أمين البحوث الإسلامية: نرى في الآونة الأخيرة فتاوى تصطدم ببناء الإنسان
تاريخ النشر: 8th, October 2024 GMT
قال الدكتور محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية: إن الفتوى لها مكانة عظيمة في بناء إنسانٍ قادرٍ على التناغم مع الحياة؛ ففي ظل رحمة الله وتسامح الإسلام يعفى المؤمن من العقد النفسية والتشنجات العصبية التي تهتك حرمة النفس، وتودي به إلى الانتحار، أو الإلحاد؛ لذلك فالفتوى ليست مرتعًا للمتفيهقين من المتشدقين والمتنطعين وأنساقهم، فهؤلاء أخطر أداة لتدمير الإنسان وتعطيل عمارة الكون.
وأضاف الدكتور الجندي خلال كلمته التي ألقاها صباح اليوم في الندوة التي عقدتها دار الإفتاء المصرية تحت عنوان: (الفتوى وبناء الإنسان)، أنه من المعلوم أنه تقرَّر إجماعًا أن الشريعة إنما جاءت لمصلحة العباد في العاجل والآجل معًا، ومن أكبر الأخطار في هذا الزمان: استعمال الشبكة العنكبوتية كمصدر لفتاوى المتفيهقين، وأنها كارثة عظمى تخترق جدران البيوت، بل تخترق عظام الرأس وأسوار القلب؛ فالإفتاء عظيم الخطر، كبير الموقع، ويتشكل عقل تقني قد تشبَّع بموجات إلحادية تارة، وتارة متطرفة، يروح ضحيتَها الإنسانُ بطموحاته وآماله.
وأوضح الأمين العام أنه عندما يخوض المتفيهق في استنباط الحُكم من النَّص المحكم، تتصاعد لديه أناة التفيهق فيخوض في المتشابه، فالمفتي الفقيه لديه فقه يتعامل من خلاله في ظل مقاصد الشريعة بالتناغم مع تفعيل طاقة الإنسان للعطاء، ومقصد الشريعة هو رعاية مصالح الناس سواء كانت ضروريات، أو تحسينيات، أو حاجيات، وبناءً على مبدأ رعاية المصالح وضع العلماء واستنبطوا قواعدَ خاصةً برفع المشقة والحراج؛ كقواعد: (المشقة تجلب التيسير)، و(الضرر يُزال)، و(الضرر لا يُزال بالضرر)، و(يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام)، و(الضرورات تقدَّر بقدْرها)، و(يُرتكب أخف الضررين لدفع أشدهما).
وأكَّد أنَّ بضاعة الفقه في تجارة الإنسان الوجودية أربح البضائع، وأنَّ الفقهاء يفهمون مراد الشارع، ويفهمون الحكمة في كل واقع، وفتاويهم تميز العاصي من الطائع، ومِن هنا فالمفتي هو المجتهد المتخصص المدقق، فليس كل مَن أفتى مفتيًا، مشيرًا إلى قول ابن عابدين نقلًا عن ابن الهُمَام : «وَقَدِ اسْتَقَرَّ رَأْيُ الأُصُولِيِّينَ عَلَى أَنَّ الْمُفْتِيَ هُوَ الْمُجْتَهِدُ، فَأَمَّا غَيْرُ الْمُجْتَهِدِ مِمَّنْ يَحْفَظُ أَقْوَال الْمُجْتَهِدِ فَلَيْسَ بِمُفْتٍ»، وقول الإمام مالك : «لَا يَنْبَغِي لِمَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ أَنْ يُفْتِيَ النَّاسَ حَتَّى يَرَاهُ النَّاسُ أَهْلًا لِلْفُتْيَا، فَإِذَا رَآهُ النَّاسُ أَهْلًا لِلْفُتْيَا فَلْيُفْتِ».
نرى في الآونة الأخيرة طرحًا من الفتاوى يصطدم ببناء الإنسانوتابع الدكتور الجندي أننا نرى في الآونة الأخيرة طرحًا من الفتاوى يصطدم ببناء الإنسان، ويشعره بالخوف من الإسلام؛ إذْ فقد هؤلاء روح الشريعة فخرجت جافة ضامرة، تارة بالهجوم على العلماء والأئمة المجتهدين، وتارة برمي الناس بالتكفير والطرد من رحمة الله، وأمرهم بالتفجير واستباحة الدماء والأعراض، وصار المؤمن يُرمَى بالشرك، ويصنف مع الفرق الضالة، ويعرف مكانه في الجحيم؛ لأنه خالف هوى جاهل من أولئك الجهلة.
وبيَّن أنه لم يعِ أصحاب هذه الأبواق المتفيهقة أن أمر الفتوى في الإسلام جد خطير، ولا يستهان به، وسيسأل الله كل إنسان عمَّا قاله أو فعله، يقول الله تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا}، وقال تعالى: {وَلَا تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ}.
وفي ختام كلمته، لفت الأمين العام إلى أنه يحضره في بيان جهالة المتفيهق المتطرف بثوابت الشرع ومراعاة الموازنة بينه وبين واقع الناس ما يبرزه من فقه عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه- حين تولى الخلافة، أنه أجَّل تطبيق بعض أحكام الشريعة، فلمَّا استعجله ابنه في ذلك أجابه بقوله: «أخاف أن أحمل الناس على الحق جملةً فيدفعوه جملةً، ويكون من ذا فتنة»، ومِن فقه الإمام القرافي قوله: «لا تجمد على المطور في الكتب طول عمرك، بل إذا جاءك رجل من غير إقليمك يستفتيك، لا تخبره على عُرف بلدك، واسأله عن عُرف بلده، وأجره عليه، وأفته به، دون عُرف بلدك والمقرر في كتبك؛ فهذا هو الحق الواضح، والجمود على المنقولات أبدًا ضلال في الدِّين».
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: امين البحوث الإسلامية البحوث الإسلامية دار الإفتاء الإفتاء الفتوى وبناء الإنسان فتاوى محمد الجندي
إقرأ أيضاً:
توصيات المؤتمر الدولي الخامس لكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر
اختُتِمتْ فعالياتُ المؤتمرِ العلميِّ الدوليِّ الخامس الذي نظَّمتْهُ كليةُ الشريعةِ والقانونِ جامعة الأزهر بالقاهرةِ، وتمَّ انعقادُه بمركز الأزهرِ للمؤتمراتِ بمدينةِ نصر، يومَي السبتِ والأحدِ، تحت عنوان: «بناء الإنسان في ضوء التحديات المعاصرة» برعايةٍ فضيلةِ الإمامِ الأكبر، الدكتورِ أحمد الطيب، شيخِ الأزهر الشريف، والدكتور سلامة جمعة داود، رئيس الجامعة.
وألقى الدكتور محمود صديق، نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا والبحوث، البيان الختامي للمؤتمر وما أسفر عنه من توصيات، وقال: إن المؤتمر جاء انطلاقًا من رسالةِ كليةِ الشريعةِ والقانونِ بالقاهرةِ، المنبثقةِ من رسالةِ الجامعةِ ورؤيتِها، والأزهرِ الشريفِ، القائمةِ على العنايةِ بالإنسانِ، قصدًا لتحقيقِ مصالحِه وحمايتِه في ضوء التحديات المعاصرة، وقد ارتأت الكلية أن يكون (بناء الإنسان في ضوء التحديات المعاصرة)، موضوعا لمؤتمرها العلمي الدولي الخامس، برئاسة الدكتور عطا السنباطي، عميد الكلية رئيس المؤتمر؛ اتساقا مع رسالتها العلمية في خدمة المجتمع الإنساني.
وتابع: وامتدادًا لرسالة الأزهر الشريف العالمية بشأن تحقيق بناء الأفراد والمجتمعات، وانطلاقا من رؤية الدولة المصرية في السعي المتواصل الحثيث نحو توفير حياة كريمة للإنسان، وتحقيق التنمية المستدامة في شتى المجالات التنموية مع الرصد الدقيق للتحديات التي تعرقل مسيرة التنمية، والعمل بجودة وإتقان لإبراز الآليات والوسائل الشرعية والقانونية لمواجهة تلك التحديات ومعالجتها، من أجل واقع أفضل ومستقبل مشرق.
وعُنِي المؤتمر على مدار جلساته ومن خلال أبحاثه وما دار حولها من مناقشات علمية هادفة بتسليط الضوء على سُبُل وآليات بناء الإنسان والارتقاء به في ظل التحديات القائمة، لا سيما ما تمر به منطقتنا العربية في الوقت الراهن من تحديات كبرى، تلك التحديات التي تجعلنا في أمس الحاجة إلى الاصطفاف الواعي خلف قيادتنا السياسية الحكيمة، واجتناب أسباب التشرذم والشتات، وتكثيف الجهود نحو استثمار العقول والأفكار والطاقات استثمارًا جادًّا وفعالًا، يهدف إلى صناعة العمران، وحماية الأوطان، وخلق بيئة آمنة تتمدد فيها التنمية بجميع مجالاتها، من أجل تحقيق بناء إنسان متزن ومستقيم نفسيًّا وفكريًّا وصحيًّا واقتصاديًّا.
وحَظِيَتْ جَلَسَاتُ المؤتمرِ بمشاركةِ نخبةٍ من السَّادةِ العلماءِ والباحثينَ المتخصصينَ من الجامعاتِ، والهيئاتِ القضائيةِ، ودُورِ الفتوى، والساسةِ، والحقوقيينَ، من داخلِ مصرَ وخارجِها، حيث أُثرِيَتْ جلساتُ المؤتمرُ بأبحاثِهم ومناقشاتِهم ومداخلاتِهم حول محاورِ المؤتمرِ وموضوعاتِه.
وأوضح أن الهدف من المؤتمر هذا هو إبرازُ موقفِ الشريعةِ الإسلاميةِ، وكذلك موقفِ القوانينِ الإنسانيةِ من قضيةِ بناء الانسان، بما يتضمَّنُه ذلك من حمايةَ الإنسانِ ورعايةَ حقوقِه وصولًا إلى إعداد جيل واع مستنير قادر على مواكبة تحديات العصر، ومؤهل للإسهام في مسيرة البناء والتنمية، وفق رؤية واضحة، تضع الإنسان في مقدمة الأولويات.
وانطلاقًا من هذه الأهداف، وفي ضوء ما تضمنتهُ البحوثُ المقدَّمةُ من نتائج، ومن خلال ما زخرت به جلساتُ المؤتمرِ من مداخلاتٍ ومناقشاتٍ ومساجلاتٍ، خَلَصنَا إلى مجموعةٍ من النتائج والتوصيات، أهمُّها ما يلي:
- إبراز مرونة الشريعة الإسلامية واستيعابها لجميع المستجدات والنوازل ومعالجتها بما يحقق المصالح ويدرأ المفاسد، والعناية بالجانب الإنساني في صياغة الأحكام الفقهية، وترسيخ قيمة الإنسان كونها محور التشريع الإسلامي.