجي قال البروف أفضل أولا أن تطرخها على الدكتور الشفيع خضر. سألت أبن خالتي ياسر بسطاوي أين أجد الدكتور الشفيع خضر، قال سوف أسأل و بخطرك. ثم أتصل بي و قال الشفيع سوف يحضر معي. و بالفعل جاء الدكتور الشفيع مع ياسر و تحدثنا في قضايا شتى ثم طرحت عليه الفكرة. قال لي الشفيع أنت تريدني لهذه لندوة. الشفيع رجل لماح و ذكي قال موافق مبدئيا و لكن بكرة أن شاء الله سوف أكد لك. و أكد أنه سوف يشارك في المناظرة. صباح اليوم التالي أتصل بي الخاتم الذي كان في الأسكندرية، و قال ماذا عملت؟ قلت الشفيع موافق و سوف تكون الندوة غدا، و اسرعت بالخبر لجريدة الخرطوم التي كانت تصدر في القاهرة، و علق الإعلان في المركز. لم يكن دكتور الشفيع بعيدا عن الخاتم عدلان في مسألة التغيير و الإصلاح و كل القضايا المطروحة، إلا أنه كان يفضل عدم الخروج من الحزب ، و يقول يجب أن تطرح القضايا داخل الحزب، و كان الخاتم يعتقد أن هذا ضياع للوقت نحن نعرف كيف تدار مثل هذه القضايا داخل الحزب و هناك عقبة كبيرة أسمها ( المركزية الديمقراطية) قبل الندوة بيوم حضر إلي الشقة طلال عفيفي و أهداني روايتين لماركيز ( الجنرال في متاهته و مأئة عام من العزلة) و طلال رجل مترع بالإبداع و الفنون، و سألته عن الندوة لكي اعرف انتشار الخبر، قال إلي كل الشيوعيين في السودان عارفين الآن بالندوة. و خرج الخاتم من الحزب بإرادته. و ضاق صدر الاستاليين بالصراع الفكري لذلك أخرجوا الشفيع و طلال عفيفي و كل الذين يشتغلون بالفكر و ذوي الثقافة الواسعة من الحزب، و بقي العقل الاستاليني الذي يغضب من مصطلح الديمقراطية.
كل هذه المقدمة الطويلة أردت أن اؤكد أن الحزب الشيوعي لا يقبل أي رأي يطرح مخالفا لرأي القيادة الاستالينة، و هي مجموعة قابضة على مفاصل الحزب لا يستطيع أي عضو أن يفكر خارج الصندوق، و لو فعل ذلك.. أتهم بالتحريفية و الشللية و غيرها من النعوت التي تجعله خارج أسوار الحزب. لذلك سارع المتحدث بأسم الحزب الشيوعي فتحي فضل على نفي حديث القيادي بالحزب الشيوعي صديق التوم إلي صحيفة ( سودانتربيون) قال فيه عن دعوة قوى الحرية و التغيير بالعمل من أجل جبهة عريضة؛ قال " أن موقف الحزب الشيوعي واضح ولا توجد مشاورات مع تحالف الحرية والتغيير ولا توجد حوجة لها" و إذا راجعنا بيانات الحزب الشيوعي التي رفضت الجلوس مع الحرية و التغيير كتحالف، و قبلت أن يكون كأحزاب فرادىى، و العديد من كتابات كمال كرار الذي هاجم فيها الحرية و التغيير، نجد أن حديث صديق التوم لم يخرج عنها، بل كان متمسكا بها. لكن سارع الحزب بنفي حديث صديق التوم، خوفا من استمرارية الحديث بعيدا عن الكتلة الاستالينية. ردا على صديق؛ أكد السكرتير الاعلامى للحزب الشيوعى فتحى فضل بان التصريحات التى أدلى بها صديق التوم لموقع (سودان تربيون) تعبر عن رايه الشخصى وليس موقف الحزب الشيوعى المعلن حول الحرب وضرورة ايقافه" هل نفهم من هذا أن حديث فتحي فضل و نقده لحديث التوم يعني أن الحزب الشيوعي موافق على الجلوس مع الحرية و التغيير ( المركزي) و بالتالي يفتح باب الحوار بين الجانبين، أم أن صديق التوم فتح بابا لتقديم الأراء الخاصة الممنوعة، و هي سوف تشكل تحدي كبير ( للمركزية الديمقراطية) و الخوف أن تخلق بيئة جديدة للحوار، ربما يطيح أيضا بعناصر تؤمن أن حرية الرأي داخل الأحزاب تعتبر من العوامل التي تؤدي إلي تطوير البناء الفكري و الثقافي داخل المؤسسة. الرؤية التي تتوجس منها القيادة التاريخية الاستالينية. و معلوم أن الحرية إذا أصبحت مقيدة و محكومة بلوائح تحد منها و تضيق مساحتها سوف تؤثر سلبا على عملية التحول الديمقراطي في البلاد، و بالضرورة سوف تضيق مواعين الديمقراطية في المؤسسة الحزبية، و تضعف الإرادة في السعي لها.
قال فتحي فضل "أن الدعوة لبناء الجبهة الجماهيرية عبرت عنه بيانات اللجنة المركزية والمكتب السياسى والتى يتوالى صدورها منذ 15 ابريل 2023م ." هل يفهم من حديث فتحي فضل أن البيانات التي صدرت بعد شعال الحرب أنها جبت ما قبلها، و أن الحزب الشيوعي ساعي لقيام جبهة جماهيرية مفتوحة، ليس لها قيود على أي قوى سياسية من ضمنها قوى الحرية و التغييربفرعيها.. أم أن فضل يريد أن يذكر صديق التوم أن هناك قيود في الحزب لا تسمح له أن يقم رؤيته. و أن كان صديق التوم نفسه لم يخرج عن قيود الحزب، بل أراد أن يضيقها أكثر عندما قال: " أن قوى الحرية والتغيير مدخلها لوقف الحرب ينبني على العملية السياسية المتفاوض عليها، بينما مدخل الحزب الشيوعي للسلم عبر العدالة والقصاص والمحاسبة ومنع الافلات من العقاب." و لم يخبرنا صديق التوم كيف يحقق هذه الأشياء عبر السلطة أم خارجها؟ و إذا كان عبر السلطة كيف الوصول إليها.؟ أسئلة عديدة تحتاج إلي إجابات. و هل التوم عندما أقدم على هذا التصريح، كان لا يعلم بضيق هامش الحرية في الحزب، و أن الرأي ثقافة إمبريالية غير مقبولة مطلقا. في فهم فتحي فضل العضو يجب أن يكون حاملا كراسة بها جميع بيانات الحزب لكي تساعده على الحوار مع الآخرين.
أن الإشكالية داخل ( الحزب الشيوعي) غير مسموح له أن يطرح أي أراء مخالفة للقيادة، و طرح الأراء و إثارتها داخل الحزب تعني تذكرة خروج دون عودة، بسبب: أن القيادة وحدها يحق لها أن تفكر ثم تصدر البيانات، و تصبح بقية العضوية شراح للمتن. الزميل لا يستطيع أن يدخل في أي حوار سياسي و فكري إذا غفل عن البيانات، هناك قضايا جديدة تفجرها الأحداث تحتاج لإبداء الرأي و لكن الزميل دون عضوية الأحزاب الأخر لا يستطيع الدلو فيه. الأمر الذي عطل حركة الفكر و الثقافة داخل الحزب. و صديق التوم ربما أدى هذا التصريح لكي يجعله بالونة أختبار، و لكن جاءه الرد بسرعة ( قف محلك سر) و إذا كان الحزب الشيوعي لديه رؤية لبناء تحالف جماهيري لماذا هذا العجز عن الحركة منذ انطلقت الحرب؟ و نجد بعض واجهاته ترفع شعار ( لا للحرب) و هو شعار غير مؤسس على أي مشروع يقنع الجماهير. و الذي يرفض الشعار المجرد يصبح ( كوز) الفزاعة التي يراد بها لجم الآخرين و إخراس صوتهم . أن القيادة الاستالينة قد جمدت كل قدرات الإبداع داخل الحزب، و عطلت طاقات كبيرة كانت سوف تساعد من خلال الحوارات الوصول لمشتركات مع الآخرين. و هذه تخالف تاريخ الحزب الذي كان في أعمق الأزمات لديه القدرة في تقديم مشاريع تفتح عشرات النوافذ للحل. كان الشيوعيون يصنعون الحدث الآن أصبح دورهم التعليق على ما يفعل الآخرين، و شتان بين الاثنين. أن التعصب و الجمود في الرأي لا يساعد على إنتاج الفكر و المعرفة بل إنتاج لوائح أكثر قمعا، فهل صديق صرح دون معرفة ثقافة القيادات الاستالينية و هو واحد منهم، أم أن الرجل يدعو للتمرد؟. نسأل الله حسن البصير’.
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الحریة و التغییر الحزب الشیوعی داخل الحزب من الحزب
إقرأ أيضاً:
خير صديق (2).. محمود حامد يكتب: هل أعطينا الكتاب الورقى حقه؟
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
لا توجد لدينا إحصائيات جادة وموثقة على أساس علمى توضح نسبة من يقرأون
هل أعطينا الكتاب حقه؟ ووضعناه فى مكانته اللائقة؟ ورددنا له اعتباره؟.. كانت هذه الأسئلة تتداعى بيننا طوال فترة امتدت لأكثر من أسبوعين، حاولنا خلالها تقديم عددين خاصين عن الكتاب وأهميته بمشاركة متميزة من كتيبة "البوابة" وشبابها الرائع.. ذلك أن مياهًا كثيرة جرت فى سلم الأولويات والاهتمامات خاصةً بين قطاع عريض من النشء والشباب الذى ابتعد عن التعامل مع الكتب الورقية إلا فى إطار كتبه المدرسية، وإن كان قد اتجه كثيرون منهم إلى نوع آخر جديد من القراءة عبر استخدام وسائط إلكترونية عديدة على الشبكة العنكبوتية.
ورغم أهمية القراءة الإلكترونية ودورها فى تشكيل وعى الأجيال الجديدة، فإن الكتاب الورقى يظل خير صديق وله رونقه الخاص الذى لا يمكن أن يتأثر بالتطورات المتسارعة.. فى الزمن الماضى، فى خمسينيات وستينيات القرن العشرين، كانت هناك ضمن الجدول المدرسى حصة للمكتبة، نتوجه خلالها إلى مكتبة المدرسة.. وكنا نتسلم فى المرحلة الثانوية كراسة خاصة بذلك، نفتحها فنجد أعلى كل صفحة من صفحاتها مجموعة سطور علينا استكمالها، وهى عبارة عن: اسم الكتاب، المؤلف، دار النشر، ثم مساحة وافية نكتب فيها ملخص الكتاب.. وأعتقد أن تلك الحصة أسهمت بشكل أساسى فى تنمية عادة القراءة لدى اجيال عديدة وجعلتها فعلًا محببًا إلى نفوسنا فى سن مبكرة واستمرت معنا حتى الآن.. كما ظلت المكتبات العامة التابعة للأحياء والمدن منتشرة فى معظم الأماكن حتى السبعينيات إلى أن بدأت تتلاشى واحدةً بعد الأخرى حتى اختفت تمامًا رغم دورها فى تشكيل وعى شباب المدن والأحياء المختلفة، بينما كان من الممكن تطويرها وفق مستجدات العصر.
وإذا كان الإقبال الرائع على معرض القاهرة الدولى للكتاب مؤشرًا طيبًا للغاية، إلا أن الملاحظ أننا فى مصر لا نملك إحصائيات جادة وموثقة على أساس علمى توضح لنا نسبة من يقرأون وماذا يقرأون، على عكس دول كثيرة تهتم بهذا الأمر وترى فيه علامة على مدى تفتح عقلية مواطنيها وتوسيع مداركهم فى مجالات متعددة.. ومن المؤكد أن جهة ما عليها أن تهتم بالبحث فى كيفية إجراء مثل هذه الاستطلاعات سواء كانت وزارة الثقافة أو مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء أو بالتعاون بينهما وبين الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء مع ملاجظة أن المؤشرات التى أعلنها الجهاز، فى أبريل ٢٠٢٣ لا تفى بالغرض المنشود.. فقد لفت أنظارنا فى الاستطلاع الذى أجراه زميلنا الشاب شادى مشرف مع المواطنين فى الشارع بالعدد الخاص الماضى، أن طالبًا فى المرحلة الثانوية لا يقرأ إلا كتبه المدرسية، وطالبًا جامعيًا لا يقرأ إلا الكتب المنتشرة على الإنترنت.
نعم.. لماذا لا يكون لدينا مثل هذا الاستطلاع؟.. على سبيل المثال، أظهرت دراسة روسية أن ثلاثة أرباع الروس (بالتحديد ٧٦٪ منهم) يفضلون الكتب الورقية. في الوقت نفسه، يقرأ ثلث المستطلعين (٣٤٪) من شاشة جهاز الكومبيوتر أو الهاتف الذكي، و٧٪ آخرين لا يرون الفرق بين التنسيقات الإلكترونية والورقية. وتشعبت الدراسة لرصد مدى انتظام القراءة وعدد الساعات فى الأسبوع ونوعية الكتب وما إلى ذلك.
وأشارت دراسة فرنسية إلى أن ٨٩٪ من الفرنسيين يقرأون ولو كتابًا واحدًا فى العام، ورصدت تنوع القراءات ما بين كتب الخيال العلمي والفانتازيا والقصص المصورة والأدب الكلاسيكي والتاريخ والكتب العملية والقواميس أو الموسوعات وغير ذلك.. فمتى نسمع عن استطلاع مبنى على أسس علمية موثقة فى مصر المحروسة بإذن الله؟.. وكل معرض كتاب وأنتم بخير.