مدير مكافحة الالغام : عودة المواطنين تتطلب صبرًا والتزامًا لحين إعلان الجهات الرسمية

كمبالا: التغيير – تقرير

بعد غياب دام لأكثر من عام، قررت أسرة شيخ الدين عبد الوهاب العودة إلى منزلها في أمدرمان، الثورة، الحارة السابعة، استجابةً لنداءات العودة الطوعية التي انتشرت مؤخرًا.

مخاطر أمنية ومعيشية

لكن ما أن وصلت الأسرة إلى منزلها حتى وجدت أن الواقع يختلف كثيرًا عمّا كانت تتوقع.

وفقًا لحديث عدد من أفراد الأسرة مع  «التغيير»، فإن “الأوضاع دون الطموح؛ أساسيات المعيشة تكاد تكون معدومة، المواد الغذائية غير متوفرة، والخدمات الطبية محصورة في مستشفى النو، إلى جانب عدم استقرار خدمات الكهرباء والمياه والاتصالات”.

اسرة عائدة إلى كرري: تخلصنا من عبء الإيجارونواجه خطر القذائف العشوائية

لم تقتصر الصعوبات على التحديات المعيشية فقط، بل واجهت الأسرة خطر القذائف العشوائية التي تطلقها قوات الدعم السريع، مما جعل أفرادها يعيشون في خوف دائم، دون معرفة متى وأين ستسقط القذيفة التالية.

ورغم تخلصهم من عبء الإيجار خلال فترة النزوح في الولايات، إلا أن الحياة في العاصمة باتت أكثر قسوة، وربما تسلّل الندم إلى نفوسهم بسبب قرار العودة.

أوضاع أسرة شيخ الدين تعكس واقع آلاف الأسر التي بدأت بالعودة إلى منازلها في العاصمة الخرطوم، فالولاية تستقبل أعدادًا متزايدة من العائدين، خاصةً في المناطق التي سيطرت عليها القوات المسلحة في أمدرمان القديمة، الثورات، بحري، والكلاكلة ومع ذلك، فإن العديد من العائدين يعبرون عن قلقهم من تدهور الأوضاع الأمنية، في ظل استمرار الاشتباكات والقصف المتقطع.

تجارب متباينة

على النقيض من تجربة أسرة شيخ الدين، عبّرت إيمان محمد، التي عادت من سنار إلى أمدرمان، عن شعور مختلف، وأوضحت أنها رجعت استجابة لدعوات العودة الطوعية بعد التحركات العسكرية الأخيرة، ووصفت الوضع بأنه “مستقر نسبيًا” مقارنة ببعض المناطق الأخرى.

ونزحت إيمان، وهي ربة منزل، من أمدرمان (منطقة بيت المال) إلى ولاية الجزيرة في بداية الأحداث، ومن ثم إلى سنار، ثم النيل الأبيض، قبل أن تعود إلى بيتها في حي بيت المال الأمدرماني. وأوضحت أن عودتها جاءت استجابةً للدعوات التي انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي، التي شجعت المواطنين على العودة إلى منازلهم، لاسيما مع الانتصارات التي حققها الجيش والتقدم عبر الجسور إلى الخرطوم وبحري.

وعادت إيمان منتصف الأسبوع الماضي إلى أمدرمان وقالت إنه تفاجأت بعودة العديد من الأسر إلى منازلها، حيث التقت بأسر كانت مستقرة في ولايات أكثر أمانًا، وأخرى عادت من القاهرة، أديس أبابا، وحتى من جنوب السودان. وفي حديثها لـ «التغيير»، أشارت إلى أن الأوضاع في الحي كانت أفضل مما توقعت؛ فالمواد الغذائية والخدمات الطبية والصحية متوفرة بشكل مقبول، ولم ترَ أي آثار مباشرة للمعارك مثل انتشار الجثث أو مخلفات الأسلحة الثقيلة، رغم سماعها أصوات إطلاق النار المتقطع من مناطق بعيدة.

 

ربة منزل : ارتفاع أسعار إيجارات المنازل مشكلة تواجه العائدين

 

ومع ذلك، لفتت إيمان إلى مشكلة جديدة ظهرت مع عودة الأهالي، وهي ارتفاع أسعار إيجارات المنازل في بعض أحياء أمدرمان، مثل بيت المال والملازمين، خاصةً في المناطق القريبة من المطابخ الخيرية (التكايا) التي توزع الوجبات للأسر غير القادرة على تأمين الطعام بشكل يومي.

تحذيرات من العودة المبكرة

بعد سيطرة الجيش على كبري الحلفايا الرابط بين أمدرمان والخرطوم بحري، أطلق أبناء بحري مبادرة “تنادينا” على منصات التواصل الاجتماعي، بهدف إعادة تهيئة المناطق المحررة وتوفير الخدمات الأساسية في أحياء الحلفايا، الكدرو، والدروشاب تمهيدًا لعودة الأهالي. لكن عضو لجان مقاومة بحري، محمد عثمان أحمد، أعرب عن استغرابه من هذه الدعوات المتزايدة في هذا التوقيت، موضحًا أن الأوضاع في بحري لا تزال غير مهيأة.

وأوضح عثمان في حديثه لـ «التغيير» أن المياه مقطوعة تمامًا عن المنطقة منذ 15 أبريل، في حين تعتمد الكهرباء على مبادرات فردية غير مستقرة. وأضاف إن “العودة الآن هي خطوة متعجلة، لأن المناطق المحررة لا تتجاوز ثلث المساحة الإجمالية لبحري، في حين لا يزال الثلثان الآخران تحت سيطرة قوات الدعم السريع”. وشدد على أن أي مبادرة للعودة يجب أن تسبقها عملية إعادة تأهيل شاملة للبنية التحتية، إلى جانب تأمين المياه والكهرباء، واستعادة السيطرة على بقية المناطق لضمان سلامة العائدين.

أزمة إنسانية متفاقمة

بجانب الوضع الميداني المتوتر، تبرز الأزمات الإنسانية المتزايدة. فقد كشفت غرفة طوارئ بحري السبت الماضي عن تدهور الأوضاع وتصاعد المخاطر نتيجة لتحول النزاع المباشر داخل المدينة. وطالبت الغرفة بضرورة تقديم المساعدة للسكان، مشددةً على أن متطوعيها بحاجة ماسة للدعم، وأن الجهود الإنسانية لا تزال مستمرة رغم التحديات الكبيرة.

وأكدت الغرفة في بيان لها أن المدينة تعاني من أزمة صحية وإنسانية متفاقمة، خاصةً بعد هطول الأمطار الغزيرة التي ساهمت في انتشار الأمراض بشكل كبير، مثل الملاريا والتيفوئيد، مما أدّى إلى حالة طوارئ صحية وسط نقص حاد في الأدوية الأساسية.

جهود إزالة المخاطر

مدير المركز القومي لمكافحة الألغام،العميد ركن خالد حمدان، أكد أن فرق المركز تواصل عملها حاليًا في أمدرمان القديمة وأمدرمان شمال، بهدف تنظيف المناطق من مخلفات الحرب. وأوضح أن الفرق حققت تقدمًا كبيرًا، حيث تمكنت من إزالة ما يزيد عن 90% من المخاطر في المناطق التي تم مسحها حتى الآن. إلا أن العمل المتبقي لا يزال يتطلب جهدًا كبيرًا، خصوصًا في ظل عدم استقرار الأوضاع في بعض المناطق.

وأشار حمدان إلى أن جهود المركز لا تقتصر على إزالة الألغام والمخلفات الحربية، بل تشمل أيضًا توعية المواطنين في المناطق الآمنة حول كيفية التصرف وتجنب المناطق الملوثة. وفيما يتعلق بمدينة بحري، أوضح أن الفرق ستباشر قريبًا عمليات المسح الميداني في الأحياء التي تم تحريرها مؤخرًا، حيث ستبدأ إزالة المخاطر المتبقية لضمان عودة آمنة للمواطنين.

ونوه حمدان إلى أن عملية تنظيف المناطق من المخلفات الحربية هي عملية دقيقة ومعقدة، وتستغرق وقتًا طويلًا لضمان الأمان الكامل. وأضاف أن عودة المواطنين إلى هذه المناطق تتطلب صبرًا والتزامًا لحين إعلان الجهات الرسمية بأن المناطق آمنة.

تدفقات العودة عبر الحدود

رغم المخاطر والتحديات، استقبل معبر أشكيت الحدودي بوادي حلفا في الولاية الشمالية 7,890 سودانيًا خلال شهر أغسطس، وارتفع العدد إلى 12,539 في شهر سبتمبر، غالبيتهم من الأسر التي لجأت إلى مصر بسبب الحرب. وأفاد مصدر مسؤول في المعبر، وفقًا لوكالة الأنباء السودانية (سونا)، بأن هذه العودة تمت ضمن برنامج العودة الطوعية، مدفوعة بالتحسن النسبي في الأوضاع الأمنية وانتصارات القوات المسلحة في مناطق عديدة.

وأضاف المصدر: الأيام المقبلة قد تشهد زيادة في حركة العودة الطوعية عبر معابر حلفا، مع رغبة كثير من الأسر السودانية في العودة إلى مناطقهم الأصلية والاستقرار مجددًا بعد فترة طويلة من النزوح.

الوسومأم درمان الألغام الطوعية العودة بحري

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: أم درمان الألغام الطوعية العودة بحري

إقرأ أيضاً:

قصص من قلب دارفور عن إنسانية المتطوعين رغم المخاطر

الفاشر – في قلب مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور غربي السودان، حيث يحتدم القتال بين الجيش والقوة المشتركة والمقاومة الشعبية من جهة، وقوات الدعم السريع من جهة أخرى، يظهر أبطال من نوع خاص، لا يرتدون زيا عسكريا، بل لهم قلوب مليئة بالشجاعة والإرادة.

من بين هؤلاء الأبطال، يوجد المتطوعون الذين يكرسون جهودهم لتقديم المساعدة الإنسانية للمحتاجين، رغم المخاطر المحيطة بهم. يتنقلون بين أصوات الرصاص والمدافع حاملين الطعام والملابس، ويقدمون الدعم النفسي للأسر التي فقدت كل شيء.

يتألق اسم المتطوع أنور خاطر الذي قرر مواجهة المخاطر ليكون صوتا يعبر عن الأمل في زمن اليأس. يعمل بلا كلل لتقديم المساعدات للعائلات المتضررة، متنقلا بين المناطق التي تشهد توترات أمنية.

المتطوع أنور خاطر (يسار) يقدم المساعدة بمدينة الفاشر (الجزيرة) تحدي الصعوبات

لا يقتصر دور أنور على توزيع الغذاء والمياه، بل يسعى أيضا لتقديم الدعم النفسي للذين فقدوا أحباءهم. ويتحدى المخاطر ليحمل المواد الغذائية والملابس للنازحين في مراكز الإيواء. ويقول للجزيرة نت "عندما أرى ابتسامة طفل أو نظرة شكر من أم فقدت كل شيء، أشعر أن كل المخاطر التي أواجهها تستحق العناء". وأكد أن الأمل هو ما يجعله يواصل جهوده، مشيرا إلى ضرورة العمل الجماعي والتعاون لتجاوز الصعوبات.

ويذهب أنور خاطر يوميا إلى مختلف المواقع الخطرة، ولا يبالي بشدة الاشتباكات مؤكدا أن "الله هو الحافظ". ولفت إلى حادثة وقعت له عندما سقطت قذيفة أمامه، واصفا تلك اللحظة بالمرعبة، وأفاد بأنه لم يكن لديه الوقت للخوف لأن هناك أشخاصا بحاجة إلى المساعدة.

من جانبه، أوضح المتطوع محمد آدم، وهو معلم في إحدى المدارس الثانوية، أنه فقد 3 من أقاربه نتيجة القصف المدفعي. ورغم الصعوبات، يسعى وزملاؤه للبقاء أقوياء لمساعدة المحتاجين. ولفت إلى فقدان 8 متطوعين آخرين كانوا يعملون معه على إعداد الوجبات للنازحين.

ومنذ بداية الحرب في السودان، فقدت البلاد عددا كبيرا من المتطوعين الذين كرسوا جهودهم لمساعدة المحتاجين، ومن بينهم 8 قُتلوا في غرفة الطوارئ بمدينة الفاشر نتيجة سقوط قذيفة، بالإضافة إلى مقتل متطوعة خلال قصف مستشفى الفاشر الجنوبي، كما قُتل الصحفي المتطوع مبارك أبو سن الأسبوع الماضي.

متطوعون يوزعون مواد غذائية على المحتاجين (الجزيرة) ظروف صعبة

وتستمر الأوضاع الإنسانية في دارفور بالتدهور بشكل مقلق بسبب الحرب المستمرة، حيث تشير التقديرات الأممية إلى أن هناك أكثر من 1.5 مليون نازح في دارفور، يقيم معظمهم في مراكز إيواء غير رسمية، في حين يعيش آخرون في القرى المجاورة للمدن التي تشهد مواجهات مسلحة.

ويواجه هؤلاء النازحون صعوبات كبيرة في تأمين الغذاء والمياه والسكن خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، مما يزيد من الحاجة إلى المساعدات الإنسانية.

في هذا السياق، يعمل العديد من المتطوعين على تقديم المساعدات للنازحين، وغالبا ما ينضوون تحت جمعيات إنسانية محلية نشأت خلال فترة الحرب، وتشمل أنشطتهم توزيع المواد الغذائية وتقديم الرعاية الصحية الأساسية وتنظيم حملات توعية حول الصحة والنظافة والدعم النفسي للمتضررين وتوزيع مياه صالحة للشرب في مراكز الإيواء.

متطوعون في مدينة الفاشر في السودان (الجزيرة)

وتأتي مختلف المساعدات من مصادر متعددة، حيث تشكل التبرعات من أبناء دارفور في الخارج الجزء الأكبر، إلى جانب الجهود الذاتية من المجتمعات المحلية. غير أن الوضع الأمني للمتطوعين يظل مقلقا.

ففي مدينة الفاشر، لقي نحو 20 متطوعا حتفهم منذ اندلاع الحرب، مما يعكس المخاطر الجسيمة التي يواجهها الذين يسعون لمساعدة الآخرين في ظل هذه الظروف القاسية. وتقول المتطوعة سلافة صالح للجزيرة نت إن الوضع في الفاشر "مرعب، حيث يتكرر سماع أخبار فقدان أصدقاء وزملاء كانوا يعملون في المجال الإنساني".

وأكدت أن هذه الحرب أخذت أكثر مما يمكن تخيله، لكن رغم ذلك يتعهد المتطوعون بالاستمرار في تقديم العون، إذ يشعرون بمسؤولية تجاه أولئك الذين لا يمكنهم الحصول على المساعدات الأساسية، وذكرت أن العمل في ظروف الحرب يتطلب شجاعة كبيرة، وأشارت سلافة إلى أن الدافع الحقيقي هو رؤية ابتسامة المحتاجين عند تلقيهم المساعدة، مما يجعل كل المخاطر تستحق العناء.

عوائق

من جهته، تحدث الناشط المتطوع فتحي الماحي عن التحديات التي تواجه جهود المتطوعين في المدينة، مشيرا إلى الحصار المفروض الذي يعيق قدرتهم على تقديم المساعدة. ولفت إلى أن قيود التنقل تمثل عائقا كبيرا، حيث تمنع قوات الدعم السريع الوصول إلى المناطق التي تعاني من نقص حاد في الخدمات الأساسية.

كما أشار الماحي إلى غياب التنسيق بين المنظمات الإنسانية، مما يؤدي إلى عدم توزيع المساعدات بشكل فعال، بالإضافة إلى النقص في التمويل وارتفاع الأسعار، مما يعقد الوضع الإنساني ويستدعي جهودا أكبر لتجاوز هذه العقبات.

ووفقا للباحث الاجتماعي محمد سليمان حامد، فإن العمل التطوعي في مدينة الفاشر يتطلب فهما عميقا للمخاطر المرتبطة بالحرب. وأشار إلى أن المتطوعين لا يواجهون فقط تحديات أمنية، بل أيضا نفسية واجتماعية كبيرة.

وقال حامد للجزيرة نت "يجب أن نضع في اعتبارنا أن العمل في بيئات متوترة مثل الفاشر يتطلب إستراتيجيات فعالة للتعامل مع الضغوط النفسية، إلى جانب التدريب المستمر على السلامة".

وحسب حامد، يؤثر النزاع على العلاقات الاجتماعية، وقد يؤدي إلى تفكك المجتمعات، مما يجعل عمل المتطوعين أكثر أهمية من أي وقت مضى. وشدد على ضرورة توفير الدعم النفسي والاجتماعي لهم لضمان قدرتهم على الاستمرار في تقديم المساعدة دون أن يتعرضوا لمخاطر إضافية.

مقالات مشابهة

  • حياة كريمة توسع نشاطها الخدمي.. مبادرات جديدة لدعم المناطق الأكثر احتياجا
  • قوافل حياة كريمة الطبية تستمر في دعم المناطق النائية.. «صحة ورعاية للجميع»
  • نظرة على المناطق المحظورة في بيروت التي أظهر تحليل CNN أنها تضم مستشفيات
  • نقاشات حول النازحين السوريين: تأمين العودة الآمنة وأفكار أخرى
  • عودة أسر سودانية من مصر تزامناً مع انتصارات الجيش
  • 86 % من المستوطنين الإسرائيليين يرفضون العودة للعيش في غلاف غزة
  • غوتيريش يدعو إلى إنهاء المعاناة في الشرق الأوسط
  • طوارئ بحري تحذّر من تصاعد الخطر جراء النزاع المباشر
  • قصص من قلب دارفور عن إنسانية المتطوعين رغم المخاطر