ما حكم الأكل والكتابة باليد اليسرى؟ سؤال يشغل ذهن الكثيرين خاصة مع اليوم العالمي للعُسْر الذي يوافق الـ 13 من أغسطس كل عام، حيث إن الأكل والشرب والتسبيح وغيرها من المسائل غير المنصوص عليها ونص على خلافها تجد حرجا عند من يعانون صعوبة في استعمال اليد اليمنى كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فهل هناك إثم؟ 

حكم الأكل والكتابة باليد اليسرى

الأكل أو الشرب باليد اليسرى مكروه كراهة شديدة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ففي صحيح مسلم من حديث سلمة بن الأكوع، رضي الله عنه "أن رجلاً أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله، فقال: "كل بيمينك"، قال: لا أستطيع، قال: "لا استطعت"، ما منعه إلا الكبر، قال: فما رفعها إلى فيه".

وفي مسند الحسن بن سفيان وسنن ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليأكل أحدكم بيمينه ويشرب بيمنه وليأخذ بيمينه وليعط بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ويعطي بشماله ويأخذ بشماله».

هل يجوز خطبة المرأة وهي في العدة تنتظر الوضع؟.. الإفتاء تجيب الصلاة في هذا المكان غير صحيحة.. الإفتاء توضح

وقد دلت هذه الأحاديث على المنع من الأكل والشرب بالشمال وظاهرها يدل على التحريم كما ذهب إليه ابن عبد البر وابن حزم وغيرهما وهذا إذا لم يكن عذر فإن كان عذر يمنع الأكل والشرب باليمن من مرض أو جراحة أو غير ذلك فلا كراهة في الشمال نبه على ذلك النووي في شرح مسلم.

وعلة المنع من الأكل والشرب باليد اليسرى ما فيه من التشبه بالشيطان كما هو مصرح به في حديث ابن عمر رضي الله عنهما وما بعده من الأحاديث.

وللمنع علة أخرى وهي مشاركة الشيطان للآكل بشماله والشارب بشماله كما في الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا: «من أكل بشماله أكل معه الشيطان ومن شرب بشماله شرب معه الشيطان» قال الحافظ ابن حجر: إسناده حسن.

وللمنع أيضًا علة ثالثة وهي الكبر ولهذا يكون الأكل والشرب بالشمال في المتكبرين والمتجبرين أكثر منه في غيرهم.

وقد روى مسلم في صحيحه عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن رجلا أكل عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشماله فقال: «كل بيمنك» قال: لا أستطيع قال: «لا استطعت ما منعه إلا الكبر» فما رفعها إلى فيه.

وعن عمر بن أبى سلمى رضى الله عنهما قال: كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدى تطيش في الصفحة فقال لى رسول الله (يا غلام سم لله وكل بيمينك وكل مما يليك ) رواه مسلم.

ويأكل المسلم بيمينه إلا إذا كان له عذر، حيث يستحب وليس واجباً تقديم اليمين في كل ما هو مبين من باب التكريم، كالأكل والوضوء والتيمم ودخول المسجد والمصافحة واستلام الحجر الأسود، وعن عائشة رضى عنها قالت: "كان رسول الله يعجبه التيمن في شأنه كله في طهوره، ترجله، تنعله"، متفق عليه.

وقال العلماء إن الأكل باليمين من السنن، واستدلوا بما ورد في مُسند الإمام أحمد أنه - صلى الله عليه وسلم - أكل نوعين من الطعام أو الفاكهة أحدهما بيمينه، والأخرى بيساره، ففهم العلماء من ذلك أن الأكل باليد اليمنى مستحب وليس واجباً.

هل الأكل باليد اليسرى حرام؟ 

وفي جواب سؤال: هل حرام الأكل بالشمال .. أنا أشول؟، قال الشيخ محمود شلبى، أمين الفتوى بدار الإفتاء:"من السنة أن يأكل الإنسان بيمينه، فسيدنا النبى صلى الله عليه وسلم، قال:" يا غلام سَمِّ اللَّه، وكُلْ بِيَمِينكَ، وكُلْ مِمَّا يَلِيكَ"، وكل بيمينك هنا ليست على سبيل الوجوب، فيقول الفقهاء ويستحب أن يأكل بيمينه وذلك حينما تتوفر القدرة .

وتابع شلبى:"البعض يكتب بيده اليسرى ولا يستطيع الأكل باليمنى فيحاول وإن لم يستطع فلا وذر عليه الله سبحانه وتعالى يقول:"فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ"، والنبى يقول: "إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم"، قائلاً:"إذا الأكل باليد اليسرى ليس حراما طالما لا نستطيع الأكل باليد اليمنى".

ما هي أوضاع الكراهة والجواز في استخدام اليد اليسرى؟ 

جاء أن أوضاع الكراهة ثلاث:

1- إذا كان الإنسان قادر على استخدام يده اليمنى في الأكل.

2- إذا كان أكله بيده اليمنى لا يعيقه عن أداء عمل أو يؤخره عنه.

3- إن لم يكن هناك ما يمنع طبيًا استخدام اليد اليمين.

أما أوضاع الجواز فهي: 

1- إن كان هناك مرض عضوي يجعل من استخدام اليد اليمنى أمرًا صعبًا مثل شلل اليد أو كسر أو حرق.

2- إن كان استخدام اليد اليمين يعيق عمل ما ويؤخره عنه.

3- إذا كان الإنسان أيسر أو فاقد لليد اليمنى.

هل الأكل باليد اليمنى سنة أم واجب؟ 

أجاب الدكتور محمود شلبي أمين الفتوى بالإفتاء: إنه توجد أمور مقدرة، وللسائل الأمر مبني على الاستطاعة بالأكل باليمنى.

كما قال الدكتور على جمعة مفتي الديار المصرية السابق: إن استخدام اليد اليسرى مع اليد اليمنى جائز شرعاً، ولا تحريم في ذلك، وإن كان الإنسان قد قام بأكل الطعام بيده اليمنى فقط فهذا هو الخير والصواب، وقد التزم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

ولهذا فإن حكم الأكل باليد اليسرى ليس حرام في المطلق، لكنه غير مستحب ويفضل البعد عنه، إلا في حالات عدم القدرة أو الاضطرار الشديدين كعجز اليد اليمنى أو صعوبة استعمالها، فلا مانع وقتها من استخدامها في هذا الوقت.

هل يجوز قراءة القرآن في الركوع والسجود بدلا من التسبيح؟.. لجنة الفتوى تجيب لماذا لا يجوز الأكل من ذبيحة النذر؟.. وهذا هو حكم عدم الوفاء به هل يجوز التسبيح باليد اليسرى ؟

أوضح الدكتور علي جمعة عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك، أنه يجوز التسبيح باليد اليسرى، ولا بأس في ذلك، وإن كان الوارد عن النبي- صلى الله عليه وسلم – أنه كان يسبح بيمناه. 

وأضاف أن اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- في التسبيح باليد اليمنى أفضل، مشيرًا إلى أن التدقيق في مثل هذه المسائل، يُنشئ عقلية إسلامية سطحية، تمثل خطرًا على الأمة.

وتابع عضو هيئة كبار العلماء: إن العقلية الإسلامية تشبعت وتكونت في زمن المجتهدين السابقين مما اهتموا بالمسائل ذات التأثير على حياة المسلمين، وتمثل فارقًا فيها، مؤكدا أن الاهتمام والتدقيق في مثل هذه المسائل، يجعل أفراد الأمة يهتمون بالمسائل الفرعية فقط، وليست القضايا الأساسية، التي يمكن أن تخرج الأمة من أزمتها.

وأشار إلى أن اليدين وسيلة لضبط العدِّ فيحصل العد باليمنى ويحصل باليسرى ويحصل بهما معًا والأمر في ذلك واسع وليس لأحد أن ينكر فيه على أحد، مع استحباب البدء باليمنى؛ لأن السنة حثت على التيامن.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم رضی الله عنه رسول الله إذا کان إن کان

إقرأ أيضاً:

6 مواقف بكى فيها النبي محمد .. وسبب بكائه على أُمَّتِهِ

سجلت السُنة النبوية والسيرة الشريفة، مواقف بكى فيها النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحزن ويفرح ويبكي، وبكى -صلى الله عليه وسلم- في حياته في أكثر من مناسبة، فقد بكى رحمة لأمته، روى مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: «أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. وقول عيسى عليه السلام: إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ». 

فرفع يديه وقال: اللهم أمتي أمتي وبكى، فقال الله عز وجل يا جبريل اذهب إلى محمد وربك أعلم فسله ما يبكيك، فأتاه جبريل عليه السلام فسأله فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم، فقال الله يا جبريل: اذهب إلى محمد فقل إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك.

بكى النبي - صلى الله عليه وسلم - عند موت عثمان بن مظعون، فعن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّل عثمان بن مظعون وهو ميِّتٌ حتى رأيت الدموع تسيل. ولفظ الترمذي: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قَبّل عثمانَ بن مظعون، وهو ميِّتٌ وهو يبكي، أو قال: عيناه تذرفان»

مواقف بكى فيها النبي

بكاؤه في الصلاة: عن عبدالله بن الشخير قال: «رأيت رسول الله يصلي وفي صدره أزيز كأزيز الرحى من البكاء»، وفي رواية: «وفي صدره أزيز كأزيز المرجل»، وعن علي -رضي الله عنه- قال: «ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد، ولقد رأيتُنا وما فينا إلا نائم، إلا رسول الله تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح».

عن عطاء بن أبي رباح رحمه الله قال: «دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة، فقالت لعبيد بن عمير: قد آن لك أن تزور، فقال: أقول يا أمَّه كما قال الأول: زُرْ غِبًّا تزددْ حبًّا، قال: فقالت: دعونا من رطانتكم هذه، قال ابن عمير: أخبرينا بأعجب شيء رأيتِه من رسول الله، قال: فسكتت، ثم قالت: لما كان ليلة من الليالي، قال: «يا عائشة، ذريني أتعبد الليلة لربي»، قلت: والله إني لأحب قربك، وأحب ما يسرُّك، قالت: فقام فتطهر، ثم قام يصلي، قالت: فلم يزل يبكي حتى بلَّ حجره، قالت: وكان جالسًا، فلم يزل يبكي حتى بل لحيته، ثم بكى حتى بل الأرض، فجاء بلال يؤذِنُه بالصلاة، فلما رآه يبكي، قال: يا رسول الله، تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: «أفلا أكون عبدًا شكورًا؟ لقد نزلت عليَّ الليلة آية، ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها: «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ» (آل عمران: 190).

دعاء المطر والرعد المستجاب.. «اللهم صيبا نافعا»أمين الفتوى: دعاء المظلوم لا يرد والأفضل يدعو للظالم بالهداية

بكاء النبي عند سماع القرآن:

عن عبدالله بن مسعود قال: «قال لي رسول الله: اقرأ عليَّ القرآن، قال: فقلت: يا رسول الله، أقرأ عليك، وعليك أُنزل؟ قال: إني أشتهي أن أسمعه من غيري، فقرأت النساء، حتى إذا بلغت: «فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا» [النساء: 41]، رفعتُ رأسي - أو غمزني رجل إلى جنبي فرفعت رأسي - فرأيتُ دموعه تسيل»، وفي رواية البخاري: حتى أتيتُ إلى هذه الآية: «فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا» [النساء: 41]، قال: حسبك الآن، فالتفتُّ إليه، فإذا عيناه تذرفان».

وعن عمرو بن حريث قال: «قال النبي لعبدالله بن مسعود: اقرأ، قال: أقرأ وعليك أُنزل؟ قال: إني أحب أن أسمعه من غيري، قال: فافتتح سورة النساء حتى بلغ: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 41]، فاستعبر رسول الله، وكفَّ عبدالله، فقال له رسول الله: تكلم، فحمِد الله في أول كلامه، وأثنى على الله وصلى على النبي، وشهد شهادة الحق، وقال: رضينا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، ورضيت لكم ما رضي الله ورسوله، فقال رسول الله: رضيتُ لكم ما رضي لكم ابن أم عبد».

قال ابن بطال: "وإنما بكى عند هذا؛ لأنه مثل لنفسه أهوال يوم القيامة، وشدة الحال الداعية له إلى شهادته لأمته بتصديقه والإيمان به، وسؤاله الشفاعة لهم ليريحهم من طول الموقف وأهواله، وهذا أمر يحق له طول البكاء والحزن».

بكاؤ النبي على القبر:

عن أبي هريرة قال: زار النبي قبر أمه، فبكى وأبكى من حوله، فقال: «استأذنتُ ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذِن لي، فزوروا القبور؛ فإنها تذكر الموت»، وعن البراء بن عازب قال: كنا مع رسول الله في جنازة، فجلس على شفير القبر، فبكى حتى بل الثرى، ثم قال: «يا إخواني، لمثل هذا فأعدوا» هذا لفظ ابن ماجة.

وفي رواية أحمد: «بينما نحن مع رسول الله إذ بصر بجماعة، فقال: علام اجتمع عليه هؤلاء؟ قيل: على قبر يحفرونه، قال: ففزع رسول الله، فبدر بين يدي أصحابه مسرعًا حتى انتهى إلى القبر، فجثا عليه، قال: فاستقبلته من بين يديه لأنظر ما يصنع، فبكى حتى بل الثرى من دموعه، ثم أقبل علينا، قال: أي إخواني، لمثل اليوم فأعدوا».

بكاء النبي لأجل أمته:

عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما «أن النبي تلا قول الله عز وجل في إبراهيم: «رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» [إبراهيم: 36] الآية، وقال عيسى عليه السلام: «إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» [المائدة: 118]، فرفع يديه، وقال: اللهم أُمتي أمتي، وبكى، فقال الله عز وجل: يا جبريل، اذهب إلى محمد - وربك أعلم - فسلْهُ: ما يبكيك؟ فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام، فسأله، فأخبره رسول الله بما قال، وهو أعلم، فقال الله: يا جبريل، اذهب إلى محمد، فقل: إنا سنُرضيك في أمتك ولا نسوؤك».

عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: «ترد عليَّ أمتي الحوضَ، وأنا أذود الناس عنه، كما يذود الرجلُ إبلَ الرجلِ عن إبله، قالوا: يا نبي الله، أتعرفنا؟ قال: نعم، لكم سيما ليست لأحد غيركم، تردون عليَّ غُرًّا محجلين من آثار الوضوء، وليصدن عني طائفة منكم فلا يصلون، فأقول: يا رب، هؤلاء من أصحابي، فيجيبني ملك، فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك؟ وفي رواية: فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول: سحقًا سحقًا».

بكاء النبي رقة وحمة:

عن أنس بن مالك قال: دخلنا مع رسول الله على أبي سيف القين، وكان ظِئرًا لإبراهيم عليه السلام، فأخذ رسول الله إبراهيم، فقبَّله وشمَّه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله تذرفان، فقال له عبدالرحمن بن عوف: وأنت يا رسول الله؟ فقال: «يا ابن عوف، إنها رحمة»، ثم أتبعها بأخرى، فقال: «إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون».

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أخذ النبي بنتًا له تقضي، فاحتضنها، فوضعها بين ثدييه، فماتت وهي بين ثدييه، فصاحت أم أيمن، فقيل: أتبكي عند رسول الله؟ قالت: ألستُ أراك تبكي يا رسول الله؟ قال: «لستُ أبكي، إنما هي رحمة، إن المؤمن بكل خير على كل حال، إن نفسه تخرج من بين جنبيه وهو يحمد الله عز وجل».

وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: كان ابن لبعض بنات النبي يقضي، فأرسلت إليه أن يأتيها، فأرسل: «إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل إلى أجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب»، فأرسلت إليه فأقسمت عليه، فقام رسول الله، وقمت معه، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وعبادة بن الصامت، فلما دخلنا ناولوا رسول الله الصبي، ونفسه تقعقع، فبكى رسول الله، فقال سعد بن عبادة: أتبكي؟ فقال: «إنما يرحم الله من عباده الرحماء».

وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: «اشتكى سعد بن عبادة شكوى له، فأتى رسول الله يعوده مع عبدالرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبدالله بن مسعود، فلما دخل عليه وجده في غشية، فقال: أقد قضى؟ قالوا: لا، يا رسول الله، فبكى رسول الله، فلما رأى القوم بكاء رسول الله، بكوا، فقال: ألا تسمعون؟ إن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحم».

وعن أنس بن مالك قال: خطب النبي فقال: «أخذ الراية زيد فأُصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها عبدالله بن رواحة فأصيب، ثم أخذها خالد بن الوليد عن غير إمرة ففُتح له، وقال: ما يسرنا أنهم عندنا - أو قال: ما يسرهم أنهم عندنا - وعيناه تذرفان».

مواقف أخرى بكى فيها النبي:

عن ابن عباس رضي الله عنه عن عمر بن الخطاب: «.. فلما أسروا الأسارى - يعني في غزوة بدر - قال رسول الله لأبي بكر وعمر: ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ فقال أبو بكر: يا نبي الله، هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام، فقال رسول الله: ما ترى يا ابن الخطاب؟ قلت: لا والله يا رسول الله، ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكني أرى أن تمكِّنَّا فنضرب أعناقهم، فتمكن عليًّا من عقيل فيضرب عنقه، وتمكني من فلان - نسيبًا لعمر - فأضرب عنقه؛ فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديدها، فهَوِيَ رسول الله ما قال أبو بكر، ولم يهوَ ما قلت، فلما كان من الغد جئت، فإذا رسول الله وأبو بكر قاعدين يبكيان، قلت: يا رسول الله، أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدتُ بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما، فقال رسول الله: أبكي للذي عرض عليَّ أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عُرِض عليَّ عذابهم أدنى من هذه الشجرة - شجرة قريبة من نبي الله - وأنزل الله عز وجل: ﴿ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ﴾ [الأنفال: 67] إلى قوله: «فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا» [الأنفال: 69]، فأحل الله الغنيمة لهم».

مقالات مشابهة

  • عضو بـ«العالمي للفتوى»: السنة النبوية علمتنا حقوق الأطفال ورعايتهم
  • أحفاد الرسول الثمانية.. تعرف على جانب من مواقف النبي معهم
  • من هو النبي الذي قتل جالوت؟.. تعرف على القصة كاملة
  • دعاء قبل الأكل.. ماذا كان يقول الرسول قبل تناول الطعام؟
  • أذكار بعد العشاء يوم الجمعة.. 13 دعاء أوصى به النبي ردده الآن
  • فضل الصلاة على النبي .. وأفضل صيغة لقضاء الحوائج في دقائق.. الشعراوي يحددها
  • 6 مواقف بكى فيها النبي محمد .. وسبب بكائه على أُمَّتِهِ
  • أذكار المساء يوم الجمعة.. سلاح ضد الشيطان
  • نائب رئيس جامعة الأزهر يشهد احتفال اليوم العالمي للغة العربية
  • إمام الحرم: حرص النبي على أمته بلغ الغاية في بيان الشريعة