هل يتفاجأ أحد بانفعال الناس الساخط من الحرب؟

يلتقط بعض المثقفين سخط الناس أداة لإدانة عملية السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، لا لمجرد نقدها، أو تقييم حسابات صناعها.

أنت بوصفك فلسطينيّا تقلّبت في غمرة الصراع، وتعلم الثمن المدفوع أو الذي يُمكن أن يُدفع في مواجهة الاحتلال، لا يُقدّم لك المثقف العربي الذي يكتشف وجع الناس وسخطهم أيّ إضافة، حينما يُحاول إبرازه والإلحاح عليه بقصد الإدانة، لأنك تعيش هذا الوجع بين الناس، ولكنك تنزّه هذا الوجع عن الاستخدام، لأنّ القضية حينئذ لا تبدو وجع الناس بقدر ما هي تقصّد إدانة فاعل من بين هؤلاء الناس ويشاركهم وجعهم بالقدر نفسه.

فأيّ معنى لاستخدام المطحونين في الحرب لعزل مطحونين آخرين في الحرب نفسها، والجميع هو الضحية الأصلية للاستعمار الصهيوني ولحروبه وجرائمه؟ دع عنك أصلا التعامل مع الانفعال الإنساني الساخط في ذروة الحرب، وكأنّه الرأي العام النهائيّ الذي يتعقّل هذه الحرب.

لا يُقدّم لك المثقف العربي الذي يكتشف وجع الناس وسخطهم أيّ إضافة، حينما يُحاول إبرازه والإلحاح عليه بقصد الإدانة، لأنك تعيش هذا الوجع بين الناس، ولكنك تنزّه هذا الوجع عن الاستخدام، لأنّ القضية حينئذ لا تبدو وجع الناس بقدر ما هي تقصّد إدانة فاعل من بين هؤلاء الناس ويشاركهم وجعهم بالقدر نفسه
قد يلزم التمييز بين دوافع الذي انتهجوا هذا الموقف إزاء السابع من أكتوبر، بين من يرى حقّا أن الفجيعة الحاصلة هي المنظار الوحيد لرؤية ما جرى ومن ثمّ تقييمه، وبين من يصفّي حسابه مع ذلك الفاعل (هو حركة حماس في هذه الحالة) باستخدام آلام الناس الفادحة، فليست آلامهم قضيته أساسا، وبين من لديه موقف تأسيسيّ من هذا النمط من المقاومة بقطع النظر عن مستواه.

ومع هذا التفريق في الدوافع على أهمّيته، فإنّ ما يجمع أصحاب هذا النهج لا التقييم من زاوية الدمار والإبادة فحسب، ولكن أيضا خلاصات نهائية، تنحرف عن الجريمة الإسرائيلية إلى إدانة أحد ضحاياها، وهو من قام بعملية السابع من أكتوبر، بنحو يعزله فعليّا عن كونه ضحية الاحتلال وجودا وإبادة، وبما يحرمه من التعاطف كما يقتضي ذلك كونه ضحية الاحتلال، حتى لو استحقّ النقد -جدلا- من جهة قراره وحساباته.

السؤال المطروح والحالة هذه؛ ألا يستحقّ كلّ من وقعت عليه حرب الإبادة التعاطف بالقدر نفسه، وإظهار معاناته بالقدر نفسه، أم أنّه ينبغي أن ينتظر الفلسطينيون إبادة "غير مسبّبة" ليستحقوا جميعا التعاطف بالقدر نفسه؟!

إنّ مراجعة حسابات المسؤول عن عملية السابع من أكتوبر (وهو أمر يفعله الكثيرون من موقع الانحياز لخيار مقاومة الشعب الفلسطيني)، لا تقتضي تحميله المسؤولية عن آلام الناس الحاصلة في حرب الإبادة الإسرائيلية المتسعة من بعد السابع من أكتوبر، فالاحتلال وحده الذي يتحمّل المسؤولية عن جرائمه، وإلا لكان تحميل المسؤول عن السابع من أكتوبر مسؤولية نسبية عن الإبادة؛ مسّا بعدالة مقاومته ومشروعيتها. وهو ما يعود بالسؤال إن كان ينبغي أن ينتظر الفلسطينيون إبادة يعجز عدوّهم عن تسبيبها بمقاومتهم للتعاطف الكامل معهم بلا عزل ولا إدانة لبعضهم! وهو أمر لن يكون، لأنّ لا أحد يضمن سلوك العدوّ الذي يستبطن الإبادة عقيدة ومعنى وجود، ولأنّ الشعب الفلسطيني حيّ فلا بدّ وأن ينهض منه من يقاوم هذا العدوّ!

وقد سبق في مقالات كثيرة وناقشنا الوهم الذي يعتقد أن سياسة الإبادة مسببة بمستوى ما من المقاومة، وبيّنّا أنّ حاجة العدوّ للذريعة بل وحتى للفرصة محض تصوّر خاطئ ينمّ عن جهل بالعدوّ وتاريخ الصراع معه والكيفية التي يتصوّر فيها وجودنا ووجوده في هذه البلاد.

وما ينبغي أن يُضاف إلى ذلك؛ أنّ تحميل من ينهض لمقاومة العدوّ المسؤولية عن جرائم العدوّ التالية على فعل المقاومة خطيئة مؤكّدة، فتقييم الفعل ومراجعة حسابات صاحبه شيء، وجعل المقاوم شريكا للعدوّ في إيقاع الآلام بأبناء الشعب شيء آخر، ولا يقلّ عن ذلك خطيئة توظيف انفعالات المطحونين بجرائم العدوّ لإدانة المقاوم! وهذا بمعزل عمّا يمكن قوله حينما لا يكاد يلتفت المثقف العربي في ذكرى السابع من أكتوبر إلا إلى تقييم حسابات المسؤول عن العملية، ولا يجد شيئا آخر لقوله.

وإذن، فملاحظاتنا على هذا النقد ليس من جهة نقد حسابات المقاوم، ولكن من جهة عزله عن أبناء شعبه الذين يشاركهم الألم نفسه والثمن نفسه، والخلط بين النقد والإدانة، أي إشراك المقاوم مع العدوّ في تحمّل المسؤولية عن الفظائع التي يوقعها العدوّ على الفلسطينيين، والملاحظة الثالثة بناء الموقف كلّه على أساس الجزم بإمكان تجنّب كلّ ما حصل، وهذا الافتراض خطير لأنه ينطوي على تضامن مشروط، إذ من هذا الذي يمكنه أن يضمن أفعال العدوّ أو يتحكّم بها؟! فإن انفلت ردّ العدوّ من كلّ ضابط، هل سوف نظلّ نرجع بالإدانة على ذلك المقاوم ونحمّله المسؤولية عن الأثمان التي يدفعها أبناء شعبه، ونجعله هو وعدوه في دائرة الاتهام نفسها، فقط لأنّه لم يتمكن من ضمان ردّ فعل عدوّه؟! ويمكن أن نضيف إلى هذه الملاحظات اقتصار التقييم على جانب واحد، هو بالغ الأهمية، ولكنه ليس الجانب الوحيد، في حرب لم تزل قائمة ولم تنته. وهو ما يعني أنّ النظر من الجوانب الأخرى لا يعني الاستخفاف بويلات الناس وبالأثمان الفادحة المدفوعة في هذه الحرب.

وأخيرا.. ماذا يعني العزل الضمني للمقاوم عن بقية الضحايا بجعله شريكا للعدوّ الذي يقاومه في إبادتهم؟! أليس هذا إنكارا لمظلوميته وألمه ونزعا لإنسانيته وجعله مستحقا للإبادة جراء أخطائه المتوهمة أو الحقيقية؟!

x.com/sariorabi

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الاحتلال المقاومة النقد الفلسطينيون فلسطين غزة الاحتلال المقاومة نقد مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة رياضة سياسة صحافة سياسة تكنولوجيا صحافة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة السابع من أکتوبر المسؤولیة عن الذی ی

إقرأ أيضاً:

فى ذكراه.. أحمد حلاوة ترك الهندسة واتجه للفن

يحل اليوم، ذكرى رحيل الفنان أحمد حلاوة الذى توفى أثناء تصويره عدد من الأعمال الفنية، وكان في قمة نجاحه الدرامي والسينمائي.

كلل الفنان أحمد حلاوة مسيرته الفنية بعمل تربوي هام قبل رحيله، وتولي الفنان سامي مغاوري المهمة من بعده، وذلك بالمشاركة في كرتون عالم الحروف الذي أذيع عبر قناة مدرستنا طوال شهر رمضان الماضي.

بعد وفاة أحمد حلاوة استكملت القناة عرض حلقة أسبوعية موجهة لطلاب التعليم الأساسي، وكان الراحل من أبرز المتحمسين لهذه الفكرة، كما كان معتادا في مسيرته كدكتور ومعلم جامعي، قبل مرضه ووفاته متاثرا بإصابته بفيروس كورونا.

أيضا من المتوقع أن يظهر الراحل أحمد حلاوة في فيلم الجواهرجي الذي لم يعرض بعد، وهو من بطولة منى زكي ومحمد هنيدي، وأحمد صلاح السعدني، ولبلبة.

قدم الفنان أحمد حلاوة على مدار تاريخه أكثر من 230، عملا فنيا للسينما والمسرح والتلفزيون، إلى جانب حرصه على تدريس المسرح بكلية الآداب جامعة حلوان.

 من ناحية أخرى قال الفنان أحمد حلاوة، أثناء لقاء له في احدي البرامج التلفزيونية قبل وفاته، «أنا كنت ولد شقي جدا، وسبب حبي للعرايس هو والدتي»، مضيفا إلى كونه مهندس اتصالات ودكتور في فلسفة الفنون أيضا.

 الفنان الراحل أحمد حلاوة، تعلم الفنون المختلفة فهو لاعب العرائس الذي كُرم 4 مرات في أوروبا تقديرا لفنه، رغم أنه تخرج من كلية الهندسة قسم الاتصالات في أواخر ستينات القرن الماضي، وحصل على دكتوراه في فلسفة الفنون من جامعة الفن المسرحي والسينما في العاصمة الرومانية بوخاريست، أما عن سبب حبه للفن، فقد كانت والدته السر: «فيه مراحل في حياتي، كانت سبب حبي للفن منها، أمي اللي كانت بتساعدني في صناعة الأرجوزات وخياطتها، وبسبب شقاوتي كانوا يلمولي حارة حلاوة في البيت، عشان يشوفوا الأراجوز اللي أنا عامله».

كانت بداية الفنان أحمد حلاوة في الفن مصحوبة بذكريات شاقة، لكنها كانت محببة إلى قلبه، إذ قال «أنا وأحمد راتب دخلنا هندسة، هو دخل ميكانيكا، وأنا دخلت اتصالات، وفي الوقت نفسه دخلنا المعهد، وكان الكل صحابنا هناك، واتفاجئت أني كنت من الأوائل طول الأربع سنين».

انتقل حلاوة، بين المدينة والأخرى، وأول وظيفة له كانت في مدينة نصر، التي كانت حينها عبارة عن صحراء وقتها، وكان عمله هناك شاقا عليه، حتى ترك العمل هناك وسخر حياته للفن، لكن الحياة لم تسر بحلوها على الفنان الراحل، إذ كانت ممتزجة بين عمله كمهندس، ونزوله إلى العمل في ورش والحرف اليدوية، لكي لا يعتمد على أموال أسرته ووسطتها له.

مقالات مشابهة

  • موقع إسرائيلي يكشف عدد مقاتلي حماس بهجوم 7 أكتوبر
  • الأمم المتحدة: الوضع في غزة يزداد سوءا وعلى العالم التحرك لحماية المدنيين
  • استئناف الحرب على غزة: 30 طفلاً يستشهد يومياً والأمم المتحدة تقلص عدد موظفيها
  • فى ذكراه.. أحمد حلاوة ترك الهندسة واتجه للفن
  • سيرتها الأولى!!
  • ثمن الحرب: 7 أكتوبر ثلاثية وثائقية تكشف أزمة إسرائيل الوجودية من الداخل
  • المجموعة السودانية لمناصرة اللاجئين..تحية مستحقة
  • شاهد | العدو الإسرائيلي: فشل 7 أكتوبر لا يزال يتفاعل.. إقالة رئيس الشاباك تشعل أزمة
  • الدفاع الإسرائيلية: عدد جرحى الجيش بلغ 78 ألفا منذ 7 أكتوبر
  • رحيل (فطين) بعد آمنة (ساكنة الفؤاد) والفاتح