أعمال ألكسندر صاروخان ضيف شرف أكبر مهرجان للكاريكاتير بفرنسا
تاريخ النشر: 8th, October 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أعلن عبدالله الصاوي، الباحث والكاتب المُتخصص في تاريخ الكاريكاتير المصري، مشاركة مشروعه ذاكرة الكاريكاتير، التابع لمؤسسة عبدالله الصاوي للحفاظ على تراث الكاريكاتير المصري؛ بمجموعة رسوم كاريكاتيرية نادرة للرائد الكاريكاتير المصري والعربي الفنان المصري ذو الأصول الأرمنية: ألكسندرصاروخان (1898-1977)، عن الحرب العالمية الثانية، بالدورة الثالثة والأربعين للمهرجان الدولي للكاريكاتير والصحافة والرسوم المتحركة الفكاهية، والذي أقيمت فعالياته بمدينة سان جوست لومارتيل الفرنسية في الفترة من 28 سبتمبر إلى 6 أكتوبر الجاري.
وأشار الصاوي إلى أن المهرجان يُعد واحدًا من أهم وأعرق المهرجانات الخاصة بالكاريكاتير والفكاهة والسخرية في العالم؛ حيث تأسس عام 1979، بمدينة سان جوست لومارتيل الفرنسية، ويقام كل عام منذ أكثر من 40 عامًا، ويشارك به كل عام أكثر من 150 فنانًا ومصممًا من كل أنحاء العالم، ومن طرائف المهرجان أن البقرة هي الشعار الثابت للمهرجان منذ انطلاقه، ويمنح المهرجان مجموعة من الجوائز، والجائزة الأولى والكبرى للمهرجان، عبارة عن بقرة، يتم ذبحها وتقديمها على الغداء للمشاركين في المهرجان، على شرف الفائز بالمركز الأول، وقد حصلت على الجائزة الكبرى هذا العام، رسامة الكاريكاتير الإيطالية الشهيرة: مارلينا ناردي.
وإلى جانب المهرجان السنوي، يتم تنظيم مجموعة معارض وعروض واجتماعات على مدار العام؛ بهدف فتح آفاق جديدة أمام رسامي الكاريكاتير والمبدعين، وتعزيز التبادل الثقافي والفني والفكري بين الفنانين المشاركين بالمهرجان.
وقد سبق وشارك بالمهرجان عدد من رسامي الكاريكاتير المصريين، ويعتبر صاروخان هو أول رسام مصري وعربي راحل، يحتفي المهرجان به، ويُخصص له ركن خاص بالمهرجان يضم هذا الكم الكبير من الأعمال، وهذا يعكس المكانة الكبيرة التي يتمتع بها صاروخان وفنه عالميًا.
وعن بداية الفكرة وكيفية تنسيق المعرض مع الجانب الفرنسي قال الصاوي: البداية كانت من خلال الفنانة الفرنسية الشهيرة: تراكس، التي زارت مصر لمدة أسبوع بدعم من المعهد الفرنسي بمصر، للتكريم والمشاركة في فعاليات الدورة الأولى لمهرجان دمنهور الدولي لكاريكاتير المرأة في شهر مارس الماضي، وزارت ضمن البرنامج المعد لها أسرة صاروخان، وأنبهرت بأعمال صاروخان، وخاصة بكتابه النادر: هذه الحرب، ومجلته الكاريكاتيرية الشهيرة: لاكارافان (القافلة) التي كان يصدرها باللغة الفرنسية.
وأثناء المهرجان تحدثت مع تراكس عن إمكانية تنظيم معرض كاريكاتيري لصاروخان بفرنسا، فرحبت بالفكرة ووعدتني بالسعي بعد عودتها لفرنسا لإتمام هذا الأمر.
تواصلت معي تراكس بالفعل بعد أنا تواصلت من كذا جهة بفرنسا، وفي نهاية المطاف استقرينا على مخاطبة اللجنة المنظمة للمهرجان الدولي للكاريكاتير والصحافة والرسوم المتحركة الفكاهية بمدينة سان جوست لومارتيل، كونه المهرجان الأهم والأشهر ليس في فرنسا فحسب بل في العالم.
وبالفعل قمت على الفور بالتواصل مع إدارة المهرجان، وعرضت عليهم الأمر، وقوبل طلبي بالترحاب الشديد، وتلقيت أنا وسيلفا نارديان(حفيدة صاروخان)، في شهر مايو الماضي، دعوة رسمية، لحضور فعاليات الدورة الثالثة والأربعين للمهرجان الدولي للكاريكاتير والصحافة والرسوم المتحركة الفكاهية، بمدينة سان جوست لومارتيل.
وأوضح الصاوي، أنه تم التنسيق مع سيلفا على المشاركة بخمسين رسم كاريكاتيري ملون لصاروخان عن الحرب العالمية الثانية، من المقتنيات الثمينة التي لا زالت تحتفظ بها أسرة صاروخان حتى الآن، وتغطي تلك الرسوم أحداث الحرب العالمية الثانية في الفترة من عام 1939 إلى عام 1945، وقد نشرها صاروخان في وقتها في عدد من الصحف والمجلات التي كان يعمل بها ومنها: آخر ساعة المصورة، لبروجريه إيجيبسيان، لابورص إيجيبسيان، ومجلته الكاريكاتيرية التي أصدرها بالفرنسية ورأس تحريرها: لاكارفان (القافلة).
وقد جمع صاروخان، هذه الأعمال وغيرها إلى كتابه الأهم والأشهر: هذه الحرب؛ الذي أصدره على نفقته الشخصية باللغتين الفرنسية والإنجليزية عام 1945. وقد وقع الاختيار على تلك الرسوم دون غيرها، لوجود ترجمة للفرنسية والإنجليزية للتعليقات الخاصة بهذه الرسوم، مما سيتيح لزوار المهرجان إمكانية فهم محتوى الأعمال دون صعوبة، وكذلك ارتباط الأعمال المعروضة لصاروخان بحدث دولي كبير هو الحرب العالمية الثانية، والتي شاركت بها فرنسا إلى جانب دول الحلفاء المنتصرة في الحرب.
وأضافت سيلفا، أن أسرة صاروخان، في غاية السعادة والفخر، بما قدمه جدها صاروخان للصحافة وفن الكاريكاتير المصري والعربي، على مدار أكثر من خمسين عامًا، وبمدى محبة وتقدير الشعب المصري، وكل محبي فن الكاريكاتير في العالم لأعمال صاروخان، مؤكدةً أن عبقرية وتفرد صاروخان وإخلاصه لفنه، جعله يعيش بيننا حتى الآن؛ على الرغم من رحيله عام 1977. وكذلك جعل أعماله هي الأكثر شهرة، والأكثر طلبًا من قبل أصحاب الجاليرهات ومقتني ومحبي الرسوم الكاريكاتيرية داخل مصر وخارجها، وأبسط دليل على ذلك أن مجموعة مستنسخات من أعمال صاروخان مر عليها أكثر من 80 عامًا، عرضت الأسبوع الماضي في واحد من أهم وأشهر مهرجانات الكاريكاتير في العالم بفرنسا، وسط ترحيب ودهشة كبيرة من الجهة المنظمة والحضور.
ووجهت سيلفا الشكر للباحث والكاتب: عبدالله الصاوي، على ما يبذله من جهد خارق وغير مسبوق، من خلال مؤسسته ومشاريعه المختلفة؛ للحفاظ على تراث الكاريكاتير المصري، وإحياء ذكرى الرواد الكبار لفن الكاريكاتير المصري من أمثال: صاروخان ورخا وطوغان وغيرهم، وحبه الشديد لصاروخان وفنه. كما أشادت سيلفا بالمستوى المتميز والجهود التنظيمية الكبيرة التي بذلها القائمون على المهرجان، وتخصيصهم ركن خاص بالمهرجان لأعمال صاروخان، لإتاحة الفرصة - ولأول مرة - للمشاركين ورواد المهرجان، لمشاهدة، خمسين رسم كاريكاتيري نادر لصاروخان؛ وثق من خلالهم ببراعة وذكاء فني شديد، كافة مجريات الحرب العالمية الثانية؛ التي سيحتفي العالم بمرور ثمانين عامًا على انتهائها في مايو القادم 2025.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: الأخت اكتوبر الجاري الحلفاء الحرب العالمية الثانية الكاريكاتير المصري حرب العالمية الثانية ذاكرة الكاريكاتير مهرجانات الحرب العالمیة الثانیة الکاریکاتیر المصری فی العالم أکثر من
إقرأ أيضاً:
القدس المنسية: المدينة التي تُسرق في ظل دخان الحرب الإسرائيلية على غزة والضفة
في الوقت الذي تشتعل فيه المواجهة في القطاع وتحتل صدارة المشهد الإعلامي والدبلوماسي، تنزوي القدس في الظل، كمدينة تُسرق بهدوء وتُغيَّب عن الواجهة تحت غطاء النسيان والانشغال. يعيش الفلسطينيون في القدس واقعا قاسيا لا يقل عنفا، لكنه غالبا ما يُختزل إلى الهامش في السردية الفلسطينية العامة.
تفرض السلطات الإسرائيلية قيودا مشددة على حركة المقدسيين، خاصة خلال شهر رمضان، ما يعيق وصولهم إلى المسجد الأقصى، ويحوّل ممارسة العبادة إلى معاناة يومية تتخللها الإهانات والمنع. فهل تُمارس هذه القيود بدافع أمني حقيقي، أم أن وراءها بُعدا دينيا وسياسيا مقصودا؟ ولماذا تستهدف القدس بشكل متكرر بينما يُسمح للمستوطنين باقتحام ساحاتها بكل حرية؟
ومنذ احتلالها عام 1967، تبنّت إسرائيل نهجا ممنهجا لتغيير الطابع الديمغرافي للقدس الشرقية، من خلال سحب الهويات، وهدم المنازل، وتوسيع المستوطنات على حساب الأحياء الفلسطينية. فهل هي مجرد إجراءات إدارية وأمنية؟ أم أنها جزء من مشروع استراتيجي طويل الأمد لطمس الهوية الفلسطينية في المدينة؟
ما يُنفَّذ اليوم ليس سوى تسريع لهذه السياسات، بقيادة حكومة تُعد من الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل، وتضم شخصيات يمينية تتبنى خطابا إقصائيا لا يعترف بحقوق الفلسطينيين. وقد ترافق هذا التصعيد مع الحرب الإسرائيلية الشاملة على الضفة الغربية وقطاع غزة، ما وفّر بيئة مثالية لتكثيف مشاريع التهويد، في ظل انشغال العالم بساحات الصراع المفتوحة وغياب الاهتمام الدولي بما يجري في المدينة المقدسة
وما يُنفَّذ اليوم ليس سوى تسريع لهذه السياسات، بقيادة حكومة تُعد من الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل، وتضم شخصيات يمينية تتبنى خطابا إقصائيا لا يعترف بحقوق الفلسطينيين. وقد ترافق هذا التصعيد مع الحرب الإسرائيلية الشاملة على الضفة الغربية وقطاع غزة، ما وفّر بيئة مثالية لتكثيف مشاريع التهويد، في ظل انشغال العالم بساحات الصراع المفتوحة وغياب الاهتمام الدولي بما يجري في المدينة المقدسة.
سياسة المنع من الوصول إلى المسجد الأقصى: بين التضييق الديني والتأثير الاقتصادي
إن إحدى أخطر السياسات الإسرائيلية المستمرة في القدس هي إعاقة حرية العبادة للفلسطينيين، لا سيما في المسجد الأقصى، الذي يمثل أمرا عظيما بالنسبة للمسلمين. تُفرض قيود صارمة على دخول المصلين من الضفة الغربية، عبر نظام تصاريح تعجيزي، غالبا ما يُستخدم كأداة للعقاب الجماعي، ويُرفض دون أسباب واضحة، خاصة لفئات الشباب والنساء والنشطاء.
ولا يقتصر المنع على حرمان الفلسطينيين من ممارسة شعائرهم الدينية، بل يتعداه إلى تمييز واضح على أساس العمر والجغرافيا. فكثيرا ما يُمنع الشبان تحت سن الأربعين من دخول المسجد، حتى في المناسبات الدينية الكبرى، فيما يُسمح للمستوطنين اليهود من أقاصي البلاد باقتحام ساحاته، بحماية الشرطة الإسرائيلية.
أما سكان القدس أنفسهم، فلا يسلمون من التضييق اليومي، إذ تُغلق بوابات المسجد الأقصى بشكل مفاجئ، وتُمارس بحقهم إجراءات تفتيش مهينة على المداخل، وتقتحم قوات الاحتلال باحاته بشكل متكرر، مما يحوّل الحرم القدسي إلى ساحة أمنية تُقيّد فيها حرية العبادة وتسلب السكينة من المصلّين. وتصل هذه الانتهاكات إلى حدّ مصادرة وجبات السحور أو الإفطار من المصلّين، كما حصل قبل عدة أيام، حين داهمت القوات باحات المسجد، وصادرت الطعام من المعتكفين، في مشهد يمسّ بكرامتهم ويُنغّص عليهم أجواء الشهر الفضيل.
وإلى جانب الأبعاد الدينية والوطنية، ينعكس هذا الحصار سلبا على الحركة الاقتصادية في القدس. فعدم السماح لسكان الضفة الغربية بدخول المدينة يُعطّل النشاط التجاري والأسواق، ويؤثر بشكل مباشر على دخل مئات العائلات المقدسية التي تعتمد على الزوار والمصلين من خارج المدينة، خاصة خلال شهر رمضان والمواسم الدينية.
الوضع الاقتصادي في القدس
الوضع الاقتصادي في القدس ليس أقل مأساوية من الوضع السياسي، إذ يعيش السكان في حالة حصار اقتصادي دائم، تتجلى في ارتفاع معدلات البطالة وتراجع القدرة الشرائية. ووفقا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، بلغت نسبة البطالة في القدس الشرقية نحو 5.2 في المئة في عام 2024، مقارنة بـ4.4 في المئة في عام 2021. وقد فاقمت جائحة كورونا، إلى جانب الحرب الشاملة على غزة والضفة الغربية، من حدة الأزمة، إذ أدت إلى فقدان نحو 35 ألف عامل لوظائفهم خلال عام 2024. كما أُغلق ما يقارب 450 محلا تجاريا، ما ساهم في تفاقم التدهور الاقتصادي وضاعف من معاناة السكان.
الاقتصاد في القدس يعتمد بشكل كبير على قطاع الخدمات والسياحة، حيث يشكل أكثر من 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي ويوظف قطاع الخدمات 41 في المئة من العاملين. ومع ذلك، تستمر السلطات الإسرائيلية في عرقلة أي نشاط اقتصادي فلسطيني داخل المدينة، من خلال فرض الضرائب الباهظة وإغلاق المحال التجارية بشكل متكرر.
النقص في الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء ليس عرضا طارئا، بل جزء من سياسة ممنهجة لتقليص الوجود الفلسطيني وإضعاف قدرة السكان على البقاء. يعيش في محافظة القدس حوالي 451 ألف نسمة، يشكلون ما نسبته 9.1 في المئة من سكان فلسطين، ويعاني السكان من نقص حاد في الخدمات الأساسية، كالصحة والتعليم والبنية التحتية، مما يؤثر سلبا على جودة حياتهم اليومية. ويحاول الاحتلال، عبر هذه السياسات، أن يجعل من مدينة القدس بيئة طاردة لأهلها وليست جاذبة، في إطار مساعيه المستمرة لتفريغ المدينة من سكانها الفلسطينيين وتغيير طابعها الديمغرافي.
حين تعود إدارة ترامب.. تُفتح شهية التهويد من جديد
ولا يمكن الحديث عن واقع القدس دون الإشارة إلى عودة دونالد ترامب إلى السلطة، وهو الرئيس الأمريكي الذي منح إسرائيل خلال ولايته الأولى دعما غير مشروط، بدءا من اعترافه بالقدس عاصمة لها، وصولا إلى نقل السفارة الأمريكية إليها في خطوة غير مسبوقة. هذه السياسات لم تكن رمزية فحسب، بل أسهمت فعليا في تغيير ميزان القوى على الأرض، وتعزيز قبضة الاحتلال على المدينة.
عودة ترامب اليوم تمثّل رسالة طمأنة للتيار اليميني المتطرف في إسرائيل، لا سيما في حكومة بنيامين نتنياهو التي تضم شخصيات مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. ومما يعزز هذا التوجه أن الفريق المحيط بترامب لا يزال يضم وجوها بارزة من أشد المؤيدين لإسرائيل واليمين الديني القومي.
ويعزز هذا التوجه اليميني المتطرف المحيطون بترامب، الذين ما زال لهم تأثير واضح على ملامح السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية. من أبرزهم: مايك بومبيو، وزير الخارجية السابق، المعروف بدعمه المطلق للمستوطنات ورفضه لحل الدولتين؛ وديفيد فريدمان، السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل، الذي نسّق بشكل مباشر مع قادة المستوطنين وساند ضم الأراضي الفلسطينية. ويبرز أيضا جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأسبق، الذي لطالما دعا إلى الحسم العسكري والتوسع الإسرائيلي، إلى جانب رون ديرمر، أحد أبرز مهندسي العلاقات بين نتنياهو والجمهوريين، والذي سبق أن وصف الضفة الغربية بأنها "أرض متنازع عليها". أما جاريد كوشنر، صهر ترامب ومهندس "صفقة القرن"،عودة ترامب اليوم تمثّل رسالة طمأنة للتيار اليميني المتطرف في إسرائيل، لا سيما في حكومة بنيامين نتنياهو التي تضم شخصيات مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. ومما يعزز هذا التوجه أن الفريق المحيط بترامب لا يزال يضم وجوها بارزة من أشد المؤيدين لإسرائيل واليمين الديني القومي فرغم غيابه عن الفريق الرسمي الحالي، إلا أن رؤيته لا تزال تترك أثرا عميقا في توجهات الحزب الجمهوري تجاه إسرائيل. هذا الطاقم المتماهي مع توجهات اليمين الإسرائيلي لا يبشر إلا بمزيد من الانحياز، ما يعني أن الفلسطينيين في القدس سيواجهون موجة جديدة من التضييق والتطهير الصامت، تحت غطاء أمريكي رسمي.
هشاشة المواقف العربية والإسلامية
وعلى الرغم من الدعم الذي يلقاه الشعب الفلسطيني من قبل الجماهير العربية والإسلامية، إلا أن المواقف الرسمية لبعض الحكومات العربية والإسلامية تظل هشة ولا ترتقي إلى مستوى التحديات التي يواجهها الفلسطينيون في القدس وغزة. وفي حين تستمر بعض الحكومات في تقديم الدعم السياسي والإنساني، فإن الخطوات الفعلية مثل اتخاذ مواقف قوية ضد السياسات الإسرائيلية أو اتخاذ إجراءات ملموسة مثل سحب السفراء أو إلغاء اتفاقيات التطبيع، ما تزال غائبة.
تساهم هذه الهشاشة الدبلوماسية في إضعاف الضغط الدولي على إسرائيل، مما يقلل من فاعلية التحركات الدولية في محاسبتها على انتهاكاتها المتواصلة. ورغم التحركات الشعبية المستمرة في بعض الدول، والتي تعكس رغبة حقيقية في الوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية، فإن غياب التنسيق العربي والإسلامي الفعّال يؤثر على مصير القدس، ويترك الفلسطينيين في مواجهة احتلال متزايد. إن الحاجة إلى توحيد المواقف وتعزيز التعاون بين الدول العربية والإسلامية من أجل الضغط الفعّال على المجتمع الدولي تبقى ضرورية لحماية القدس من عملية تهويد شاملة.
القدس لا تنزف فقط من جراح الاحتلال، بل من صمت العالم، وتردد الشقيق، وغياب القرار. تُسرَق المدينة في وضح النهار، لكنها تُهمَّش في ليل الأخبار، وتذوب في زحمة عناوين الحروب. ومن حق القدس علينا أن نعيدها إلى الواجهة، لا كرمز ديني فحسب، بل كقضية سياسية وشعبية حيّة تستحق أن تكون حاضرة في الضمير العربي والدولي.
فلماذا تغيب القدس عن أولويات الإعلام، وتتراجع على أجندة الدبلوماسية؟ ولماذا تُترك وحدها في معركتها الوجودية؟ إن إعادة الاعتبار للقدس، إعلاميا ودبلوماسيا، لم تعد ترفا ولا خيارا، بل ضرورة وطنية وأخلاقية أمام مشروع الاحتلال الصامت، الذي لا يستهدف الأرض فقط، بل الذاكرة والهوية والإنسان.