مع كل تطور كبير في الصراع بالشرق الأوسط، يخرج القادة الإسرائيليون للحديث عن "شرق أوسط جديد".

وعندما قاد آرييل شارون، وزير الدفاع آنذاك، الغزو الإسرائيلي للبنان في عام 1982، تحدث عن نظام جديد في الشرق الأوسط، يضم لبنان تحت قيادة حكومة مارونية موالية للغرب، ودولة فلسطينية في الأردن، بعد غزو لبنان والقضاء على منظمة التحرير الفلسطينية وضمان أمن إسرائيل، بحسب تحليل نشرته مجلة "ناشونال إنتريست".

ونقلت المجلة عن الباحث والكاتب ليون هادار، الذي كان يكتب في المجلة وقت توقيع اتفاقية أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية عام 1993، أنه في ذلك الوقت، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي شيمون بيريز والصحفي الأمريكي توماس فريدمان يبشران بمستقبل يحمل "شرق أوسط جديد".

وكانت رؤيتهم أن الشباب الفلسطيني والإسرائيلي سيعملون معاً على تأسيس شركات ناشئة في مجال التكنولوجيا المتقدمة، بدلاً من الدخول في صراعات مستمرة، وكانت هذه الرؤية تتلخص في أن السيارة الفارهة لكزس ستقتلع شجرة الزيتون، التي تمثل رمز الوجود الفلسطيني، لتعلن "نهاية التاريخ"، ما يشير إلى نهاية الصراعات التقليدية وبداية عصر جديد، وهي الرؤية التي قدمها فريدمان في كتابه الشهير 'اللكزس وشجرة الزيتون".

There Will Be No “New” Middle East https://t.co/KhTXWidI8W via @TheNatlInterest

— Nino Brodin (@Orgetorix) October 7, 2024 الشرق الأوسط الجديد

وبعد ذلك كان المفترض ظهور "شرق أوسط موال لأمريكا" بدءاً بالعراق، بعدما تبنى الرئيس جورج بوش الابن استراتيجية "تغيير أنظمة الحكم" و"دعم الديمقراطية" في الشرق الأوسط خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وبعد ذلك جاء ما يسمى بـ"الربيع العربي" في أوائل العقد الثاني من القرن، والذي كان من المتوقع أن يطلق موجة ثورات ليبرالية تقدمية في الشرق الأوسط بقيادة الشباب الذين احتشدوا في ميدان التحرير بالقاهرة لإسقاط حكم الرئيس الراحل حسني مبارك.

والآن أعاد نجاح إسرائيل في توجيه ضربة عسكرية قوية إلى إيران وعملائها في الشرق الأوسط  الحديث عن نظام جديد في المنطقة، يشمل قيام لبنان حر على أنقاض الحرب بين إسرائيل وحزب الله اللبناني.

ومع تقليص النفوذ الإيراني قد يصبح التقارب الإسرائيلي السعودي ممكناً على غرار منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو).

وفي رسالة موجهة إلى الشعب الإيراني، روج رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو، لفكرة تغيير المنطقة، وتحدث عن شرق أوسط جديد يعيش فيه الشعبان الفارسي واليهودي في سلام.

Prime Minister Netanyahu sends a message to the Iranian people: "The people of Iran should know – Israel stands with you" pic.twitter.com/BFsLirkCil

— Hananya Naftali (@HananyaNaftali) September 30, 2024 طريق الجحيم

ويقول الدكتور ليون هادار الباحث الزميل في دراسات السياسة الخارجية سابقاً في معهد كاتو الأمريكي والذي عمل مدرساً في الجامعة الأمريكية بواشنطن، إنه لا خطأ في الحلم بحلم مستحيل أو على الأقل التطلع إلى أيام أفضل قادمة، ولكن المشكلة هي أن القادة السياسيين، أحياناً، يأخذون أوهامهم على محمل الجد  ويوظفونها لحشد الدعم لسياسات مكلفة، وكما يقول المثل: "الطريق إلى الجحيم مفروش بالنوايا الطيبة".

وعندما نعود عقوداً للوراء نجد أن أحلام شارون ورطت إسرائيل في حرب كارثية بلبنان انتهت بانسحابها أمام حزب الله، وقبل ذلك باغتيال الرئيس اللبناني الماروني بشير الجميل، وبقيت منظمة التحرير الفلسطينية، ثم نشبت الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، وأجج اتفاق أوسلو عام 1993 التوقعات بتحقيق السلام، لكنه فشل.

وبعدها فشل الرئيس الأمريكي بيل كلينتون في تحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين عام 1999، لتشتعل الانتفاضة الثانية، وبعد ذلك قرر شارون الانسحاب من قطاع غزة من جانب واحد عام 2005.

ثم أثبت الغزو الأمريكي للعراق والإطاحة بنظام الرئيس صدام حسين عام 2003  أنه كارثة استراتيجية ذات أبعاد تاريخية، في حين تحول التدخل العسكري الأمريكي في أفغانستان إلى أطول حرب تخوضها الولايات المتحدة.

وأدت هذه الحروب إلى انهيار توازن القوة في الشرق الأوسط، وهو ما سمح لإيران بالتحول إلى قوة إقليمية مهيمنة تقود مجموعة من الميليشيات الشيعية التابعة لها في العديد من الدول العربية.

حرب القيامة..نتانياهو يعلن أهداف حربه على 7 جبهات - موقع 24أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، الإثنين، في جلسة خاصة للحكومة، في ذكرى هجوم حماس، أن إسرائيل منغمسة في "حرب القيامة لمنع تكرار 7 أكتوبر (تشرين أول) مرة أخرى".

وإذا عدنا إلى الوراء قليلاً سنجد أن محاولة نتانياهو تهميش القضية الفلسطينية كان خطأ كبيراً قاد إلى انفجار هجمات 7 أكتوبر (تشرين الأول) في وجه إسرائيل، وبدا أن إيران وحلفاءها ظهروا كفائزين استراتيجيين، على الأقل لفترة من الوقت.

في الوقت نفسه سيكون من الخطأ اعتبار نجاح إسرائيل في تبديد مكاسب إيران ووكلائها فرصة جديدة للإعلان عن شرق أوسط جديد، ولسوء الحظ سنظل مع نفس الشرق الأوسط القديم، وسيظل حزب الله لاعباً سياسياً وعسكرياً مهماً في لبنان، ومن غير المحتمل أن تغير الضربات الأخيرة التي تعرض لها ميزان القوة في هذه الدولة، بحسب المجلة. 

كما أن إسرائيل ليست في موقف يتيح لها "هزيمة" إيران، ويكاد يكون من المؤكد أن يؤدي أي تحرك انتقامي من جانب إسرائيل ضد إيران، وخاصة ضرب مواقعها النووية والنفطية إلى نشوب حرب إقليمية قد تجذب الولايات المتحدة إليها في نهاية المطاف.

"There is no way Israel cannot respond," says former Mossad head of research and analysis Sima Shine. She says that both sides 'want to prevent a full-scale war' but insists that 'there is no option but for Israel to retaliate.'https://t.co/pPHgHK2H3b

???? Sky 501 and YouTube pic.twitter.com/XVtfYgtJHT

— Sky News (@SkyNews) October 3, 2024 أهم هدف إيراني

أخيراً فإن أي تدخل عسكري أمريكي من شأنه أن يؤدي إلى هجمات إيرانية على المواقع العسكرية الأمريكية وحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وهو ما يعني الإضرار بمصالح إسرائيل على المدى الطويل.

والحقيقة أن تورط الولايات المتحدة في حرب أخرى في الشرق الأوسط، وهذه المرة كجزء من جهودها الرامية إلى حماية إسرائيل، قد يشعل شرارة ردة فعل سياسية معادية لإسرائيل في الولايات المتحدة، ثم أن التدخل العسكري الأمريكي الجديد في حرب الشرق الأوسط ربما يؤدي إلى تسريع فك الارتباط الأمريكي بالشرق الأوسط، وهو ما يعتبر، بالمصادفة،  الهدف الأساسي لإيران.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية ضربة عسكرية الناتو الشعب الإيراني شرق أوسط القادة السياسيين حرب كارثية تحقيق السلام أبعاد تاريخية تهميش القضية مكاسب إيران تدخل عسكري فك الارتباط إسرائيل وحزب الله إيران وإسرائيل غزة وإسرائيل الولایات المتحدة فی الشرق الأوسط شرق أوسط جدید إسرائیل فی

إقرأ أيضاً:

وول ستريت جورنال: بايدن على الهامش بينما تعيد إسرائيل تشكيل الشرق الأوسط

أبرزت صحيفة وول ستريت جورنال أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تجد نفسها مهمشة في الوقت الذي تستعد فيه إسرائيل للرد على إيران حسب ما تقرره بشكل مستقل، مما يظهر تضاءل تأثير الولايات المتحدة على عملية صنع القرار الإسرائيلي على الرغم من ادعاء البيت الأبيض عكس ذلك.

ونسب التقرير الذي أعدته محررتا قضايا الأمن القومي في الصحيفة لارا سليغمان وفيرا بيرغنغروين لجون ألترمان من مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بأن القيادة الإسرائيلية تنظر إلى الولايات المتحدة على أنها "مستشار كثير التذمر أو مجرد مراقب ليس له تأثير حقيقي على القرارات".

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2عائلة من غزة تسترجع ذكريات عام من الفقد والنزوحlist 2 of 2كاتب بصحيفة معاريف: وضع إسرائيل يشبه سفينة تايتنكend of list

وعلى الرغم من إصرار بايدن على قوة العلاقات بين البلدين منذ بداية الحرب على غزة فإن علاقته برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المستمرة منذ نحو 50 عاما ما فتئت تتدهور خلال السنة الماضية.

ويعود ذلك -وفق الصحيفة- إلى البون الشاسع بين أجندتيهما السياسية وأهدافهما الحربية في الشرق الأوسط، وهو ما يعكسه الجفاء بينهما، إذ لم يتحدث بايدن إلى نتنياهو منذ 21 أغسطس/آب الماضي.

ووفق التقرير، فإن للانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة أثرا كبيرا على نهج بايدن تجاه إسرائيل، فإدارته متوجسة من مآلات الضغط على نتنياهو وما قد ينتج عنها من رد فعل سياسي عنيف قد ينفر الناخبين المؤيدين لإسرائيل.

وبدوره -وفقا للصحيفة- فإن نتنياهو مدرك لهذه التوترات السياسية تماما، بل إنه يستغلها لصالحه، فهي تخوله التصرف باستقلالية أكبر وتضبط التدخل الأميركي في شؤونه، خاصة فيما يتعلق بالأعمال العسكرية التصعيدية.

ومن الملحوظ أن الولايات المتحدة لا تعارض بالضرورة هجمات إسرائيل على حزب الله، ولكنها تفضل عدم الانجرار إلى حرب أخرى، وفقا لـ"وول ستريت جورنال".

وأوردت الصحيفة تعليق المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية آرون ديفيد ميلر على ذلك قائلا إنه "لن تجد سياسيا أميركيا يضغط على الإسرائيليين قبل أسابيع من أحد أهم الانتخابات في التاريخ الأميركي الحديث، ولا سيما فيما يتعلق بجبهة تضم إيران".

وأكد التقرير أن الجهود المبذولة لكبح جماح إسرائيل -خصوصا في غزة- لم تحقق تأثيرا كبيرا حتى الآن، وأظهرت تصرفات نتنياهو في لبنان تزايد عدم مبالاته برغبات حلفائه الأميركيين في المنطقة على الرغم من تخوفهم من زيادة التصعيد.

واستدل التقرير باغتيال إسرائيل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، مشيرا إلى أن نتنياهو أمر بتنفيذ الضربة من فندق في نيويورك دون إبلاغ البيت الأبيض.

وقد حدث ذلك في الوقت الذي كان فيه الدبلوماسيون الأميركيون يعملون جاهدين في الأمم المتحدة لمنع نشوب صراع أوسع، مما يدل على تزايد استقلالية إسرائيل باتخاذ قراراتها العسكرية، وفقا لـ"وول ستريت جورنال".

وبالمثل -تقول الصحيفة- جاءت هجمات "البيجر" الإسرائيلية غير المسبوقة بعد فترة وجيزة من زيارة للمبعوث الأميركي آموس هوكشتاين إلى إسرائيل حث فيها على ضبط الأعمال العدائية في لبنان، وقد صرح مسؤولون أميركيون بأنهم لم يكن لديهم علم مسبق بالعملية.

وخلصت الكاتبتان إلى أن قرارات إسرائيل الأحادية الجانب ومحدودية القدرة الأميركية على التأثير عليها تؤكد تزايد الخلاف بين البلدين.

مقالات مشابهة

  • ناشونال إنتريست: انتصارات إسرائيل الأخيرة لن تؤدي إلى شرق أوسط جديد.. وهي ليست في موقف يتيح لها هزيمة إيران
  • الحوثيون يعلنون مسؤوليتهم عن الصواريخ التي أطلقت على وسط إسرائيل
  • مقال في هآرتس: هزيمة عالمية.. الانهيار المدوي لصورة إسرائيل
  • أسوشيتد برس: على الرئيس الأمريكي المقبل إيجاد صيغة جديدة للسلام في الشرق الأوسط
  • هل تصبح الحرب أداة الرئيس الأمريكي الجديد لتحقيق السلام؟
  • ”مستشفيات ومدن جامعية وطرق.. السعودية ترسم ملامح اليمن الجديد”
  • وول ستريت جورنال: بايدن على الهامش بينما تعيد إسرائيل تشكيل الشرق الأوسط
  • أحمد ياسر يكتب: إسرائيل بين أجندة التوسع وفشل المجتمع الدولي
  • رد وشيك على إيران.. قائد القيادة المركزية الأمريكية يصل إسرائيل