في واقع مليء بالغرائب والتناقضات، تبدو عقول جماعات الإسلام السياسي وكأنها اختارت الانفصال التام عن الواقع. فبينما تشاهد بأمّ عينيك مشاهد الدمار والخراب، تُفاجأ بخطاب يُلقيه أحد قادتهم المتوهمين، يهنئ فيه نفسه وشعبه والأمة العربية بـ"النصر المبين".
طبعاً، النصر ليس في استعادة أرض أو تحرير مدينة، بل في قدرتهم الأسطورية على الصمود تحت الأنقاض، مع كل بيت يُهدم، وكل روح تُزهق.هؤلاء القادة لا يرون الخراب الذي يحيط بهم، بل يعتبرونه جزءاً من “التضحية الضرورية” في سبيل النصر المزعوم، وكأن موت الأبرياء وتدمير المدن هو طريق النصر.
وإن سألتهم عن خططهم للمستقبل، ستسمع إجابات تشعرك وكأنك تتحدث إلى أشخاص يعيشون في عالم موازٍ. يُحدثونك عن "التحرير القريب"، و"الانتصارات القادمة"، رغم أن الأرض تئن تحت وطأة الخسائر، والشعب يعيش في كابوسٍ لا نهاية له. في عقولهم، كل معركة خاسرة هي خطوة نحو النصر، وكل هزيمة هي بداية انتصار جديد. كأنهم يقرأون كتاباً من صفحات وهمية، لا يعرفها سواهم.
الأدهى من ذلك، أن هؤلاء القادة لا يخجلون من الكوارث التي جرّوها على شعوبهم، بل يطالبون الآخرين بأن يمدوهم بالدعم والمساعدة، وكأنهم يقودون مشروعاً ناجحاً يحتاج فقط لبعض التمويل كي يصل إلى النهاية المرجوة. بل ويتمادى البعض في نقد الدول التي لا تسارع إلى مساعدتهم، ويصفها بأنها "خانت القضية"، و"تخلت عن واجبها". وكأن لسان حالهم يقول: "نحن نقرر، نخسر، وأنتم تدفعون الثمن".
المفارقة الساخرة تكمن في أن الجماعات المسلحة لا تتورع عن مدح القوى الخارجية التي تدعمهم بالسلاح والعتاد، تلك القوى التي لا همّ لها سوى تحقيق أهدافها الجيوسياسية على حساب أرواح الناس ومستقبلهم. يُمتدح الدعم العسكري ويُعتبر من علامات "الصمود"، في حين يتم انتقاد كل من لا يشارك في تمويل المغامرات الفاشلة، وكأنهم لم يلاحظوا أن دعم هذه القوى لم يُجلب لهم سوى المزيد من الدمار. ويستمرون في العزف على أوتار المقاومة والمواجهة، بينما شعوبهم غارقة في الدمار.
التناقضات هنا لا تنتهي. كيف لجماعة تُطالب بالدعم أن تعيب على الآخرين عدم الانخراط في حروبها؟ كيف لمن يمدح من يُسلّح ويُحرّض، أن ينتقد من يسعى للسلام أو الابتعاد عن الصراع؟ إنها عقلية غريبة لا تدرك حجم المفارقة التي تعيشها. بالنسبة لهم، الحياة حرب لا تنتهي، حتى لو انتهت الحياة نفسها. المهم أن تستمر المعركة، وأن يبقى الوهم حياً.
وفي كل مرة تُعلن فيها جماعة عن "انتصارها"، تجد الأرض قد اكتظت بمزيد من القبور، والبيوت تحولت إلى ركام، والناس يقتاتون من بقايا حياة كانت يوماً ما طبيعية. ومع ذلك، يستمرون في الحديث عن "التقدم". ولكن التقدم الوحيد الذي حققوه هو في فن التهرب من المسؤولية، والقدرة على تحويل الخسائر إلى أمجاد في أذهانهم فقط.
عندما سُئل علي عزت بيغوفيتش عن سبب قبوله بالتنازل عن جزء من أرض بلاده، أجاب "ذهبت الأرض، لكن بقي الشعب". في إشارة إلى أن الحفاظ على حياة الناس وحريتهم أهم من التمسك بالأرض، وأن التضحية بجزء من الوطن أهون من فقدان الشعب بأكمله في ظل ظروف صعبة ومصيرية.
شتان ما بين موقف علي عزت بيغوفيتش، الذي ضحى بجزء من أرضه حفاظاً على شعبه، وبين تجار الدين والسياسة، الذين يتاجرون بشعوبهم، وأراضيهم لتحقيق مكاسب شخصية رخيصة.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية عام على حرب غزة
إقرأ أيضاً:
بالصور.. أهالي غزة يعيشون الحياة من قلب الدمار
في وقت يترقب فيه المسلمون غروب الشمس للإفطار في شهر رمضان المبارك، يواصل سكان أهالي قطاع غزة تحدي الحياة وسط الركام والدمار المحيط بهم.
وفي الزوايا المدمرة ببيت لاهيا شمال غزة، تكمل العائلات طقوس رمضان وسط الجدران المتساقطة والمرافق المحطمة.
وبالرغم من الدمار، فإن الحياة لم تتوقف، بل على العكس، تبدو أكثر إصرارا، ويواصل سكانها العيش في ظل ظروف تبدو أنها صعبة جدا وخالية من جميع مقومات الحياة.
تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline