مسؤولة أممية: السودانيون ينشدون السلام ويتعين علينا مساعدتهم .. رسالتي للطرفين هي: أوقفوا الحرب، ودعوا الناس يعودون إلى منازلهم
تاريخ النشر: 13th, August 2023 GMT
إيديم وسورنو، مديرة قسم العمليات والمناصرة في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية(أوتشا).
رسالتي للطرفين هي: أوقفوا الحرب، ودعوا الناس يعودون إلى منازلهم
إيديم وسورنو , مديرة قسم العمليات والمناصرة في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية
UN News إيديم وسورنو، مديرة قسم العمليات والمناصرة في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية(أوتشا).
13 آب/أغسطس 2023المساعدات الإنسانية
دعت مسؤولة أممية رفيعة طرفي النزاع في السودان إلى وقف القتال وتغليب المصلحة العليا للشعب السوداني المتجذرة في السلام والاستقرار، مشيرة إلى أن النازحين واللاجئين يرغبون في العودة إلى منازلهم لممارسة حياتهم الطبيعية.
إديم وسورنو، مديرة قسم العمليات والمناصرة في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية تحدثت في حوار مطول مع أخبار الأمم المتحدة عن الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة لمساعدة ملايين السودانيين الذين انقلبت حياتهم رأسا على عقب منذ اندلاع الصراع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في 15 نيسان/أبريل.
وتسبب الصراع حتى الآن في فرار نحو أربعة ملايين شخص من ديارهم، فيما يواجه أكثر من 20 مليون شخص في البلاد خطر الجوع الشديد.
زارت السيدة إيديم وسورنو السودان وتشاد مؤخرا، حيث التقت بالنازحين واللاجئين في البلدين ووقفت بنفسها على المعاناة الكبيرة التي يعيشونها. طلبنا منها في بداية الحوار أن ترسم لنا صورة عن الوضع على الأرض، فقالت:
إيديم وسورنو: أنا عملت في السودان من قبل- أي قبل هذه الحرب. كنت في السودان في الفترة من 2004 إلى 2005 مع مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، وقبل ذلك مع مفوضية شؤون اللاجئين في مناطق مختلفة. السودان هو بمثابة وطن بالنسبة لي. السودان بلد أهله طيبون ويتحلون بثقافة الدفء والمشاركة. عندما كنت في السودان منذ ما يقرب من 20 عاما، كان الصراع في أماكن محددة. كان الصراع محتدما في دارفور. وكنت أول مسؤولة حماية في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية يتم إرسالها للتعامل مع قضايا الحماية القانونية، والتفاوض بشأن الوصول إلى مواقع في جنوب دارفور، في مدينة نيالا على سبيل المثال.
في ذلك الوقت، كان أحدنا يأتي إلى الخرطوم كنوع من الاستجمام. بعد 20 عاما، ذهبت إلى بورتسودان. طبعا، لم أتمكن من الوصول إلى الخرطوم لأنها منطقة حرب. لا يمكن للأمم المتحدة الوصول الآن. نحاول العودة، ولكن لا يمكننا بسبب الوضع الأمني. وبقيت في مدينة بورتسودان التي زرتها آخر مرة عام 2003 عندما ذهبت للغوص في البحر الأحمر.
بعد 20 عاما، أصبحت مدينة بورتسودان مكانا يستضيف المئات من النازحين داخليا، وتصل درجة الحرارة في المدينة إلى 48 درجة مئوية خلال فترة الذروة في اليوم مع الكثير من الرطوبة. يوجد في مواقع التجمع المختلفة مئات الأشخاص الذين فروا من أجزاء مختلفة من السودان للنجاة بحياتهم، بما في ذلك العاصمة، التي كانت مكانا للاستجمام والراحة في آخر مرة كنت فيها في السودان.
الصورة ليست منصفة بالنسبة للحياة اليومية لشعب السودان بشكل عام. لكن دعني أرسم صورة لامرأة تحدثت إليها اسمها حواء، وهي أم وجدة وتاجرة كانت تعيش حياتها اليومية في ضواحي الخرطوم في أم درمان. وهربت مع بداية الحرب. كانت قادرة على الحصول على راتبها الشهري المعتاد لتشتري به حقن الأنسولين، لأنها مصابة بداء السكري. أما اليوم فإن حواء لا تستطيع شراء حقن الأنسولين.
فايزة، أم لأربعة أطفال، نزحت من الخرطوم في بورتسودان.
كانت تلك هي الصورة التي رأيتها عندما كنت في بورتسودان لمدة خمسة أيام، أتحدث إلى الشخص العادي الذي لا يريد أن يطلب المساعدة الإنسانية. كانت الخرطوم مكانا للراحة نذهب إليه للاستجمام فيه. ولكن مع ذلك، يطلب الناس من الخرطوم الآن المساعدة. تحدثت أيضا إلى المستجيبين للطوارئ، الأشخاص الذين يتعاملون مع المياه والصرف الصحي والمرافق الصحية والغذاء في الخرطوم. وسألتهم كيف يبدو يوم في حياة إنسان في الخرطوم؟ فقالوا إنه بمثابة كابوس مستمر، لأنك لا تعرف ما إذا كنت ستحتجز بواسطة أي من الجانبين. أنت لا تعرف ما إذا كنت ستختفي. لكنهم يواصلون المضي قدما لأنهم مصممون أكثر من أي وقت مضى- في مواجهة كل ذلك- على تقديم المساعدة الإنسانية.
أخبار الأمم المتحدة: بحسب منظمة الصحة العالمية، فإن الوضع الصحي في السودان قد وصل إلى مستويات خطيرة للغاية. لا يزال أكثر من ثلثي المستشفيات خارج الخدمة وسط تقارير متزايدة عن الهجمات على المرافق الصحية. أخبرينا عن جهود الأمم المتحدة لمعالجة هذه المشكلة؟
إيديم وسورنو: الأمم المتحدة، حسب فهمي، من منظور إنساني، لا يمكنها إصلاح مشكلة قصف المدن على سبيل المثال. ما يمكننا القيام به، وقد ظللنا نفعله، هو حث الأطراف المتحاربة في السودان على تجنب استهداف الأصول المدنية وفقا لاتفاقيات جنيف.
حسبما فهمته من منظمة الصحة العالمية عندما كنت على الأرض هو أن معظم المنشآت الصحية بالخرطوم لا تعمل.
ومرة أخرى- رجاء سامحني- لأنني أستمر في التركيز على الخرطوم لأن الخرطوم كانت المكان الذي يلجأ إليه الناس عندما يكون هناك صراع في أجزاء أخرى من البلاد.
الخرطوم هي المركز الحضري وهي عاصمة هذا البلد وقد كانت الأمور فيها تسير بخير. الخرطوم كانت المكان الذي لا يحتاج فيه 6 ملايين نسمة إلى مساعدة منا. وفجأة أصبحت تحت الحصار.
مثلا، عندما تكون في ود مدني وترغب في السفر إلى العلاج، فإنك تذهب إلى الخرطوم، أو عندما تكون في دارفور، تذهب إلى الخرطوم، وكذلك من بورتسودان وكذلك الأماكن الأخرى. لذلك، فإن المرافق التي دمرت بالكامل بسبب الحرب كانت لها أهمية كبيرة.
تقدم الأمم المتحدة مع شركائها في منظمة أطباء بلا حدود واللجنة الدولية للصليب الأحمر الخدمات الأساسية بالحد الأدنى الذي يمكنهم القيام به على أساس يومي.
يخاطر المستجيبون للطوارئ من السودانيين بحياتهم أيضا كل يوم لضمان مساعدة المحتاجين وهم يتمتعون بالكثير من الإبداع. السودانيون لديهم قدرة عالية على الصمود. العائلات في الشتات ترسل الأموال لمساعدة أهاليهم الفارين داخل البلاد لضمان حصول الأمهات والبنات والأبناء والأطفال على بعض المساعدة المطلوبة.
نريد السلام في بلدنا. نريد أن يتوقف القتال. نريد أن نعود إلى منازلنا
اسمح لي أن أتوقف عند قصة واحدة محزنة سمعتها. فقدت آمنة خالتها لأنها كانت تخضع لغسيل الكلى في المستشفى بالخرطوم عندما بدأت الحرب. لقد فقدت حياتها لأنه لم يكن بوسعها تلقي هذه الخدمة. لذلك، فإن هذه الحرب تؤثر على الحياة اليومية للناس. أنا لا أقول إن النازحين داخليا في جميع أنحاء البلاد لا يحتاجون إلى مرافق صحية، ولكننا هنا نتحدث عن الخرطوم عاصمة البلاد.
أما فيما يتعلق بالمرافق الصحية في بورتسودان حاليا، ذهبت إلى مدينة سنكات وهي ليست في حالة حرب حاليا. ولم تشهد أي حالة من حيث النزوح الحاد. لكن سنكات ستشهد قدوم السكان الذين ينتقلون من بورتسودان.
سنكات لديها الحد الأدنى من الخدمات الصحية. ستتأثر هذه الخدمات الصحية بشكل أكبر بحركة الناس مع استمرار الحرب. سنرى المزيد والمزيد من الوفيات بناءً على حقيقة أن الناس لا يستطيعون الوصول إلى الخدمات الأساسية. عندما أسأل السودانيين فإن الإجابة التي أسمعها من معظمهم- المعلمون الذين نزحوا، والمزارعون الذين نزحوا، والعاملون الصحيون الذين نزحوا- فإنهم يقولون: نريد السلام في بلدنا. نريد أن يتوقف القتال. نريد أن نعود إلى منازلنا ونعيش حياتنا الطبيعية.
أخبار الأمم المتحدة: شارك مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في إعلان جدة، الذي يهدف، من بين أمور أخرى، إلى تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية بأمان إلى المحتاجين. ومع ذلك، فمن الواضح أن الأطراف المعنية لم تف بالتزاماتها. كيف تقدم الأمم المتحدة حاليا المساعدة للسكان المتضررين في خضم هذه الحرب المستمرة؟ هل هناك تنسيق مع الأطراف المتحاربة على الأرض؟
إيديم وسورنو: حسنا أنك ميّزت بين المحادثات السياسية في جدة وما كان يفعله مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في جدة. كنا نجلس في طاولة المفاوضات للتحدث فقط عما نسميه بفض الاشتباك.
قبل 24 أيار/مايو لم نكن نتمكن من توفير الخدمات التي كانت قد توقفت بين 15 نيسان/أبريل وأيار/مايو.
بسبب وجودنا على طاولة المفاوضات، ومن خلال التحدث مع الطرفين خلال محادثات جدة، تمكنا من ضمان ما نسميه بفض الاشتباك، والاتصال بالأطراف للسماح بحركة الشاحنات. بناء على ذلك، تمكنا من التنقل داخل البلاد من بورتسودان إلى دارفور ومواقع أخرى. وقد أوصلنا 780 شاحنة محملة بأنواع مختلفة من المساعدات- من المساعدات الصحية إلى الغذاء إلى البذور.
البذور هذه مهمة لأن المزارعين في دارفور وأماكن أخرى يحتاجون إلى الزراعة. وإذا لم يتمكنوا من الزراعة، فإن الناس سيعانون من انعدام الأمن الغذائي. الناس يريدون زراعة المحاصيل، يريدون زراعة مزارعهم. إنهم لا يريدون تلقي المساعدة الغذائية.
بصفتنا عاملين في المجال الإنساني، فإننا نطبق المبادئ الإنسانية المتمثلة في الحياد والاستقلال وعدم التحيز والإنسانية
لذلك سمحت لنا هذه المفاوضات بالعمل مع الأطراف المختلفة لضمان نقل المساعدات وهذه عملية تتسم بمخاطر عالية جدا. كل يوم نخرج فيه - مثلما نفعل في مناطق الحروب المختلفة - هناك احتمال أن يفقد شخص ما حياته.
حدثت الكثير من الخسائر في أرواح المدنيين العاديين في السودان، بالإضافة إلى ذلك، فقد 18 من عمال الإغاثة حياتهم منذ بدء هذا الصراع. 18 عامل إغاثة، جميعهم سودانيون، كانوا يؤدون واجبهم ويحاولون مساعدة الناس.
الأمر الثاني الذي أود أن أقوله حول موضوع محادثات جدة والحوارات مع أطراف النزاع هو بصفتنا عاملين في المجال الإنساني، فإننا نطبق ونلتزم باتفاقيات جنيف والمبادئ الإنسانية المتمثلة في الحياد والاستقلال وعدم التحيز، وكذلك الإنسانية.
لذلك نذهب إلى أي مكان نستطيع لمساعدة من نستطيع. نحن نلتزم أيضا بإرشادات التنسيق المدني العسكري حيث نتفاوض مع أي طرف لنتمكن من العبور إلى مناطق معينة. نحن نفعل الشيء نفسه مع الحركة عبر الحدود بين السودان وتشاد. نتواصل مع السلطات التشادية والسلطات السودانية على كلا الجانبين لطلب للعبور إلى دارفور من تشاد.
لذلك، فداخل البلاد، نحن نتفاوض مع الجماعات المسلحة، خارج البلاد، يجري التفاوض عبر الحدود مع وجود مخاطر عالية للغاية تواجه موظفي الأمم المتحدة السودانيين والدوليين.
أخبار الأمم المتحدة: هل هناك محاولات لإحياء محادثات جدة أم أن هناك مبادرات مماثلة أخرى؟
إيديم وسورنو: هناك العديد من المبادرات التي تحدث في المنطقة. هناك ومحادثات برعاية الاتحاد الأفريقي وأخرى برعاية الهيئة الحكومية للتنمية الدولية (إيقاد). كانت هناك مذكرة انبثقت من اجتماع اللجنة الرباعية وكان وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية، مارتن غريفيثس حاضرا وتمكن من وضع شروط معينة على الطاولة حتى نتمكن من القيام بعملنا كعاملين في المجال الإنساني.
هناك أيضا طلب من بضرورة حضور الطرفين على الطاولة - مثلما حدث خلال محادثات جدة- كي نتمكن من التفاوض بشأن الوصول بسرعة وعلى نطاق واسع.
24.7 مليون شخص- أي ما يقرب من نصف سكان السودان- بحاجة إلى مساعدة إنسانية أو بعض الخدمات الأساسية. 18.1 مليون شخص مستهدفون من قبل الأمم المتحدة وشركائها. ومن جملة ذلك، وصلنا بالكاد إلى 3 ملايين شخص بشكل من أشكال المساعدة. وأنا أتحدث عن المساعدة كل يوم، كل دقيقة.
نحن مفاوضون إنسانيون نتفاوض بشأن وصول الأشخاص الذين نحاول الوصول إليهم. إذا لم يتوقف القتال، فلن تكون قادرا على زيادة المساعدة بالسرعة والنطاق المطلوبين.
أخبار الأمم المتحدة: وفقا لبعثة الأمم المتحدة في السودان (يونيتامس)، فإن القتال في دارفور أثّر بشكل خطير على المدنيين. ما الذي تفعله الأمم المتحدة لمساعدة الناس هناك؟
إيديم وسورنو: اسمح لي أن أتحدث من منظور إنساني، لأن الأمم المتحدة لديها كيانات مختلفة. هناك ذراع سياسي للأمم المتحدة، وهناك قسم إنساني وآخر تنموي وحقوقي وأمني...إلخ. أنا أتحدث عن المساعدة الإنسانية. تمكن العاملون في المجال الإنساني من خلال المبادرات التي تحدثنا عنها من الوصول إلى الناس. وكيل الأمين العام مارتن غريفيثس منخرط بصورة شخصية في محاولة لدفع أجندة المساعدة الإنسانية الأمر الذي نتج عنه إرسال 780 شاحنة بواسطة مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية.
الناس يموتون. الناس يعانون. ونحن بحاجة إلى تقديم المساعدة لهم
هناك كيانات مختلفة في الأمم المتحدة، لذلك نحاول بالطبع التركيز على الولاية المحايدة التي يتمتع بها مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، فالأمم المتحدة لها عناصر تكاملية. نحن نحافظ على دورنا مع وكالات الأمم المتحدة وصناديقها وبرامجها في الجانب الإنساني على هذا الحياد. لأننا يجب أن نتحدث إلى كلا الطرفين. علينا التأكد من أن تقديم المساعدة لا يحمل أي دلالات سياسية.
أخبار الأمم المتحدة: هل لديكِ أي رسالة لأطراف النزاع؟
إيديم وسورنو: الناس يموتون. الناس يعانون. رأيت المعاناة التي في بورتسودان، المكان الذي يذهب إليه الناس للغطس في البحر الأحمر والتمتع بجمال البحر الأحمر. سكان بورتسودان هم موظفون مدنيون يحتاجون إلى رواتبهم ليتمكنوا من مساعدة الأطفال والأمهات والنازحين.
إنهم ينشدون فقط السلام. رسالتي للطرفين هي ذاتها الرسالة التي قالها لي السودانيون عندما كنت في السودان: أوقفو الحرب. أوقفوا القتال ودعونا نعود إلى بيوتنا ونعيش حياتنا. الشعب السوداني يريد السلام. من الجانب الإنساني، نحن بحاجة إلى تقديم المساعدة. الأطفال يموتون. الأمهات يمتن. الأمهات يمتن أثناء العبور. الأطفال يموتون أثناء العبور.
رأيت أمهات وصلن عبر الحدود إلى أدري في تشاد. رأيت أماً كان طفلها على كتفها يميل إلى الخلف يعاني من العطش بسبب الرحلة الشاقة التي قطعاها للمرور من نقطة تفتيش إلى أخرى، من قريتها في دارفور. الناس في السودان يريدون فقط العودة إلى حياتهم اليومية. هذه هي رسالتي للأطراف.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: أخبار الأمم المتحدة تقدیم المساعدة فی بورتسودان إلى الخرطوم محادثات جدة فی السودان الوصول إلى فی دارفور عندما کنت نرید أن کنت فی
إقرأ أيضاً:
الأمم المتحدة تنقل شهادات مروعة لناجيات فررن من الحرب
الولايات المتحدة"أ.ف.ب": نشرت الأمم المتحدة سلسلة من شهادات "مروعة" لنساء وفتيات فررن من عمليات القتال في السودان الذي يشهد حربا منذ أكثر من عام.
وفي سياق "تصاعد كبير لأعمال العنف" منذ 20 أكتوبر في ولاية الجزيرة وسط البلاد، قُتل ما لا يقل عن 124 مدنيا وفرّ نحو 135 ألفا إلى الولايات المجاورة، بينهم 3200 امرأة حامل، على ما أشار صندوق الأمم المتحدة للسكان المتخصص في صحة الأم والطفل، في بيان.
ونقلا عن أرقام وزارة الصحة في ولاية الجزيرة، أورد الصندوق معلومات "أولية" من 27 امرأة وفتاة تتراوح أعمارهنّ بين 6 و60 عاما تعرضن للعنف والاعتداء، مشيرا إلى أنّ هذه الحالات تشكل "جزءا صغيرا من اعتداءات المختلفة التي تحصل على نطاق واسع".
ونقل البيان عن ماريا، وهي أم لولدين، قولها "لقد اضطهدونا (المسلحون) وضربونا وصوّبوا أسلحتهم نحونا وفتّشوا بناتنا".
وروت فتيات أنّ إخوتهنّ وأعمامهنّ وآباءهنّ وفّروا لهنّ سكاكين، وأضفن "قالوا لنا أن نقتل أنفسنا إذا هددنا المقاتلون بالاغتصاب".
وقالت ناجيات في شهادات أخرى "إنّ نساء رمين بأنفسهنّ في النهر لعدم التعرّض لهجوم من رجال مسلحين"، بينما "فرّت أخريات واختبأن لأن عائلاتهنّ هددتهنّ بالقتل بداعي غسل العار".
وقالت فاطمة، وهي أم لستة أولاد لا تعرف ماذا حدث لزوجها "لقد ضربونا مثل الكلاب، فغادرنا. لم يكن معنا شيء ولا حتى خبز. سرنا لسبعة أيام تحت أشعة الشمس الحارقة من دون أن نأكل شيئا. وماتت بعض النساء في الطريق".
كانت أمينة (27 عاما) ضمن مجموعة من 21 امرأة حامل في المرحلة الأخيرة جمعهنّ طبيب محلي في إحدى القرى لمساعدتهنّ على الولادة قبل الفرار. وتعيّن إخضاعها لعملية قيصرية. وقالت "كانت عمليات إطلاق النار مرعبة جدا لدرجة أنني استجمعت قواي لمغادرة القرية".
وأوضحت "بعد ست ساعات فقط" من الخضوع للعملية القيصرية، وعلى الرغم من "الجروح التي كانت لا تزال حديثة ومؤلمة"، واصلت طريقها مع مولودها الجديد سيرا على الأقدام، ثم في "عربة يجرها حمار" لأيام عدة.
من جهتها، اتهمت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، روزماري ديكارلو، حلفاء القوات العسكرية والقوات شبه العسكرية المتحاربة في السودان، بـ "تمكين المجازر" التي أودت بحياة أكثر من 24 ألف شخص وخلفت أسوأ أزمة نزوح في العالم.
وقالت ديكارلو لمجلس الأمن الدولي: "هذا أمر لا يمكن تصوره"، وأضافت: "إنه غير قانوني، ويجب أن يتوقف".
ولم تسم الدول التي تقول إنها تمول وتزود بالأسلحة الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، لكنها قالت إن هذه الدول تتحمل مسؤولية الضغط على الجانبين للعمل نحو تسوية تفاوضية للصراع.
وانزلق السودان في الصراع منذ منتصف أبريل 2023، عندما اندلعت التوترات المستمرة منذ فترة طويلة بين القادة العسكريين والقادة شبه العسكريين في العاصمة الخرطوم وانتشرت إلى مناطق أخرى، بما في ذلك غرب دارفور، التي عانت من العنف والفظائع في عام 2003. وحذرت الأمم المتحدة مؤخرا من أن السودان على حافة المجاعة.
وفي تطور لافت، قال مجلس السيادة في السودان اليوم الأربعاء إنه سيمدد فتح معبر أدري الحدودي مع تشاد، وهو أمر تراه منظمات الإغاثة ضروريا لإيصال الأغذية وغيرها من الإمدادات للمناطق المعرضة لخطر المجاعة في دارفور وكردفان.
وأضاف المجلس في بيان صحفي "بناء على توصية الملتقى الثاني للاستجابة الإنسانية، وبحضور وكالات الأمم المتحدة والوكالات الأخرى والوطنية، قررت حكومة السودان تمديد فتح معبر أدري الحدودي لإيصال المساعدات الإنسانية لمستحقيها".
وأكد البيان على "استمرار التعاون والتنسيق مع المنظمات الدولية ووكالات الأمم المتحدة والوكالات الأخرى العاملة في الحقل الإنساني".
وخلص خبراء في وقت سابق هذا العام إلى أنه في حين يواجه أكثر من 25 مليون شخص في أنحاء السودان الجوع الحاد، فإن عدة أجزاء من البلاد عرضة بشكل متزايد لخطر المجاعة، وأن مخيما في إقليم دارفور كان بالفعل على وشك الدخول في مجاعة نتيجة الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية.
وكان معبر أدري قد أُغلق بأمر من الحكومة التي يسيطر عليها الجيش في فبراير شباط ثم أُعيد فتحه في أغسطس آب لمدة ثلاثة أشهر حتى 15 نوفمبر، ولم يكن واضحا ما إذا كانت تلك الفترة ستمدد.
واحتج أعضاء بالحكومة على فتح المعبر قائلين إنه يسمح لقوات الدعم السريع بتسلم الأسلحة.
ومع ذلك، فإن الجيش السوداني لا يسيطر فعليا على المعبر الحدودي الذي يقع داخل أراض استولت عليها العام الماضي قوات الدعم السريع التي تسيطر على معظم دارفور.
وقررت منظمات الإغاثة عدم تجاهل التوجيهات الصادرة عن الحكومة المعترف بها دوليا، وكانت تستعد لإغلاق المعبر الذي يُنظر إليه على أنه طريق أكثر كفاءة من عمليات التسليم عبر خطوط التماس من بورتسودان التي يسيطر عليها الجيش أو معبر التينة الحدودي الأبعد.
وتزامنت إعادة فتح معبر أدري في أغسطس مع موسم الأمطار وتدمير عدد من الطرق والجسور، مما يعني أن المساعدات تدفقت عبره ببطء في البداية.
ومنذ ذلك الحين، عبرت أكثر من 300 شاحنة مساعدات مزودة بإمدادات لأكثر من 1.3 مليون شخص إلى السودان عبر أدري، حسبما أفاد مدير قسم التنسيق في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية راميش راجاسينجهام في إحاطة لمجلس الأمن أمس.
وقالت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي ليني كينزلي للصحفيين اليوم إن البرنامج حرك يوم السبت الماضي قافلة من 15 شاحنة عبر أدري محملة بالطعام ومواد تغذية لنحو 12500 شخص في مخيم زمزم المنكوب بالمجاعة.