1
في زمن الصبا كانت في حينا امرأة مسنة تبيع لصبية الحى قصب السكر، " العنكوليب " و النبق ابان مواسم نضوجه و نزوله السوق، المرأة المسنه كان لها ما يميزها من نساء الحى الأخريات، فقد كانت حكيمة ذات بلاغة و منطق ،حتى صارت أقوالها تضرب أمثالا في الحى.
كانت تقول بدهشة و تندر عند ارتفاع السلع التي تقوم بشرائها من السوق ( انشاء الله ما يحضرنا زمن البليلة ) و هي تقصد ان لا تجبرها الظروف لأكل البليلة لانعدام الطعام و ندرته.
مر بذهنى دعاء الجدة الذى تفوهت به قبل خمسين عاما و انا أشاهد في امدرمان صفوف المواطنين كل يحمل اناء في يده، و يقف في صف ممتد في انتظار أن يحصل على " كمشة " من البليلة من التكايا التي قام بأنشائها بعض المحسنين و فاعلي الخير، عندما عجزت دولة البرهان في توفير لقمة العيش للمواطنين الجوعى جراء الحرب الدموية التي يقوم بها طرفاء الحرب.
2
عبر التاريخ القريب في السودان وقعت أحداث مجاعة قتلت كثير من السودانيين و تناول بعضها الحكي الشعبي، أشهر تلك المجاعات هي المجاعة المشهورة في التاريخ باسم مجاعة ( سنة سته )، المجاعة حدثت في العام 1306ه و ذلك سبب أسم التسمية و يوافق العام 1888 م. و هنالك مجاعة أخرى حدثت في القرن الماضي في العام 1982- 1984 ابان حكم الديكتاتور نميري في دارفور، و قتلت آلاف المواطنين و أدت الى نزوح آلاف الآخرين الى العاصمة المثلثة.
مجاعة سنة سته- 1888م
هنالك عدة أسباب أدت الى مجاعة سنة سته منها المناخي ، السياسي و الإداري
المناخي
1- فيضان النيل كان ضعيفا ذلك العام.
2- قلة الأمطار التي لم تهطل ذلك العام مثل بقية الأعوام السابقة
3 – أسراب الجراد التي غزت الحقول وقضت على المحاصيل ( نعوم شقير- جغرافية و تاريخ السودان )
أسباب سياسية و أدارية
4- وجود ثلاث جيوش غير منتجة في دنقلا ، القلابات و دارفور بدعوى الجهاد و حفظ الأمن، تلك الحشود كانت على حساب الإنتاج الزراعي في الأرياف. ( ب م هولت دولة المهدية في السودان عهد الخليفة عبدالله 1885- 1898 )
5 – تهجير التعايشه أهل الخليفة عبداللة الى أمدرمان، و توفير الطعام لهم خصما على باقي المواطنين إضافة الى محاباة الخليفة لأهله بإعطاء الأولوية لهم في شراء الحبوب ( هولت ).
تلك الأسباب مجتمعة أدت الى مجاعة ضربت كل مدن السودان بدأت في بربر لتشمل بعد ذلك باقي المدن.... دنقلا، القضارف ،القلابات الخ و أدت الى هجرة و نزوح كبير الى العاصمة ادرمان هربا من المجاعة، ليواجه الفارين من المجاعة نفس المصير الذى هربوا منه و هو الموت جوعا في العاصمة.
أكل المواطنون الحمير، الجلود و حتى جثث الحيوانات النافقة، و آخرين عندما عجزوا عن توفير الطعام قاموا بتوثيق أطفالهم و ماتوا معهم جوعا داخل منازلهم تفاديا للسؤال و مد الأيدي (راجع كتاب سلاطين باشا – السف و النار ....أيضا نعوم شقير – جغرافية و تاريخ السودان ) .
مجاعة سنة 1982 - 1984
تعتبر واحدة من أسوأ المجاعات التي مر بها السودان حتى أضطر المواطنين في دارفور لنبش بيوت النمل بحثا عن الحبوب. أسباب المجاعة متعددة منها الطبيعي المتعلق بالتغيرات المناخية و منها المتعلقة بفساد السياسات و الحروب ، و يمكن حصر الأسباب في الآتي :
1- الجفاف الذى ضرب القرن الأفريقي و تأثرت به كثير من الدول في المنطقة.
2- إزاحة الغطاء النباتي عن مساحات كبيرة من الأراضي.
3- قلة الأمطار الذى أدى الى زوال و موت كثير من النباتات
4 – الحرب الأهلية في جنوب السودان و سياسات الدولة الخاطئة و الفساد الذى ضرب جهاز الدولة ، متمثلا في بنك فيصل الاسلامى الذى قام بشراء و تخزين الذرة ثم بيعها بأسعار عالية و كذلك شراء و تخزين الفحم ( الوقود ) مما فاقم من المجاعة.
كل ذلك أدى الى نزاعات مسلحة في دارفور و من ثم موت الألاف و الهجرة داخليا و خارجيا. أتذكر في تلك الأيام بلغ سعر الخروف جنيهات بسيطة لعجز ملاكها عن اطعامها و خوف موتها.....كانت تلك أيام صعبة نشاهد إرهاصتها هذه الأيام مما قد يشير الى تكرارها.
3
نبوءة الجدة التي كانت تتمنى أن لا تعيش ( زمن البليلة ) هانحن اليوم نعيش ذلك الزمن الخرافي، و حتى تلك " البليلة " المفتري عليها، سوف تعز و تختفى و تصبح رفاهية، وفقا لما تنبأت به منظمات الأمم المتحدة المختصة بمحاربة المجاعات، اذا أستمر الحال بما هو عليه الآن !
فقد ذكر تقرير برنامج الأغذية العالمي و هي وكالة تابعة للأمم المتحدة و الخاص بالسودان ( الى أن 9.3 مليون شخص يواجهون انعداما حادا في الأمن الغذائي بما في ذلك 2.7 مليون في حالة طوارئ غذائية ذلك بسبب الحرب و نزوح مئات الالاف من الأشخاص إضافة للجفاف و تدهور الظروف الاقتصادية ).
كما تشير التقارير المشتركة التي أقرتها منظمة الأغذية و الزراعة " فاو “، برنامج الأغذية العالمي و مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ( الى أن السودان يقف على حافة مجاعة كبرى ).
جدير بالذكر هنا الى أن وكالات الأمم المتحدة المختصة تعتمد في تقريرها الى عدة مؤشرات نوردها أدناه لأهميتها و هي :
- تدمير سلاسل الأمن الغذائي نتيجة للحرب كالمواصلات و البنية التحتية و الطرقات الذى يتسبب في أزمة و نقص الغذاء.
- استهداف المناطق الزراعية بواسطة طرفي الحرب
- اضعاف الاقتصاد المحلى مما يؤدى ارتفاع السلع و المواد الغذائية
- النزوح الجماعي للمواطنين
- اعاقات الوصول الى المساعدات الإنسانية بواسطة طرفي الحرب.
بعد كل هذا السرد يطل السؤال الأساسي و هو كيفية تفادى مشكلة المجاعة ؟
بما هو واضح ان طرفي النزاع غير حريصين على " حلحلة " مشاكل المواطنين، كما أن الظروف الدولية المعقدة المتمثلة في حرب فلسطين ، أوكرانيا و الانتخابات الأمريكية تجعل السودان يقبع في آخر بند الاهتمامات الدولية. لكن مع كل ذلك يظل الهدف الأساسي مواصلة الضغط لوقف الحرب، و فتح مسارات آمنة لوصول الاغاثات الإنسانية و ذلك ممكن التحقيق بالعزم و قوة الارادة، الوحدة و التنظيم.....شعبنا خلاق.
عدنان زاهر
6 أكتوبر 2024
elsadati2008@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: أدت الى
إقرأ أيضاً:
كيف تضرر قطاع النقل في السودان خلال الحرب الحالية؟
الخرطوم- مدينة الجسور المُعلّقة، هكذا كان بعض أهالي الخرطوم يطلقون هذا الاسم على مدينتهم، في حين كانت هذه الجسور أول ما تأثر في الحرب التي اندلعت في 15 أبريل/نيسان عام 2023.
وكان جسر شمبات الرابط بين أم درمان قد تدمر في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، ثم جسر جبل أولياء بعد أسبوع من الحادثة الأولى، قبل أن يلحق الضرر بجسر الحلفايا الرابط بين أم درمان والخرطوم بحري في الأول من يوليو/تموز 2024.
وتضرر قطاع النقل جراء الحرب التي قاربت على العامين؛ حيث تدمر عدد من الطرق الرئيسة في العاصمة الخرطوم وود مدني حاضرة ولاية الجزيرة، ومطار الخرطوم الدولي، والميناء البري ود مدني وغيرها من بقية وحدات وزارة النقل السودانية.
ونشرت الوزارة، في ندوة صحفية للحكومة السودانية حول خسائر قطاع النقل وخطط إعادة الإعمار، فيلما قصيرا أوضح الأضرار التي لحقت بقطاع النقل؛ حيث صورت المشاهد محطة وقاعة سكك حديد ود مدني وقد أحالتها الحرب إلى بقايا مدمرة، كما عرض الفيلم حالة الفوضى التي عمت مطار الخرطوم وكيف أحال القتال بعضا من أجزائه إلى ركام.
وتتكون وزارة النقل، حسب مسؤوليها، من شركات ووحدات من بينها السكك الحديدية، وسودان لاين، وشركة النيل للنقل للنهري، وهيئة الموانئ البحرية، والخطوط الجوية السودانية، وكذلك النقل البري، والشركة السودانية للنقل النهري، وشركة وادي النيل للنقل البحري، وأخريات.
إعلانوقال وزير النقل أبو بكر أبو القاسم إن التقديرات الأولية لخسائر قطاع النقل تُقدر بحوالي مليارين و700 مليون دولار جراء الحرب الحالية، وإنهم يعملون الآن على إعادة التقييم للخروج بإجمالي الخسائر التي تعرض لها القطاع في السودان.
وتم تقدير خسائر طيران (تاركو) وحدها بنحو 100 مليون دولار، كما أشار وزير الثقافة والإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة السودانية خالد الإعيسر الذي قال إن "مليشيا الدعم السريع دمرت 6 طائرات بوينغ تملكها تاركو، ومبنى مكونا من 3 طوابق خاصا بتموين الطائرات التي تتبع لهذه الشركة".
وأردف أنه تمت "سرقة كل أسطول سيارات شركة تاركو للطيران والتي تقدر بحوالي 80 سيارة، وأن المليشيا قامت بسرقة مخازن طائرات تتبع هذه الشركة بما يصل إلى 15 مليون دولار".
وردا على سؤال الجزيرة نت حول إجمالي خسائر مطار الخرطوم الدولي، وصفها وزير النقل أبو بكر أبو القاسم بـ"المهولة"، وأشار إلى أنها تتمثل في تدمير البنى التحتية للمطار وطائرات تتبع لشركات طيران مختلفة، ومستودعات للوقود.
فيما أوضح مدير شركة "سودانير"، مازن العوض، أن الشركة خسرت كل ممتلكاتها في العاصمة الخرطوم جراء الحرب، وأنهم يملكون الآن طائرة واحدة ولكنهم يخططون لإضافة عدد منها إلى الخطوط الجوية السودانية.
وتتمثل أولوية الحكومة السودانية ووزارة النقل الآن في إعادة اللاجئين السودانيين في الخارج إلى البلاد عن طريق التنسيق بين غرف النقل البري والوزارة لتيسير العودة الطوعية للمواطنين الراغبين في العودة.
وأفادت مصادر خاصة للجزيرة نت بأنه خلال اليومين الماضيين شهدت المعابر المصرية عودة مواطنين سودانيين على متن 20 حافلة، بما يقدر بحوالي ألف لاجئ سوداني.
وأوضح وزير النقل أن الوزارة تعمل الآن على إعادة تأهيل بعض الطرق التي تأثرت بفعل الحرب خلال الفترة الماضية.
إعلانوأكد أن الصندوق الكويتي تكفل بتقديم 700 ألف دينار كويتي ( الدينار يساوي 3.25 دولارات) لغرض دراسة الربط الحديدي بين السودان ومصر عبر سكة الحديد، وتقوم الوزارة حاليا بمحاولة إعادة خط السكة الحديد الذي يمر عبر بورتسودان، وهيا، وكسلا، وسنار بعد أن أُزيل تماما، وأنهم بدؤوا بمحاولة إعادة الخطوط البحرية السودانية (سودان لاين) من جديد.
من جهته، يرى الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الطاهر إدريس أن جهود وزارة النقل يجب أن تتجه مستقبلا نحو إعادة الإعمار كخطة أولى، "وذلك لما تعرض له قطاع النقل في السودان من تدمير ممنهج كبقية المجالات التي تأثرت بالحرب الحالية، يليها الاهتمام بالخطوط البحرية والجوية، ثم تكتمل عمليات إعادة التأهيل لكل القطاع".
وقال إدريس للجزيرة نت إن تأهيل قطاع النقل "يلقي بعبء كبير على الحكومة السودانية ويجب أن يمثل الأولوية لأهميته في حياة الناس وفي التنمية بالقطاعات الأخرى".
ويرى أن الحكومة يمكن أن تستفيد من البنك الأفريقي للتنمية والبنك الإسلامي للتنمية وبعض الدول مثل الصين روسيا للإسهام في هذه العملية.
ووفقا لإدريس، يجب أن تركز جهود الحكومة خلال الفترة المقبلة على هذا القطاع، وتحديدا النقل الجوي والبري والبحري، "لأن عملية البناء التي يجب أن تنخرط فيها البلاد لا تأتي أدواتها إلا عن طريقه".