لجريدة عمان:
2024-10-08@18:28:53 GMT

الحرب عبء جديد يثقل كاهل اللبنانيين

تاريخ النشر: 8th, October 2024 GMT

الحرب عبء جديد يثقل كاهل اللبنانيين

بيروت (لبنان) «أ.ف.ب»: بعدما أنهكتهم أزمات متلاحقة على مدى سنوات، يجد اللبنانيون أنفسهم راهنا تحت رحمة حرب تلقي بظلالها على صحتهم النفسية، إلى درجة بات كثر منهم «غير قادرين على التحمل»، وفق ما يحذّر مختصون.

فـي رسم كاريكاتوري بعنوان «حلوى لبنانية»، يصوّر اللبناني برنار حاج تراكمات اختبرها اللبنانيون فـي السنوات الأخيرة على أنها قالب حلوى من طبقات عدة، تمثل كل واحدة منها محنة: الانهيار الاقتصادي، وباء كوفـيد، انفجار مرفأ بيروت، الأزمة السياسية، اكتئاب جماعي.

وتأتي الحرب لتشكل حبة الكرز التي تزين أعلى قالب الحلوى.

ويلخّص الرسم أزمات يعيشها اللبنانيون منذ الأزمة الاقتصادية التي بدأت فـي خريف 2019، مرورًا بوباء كوفـيد وانفجار مدمر فـي مرفأ بيروت فـي صيف 2020. وتصف المعالجة النفسية كارين نخلة تلك التراكمات بأنها «صدمات جماعية متلاحقة لم تتوقف أبدا».

ونخلة مسؤولة فـي منظّمة «إمبرايس»، التي تعنى بالصحة النفسية وأنشئت عام 2017 للحدّ من الانتحار. ويتلقّى العاملون فـي المنظمة «المدربون والمؤهلون بشكل كبير» اتصالات على مدى 24 ساعة فـي اليوم وسبعة أيام فـي الأسبوع.

ومنذ 23 سبتمبر، تاريخ تحوّل التصعيد بين حزب الله وإسرائيل إلى حرب، ازدادت الاتصالات الواردة إلى مركز المنظمة.

وتقول نخلة إنهم يتلقون حوالي خمسين اتصالًا يوميًا من «أشخاص تحت الصدمة، يعانون من الهلع، كثر منهم يتصلون من مناطق تتعرض للقصف، يتساءلون فقط ما الذي ينبغي عليهم فعله». وأدّى القصف الإسرائيلي على جنوب لبنان وشرقه وعلى ضاحية بيروت الجنوبية، معاقل حزب الله، إلى مقتل أكثر من 1100 شخص خلال 15 يومًا، ونزوح أكثر من مليون شخص فـي أنحاء مختلفة فـي لبنان، وفق السلطات اللبنانية.

فـي بيروت التي تستقبل عشرات الآلاف من العائلات النازحة، تبدّل المشهد سريعًا فـي غضون أيام، فأصبحت ملجأ لعائلات توجّهت إلى مراكز إيواء موقتة أو لدى أقارب أو شقق مستأجرة، إضافة إلى زحمة سير خانقة كبّلت شوارعها.

وخلال ساعات الليل، تجبر سلسلة من الغارات التي تستهدف ضاحية بيروت الجنوبية عائلات على الفرار، على وقع دوي انفجارات ضخمة، تهتزّ بسببها النوافذ، وتندلع منها روائح البلاستيك ومواد محترقة.

توقظ هذه التجربة مجددًا فـي نفوس اللبنانيين صدمات قديمة وجديدة، بينها انفجار المرفأ وحرب يوليو 2006 بين حزب الله وإسرائيل، والحرب الأهلية اللبنانية الدامية (1975-1990).

ويتخطّى القلق المناطق التي تحوّلت إلى ساحة حرب، ليدفع الثمن مدنيون خائفون بعيدًا عن خطوط النار.

تقطن ريتا باروتا (45 عامًا) قرب مدينة جونيه «الهادئة» ذات الغالبية المسيحية شمال بيروت. هناك، لا تسمع أصوات الغارات. لكنها رغم ذلك تقول إنها «لا تجد كلمات لوصف ما يجري الآن».

وتضيف باروتا، وهي أستاذة جامعية «لا أعرف الشخص الذي كنته قبل 15 يومًا، الأكل والنوم والاعتناء بنباتاتي، كلّ ذلك لم يعد موجودا».

وتكمل «لقد أصبحت شخصًا آخر، كلّ ما يهمني الآن هو كيف يمكنني أن أقدّم يد العون».

عبر هاتفها، تنهمك باروتا ليلًا نهارًا فـي البحث عن مأوى لأشخاص باتوا على الطرقات، ولترشدهم نحو مراكز إيواء يحتمون فـيها، أو لتوفـير أدوية تنقصهم.

وتروي «حين أتوقّف عن العمل لخمس دقائق، يراودني شعور بالفراغ التام»، معتبرة أن مساعدة الآخرين هو السبيل الوحيد لتجنّب الشعور بأنها «منهكة ومذعورة».

وترى باروتا التي كادت تفقد والدتها فـي انفجار المرفأ وتحتفظ بذكريات حية عن حرب 2006، أنّ «ما يحدث اليوم ليس مجرد إيقاظ لصدمة قديمة، بل شعور هائل بالظلم». وتسأل «لماذا نعيش هذا كله؟ لا أعرف ما إن كان ذلك الضربة القاضية».

و تفـيد دراسة أعدّتها منظمة «إدراك» غير الحكومية عام 2022، ونشرتها فـي سبتمبر، أن ثلثي اللبنانيين على الأقلّ يعانون من اضطراب نفسي.

ويوصف رئيس قسم الطبّ النفسي فـي مستشفى أوتيل ديو فـي بيروت رامي بو خليل الوضع الحالي بالقول «لسنا بخير جميعا، بشكل أو بآخر»، من اكتئاب وقلق واضطراب ما بعد الصدمة.

ويقول بو خليل «لدى اللبنانيين قدرة خارقة على الصمود»، لافتًا خصوصًا إلى الدور الذي يلعبه الدعم العائلي والمجتمعي والديني.

ويشرح «لكننا نتعامل مع ظاهرة تراكم التوتر، الذي يجعل الكأس يفـيض» مضيفًا: «لسنوات ونحن نحشد مواردنا الجسدية والنفسية والمالية. الآن، لم يعد الناس قادرين على التحمل».

ويعرب بو خليل عن قلقه لرؤية مرضى «يتطلّب وضعهم الدخول إلى المستشفى» لكنهم عاجزون عن ذلك لأسباب مادية، وآخرين يتدهور وضعهم لأنهم «غير قادرين على تحمّل مزيد من الصدمات».

يلحظ الطبيب أيضا زيادة فـي تناول الحبوب المنومة. ويقول «يريد الناس أن يناموا»، ومن الأسهل تناول الأدوية عندما لا يتوفر لديهم المال أو الوقت لاستشارة الطبيب.

وتشير كارين نخلة أيضًا إلى أن «كثرًا لا يستطيعون الوصول إلى خدمات الصحة النفسية»، مع وصول كلفة الاستشارات النفسية الخاصة إلى قرابة مائة دولار، وهو مبلغ كبير بالنسبة إلى شريحة واسعة من اللبنانيين. وتراوح فترة الانتظار للحصول على استشارة مجانية فـي جمعية «إمبرايس» بين أربعة إلى خمسة أشهر. وتقول نخلة «الحاجة الآن» للخدمات النفسية «هي أكبر من أي وقت مضى».

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الحرب الأخطر التي على وشك الاندلاع

لا يمكن في مثل هذا اليوم الذي سيستذكر فيه الملايين من الناس في العالم الانطلاقة الأولى لحرب «طوفان الأقصى» التي أحدثت زلزالا كبيرا في العالم، إغفال مرحلة مهمة وخطرة جدا على وشك أن تبدأ من هذه الحرب إذا ما أقدمت إسرائيل على تنفيذ تهديداتها وردت على القصف الإيراني بقصف مواقع حساسة وإستراتيجية في إيران مثل المنشآت النووية والنفطية والقواعد العسكرية. هذا الرد الذي يبدو أنه، مع الأسف الشديد على وشك الحدوث، يمكن أن يشعل حربا لا تنتهي بين الطرفين لا تلبث أن تسحب معها دولا وجماعات أخرى وربما، بناء تحالفات عسكرية جديدة.

يمكن تصور الرد الإسرائيلي في ظل امتلاكها ترسانة أسلحة فتاكة بفضل جسر التمويل الأمريكي الذي لم يتوقف طوال العام الماضي، إضافة إلى التكنولوجيا المتقدمة.. لكن لا يمكن تصور الرد الإيراني سواء كان في داخل العمق الإسرائيلي أم ضد المصالح الأمريكية داخل مياه الخليج العربي الذي قد يتحول إلى مسرح العمليات الرئيسي.

تمتلك إيران عمقا استراتيجيا كبيرا ومسرح عمليات يمتد لآلاف الكيلومترات واحتياطيات ضخمة من النفط والغاز وخطوط إمداد متنوعة من كل الاتجاهات تقريبا، ما يعطيها الأفضلية في عملية الدفاع عن نفسها في مقابل العمق الإستراتيجي الضيق جدا لإسرائيل والتي توجد في حيز جغرافي يحيط به خصومها من كل اتجاه.

لا تمتلك إيران قبة حديدية كتلك التي تمتلكها إسرائيل، ولا تملك دولة راعية مثل أمريكا، لكن القبة الحديدية الإسرائيلية أثبتت فشلها خلال الهجوم الإيراني مطلع الشهر الجاري. ورغم ادعاء إسرائيل أن الهجوم الإيراني لم يكن فعّالا إلا أن صور الأقمار الاصطناعية التي نشرتها بعض المواقع المتخصصة تثبت فعالية الهجوم الإيراني الذي بدا أنه لا يريد إلحاق خسائر فادحة مادية وبشرية بإسرائيل لأسباب مفهومة جدا. وحتى لو استطاعت القبة الحديدية أو البارجات الأمريكية وبعض الدول العربية التعاون من أجل إسقاط الصواريخ الإيرانية قبل وصولها إلى إسرائيل فإن نسبة من تلك الصواريخ يمكن أن تصل إلى أهدافها وتصنع تحولا كبيرا وخطرا داخل إسرائيل التي يشعرها سكانها أنها لم تعد حلمهم «الرومانسي الأثير».

إن لعبة الصواريخ التي يمكن أن تبدأ بين إيران وإسرائيل عبر الرد والرد على الرد لن تكون في صالح إسرائيل المنهكة عسكريا واقتصاديا وشعبيا نتيجة ضغوطات الجبهة الداخلية بعد أطول حرب في تاريخ الكيان الإسرائيلي دون تحقيق الأهداف الآنية التي بحث عنها الداخل الإسرائيلي. والهروب إلى الأمام لا يمكن أن ينفع نتنياهو في حربه مع إيران؛ لأن الرد هنا يكون مختلفا بالكامل عما هو عليه خلال العام الماضي.

ولا خيار أمام إيران إلا الدفاع عن مشروعها النووي الذي وصل إلى أمتاره الأخيرة إذا ما كان قد اجتازها بالفعل، وإذا ما فشلت في الدفاع عن هذا المشروع فإنها ستكون في مأزق خطير جدا داخليا وخارجيا. لكن الواضح أن إيران تملك إمكانيات الدفاع عن نفسها في معركة مثل هذه بشكل جيد دون تجاهل أو تقليل من الإمكانيات الإسرائيلية المدعومة بشكل كامل من أمريكا.

هذا المشهد العسكري إذا ما تحقق ولو بشكل جزئي فإن منطقة الخليج العربي ستكون في خطر، وصور الثمانينيات خلال الحرب العراقية الإيرانية ما زالت حاضرة في ذاكرة الكثيرين ممن عايشوا تلك الحرب أو قرأوا عنها.

لا أحد يريد مثل هذه الحرب رغم الطغيان الإسرائيلي الذي تجاوز كل الحدود واستهتر بمصائر البشر وحيواتهم. وما دامت الرصاصة الأولى لم تخرج من بيت النار ما زال هناك مساحة للدبلوماسية لمنع حريق ضخم في الشرق الأوسط، وهذا ما تستطيعه الآن أمريكا وحدها. أما إذا تراخت في السعي إليه فإن عليها هي الأخرى مواجهة الأخطار المتوقعة، بحكم منطق الحرب إن كان لها منطق، على مصالحها ومصالح حلفائها. ويمكن أن يتبرع من يذكر الرئيس الأمريكي بايدن أو وزير دفاعه ببيت شعر قالته الخنساء: «ومن ظن ممن يلاقي الحروب/ بأن لا يصاب فقد ظن عجزا».

مقالات مشابهة

  • نظرة على المناطق المحظورة في بيروت التي أظهر تحليل CNN أنها تضم مستشفيات
  • خبير إستراتيجي: الحرب النفسية الإسرائيلية لا ترهب الشعب الفلسطيني
  • اللواء محمد عبد المنعم: الحرب النفسية الإسرائيلية لا تؤثر في الشعب الفلسطيني
  • في ظل الحرب..تهافت غير مسبوق من اللبنانيين على الذهب
  • من سكان غزة إلى اللبنانيين.. نصائح بشأن الحرب والنزوح
  • "حلف الأعباء" على كاهل الإيرانيين
  • التنمية المحلية توجه إنذارات للتصالح على العيادات وتهديد بالغلق.. ونقيب الأطباء: لا نص يلزم أن تكون الوحدة المؤجرة أو المملوكة إدارية.. وأمين الصندوق: تعسف يثقل كاهل المرضى
  • الحرب الأخطر التي على وشك الاندلاع
  • تعرف على أساليب الحرب النفسية التي مارسها الاحتلال ضد سكان غزة (شاهد)