نشرت مجلة "فورين أفيرز" تقريرًا يسلط الضوء على الأزمة الحالية في النظام التجاري المتعدد الأطراف الذي ساعد على استقرار الاقتصاد العالمي لعقود، واعتبرت أن انتهاك الولايات المتحدة والصين لقواعد منظمة التجارة العالمية قد أدى إلى أزمة حادة في منظومة التعاون التجاري العالمي، كما أن دولا مثل الهند وإندونيسيا تعيق جهود الحفاظ على هذا النظام مما ينذر بفوضى تجارية عالمية.



وقالت المجلة في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن النظام التجاري متعدد الأطراف ساعد على ضمان استقرار الاقتصاد العالمي خلال أكثر من 75 سنة، فقد جمعت الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة وخليفتها، منظمة التجارة العالمية، الدول معًا للتعاون في خفض التعريفات الجمركية وغيرها من الحواجز التجارية، وتعزيز التكامل الاقتصادي العالمي ووضع قواعد لتنظيم التجارة، وقد أثبت هذا النظام فعاليته غير العادية وعزز حقبة من الازدهار العالمي غير المسبوق.

وترى المجلة أن هذا النظام التجاري الليبرالي يمر الآن بأزمة؛ فقد انهار التعاون الدولي في مجال التجارة إلى حد كبير، وتخلت الولايات المتحدة عن التزامها بالتجارة الحرة والتعاون متعدد الأطراف واحترام سيادة القانون، وانتهكت واشنطن علنًا قواعد منظمة التجارة العالمية ومبادئها من خلال فرض التعريفات الجمركية وتقديم الدعم الهائل في قطاعات صناعية متعددة. وبالمثل، أفسدت الصين هذه المنظومة واستخدمتها كسلاح من خلال الإعانات والضغوط الاقتصادية.



وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها العديد من الدول للإبقاء على التعددية والحفاظ على النظام التجاري القائم، إلا أن دولاً أخرى - بما في ذلك العديد من الاقتصادات الناشئة الكبرى مثل الهند وإندونيسيا - قوضت تلك الجهود من خلال عرقلة المفاوضات التجارية وإعاقة إنفاذ قواعد التجارة العالمية، مما قد يؤدي إلى دخول النظام التجاري في حالة من الفوضى، وفقا للمجلة.

جهود غير مكتملة

أوضحت المجلة أن الغرض الرئيسي لمنظمة التجارة العالمية هو وضع وتطبيق القواعد التي تحكم التجارة الدولية، وذلك من خلال تسهيل المفاوضات بين أعضائها، ولكن على مدى السنوات الـ 15 الماضية، وصلت جهود منظمة التجارة العالمية في كثير من الأحيان إلى طرق مسدودة.

وحسب المجلة، يظهر ذلك بوضوح في جولة المحادثات الفاشلة في الدوحة، والتي بدأت سنة 2001 لخفض الحواجز التجارية حول العالم، والتي انهارت بسبب الصراع بين الصين والولايات المتحدة؛ حيث رفضت بكين تخفيض تعريفاتها الجمركية في مجالات مثل الزراعة والمواد الكيميائية والآلات الصناعية دون تخفيضات أكبر في الدعم الحكومي الزراعي في الولايات المتحدة.



لكن إنعاش مفاوضات منظمة التجارة العالمية أمر ضروري للحفاظ على التعاون الدولي في مجال التجارة وضمان مواكبة القواعد العالمية للتجارة للتحديات التي تواجه الاقتصاد العالمي، وستكون مفاوضات منظمة التجارة العالمية الحالية بشأن إعانات صيد الأسماك اختبارًا حاسمًا لعزم المجتمع الدولي على استعادة قواعد التجارة العالمية. 

لقد أدت الإعانات التي تقدمها الحكومات لمصايد الأسماك إلى أزمة الإفراط في الصيد؛ حيث أصبحت 90 بالمائة من الأرصدة السمكية العالمية مستغلة بشكل مفرط أو مستنفدة، وبما أن العديد من البلدان النامية تعتمد بشكل كبير على صيد الأسماك من أجل الأمن الغذائي والتصدير، فهي معرضة بشدة لتراجع الأرصدة السمكية، وبالتالي فإن اتفاق منظمة التجارة العالمية لتقييد هذه الإعانات الضارة سيمثل مكسبًا للتجارة العالمية والتنمية والبيئة.

وقد توصلت منظمة التجارة العالمية سنة 2022 إلى اتفاق مبدئي لحظر الإعانات المقدمة للصيد غير القانوني وغير المنظم، وصيد الأرصدة السمكية المستنفدة، والصيد غير المنظم في أعالي البحار، لكن هذه البنود تغطي جزءًا ضئيلًا من جميع الإعانات الضارة لمصايد الأسماك، أما العمل الحقيقي المتمثل في معالجة الإعانات التي تشجع الصيد المفرط، فقد تُرك للاجتماع رفيع المستوى لمنظمة التجارة العالمية في شباط/ فبراير 2024.

وكاد هذا الاجتماع أن يسفر عن اتفاق تاريخي لتقييد مثل هذه الإعانات، لكن الهند عرقلت الاتفاق بإصرارها على إعفاءات شاملة كانت ستجعل الاتفاق بلا معنى، ورغم أن الهند كانت هي الدولة الوحيدة التي عارضت الاتفاق، إلا أن المفاوضات انهارت لأن قواعد منظمة التجارة العالمية تتطلب توافقًا في الآراء. 

ونظرًا لهذا التحدي المتمثل في تأمين توافق في الآراء، لجأت عدة دول إلى الاتفاقات محدودة الأطراف، وهي اتفاقات اختيارية ولا تنطبق إلا على المجموعات الفرعية من أعضاء المنظمة الذين يختارون التوقيع عليها، بدلاً من الاتفاقات التقليدية متعددة الأطراف التي تلزم جميع الأعضاء، وتهدف إحدى هذه الاتفاقيات، التي وقعتها 128 دولة سنة 2024، إلى تسهيل الاستثمار الأجنبي المباشر بشكل أفضل من خلال تبسيط إجراءات منح التراخيص للمستثمرين.

تضيف المجلة أنه من المتوقع أن تحقق الاتفاقية مكاسب اقتصادية عالمية كبيرة، سيعود معظمها إلى البلدان محدودة ومتوسطة الدخل، ويرى مؤيدو الاتفاقية أنها وسيلة مهمة للبلدان النامية للمطالبة بحصة أكبر من الاستثمار الأجنبي المباشر ومعالجة الفجوات الاستثمارية الكبيرة في تلك البلدان. ولكن لكي تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ، يجب أن يتم اعتمادها في الهيكل القانوني لمنظمة التجارة العالمية، وهو إنجاز يتطلب موافقة جميع الأعضاء، وقد تم عرقلة هذا الجزء من العملية من قبل ثلاث دول - الهند وجنوب أفريقيا وتركيا - التي تعترض من حيث المبدأ على فكرة الاتفاقات محدودة الأطراف داخل منظمة التجارة العالمية.



وقد أدت عرقلة هذه الجهود التفاوضية إلى خلافات بين الدول الأعضاء -وفقا للمجلة-، فعلى النقيض من الخلاف المعتاد بين الشمال والجنوب، والذي غالبًا ما كان يميز سياسات التجارة العالمية في الماضي، أصبحت الدول النامية في مواجهة بعضها البعض في كل من قضيتي إعانات مصايد الأسماك والاتفاق المتعلق بالاستثمارات الأجنبية. 

الاستئناف في الفراغ

اعتبرت المجلة أن التهديد الأكبر للنظام التجاري العالمي يأتي من إضعاف آلية تسوية المنازعات في منظمة التجارة العالمية، حيث أن قانون المنظمة للفصل في المنازعات التجارية ضروري لإنفاذ قواعد التجارة العالمية، وقد حقق معدلات امتثال عالية جداً.

لكن الولايات المتحدة اتخذت في السنوات الأخيرة خطوات متعمدة لتعطيل هذه الآلية -كما تقول المجلة-، حتى تتمكن من اتباع سياسات تنتهك قواعد منظمة التجارة العالمية مع الإفلات من العقاب. فقد منعت الولايات المتحدة خلال رئاسة دونالد ترامب جميع التعيينات القضائية في هيئة الاستئناف التابعة لمنظمة التجارة العالمية، وهي مجموعة من سبعة قضاة تنظر في الطعون المتعلقة بالأحكام الصادرة عن منظمة التجارة العالمية بشأن النزاعات. 

ومع عدم وجود قضاة للنظر في الطعون، توقفت الهيئة عن العمل، وقد أدى ذلك إلى تقدم أي دولة يصدر ضدها حكم عقابي من منظمة التجارة العالمية، باستئناف على الحكم الصادر من المنظمة وتأخير تنفيذه إلى أجل غير مسمى، وأصبح هذا يُعرف باسم الاستئناف "في الفراغ".

وتعد الولايات المتحدة أكبر مصدر منفرد للاستئنافات في الفراغ، حيث تمثل 38 بالمائة من إجمالي الاستئنافات، وقد واصلت إدارة بايدن انتهاك قواعد منظمة التجارة العالمية بشكل صارخ مع رفضها إعادة هيئة الاستئناف، مما يمكّن واشنطن من عرقلة الأحكام الصادرة ضد تعريفاتها الجمركية غير القانونية في منظمة التجارة العالمية.

وأضافت المجلة أن العديد من البلدان الأخرى تتبع السياسة ذاتها، مستغلة غياب هيئة الاستئناف لتتحدى علانية قواعد منظمة التجارة العالمية. فقد فرضت إندونيسيا، على سبيل المثال، حظرًا على تصدير النيكل الخام، وهو مكون رئيسي في الفولاذ المقاوم للصدأ وبطاريات السيارات الكهربائية.

وتسيطر إندونيسيا على أكثر من نصف إمدادات العالم من النيكل، وتهدف من خلال حظر صادرات النيكل إلى إجبار الشركات التي تعالج النيكل على الاستثمار داخل البلاد. وقد نجح الاتحاد الأوروبي في سنة 2022 في الطعن على الحظر الإندونيسي في منظمة التجارة العالمية، وأمرت لجنة المنازعات في منظمة التجارة العالمية إندونيسيا بإزالة قيود التصدير، لكن إندونيسيا استأنفت الحكم في الفراغ لمنع تنفيذ الحكم، وبدلاً من إلغاء حظر التصدير، تقوم إندونيسيا الآن بتوسيع نطاقه ليشمل المعادن الأخرى غير المصنعة.

واتخذت الهند أيضًا خطوات مماثلة؛ حيث وضعت نظامًا واسع النطاق من الإعانات المرتبطة بـ "المناطق الاقتصادية الخاصة" لتعزيز صادراتها، مما أدى إلى إغراق صناعات الصلب والأدوية بالواردات الرخيصة المدعومة من الهند. وقد رفعت الولايات المتحدة قضية في منظمة التجارة العالمية للطعن في الإعانات وكسبت القضية، وقضت اللجنة بأن دعم الحكومة الهندية ينتهك قواعد منظمة التجارة العالمية ويجب إلغاؤه، واحتفلت واشنطن في البداية بالحكم، لكن الهند جردت الحكم من أي قوة قانونية بعد فترة وجيزة من خلال الاستئناف في الفراغ.

وتذكر المجلة أن ثلثي الأحكام الصادرة عن منظمة التجارة العالمية يتم استئنافها الآن في الفراغ، كما انخفض عدد النزاعات في منظمة التجارة العالمية إلى حوالي ثلث ما كان عليه قبل انهيار هيئة الاستئناف، ويأتي هذا الانخفاض الحاد في الوقت الذي تتبنى فيه المزيد من الدول تدابير تجارية حمائية تتعارض مع قواعد منظمة التجارة العالمية؛ حيث لم تعد الدول ترى في منظمة التجارة العالمية وسيلة فعالة لضمان مصالحها في النظام التجاري الدولي.

وفي محاولة للحفاظ على آلية فعالة لتسوية المنازعات وضمان أن تظل قواعد منظمة التجارة العالمية قابلة للتنفيذ، أطلقت مجموعة من الدول بقيادة الاتحاد الأوروبي ترتيبات التحكيم الاستئنافية المؤقتة متعددة الأطراف، والتي بدأت النظر في القضايا سنة 2022، والتي تحاكي دور هيئة الاستئناف، لكنها تشمل فقط الدول الموقّعة عليها، ولم توافق عليها حتى الآن سوى 53 دولة فقط، بينما بقى غالبية أعضاء منظمة التجارة العالمية خارج الآلية الجديدة. 

انهيار النظام

ترى المجلة أن الأزمة في النظام التجاري العالمي تتجاوز الآن حدود المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، فقد أدى تجاهل الدولتين للمعايير والمؤسسات الراسخة إلى إضعاف الحوافز التي تدفع الدول الأخرى إلى الالتزام بهذا النظام والحفاظ عليه. ورغم أن العديد من الدول تسعى إلى إنقاذ النظام والدفاع عنه، إلا أن دولا أخرى تقوضه من خلال إفساد مفاوضات منظمة التجارة العالمية، وانتهاك قواعد التجارة العالمية مع الإفلات من العقاب، وعرقلة الجهود المبذولة لاستعادة هيئة تسوية المنازعات.

وحسب المجلة، فإن هجوم الولايات المتحدة على هيئة الاستئناف التابعة لمنظمة التجارة العالمية وضع النظام التجاري العالمي على مسار جديد وخطير، فمن دون الآليات التي تفرضها منظمة التجارة العالمية، لم يعد هناك الكثير من الوسائل التي تكبح السياسات الحمائية للدول، وقد أصبحت عواقب هذا المسار واضحة في ظل حمى المساعدات الحكومية والحروب الجمركية وغيرها من السياسات التي سترفع التكاليف وتغذي التضخم وتؤدي إلى زيادة العجز الحكومي، ما سيؤدي إلى مشاكل عميقة في الاقتصادي العالمي.

وتحذر المجلة من أن العالم قد يواجه خطر العودة إلى بيئة التجارة التي كانت سائدة في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، عندما أدى التحول واسع النطاق نحو السياسات الحمائية إلى انكماش في التجارة العالمية وتفاقم الكساد الأعظم، وساعد على اندلاع الحرب العالمية الثانية، وهذا بالأساس هو ما تم تصميم النظام التجاري العالمي لتفادي حصوله.

وقد يصل العدد المتزايد من البلدان التي تتحدى قواعد منظمة التجارة العالمية إلى نقطة تحول ينهار فيها النظام التجاري المتعدد الأطراف بالكامل، وقد يؤدي هدم التكامل الاقتصادي إلى تزايد الصراع والفوضى في الاقتصاد العالمي والنظام الدولي ككل، وإذا حدث ذلك، فإن النظام الناشئ بعده لن يكون سلميًا.





المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية الاقتصاد التجارة الهند الصين اقتصاد امريكا تجارة الصين الهند صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قواعد منظمة التجارة العالمیة فی منظمة التجارة العالمیة لمنظمة التجارة العالمیة قواعد التجارة العالمیة الولایات المتحدة الاقتصاد العالمی التجاری العالمی النظام التجاری هیئة الاستئناف هذا النظام العدید من المجلة أن فی الفراغ من الدول من خلال

إقرأ أيضاً:

مدير منظمة العمل الدولية: المملكة تقوم بدور ريادي في قيادة مستقبل سوق العمل العالمي

أشاد المدير العام لمنظمة العمل الدولية جيلبرت هونغبو، بالدور الريادي للمملكة العربية السعودية في قيادة مستقبل سوق العمل العالمي، منوهًا بالإصلاحات الشاملة التي تنفذها ضمن رؤية المملكة 2030 لتعزيز بيئة العمل اللائق ورفع تنافسية السوق وتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة.

وأوضح في تصريحٍ لوكالة الأنباء السعودية “واس” خلال مشاركته في المؤتمر الدولي لسوق العمل 2025 بالرياض، أن المملكة نجحت في تطوير سوق العمل عبر سلسلة من الإصلاحات النوعية، شملت تحسين القوانين العمالية، وتعزيز معايير السلامة والصحة المهنية، ودعم توظيف الشباب والمرأة، مما يجعلها نموذجًا عالميًا في بناء بيئات عمل حديثة ومتطورة.

وقال: “إن ما تقوم به المملكة اليوم يعكس التزامًا واضحًا بإيجاد سوق عمل أكثر مرونة وعدالة، وهو ما يتماشى مع المعايير الدولية التي نسعى جميعًا إلى تحقيقها”، مؤكدًا التزام المملكة بتوطين الوظائف، وتمكين المرأة، والاستثمار في تطوير المهارات الذي ينعكس إيجابًا على توفير فرص عمل مستدامة وتعزيز النمو الاقتصادي، مشيرًا إلى أن تبنّي المملكة، للسياسة الوطنية للقضاء على العمل الجبري، يعكس التزامها الراسخ بمعايير العمل الدولية، ويضعها في مصاف الدول الرائدة في تعزيز بيئات العمل العادلة والمنصفة.

ونوه المدير العام لمنظمة العمل الدولية، بريادة المملكة في التحول الرقمي وجهودها في مواجهة تحديات التغير المناخي، مؤكدًا أن استثماراتها في التقنيات الحديثة وتعزيز الاستدامة تمنحها فرصة لقيادة الجهود العالمية في تحقيق “الانتقال العادل” نحو اقتصاد مستدام يوازن بين التنمية والعدالة الاجتماعية.

وأشار إلى أن استثمارات المملكة في الرقمنة والتقنيات الحديثة لا تقتصر فقط على تحسين كفاءة سوق العمل، بل تسهم أيضًا في إيجاد بيئات عمل أكثر جاذبية واستدامة، وهو ما يمثل نموذجًا يحتذى به عالميًّا.

ولفت النظر إلى أن المملكة تُعد شريكًا إستراتيجيًّا في الجهود الدولية لتعزيز العدالة الاجتماعية وتحقيق النمو الشامل، منوهًا بتعاون المنظمة مع المملكة في عدة مجالات، من بينها السلامة والصحة المهنية، ومواءمة المهارات مع احتياجات سوق العمل، وتعزيز الحماية الاجتماعية، مشددًا على أن التجربة السعودية يمكن أن تشكل نموذجًا يُحتذى للدول الأخرى في تحديث أسواق العمل.

وأوضح هونغبو أن المؤتمر الدولي لسوق العمل الذي تحتضنه العاصمة الرياض، يوفر منصة أساسية لأصحاب المصلحة الرئيسين في قطاع العمل، للتفاعل في حوار هادف حول التحديات والفرص الملحة في سوق العمل العالمي اليوم.

وقال: “إن أولويات منظمة العمل الدولية، تشمل معالجة التفاوتات وتعزيز النمو الشامل، والترويج للعمل اللائق، وتعزيز الحماية الاجتماعية، ومعالجة الديناميكيات المتغيرة في سوق العمل الناتجة عن الرقمنة، والعمل المناخي وجهود الانتقال العادل، والتغيرات الديموغرافية، مؤكدًا أن تعزيز العدالة الاجتماعية ليس فقط واجبًا أخلاقيًا ولكنه أيضًا ضرورة اقتصادية، حيث يسهم في تحقيق الاستقرار والإدماج والنمو المستدام، مشيرًا في الوقت ذاته، إلى أن المؤتمر الدولي لسوق العمل بالرياض، يتواءم بشكل وثيق مع هذه الأولويات، خاصة في معالجة قضايا مثل خلق الوظائف، وممارسات العمل العادلة، وتكيف القوى العاملة مع عالم يتغير بسرعة.

وحول ملف معالجة البطالة في الدول العربية، أكد المدير العام لمنظمة العمل الدولية، أن التصدي لبطالة الشباب يتطلّب اتباع نهج متعدد الأبعاد، يشمل الاستثمار في التعليم الجيد والتدريب المهني الملائم لاحتياجات سوق العمل، وتعزيز ريادة الأعمال، وتوفير المزيد من الفرص للعمل المثمر والهادف، مشيرًا إلى أنه على الرغم من أن معدلات بطالة الشباب العالمية انخفضت إلى أدنى مستوى لها منذ 15 عامًا، إلا أن تقرير اتجاهات التوظيف العالمية للشباب الصادر عن منظمة العمل الدولية يشير إلى زيادة بنسبة 1 بالمئة في بطالة الشباب في الدول العربية.

وأكد ضرورة مواءمة أنظمة التعليم مع متطلبات السوق وتوفير المزيد من فرص العمل المثمر والهادف، كما يمكن للحلول التي يقودها الشباب، بدعم من الأمم المتحدة ومبادرات مثل “وظائف لائقة للشباب”، أن تؤدي دورًا محوريًا في معالجة الانتقال من المدرسة إلى سوق العمل، وتعزيز ريادة الأعمال وتحسين فرص التوظيف.

وفيما يتعلق بالتحديات التي تفرضها التحولات الرقمية في مكان العمل، وسبل معالجتها، قال هونغبو: إن التحولات الرقمية توفر فرصًا لتوفير الوظائف، وزيادة الإنتاجية، وتعزيز الابتكار، لكنها تطرح تحديات، منها فقدان الوظائف، وزيادة أشكال العمل غير المستقرة، وعدم التوافق بين المهارات، وعدم المساواة في الوصول إلى التكنولوجيا، داعيًا الحكومات وأصحاب العمل للاستثمار في برامج التعلم مدى الحياة، وضمان الوصول العادل للتقنيات الرقمية، واعتماد سياسات تدعم العمال في أثناء هذه التحولات.

اقرأ أيضاًالمملكةنائب وزير الدفاع يرعى حفل تخريج الدفعة (105) من طلبة كلية الملك فيصل الجوية

كما يعد دمج عناصر العمل اللائق في السياسات والإستراتيجيات الرقمية أمرًا ضروريًا لضمان أن تعزز التحولات الرقمية أسواق عمل شاملة وعادلة ومستدامة، بالإضافة إلى ضرورة إصلاح أنظمة الحماية الاجتماعية التقليدية وقوانين العمل لتتوافق مع الطبيعة المتغيرة للعمل نتيجة الرقمنة.

وأكد المدير العام لمنظمة العمل الدولية، أن المساواة بين الجنسين، من العناصر الأساسية من مهمة منظمة العمل الدولية، إذ تعمل منظمة العمل الدولية على تنفيذ أجندة تحويلية للمساواة بين الجنسين والمساواة في المعاملة والفرص للجميع، ويتضمن ذلك تقليص فجوة الأجور بين الجنسين، وتعزيز العمل اللائق في اقتصاد الرعاية، وإنهاء العنف والتحرش في عالم العمل.

وقال: “إن ضمان حصول النساء على الحماية الأمومية، وتوفير بيئات داعمة للعاملين من ذوي المسؤوليات العائلية من خلال إدخال تدابير مثل ترتيبات العمل المرنة وإجازات الأمومة والأبوة، وتعزيز العمل اللائق للعاملين في مجال الرعاية بما في ذلك العاملات المنزليات، يُعد أمرًا بالغ الأهمية، مؤكدًا أهمية الشراكات مع الحكومات والشركات في منطقة الخليج العربي وخارجها، لدفع هذه الأجندة إلى الأمام، ومنوهًا في هذا السياق، باعتماد المملكة تشريعات جديدة لإنشاء تأمين أمومة إلزامي للعاملات من المواطنين والمقيمين، الأمر الذي يُعد خطوة رئيسة لدعم توظيف النساء وتعزيز المساواة في سوق العمل.

وحول مبادرة “التحالف العالمي من أجل العدالة الاجتماعية”، ومجالات إسهام المملكة العربية السعودية فيها، أوضح هونغبو أن المبادرة التي أطلقتها منظمة العمل الدولية، تمثّل منصةً لتعزيز التعاون الدولي لمعالجة التفاوتات والترويج للعمل اللائق ودفع العدالة الاجتماعية قُدُمًا على مستوى العالم، إذ يجمع التحالف أكثر من 300 جهة، تشمل حكومات وأصحاب عمل وعمال، إضافة إلى منظمات دولية وأكاديميين وأصحاب مصلحة آخرين، بهدف تطوير حلول مبتكرة لتحديات عالمية مثل البطالة ونقص الحماية الاجتماعية والفجوات بين الجنسين والديناميكيات المتغيرة في سوق العمل، وقد وضعت الأجندة التحولية لرؤية المملكة 2030، المملكة العربية السعودية في موقع مميز يمكّنها من أداء دور بارز في التحالف، حيث تُعد إصلاحات سوق العمل الطموحة في المملكة والجهود لتعزيز شمولية القوى العاملة والاستثمارات في التعليم وتطوير المهارات، أمثلةً قيمة يمكن أن تُقدم رؤى وممارسات فضلى للمجتمع العالمي، إضافةً إلى أن القيادة الإستراتيجية للمملكة في تنظيم المنتديات الدولية مثل المؤتمر الدولي لسوق العمل تتماشى مع مهمة التحالف لتعزيز العمل التعاوني من أجل اقتصاد عالمي أكثر عدالة وشمولية.

وأوضح المدير العام لمنظمة العمل الدولية، أن السلامة والصحة المهنية، بما في ذلك الحماية من العنف والتحرش، تشكل جزءًا أساسيًا من ضمان العمل اللائق وحماية رفاهية العمال، منوهًا بما أحرزته المملكة من تقدمٍ كبيرٍ في تحسين معايير السلامة والصحة المهنية خلال السنوات الأخيرة، خاصةً من خلال إصلاحات سوق العمل ومبادرات رؤية المملكة 2030، بما في ذلك اعتماد سياسة وإستراتيجية وطنية للسلامة والصحة المهنية، وإنشاء مجلس وطني للسلامة والصحة المهنية، وتطوير نظام وطني حديث لتسجيل والإبلاغ عن إصابات وأمراض العمل، مؤكدًا التزام المنظمة بدعم المملكة في بناء ثقافة وقاية وتميز في مجال السلامة والصحة المهنية.

وفي ختام تصريحه، دعا هونغبو المشاركين في المؤتمر الدولي لسوق العمل، إلى استغلال هذه الفرصة للحوار والتعاون، مؤكدًا أن مستقبل سوق العمل يعتمد على الجهود الجماعية لتعزيز العمل اللائق، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ودعم التنمية المستدامة عالميًا.

مقالات مشابهة

  • «الصحة العالمية»: 14 ألف شخص بحاجة للإجلاء الطبي من غزة
  • «الصحة العالمية»: ما بين 12 إلى 14 ألف فلسطيني ما زالوا بحاجة للإجلاء الطبي من غزة
  • «القمة العالمية للحكومات» تطلق المسح العالمي للوزراء وجائزة أفضل وزير في العالم
  • القمة العالمية للحكومات تطلق النسخة الثانية من المسح العالمي للوزراء والدورة الثامنة من جائزة أفضل وزير في العالم
  • بريطانيا وأمريكا: تاريخ أسود من الإجرام المُفرِط بحق الأمة والإنسانية!
  • مدير منظمة العمل الدولية : البطالة العالمية تتراجع والتحديات مستمرة
  • القمة العالمية للحكومات تطلق النسخة الثانية من المسح العالمي للوزراء
  • ندوة بمعرض القاهرة للكتاب تناقش شبح الحرب العالمية الثالثة ومستقبل النظام الدولي
  • معرض القاهرة للكتاب يناقش شبح الحرب العالمية الثالثة ومستقبل النظام الدولي
  • مدير منظمة العمل الدولية: المملكة تقوم بدور ريادي في قيادة مستقبل سوق العمل العالمي