في ظل الوضع المعقد والمضطرب في السودان، تروج بعض الأصوات لفكرة أن القوى المدنية غير سعيدة بانتصارات الجيش، وهو ادعاء يحتاج إلى تفصيل وتدقيق. هذه الادعاءات تنبع في كثير من الأحيان من سوء فهم لدور القوى المدنية وطبيعتها في الأزمة السودانية. لذلك، من المهم أن نوضح بعض النقاط المتعلقة بهذا السياق ونقاشه بموضوعية تامة بعيدًا عن التعميم والافتراضات الشخصية.


رفض العنف والحلول السلمية
القوى المدنية في السودان، بطبيعتها، ترفض العنف وتحاول دائمًا دفع الحلول السياسية والسلمية للأمام. فهي ترفض أي نوع من الصراع المسلح كوسيلة لحل الأزمات. هذا لا يعني بأي حال أنها تتبنى موقفًا معاديًا للجيش، بل تؤمن أن الحوار والوسائل الديمقراطية هما الأساس لحل الأزمات. ففكرة أن القوى المدنية تفرح بأي نكسة للجيش أو تحاول إضعافه هي اختزال خاطئ ومضر.
القلق من التورط العسكري
الحديث عن انتصارات الجيش يجب أن يتم في إطار الحفاظ على أمن الوطن من المخاطر الخارجية، وليس عبر الزج بالمؤسسة العسكرية في صراعات سياسية داخلية. القوى المدنية تؤكد مرارًا على ضرورة بقاء الجيش كمؤسسة وطنية بعيدة عن السياسة، مهمتها حماية الوطن وحدوده، وليس التورط في الشؤون الداخلية وإدارة السلطة. إن مخاوف بعض الجهات المدنية ليست نابعة من كراهية للجيش بحد ذاته، بل من قلق على تماسكه ودوره الوطني، بالإضافة إلى الخوف من أن يصبح الجيش أداة لقمع الحريات وتثبيت السيطرة السياسية.
تعقيدات المواقف والتقييمات الشخصية
من الضروري التمييز بين النقد الشخصي والطرح الموضوعي. في سياق الوضع المعقد الذي تعيشه البلاد، تتعدد المواقف وتختلف المشاعر تجاه الأطراف المتنازعة. الكتابات التي تنقل مخاوف المدنيين من الأوضاع الأمنية الصعبة تعكس مدى التوتر الذي يعيشه الناس في ظل الصراع، وليس تأييدًا لطرف على حساب آخر. على سبيل المثال، عندما نقلتُ وجهة نظر بعض المدنيين في مدينة بحري، كانت تلك الآراء تعبر عن شعور عام بالخطر، ورغبة في إنهاء الصراع بأي طريقة ممكنة، دون أن يعني ذلك ترويجًا للعنف أو تأييدًا لاستخدام القوة العسكرية كحل وحيد.
موقف القوى المدنية من انتصارات الجيش
أما مسألة "الفرح" بانتصارات الجيش فهي قضية تتعلق بتقييم شخصي قد يعتمد على تجارب الناس وتاريخ علاقتهم بالجيش. القوى المدنية ليست كتلة واحدة متجانسة، بل تضم أطيافًا سياسية وفكرية متعددة، قد تختلف آراؤها بناءً على هذه التجارب. هذا التنوع لا يعني بالضرورة أن القوى المدنية بأكملها معادية للجيش أو تسعى لإضعافه. بل إن النقد الموجه من بعض القوى المدنية يأتي في إطار الحرص على الحفاظ على مؤسسات الدولة، بما فيها الجيش، بعيدًا عن الانخراط في الصراعات السياسية الداخلية.
النقاش المفتوح والحوار البناء
من المهم في هذه المرحلة الحساسة أن ندرك جميعًا أن الحرب لن تكون الحل لأزمات السودان. التعايش السلمي بين القوى المدنية والعسكرية هو السبيل الوحيد لبناء دولة مستدامة وديمقراطية. لا يمكن تحقيق الانتصار الحقيقي إلا عبر السلام، الذي يتطلب الحوار والتفاهم المشترك بين كافة الأطراف. النقاش المفتوح وتبادل الآراء باحترام هو الطريقة المثلى لفهم بعضنا البعض، في ظل الأوضاع المعقدة التي نعيشها اليوم.
التوازن بين النقد والحقيقة
في الختام، يجب أن يكون النقاش حول الأزمات السودانية متزنًا، بحيث يعكس الواقع دون تعميم أو تشويه للمواقف. القوى المدنية ليست ضد الجيش ولا ضد انتصاراته، بل تعبر عن قلقها من استمرارية العنف والاقتتال الذي لن يؤدي إلا إلى مزيد من الدمار. الحل يكمن في التوافق بين كافة الأطراف على مبدأ السلام والديمقراطية، وتجنب الزج بالمؤسسات الوطنية في صراعات داخلية تعيق تطور البلاد.
دعوة للأمل
قد تكون المرحلة الحالية مظلمة وصعبة، لكن هناك أمل في أن نتمكن من تجاوز هذا الصراع بالحوار والتفاهم. ربما تحتاج كل الأطراف لمراجعة مواقفها وإعادة النظر في طريقة التعامل مع الأزمات. نتمنى أن يعم السلام قريبًا، وأن نجد الحلول التي تحقق تطلعات الشعب السوداني نحو العدالة والاستقرار.

zuhair.osman@aol.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: القوى المدنیة

إقرأ أيضاً:

تحالف الأحزاب السياسية لـ "ترامب" : المشهد تغير ولابد من إحداث توازن وإحلال السلام

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

 

 

أصدر المجلس الرئاسي لتحالف الأحزاب المصرية، الذي ينضوي تحت لوائه نحو 42 حزبًا سياسيًا، بيانًا، هنأ فيه الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، لفوزه بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، ليصبح الرئيس رقم 47 في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، وليكون أول رئيس يفوز بولايتين غير متعاقبتين في أكثر من 100 عام.

وقال المجلس الرئاسي، في بيان، أصدره المركز الإعلامي للتحالف، منذ قليل، إن على ترامب أن يدرك أن المشهد قد تغير برمته عن تلك الولاية الأولى له، وأن التطورات العالمية أضحت تستدعي تضافرًا للجهود الدولية، لإحداث حلحلة لهذا الاضطراب الذي بات يسود الكثير من دول العالم، ولاسيما منطقة الشرق الأوسط.

وأضاف إننا في خضم ذلك، نأمل أن يُحدث الرئيس الأمريكي الجديد إعادة التوازن من جديد في المشهد، في ظل هذا الخلل الغير مسبوق، ولاسيما على وقع الأحداث الأخيرة التي دبت في المنطقة، وعلى وقع الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي، دون رادع، استنادًا للدعم الأمريكي أمنيًا وعسكريًا ولوجستيًا، وهو ما يتطلب العودة لصوت العقل والجلوس على مائدة المفاوضات لوقف تلك الانتهاكات.

وأردف بيان المجلس الرئاسي : إن الدولة المصرية لطالما نادت بأعلى صوتها في كافة المنتديات والمنظمات الدولية الفاعلة وفي كافة اللقاءات التي أجراها الرئيس عبدالفتاح السيسي، بضرورة عدم اتساع رقعة الحرب، لما في ذلك من أثر كبير على منطقة الشرق الأوسط والعالم بأكمله، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي يستمر في عبثه ويقتل المدنيين في فلسطين ولبنان، في مشهد أكثر عبثية وفي ظل صمت دولي مخزٍ.

واختتم البيان : إن تراجع النفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط أضحى بيانًا وواضحًا وجليًا للجميع، وهذا يأتي في ضوء عدم ثقة دول المنطقة في قدرة أمريكا على إحلال السلام مع استمرار نزيف الدم المتواصل والمشاهد المؤلمة التي نتابعها على شاشات التلفاز، وإننا إذ نؤكد للجميع باسمنا وباسم 42 حزبًا سياسيًا مصريًا، يمثلون ظهيرًا سياسيًا للدولة المصرية، نتسق مع أي إجراء تتخذه القيادة المصرية ممثلة في الرئيس عبدالفتاح السيسي، من شأنه أن يحفظ الأمن القومي المصري ويحفظ حقوق الدول الشقيقة.

مقالات مشابهة

  • تفاصيل استدعاء نقيب المحامين بالدار البيضاء لمحاميين خالفا قرار الإضراب
  • نداء إنساني عاجل من تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) لإنقاذ أرواح المدنيين العالقين والنازحين في مناطق شرق الجزيرة
  • الشاهد: الدعم النقدي يفعل آليات العرض والطلب ويحدث توازن في الأسواق
  • النقد الدولي: ندعم الإصلاحات العراقية التي تبعد سوق النفط عن الأزمات
  • مسار معقد.. هل تستطيع إيران وإسرائيل إرساء توازن جديد في الشرق الأوسط؟
  • وفاة قائد الجيش النيجيري الذي خاض حربا من أطول الصراعات في أفريقيا.. عن عمر يناهز 56 عاما
  • تحالف الأحزاب السياسية لـ "ترامب" : المشهد تغير ولابد من إحداث توازن وإحلال السلام
  • في إطار اليوم المفتوح.. وزير الكهرباء والطاقة والمياه يستقبل شكاوى المواطنين وملاك المولدات الخاصة
  • محافظ بني سويف يناقش مطالب وشكاوى المواطنين فى اللقاء المفتوح
  • الحكومة تبارك اشهار تكتل الأحزاب والقوى السياسية اليمنية