انتهى الزمن الذي كانت فيه الحروب مع إسرائيل تشهد شبه إجماع في المنطقة، فحتى التيارات الإسلامية التي شكلت المواجهة المقدسة مع إسرائيل جزءا من وعيها الحركي وهويتها الدينية، تغيرت أولويات كثير منها بعد الربيع العربي.  

ودقت الحرب الراهنة مع إسرائيل لاسيما في لبنان إسفينا حادا أحدث شروخا عميقة في أوساط الإسلاميين بكل أطيافهم، من الموسومين بالاعتدال إلى أكثرهم تشددا وأصولية.

شقاق في بيت الإسلاميين

لقد كان دوما تدخل إيران ووكلائها الإقليميين في القضية الفلسطينية موضع سجال بين الإسلاميين، فبين من يراه مجرد مناورات إيرانية لاختراق الدول والمجتمعات العربية، ومن يعده دعما جادا وفارقا في الصراع المستمر منذ عقود.  

ومع انتقال تركيز الجيش الإسرائيلي نحو الجبهة الشمالية مع لبنان، وتنفيذه سلسلة من الاغتيالات الدقيقة حيدت معظم الصف القيادي الأول لحزب الله، وطالت أمينه العام حسن نصر الله، وجد الإسلاميون أنفسهم أمام مفترق طرق إزاء هذه النكبات التي حلت بالحزب، وعكست البيانات الصادرة عنهم حالة التشظي والانقسام التي باتت تعصف بهم.

مقتل نصر الله.. منذ تعقبه لمدة أشهر حتى العثور على جثته قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، السبت، إن القادة الإسرائيليين كانوا على علم بمكان وجود زعيم حزب الله حسن نصر الله منذ عدة أشهر، لكنهم قرروا استهدافه الأسبوع الماضي لأنهم اعتقدوا أن لديهم نافذة زمنية قصيرة قبل أن يختفي مرة أخرى في مكان مختلف.

كانت مواقف جماعة الإخوان المسلمين والكيانات المحسوبة عليها متباينة إلى حد كبير، ويمكن تقسيمها إلى أربعة مواقف، موقف نعى قيادات حزب الله ووصفهم بالشهداء وترحم عليهم، وهو موقف فرع الإخوان في فلسطين، والمغرب ممثلا في حزب العدالة والتنمية الذي عزى في قادة الحزب.  

وموقف عبر عن سروره وابتهاجه بتصفية من وصفه بـ"المجرم الطائفي حسن نصر الله" كما جاء في البيان الذي أصدره تنظيم "الإخوان المسلمين" في سوريا، مؤكدا أن فرحهم بمقتل نصر الله "يتسق تماماً مع أدبيات الجماعة ومواقفها الممتدة منذ عقود، من البغي والعدوان الطائفي على شعبنا السوري، الذي رعاه نظام إيران طوال الفترة الماضية".

الموقف الثالث وهو الذي أدان ببرود قتل حسن نصر الله، لكن دون إسبال وصف الشهيد عليه أو الترحم عليه، وهو الموقف الذي اختارته جماعة الإخوان المسلمين في مصر بجبهتيها المتنافستين "جبهة لندن" و"جبهة إسطنبول".  

أما الموقف الرابع فهو الذي اختار التزام الصمت وعدم التعليق، حتى لا يزداد الصدع اتساعا، وحتى لا يتمدد الخلاف إلى القواعد الشعبية، وينتهي بانشقاقات جماعية، وهو الموقف الذي اختارته جماعة الإخوان المسلمين في الأردن وذراعها السياسية "جبهة العمل الإسلامي".

سجال الأصوليين

إذا كان مقتل إسماعيل هنية قد شق صف تنظيم القاعدة إلى الدرجة التي عارض فيها قادة كبار في التنظيم مواقف قيادته العام، ولم يجد سيف العدل بدا من التزام الصمت بعد مقتل إسماعيل هنية، وهو الذي أصدر بيان تعزية في مقتل أفراد عائلته في أبريل الماضي ووصفه حينها بـ "الشيخ المجاهد الفاضل إسماعيل هنية" لأنه يدرك أن نعي هنية والترحم عليه سيؤدي حتما إلى انشقاقات عريضة في تنظيمه، وربما انفصال فروع عنه لاسيما الفرع السوري "حراس الدين" والفرع الصومالي " حركة الشباب"؛ إذا كان الموقف من الترحم على هنية قد خلف كل ذلك الجدل، فإن مقتل حسن نصر الله وقادة حزب الله قد وسع دائرة السجال لتشمل كل الأصوليين من المحسوبين على التيار الجهادي والسلفي، وأثار في صفوفهم عاصفة من الشنآن والخلافات الحادة.

حوّل هؤلاء مواقع التواصل الاجتماعي إلى جبهة صراع حامية، تراشقوا فيها بتهم التبديع والتخوين، والجهل بالشرع والواقع.

الشيخ حسن الكتاني، وهو من منظري التيار الجهادي، لم يُخف تأييده لعمليات حزب الله ضد إسرائيل وحث أنصاره على دعمها، إلا أنه أضاف، في البيان، " أنصر أخاك ظالما أو مظلوما" في إشارة إلى مظالم حزب الله في سوريا، التي يجب التغاضي عنها في هذه الظروف حسب اعتقاده.  

كلام الكتاني جر عليه وابلا من النقد والهجوم من أصدقائه ورفاقه، إذ وصفه أبو محمود الفلسطيني المقرب من أبي قتادة الفلسطيني أحد أبرز شيوخ التيار السلفي الجهادي بـ "التلبيس" واعتبر التعاون مع محور إيران بأنه " مهلكة عقدية ودنيوية".  

وأضاف، في تغريدة منفصلة، "من المعيب والمقرف أن ترى من يزعمون أنهم مشايخ وطلبة علم ونخب يدلسون ويزورون التاريخ الذي نحن شهود عليه وعشناه، فقط لينظفوا يد إيران من دماء وأعراض المسلمين".

نكبات حزب الله المتتالية، والتي بدأت باغتيال القيادي فؤاد شكر مرورا بتفجير أجهزة البيجر وأجهزة الاتصال اللاسلكية وانتهاء بمقتل أمينه العام حسن نصر الله، تفاعلت معها شريحة عريضة من السلفيين الجهاديين بالفرح والشماتة، وقد كتب أيمن هاروش المقرب من هيئة تحرير الشام عشرات المنشورات والقصائد عبر فيها عن سعادته ومباركته لمصائب الحزب المتتالية.  

ورد حذيفة عزام، نجل المرشد الروحي للأفغان العرب عبد الله عزام، عليه قائلا:" يا من تبارك القصف اليوم هيئ نفسك للقصف غدا، فأنت الهدف التالي".  

وذهب حذيفة عزام بعيدا في تأييده لمعارك حزب الله ضد إسرائيل، واعتبر أن أي هجوم من قوات المعارضة السورية على النظام السوري أو حزب الله في سوريا هي "حرب بالوكالة عن إسرائيل".  

تصريح قابله رفاقه السابقون بالاستهجان والاستغراب، لاسيما أن حذيفة دأب على تقديم نفسه "جهاديا"، يسير على خطى والده، وقد كرس معظم وقته للدفاع عن الثورة السورية منذ انطلاقتها في 2011.

من جانبه، خصص الداعية السلفي المغربي، محمد الفيزازي، عدد من المنشورات ندد فيها بمواقف حزب العدالة والتنمية المغربي وجماعة العدل والإحسان الذين نعوا حسن نصر الله ووصفوه بـ"الشهيد". وأكد أنه "لا يجوز الترحم عليه، ولا تقديم التعازي فيه ولا في حزبه الشيطاني".

أما هاني السباعي، القيادي الإسلامي المقرب من القاعدة المقيم في لندن، فخصص جزءا من خطبته في الجمعة الماضية للرد على الإسلاميين الذين رأى أنهم بدأوا يتأثرون بالسردية الإيرانية وخص منهم كل من أحمد مولانا ومحمد إلهامي.

خلاف يتجدد

طالما كان الموقف من حزب الله مثار خلاف بين الإسلاميين، في حرب "تموز 2006"، انحازت معظم مكونات التيار الإسلامي المدني إلى حزب الله، وأعلنت دعمها له، بل صرح عدد من الرموز الإسلامية حينها بأن حزب الله مكون أصيل من مكونات الصحوة الإسلامية.  

وكان الموقف الإيجابي من الحزب أيامها بمثابة الأرضية التي سعى فرقاء الشيعة والسنة للانطلاق منها في مشروع "التقريب بين المذاهب". وحدهم الوهابيون والقاعدة ومن يدور في فلكهم من جماعات وتيارات ظلوا متمسكين بموقفهم الرافض للتطبيع مع الحزب وإن رفع راية "الجهاد" و"المقاومة الإسلامية".

بعد دخول الثورة السورية طور العسكرة، وتحالف الحزب مع النظام السوري لقمع الثوار، وضلوعه في مجازر كثيرة لاسيما في حمص وحلب، انهارت فكرة "التقريب بين المذاهب".  

واعتذر يوسف القرضاوي عن الجهود التي بدلها في سبيل إنضاجها والدفع بها إلى أرض الواقع، واتخذ موقفا جديدا من الحزب لا يختلف كثيرا عن الموقف التقليدي لشيوخ التيار السلفي، وتبعه في ذلك معظم الجماعات المحسوبة على خط الإخوان المسلمين.

بعد هجوم السابع من أكتوبر، تصدر الحزب مجددا واجهة الأحداث، وقدم نفسه كجبهة "إسناد" لقطاع غزة، وبدا واضحا أن إعادة ترميم شرعيته التي بددها في سوريا تقع في صلب أهداف هذا "الإسناد".  

والسجال الحامي حوله اليوم دليل على أن تأهليه مجددا، وتحسين صورته أمام المجتمعات السنية مهمة تكتنفها الصعوبات والتحديات، خصوصا ومجازره في سوريا لاتزال طرية في ذاكرة السوريين.

وما استجد في الجدل الراهن أنه أثار الانقسام في صفوف الجماعات الاسلامية بمختلف توجهاتها وأفكارها، من الإخوان المسلمين الذين أصدروا بيانات متضاربة بشكل صارخ، إلى الأحزاب الإسلامية التي تراوحت الأوصاف التي أسبلوها على حسن نصر الله من " المجاهد الشهيد" إلى "المجرم الهالك".  

وامتد الشقاق إلى التيار الإسلامي المتشدد الذي انقسم بين شامت من فجائع حزب الله وبين من يعتبر الحزب خط دفاع حيوي عن فلسطين ويثمن جهوده "الإسنادية" لقطاع غزة.  

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: الإخوان المسلمین حسن نصر الله حزب الله فی سوریا

إقرأ أيضاً:

محافظة صنعاء تشهد 40 مسيرة ووقفة جماهيرية تضامنًا مع غزة

الثورة نت/

شهدت محافظة صنعاء اليوم، أكثر من 40 مسيرة ووقفة جماهيرية تحت شعار “جهادا في سبيل الله ونصرة لغزة.. سنواجه كل الطواغيت” ، إستمرارًا لنصرة الشعب الفلسطيني، وإعلان الجهوزية لمواجهة العدو الصهيوني.

ورفع المشاركون في المسيرات والوقفات الحاشدة التي أقيمت في مديريات مناخة ، صعفان، الحيمتين الداخلية والخارجية، العلمين اليمني والفلسطيني، ورددوا الشعارات المنددة بالعدوان الصهيوني الأمريكي على اليمن وشعوب المنطقة.

واستنكروا استمرار العدو الصهيوني المجرم في عدوانه الهمجي وإجرامه الوحشي بحق إخواننا الفلسطينيين في قطاع غزة بمشاركة أمريكية، مستهدفاً كل مظاهر

ومقومات الحياة قتلاً وتدميراً وتجويعاً وتهجيرا، كما يواصل سياساته الممنهجة في الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى، وتوسيع عدوانه واجرامــــه في الضفة، وما زال مستمراً في عدوانه على لبنان وسوريا وفق سياسة تدميرية توسعية ممنهجة لاستهداف كل المنطقة ساعياً لتحقيق ما يسمى ب”مشـروع الشرق الأوسط الجديد” .

وأشاروا إلى أن خروجهم المليوني الأسبوعي نصرة للشعب الفلسطيني المسلم المظلوم للمسيرات ، استشعاراً للمسؤولية الدينية والإنسانية والأخلاقية التي تزيد وتتعاظم بطول أمد العدوان وبشاعته، وجهاداً في سبيل الله وابتغاء لمرضاته.

وجددوا في بيان صدر عن المسيرات والوقفات موقفهم الإيماني والمبدئي الثابت تجاه الشعب الفلسطيني المسلم المظلوم بالوقوف إلى جانبه وإلى جانب مقاومته الباسلة، مؤكدين الإستمرار في الدفاع عن المقدسات.

وأدان البيان كل ممارسات العدو، التي تستهدف للشعب الفلسطيني ومقاومته، معبرا عن الإعتزاز والفخر بالوقوف إلــى جانبهم، باعتباره الموقف الطبيعي والصحيح لكل العرب والمسلمين شعوباً وأنظمة، وأن بقية الخيارات أثبتت فشلها، داعيا السلطة الفلسطينية إلى التوقف عن استهداف المقاومين الأبطال المدافعين عن الشعب الفلسطيني وعنها، وأن تعمل لمصلحة شعبها والدفاع عنه لا الدفاع عن عدوها وعدو شعبها.

واعتبر البيان أن ما كشفه العدو الصهيوني وما نشره من خرائط قديمة يدعي أنها لكيانه المزعوم إنما هي لجزء من مخططه الكبير الذي يسميه بإسرائيل الكبرى، والذي يعمل على تنفيذه ليل نهار، ولايخجل من الإفصاح عن ذلك رسميًا بغرض التمهيد والترويض للقبول به لــدى شـعـوب أمتنا.

 

وأشار البيان إلى أنه بالرغم من إيجابية إدانة ذلك من قبل بعض الأنظمة التي يشملها ذلك المخطط، إلا أن السؤال يبقى مطروحًا، أين مواقف بقية الأنظمة؟ والأهـم مـا هـو

الموقف العملي تجاه ذلك المخطط العملي الذي يُنفذ حالياً في سوريا ولن يتوقف هناك بل يستمر ويتوسع، لافتًا إلى أن الموقف إذا لم يكن عمليًا بدعـم المقاومة الفلسطينية التي ما تزال تضرب العدو بقوة فما هو الموقف السليم اذاً؟.

وأكد أن الجمود والسكوت أمام عدو لا يتوقف عن استهداف الجميع؟ ، مشيرا إلى أن التاريخ لـــم يسجل أن هناك مخاطر وتحديات تمت مواجهتها بالاستسلام

والخضوع، بل أن الفطرة السليمة لا تنسجم إلا مع التحرك ودفـع الشـر بالمواجهة، وديننا كذلك يأمرنا بالجهاد ومواجهة الأعداء، ووعد المجاهدين في سبيله بالنصر، وهو لن يُخلف الميعاد.

ودعا البيان شعوب الأمة العربية والإسلامية إلى التوكل على الله، والاعتماد عليه، والالتحاق بموقف الحق، الذي فيه فلاحهم في الدنيا والآخرة، مباركا للقياد القرآنية الحكيمة الإنجازات العسكرية والأمنية، وفي مختلف ميادين المواجهة مع الأعداء التي كانت بفضل الله وعونه، وبالتوكل عليه، والاعتماد عليه، وبالإستجابة العملية لله ولرسوله وللقيادة الايمانية،مؤكدا الجهوزية لكل الخيارات التي تتطلبها المرحلة، وتقتضيها التحديات.

وأكد البيان استمرار أبناء محافظة صنعاء في معركتهم المقدسة بكل إيمان وثبات، وتوكل على الله، واعتماد عليه دون خوف ولا تراجع، معلنين تحديهم لأئمة الكفر أمريكا وإسرائيل وكل من يتورط معهم من الكفار والمنافقين، مباركين إستمرار العمليات العسكرية، والتعبئة العامة، والمسيرات المليونية، والفعاليات والأنشطة والإنفاق في سبيل الله، والمقاطعة الاقتصادية للأعداء.

مقالات مشابهة

  • المصور الذي فقد عائلته ووثق الإبادة الإسرائيلية
  • شاهد ردة فعل الحشود المليونية على الغارات العدوانية الصهيونية على السبعين
  • تطورات الحادث المأساوي الذي وقع بالمسجد الأموي في سوريا
  • 20 مسيرة ووقفة بالضالع نصرة لفلسطين وإعلاناً للجهوزية
  • ٢٠ مسيرة ووقفة جماهيرية في الضالع دعما وإسناد لغزة
  • محافظة صنعاء تشهد 40 مسيرة ووقفة جماهيرية تضامنًا مع غزة
  • العونيون غاضبون من حزب الله
  • من هو أحمد العودة الذي يُهدّد زعامة أحمد الشرع في سوريا؟
  • عن إسم الرئيس.. هذا ما قاله الحزب للودريان
  • هل يعود حزب الله حزباً سياسياً؟