مفاتيح التجارة العالمية وصراع الممرات المائية
تاريخ النشر: 8th, October 2024 GMT
محمد بن علي العريمي
mahaluraimi@gmail.com
في العقود الخمسة الأخيرة، ومع تصاعد التوترات العالمية، أصبحت الممرات المائية والمضائق الحيوية ساحات صراع محورية بين القوى العالمية الكبرى. هذه الممرات، التي تبدو وكأنها مجرد معابر للسفن والبضائع، تمثل شرايين التجارة العالمية، إذ يمر عبرها نحو 90% من حركة التجارة الدولية.
ولا يُمكن التغاضي عن الدور الحيوي الذي تلعبه هذه الممرات مثل مضيق هرمز (الخليج العربي)، مضيق ملقة (بجنوب شرق آسيا)، باب المندب (البحر الأحمر)، وقناة السويس (البحر الأحمر)؛ إذ إنَّ هذه الممرات تمثل القلب النابض للاقتصاد العالمي، فهي ليست مجرد معابر للنقل البحري؛ بل بوابات للهيمنة الاقتصادية والسياسية. فعلى سبيل المثال، تُعد قناة السويس ممرًا حيويًا يربط بين أوروبا وآسيا، ويمر عبرها حوالي 12% من التجارة العالمية. أما مضيق هرمز، فيُعتبر البوابة الرئيسية لصادرات النفط من دول الخليج العربي؛ حيث يعبره نحو 20% من إجمالي النفط العالمي، ما يجعله بلا شك "مفتاح النفط العالمي".
وإضافة إلى ذلك، تتعرض هذه الممرات لتهديدات جيواستراتيجية، لا سيما في منطقة الخليج حيث مضيق هرمز، ولا شك أي تهديد لهذا المضيق- الذي يُعتبر من أكثر الممرات الحيوية في العالم- قد يؤدي إلى عواقب اقتصادية عالمية وخيمة لا محالة. وبالمثل، يواجه مضيق باب المندب توترات متزايدة بسبب الصراع الإقليمي، وهذه التهديدات ليست مجرد مخاطر إقليمية؛ بل تشكل تهديدًا للأمن البحري العالمي بأسره.
ومن أجل مواجهة هذه المخاطر، تعمل القوات الدولية، بما في ذلك البحرية الأمريكية والأوروبية، على مراقبة هذه المناطق عن كثب لضمان أمن الملاحة. ولهذا السبب، فإنَّ أي هجوم أو تعكير لصفو المرور في هذه الممرات قد يؤدي إلى تداعيات اقتصادية كارثية لا تُحصى.
ومع تصاعد التوتر في هذه المناطق الحيوية، تتنافس القوى العالمية للحفاظ على هيمنتها البحرية وضمان حرية الملاحة. فالولايات المتحدة، والصين، وروسيا تلعب جميعها أدوارًا حاسمة ومتزايدة في تأمين هذه الممرات. وعلى سبيل المثال، تعمل الصين بخطى ثابتة لتعزيز وجودها البحري في المحيطين الهندي والهادئ، وذلك من خلال بناء قواعد عسكرية واستثمارات ضخمة في البنية التحتية في دول مثل باكستان وسريلانكا. وهي تسعى لضمان تأثيرها على مضائق استراتيجية مثل مضيق جبل طارق وبحر الصين الجنوبي، مما يُعزز نفوذها في مناطق حيوية للتجارة العالمية.
وعلى ضوء هذه التطورات، ومع استمرار تصاعد التوترات الجيوسياسية والصراعات الاقتصادية، يبدو أنَّ الممرات المائية ستظل مسرحًا للتنافس الدولي في السنوات المُقبلة. ومن بين التحديات الكبرى التي تواجه هذه الممرات، يأتي خطر الإغلاق الكامل، وهو سيناريو قد يدفع العالم إلى أزمات اقتصادية خانقة. ورغم هذه المخاطر، فإنَّ التعاون الدولي وتطوير القوانين البحرية يُمكن أن يُسهما في تخفيف حدة هذه التوترات وضمان استقرار التجارة العالمية.
وبناءً على ما سبق، يمكن القول إن السيطرة على هذه الممرات المائية الحيوية تعني السيطرة على حركة التجارة العالمية، وبالتالي التحكم في مصير الاقتصاد العالمي بأسره. هذه الحقيقة اللافتة تجعل من الممرات المائية "مفاتيح التجارة العالمية" التي لا تقدر بثمن، خاصة تلك الواقعة في مناطق العالم الإسلامي، والتي تمثل شريانًا استراتيجيًا للتجارة والنفط.
في النهاية، تؤكد التوصيات التي يطرحها المحللون بشدة على ضرورة الحفاظ على أمن واستقرار هذه الممرات باعتبارها مسؤولية دولية مشتركة. والأمر يتطلب تعاونًا مُتعدد الأطراف ونهجًا استراتيجيًا يضمن عدم تحولها إلى بؤر جديدة للصراع. وفي ظل هذه التحديات المتنامية، يبدو أن العالم يقف على أعتاب مواجهة جديدة قد ترسم ملامح القرن الحادي والعشرين.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
وزير التجارة التركي يزف أخبارًا سارة للسوريين
زار وزير التجارة التركي، عمر بولات، معبري “يايلاداغي” و”زيتندالي” الحدوديين، حيث صرّح بأن معبري “جيلوة غوزو” و”زيتندالي” مفتوحان حاليًا أمام حركة التجارة وعبور الركاب، بينما يقتصر معبر “يايلاداغي” على حركة دخول وخروج الركاب فقط. وأشار بولات إلى عودة أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين إلى بلادهم، مؤكدًا أهمية التعاون الاقتصادي بين تركيا وسوريا في إطار إعادة إعمار سوريا.
زيارة معبر “زيتندالي” والإعلان عن مرحلة جديدة
خلال زيارته لمعبر “زيتندالي” الحدودي في محافظة هاتاي، أوضح بولات أن وفد وزارة التجارة أجرى زيارات ميدانية إلى المنطقة لتفقد المنافذ الجمركية وإجراء دراسات ومشاريع لتحسينها.
وأشار الوزير إلى أن تاريخ 8 ديسمبر يمثل بداية مرحلة جديدة ومهمة لسوريا، حيث قال:
“بعد 61 عامًا من حكم نظام البعث، انتهى هذا النظام. نأمل أن ينعم الشعب السوري بالحرية والازدهار والتنمية في هذه المرحلة. وفي ظل هذه التطورات، ستبدأ حقبة جديدة وقوية في العلاقات بين تركيا وسوريا.”
“إسطنبول ستدمرنا يا سادة”.. أربعة ملايين إنسان…
السبت 04 يناير 2025تحسين ثمانية معابر جمركية
شدد بولات على الدور الكبير الذي ستلعبه المعابر الحدودية الثلاثة في هاتاي خلال المرحلة المقبلة. وأعلن أن الوزارة تعمل على تنظيم التجارة مع سوريا في الفترة الجديدة، إلى جانب تنفيذ مشاريع لتحديث وتحسين ثمانية معابر جمركية ستصبح الأكثر نشاطًا في التجارة بين البلدين.
وأضاف الوزير أن محافظة هاتاي، التي تحملت تبعات 13 عامًا من الحرب الأهلية في سوريا، ثم عانت من آثار الزلزال المدمر، تستعد لتعزيز مكانتها في مجالات الإنتاج والاستثمار والتجارة والنقل الدولي خلال المرحلة المقبلة. وأكد أن الحكومة تولي هذا الملف أهمية كبرى وتعمل عليه بدقة لتحقيق الأهداف المنشودة.
“سنخفف العبء عن معبر جيلوة غوزو”
أكد وزير التجارة التركي، عمر بولات، أن معبر زيتندالي الحدودي سيشهد إنشاء مديرية جمركية معززة ومجددة، مشيرًا إلى أهمية المعبر في تخفيف الضغط عن معبر جيلوة غوزو وتسريع حركة النقل باتجاه شمال شرق سوريا. وصرّح قائلًا:
“يحمل معبر زيتندالي أهمية كبيرة لتخفيف العبء عن معبر جيلوة غوزو خاصة، ولتسريع حركة النقل باتجاه شمال شرق سوريا. نأمل أن نكمل هذه الدراسات قريبًا ونقدم تقريرًا للحكومة حول هذا الموضوع. سنعمل بسرعة على استكمال هذه الاستعدادات، ونتمنى أن تعود بالخير على الجميع.”