يشهد مخزون السدود التونسية من المياه تراجعا حادا بفعل تواصل مواسم الجفاف وانحباس الأمطار جراء التغيرات المناخية، مما دفع عددا من الخبراء والجمعيات الرقابية إلى مطالبة السلطات في البلاد بإعلان "حالة طوارئ مائية".

وتكشف آخر الإحصائيات المتعلقة بحالة السدود التونسية، التي قدمها الثلاثاء المرصد الوطني التابع لوزارة الفلاحة، أن معدل المخزون العام للسدود من المياه بلغ 504 مليون متر مكعب أي بنسبة 21.

5٪ من طاقة استيعابها بعد أن فاق 582 مليون متر مكعب في نفس الفترة من سنة 2023.

وفي أواخر أغسطس المنقضي، دعا المرصد التونسي للمياه (جمعية رقابية غير حكومية)، إلى إعلان "حالة طوارئ مائية"، وذلك عقب تراجع مستوى مخزون السدود التونسية إلى 23.2 بالمائة في ذلك الحين.

وقبلها بأسابيع، أصدر المرصد ذاته، تقريرا كشف فيه عن تلقيه 598 تبليغا من المواطنين، منها 510 تهم انقطاعات غير معلنة واضطرابات في توزيع الماء الصالح للشرب خلال شهر يوليو 2024، على مستوى كامل محافظات البلاد.

وتعاني تونس من آثار شح مائي طيلة السنوات الأخيرة بسبب ضعف الإيرادات من الأمطار، مع تراجع كبير في مخزون السدود من المياه، وسط بلوغ الحرارة درجات قياسية خلال صائفة 2024، ما ساهم في تبخر كميات هامة من مياه السدود، وفق ما يؤكده مختصون.

الوضع المائي بتونس حرج

في هذا الإطار، تقول الخبيرة والمستشارة في الموارد والسياسات المائية والتأقلم مع التغيرات المناخية، روضة القفراج، إن الوضع المائي في تونس حرج، ما ينذر بأزمة حادة تهدد بلادا بأكملها بالعطش.

وتضيف قفراج، في تصريح لـ"أصوات مغاربية"، إن هذه الأزمة التي جاءت بفعل التغيرات المناخية وتوالي مواسم الجفاف عمقها الاستنزاف العشوائي للموارد المائية الجوفية، حيث يوجد في تونس نحو 30 ألف بئر عميقة دون ترخيص قانوني وتستهلك أكثر من 700 مليون متر مكعب من المياه في السنة، لافتة إلى أن السدود توفر 20 ٪ فقط من مياه الشرب.

وتابعت، في تشخيصها للوضع المائي، أن عددا من سدود البلاد قد جفت بالكامل، فضلا عن ضياع نحو 30 بالمائة من نسبة من المياه الموزعة عبر الشبكات التابعة للشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه (حكومية)، في حين تصل نسبة ضياع المياه في في بعض المناطق السقوية إلى ما يناهز 50٪.

وسبق للرئيس التونسي، قيس سعيد، أثناء معاينته لوضعية بعض السدود في 22 يوليو الماضي، أن أكد أن انقطاع المياه "أمر غير طبيعي وليس بريئا".

وشدد أن ما يحدث في عدد من محافظات البلاد "أمر تدبره شبكات إجرامية تستهدف شبكات توزيع المياه وتستهدف المحطات الكهربائية".

وتردّ الخبيرة المستشارة في الموارد والسياسات المائية والتأقلم مع التغيرات المناخية، روضة القفراج، أن الأمر لا يتعلق بمؤامرة، بل بأزمة ناجمة عن سياسات حكومية خاطئة منذ عشرات السنين، وفق تعبيرها.

سياسات قديمة

وتثير السياسات المعتمدة من قبل السلطات التونسية في مجابهة أزمة الماء و آثار التغيرات المناخية التي تلقي بظلالها على البلاد انتقاد عدد من الخبراء إذ يعتبرونه "لا تواكب هذه التطورات".

وفي هذا الصدد، يؤكد الخبير في الموارد المائية، حسين الرحيلي، لـ"أصوات مغاربية" أن السياسة العمومية للمياه في تونس لم تتغير منذ الستينات، بحيث بقيت المقاربات الحكومية تكتسي طابعا تقليديا يرتكز على الشعارات دون انتهاج سياسة تقوم على التكيف الاستباقي مع التغيرات المناخية.

ويضيف بأنه لم يتم بعد إعادة النظر في أولويات استعمال الماء في المجالات الفلاحية والصناعية والسياحية، مشيرا إلى أن مجلة المياه في البلاد لم يتم مراجعتها منذ 1975.

وبشأن الحلول الممكنة لمعالجة أزمة الشح المائي، دعا الخبير السلطات التونسية إلى إقامة حوار مجتمعي لسن قوانين جديدة تواكب التحولات المناخية، فضلا عن التركيز على إنشاء سدود جوفية تدعم الموارد المائية وذلك لمجابهة ظاهرة تبخر المياه.

ولفت إلى أن أول تجربة لإحداث سد جوفي كانت سنة 1994 وقدمت هذه التجربة نتائج إيجابية، وفق قوله.

وللحد من آثار وتداعيات الجفاف، شرعت السلطات التونسية في الأعوام الأخيرة في إنشاء سدود جديدة، وتشييد محطات تحلية مياه البحر بعدد من المحافظات الساحلية منها محافظتي صفاقس وقابس (جنوب شرق)، فضلا عن المساعي لدخول مجال الاستمطار الصناعي للحد من تبخر مياه البحيرات، وفق ما أعلن عنه وزير الفلاحة الأسبق منعم بالعاتي مطلع العام الجاري.

وتمتلك تونس نحو 37 سدا أبرزها سد سيدي سالم، إضافة إلى البحيرات الجبلية وتقع أغلبها في شمال البلاد.

المواءمة بين الموارد المائية والإنتاج الفلاحي

في هذا السياق، يرى الخبير في السياسات الفلاحية، فوزي الزياني، أنه في ظل التغيرات المناخية، يجب تعديل السياسات الحكومية بشكل يوائم بين الموارد المائية لتونس ودعم الإنتاج الفلاحي حفاظا على الأمن الغذائي للبلاد.

ويوضح الزياني، لـ "أصوات مغاربية"، أن التحكم في المياه المهدورة الناجمة عن تساقطات الأمطار في غياب البحيرات التلية بمحافظات الوسط والجنوب، يمكن أن يوفر جزءا مهما من الاحتياجات المائية في الفلاحة السقوية، وفقه.

وشدد الخبير الفلاحي أن الأراضي الفلاحية في المناطق الحدودية مع الجزائر تضررت بشكل لافت، عقب سعي السلطات الجزائرية لتشييد سدود منعت وصول مياه الأودية إلى تونس.

وتبعا لذلك دعا المتحدث الحكومة التونسية إلى التفكير في معالجة المياه المستعملة التي يمكن أن توفر حوالي 600 ألف متر مكعب، وتغطي 25٪ من احتياجات الفلاحة بتونس من الماء، مؤكدا أن المراهنة على تحلية مياه البحر ستكون له انعكاسات وخيمة على المنظومة الفلاحية.

جدير بالذكر أن تونس تخطط هذا الموسم لإنتاج مليون و173 ألف هكتار من الحبوب من ضمنها مساحة مروية تقد بـ 80 ألف هكتار، في خطوة تهدف إلى الحد من توريد هذه المادة بحسب مسؤولين في وزارة الفلاحة.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: التغیرات المناخیة الموارد المائیة من المیاه متر مکعب

إقرأ أيضاً:

التغيرات المناخية وتأثيرها على الآمن الغذائي.. الزراعة تحتفل بتخريج 14 مبعوثا من إفريقيا

 قام المهندس مصطفى الصياد نائب وزير الزراعة بتسليم شهادات التخرج ل 14 مبعوثا من 11 دولة افريقية في البرنامج التدريبي "التغيرات المناخية وتأثيرها علي الآمن الغذائي" ، وذلك نيابة عن علاء فاروق وزير الزراعة واستصلاح الأراضي .

ونقل "الصياد" تحيات وزير الزراعة الى المشاركين في البرنامج التدريبي واشار أن ذلك يأتي في إطار تفعيل التعاون بين كلا من الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية بوزارة الخارجية المصرية والمركز المصري الدولي للزراعة.

وأشار إلى أن الدول المشاركة في البرنامج هي أفريقيا الوسطي – تنزانيا – توجو – غينيا بيساو – كينيا – ملاوي – موزمبيق – الجابون – الصومال – الكونغو برازافيل – النيجر)، كما اكد على اهمية هذه البرامج في دعم قدرات العاملين بقطاع الزراعة بدول القارة الافريقية حيث تتمتع دول القارة بثروات طبيعية هائلة كفيلة بتحقيق الامن الغذائي لدول القارة اذا ما تم استغلالها بالشكل المناسب .

وقدم الشكر الى المركز الدولي المصري والعاملين به على ما يقدموه من مجهودات تهدف الى رفع كفاءة وبناء قدرات العاملين بقطاع الزراعة بدول القارة الافريقية .

ومن ناحيته قال د سعد موسى المشرف على العلاقات الزراعية الخارجية ان انعقاد هذه البرامج بالتعاون مع الوكالة المصرية للشراكة من اجل التنمية ياتي في اطار استراتيجية تعزيز التعاون مع دول القارة الأفريقية التي اعلن عنها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي والتكليفات الصادرة عن علاء فاروق وزير الزراعة واستصلاح الأراضي بهدف تحقيق ألأمن الغذائي لدول القارة الأفريقية .

كما أشار إلى أن المركز المصري يبذل كل الجهد لتفعيل مبادرات التعاون مع دول القارة الافريقية خاصة التدريبية منها والذي ياتي في اطار دور المركز الرئيسي في نشر الوعي الزراعي بدول قارة أفريقيا.


وأضاف ان الشق النظري للبرنامج التدريبي تضمن موضوعات تخص الانذار المبكر ودوره في التكيف مع تغير المناخ وتطبيقات البيانات الزراعية المناخية والارصاد الجوية الزراعية وكذلك سيناريوهات تغير المناخ والنظام الزراعي الجديد فضلاً عن تقنيات الزراعة بدون تربة والزراعة الذكية والامراض النباتية والحشرية في ظل الظروف المناخية، وكذا تأثير تغير المناخ علي قطاع الانتاج الحيواني وعلي الموارد المائية، 
وأشار ان الشق العملي تضمن زيارات ميدانية للمعمل المركزي للمناخ الزراعي (محطات الارصاد الجوية – زراعة الاسطح – تدوير المخلفات العضوية ) ومحطة بحوث سخا لمشاهدة المحاصيل الحقلية وتكيف المناخ وزيارات لمزارع الرمان و البرتقال وحديقة أنطونيادس لمشاهدة نباتات الزينة .


وايضا زيارة لمراقبة البستان(زراعات محمية – صوب خيار وفلفل– مصنع مخصبات تربة ) ومزرعة (للإنتاج الحيواني بمشروع شباب الخريجين بالنوبارية).


ومن جانبها اشارت السيدة علياء ابو النجا وزير مفوض بالوكالة المصرية للشراكة من اجل التنمية بوزارة الخارجية المصرية بان هذه البرامج تاتي في اطار حرص وزارة الخارجية على مساعدة الدول الافريقية في النهوض بقطاع الزراعة وتحقيق الامن الغذائي لشعوبها،

والجدير بالذكر ان البرنامج التدريبي تضمن ايضا تنفيذ بعض الجولات السياحية الى محافظات الجيزة والإسكندرية لإلقاء الضوء على أهم معالم مصر التاريخية والأثرية وكذلك مكانة مصر التاريخية على مر العصور.
حضر الاحتفال ومراسم تسليم الشهادات المهندسة سهير الحفني. مدير عام المركز المصري الدولي للزراعة
وبعض ممثلي سفارات الدول الافريقية المشاركة في البرنامج

مقالات مشابهة

  • "الزراعة" تحتفل بتخريج 14 مبعوثا من 11 دولة افريقية في برنامج "التغيرات المناخية والآمن الغذائي"
  • «رئة الأرض» في خطر.. التغيرات المناخية تهدد نهر الأمازون
  • الزراعة تحتفل بتخريج 14 مبعوثًا من 11 دولة إفريقية في برنامج التغيرات المناخية
  • افتتاح ورشة عمل عن إنتاج أصناف الأرز الأكثر إنتاجية في مواجهة التغيرات المناخية
  • الزراعة تحتفل بتخريج 14 مبعوثا من 11 دولة إفريقية في برنامج تدريبي حول التغيرات المناخية
  • تخريج متدربين من 11 دولة أفريقية في دورة التغيرات المناخية وتأثيرها على الغذاء
  • التغيرات المناخية وتأثيرها على الآمن الغذائي.. الزراعة تحتفل بتخريج 14 مبعوثا من إفريقيا
  • سد ضخم يستعد لإطلاق المياه.. حكومة تايلاند تحذر من الفيضانات
  • التغيرات المناخية.. مصدر: الهيئة الدولية للمناخ تعمل على 3 تقارير نوعية لأول مرة