سودانايل:
2025-02-03@14:07:20 GMT

زمن ” البليلة ” !

تاريخ النشر: 8th, October 2024 GMT

1

في زمن الصبا كانت في حينا امرأة مسنة تبيع لصبية الحى قصب السكر، " العنكوليب " و النبق ابان مواسم نضوجه و نزوله السوق، المرأة المسنه كان لها ما يميزها من نساء الحى الأخريات، فقد كانت حكيمة ذات بلاغة و منطق ،حتى صارت أقوالها تضرب أمثالا في الحى.
كانت تقول بدهشة و تندر عند ارتفاع السلع التي تقوم بشرائها من السوق ( انشاء الله ما يحضرنا زمن البليلة ) و هي تقصد ان لا تجبرها الظروف لأكل البليلة لانعدام الطعام و ندرته.

الجدة لم تكن تتخيل أن صفوف البليلة صارت ترفا، و قد تطاولت و أصبحت شبيهة بصفوف البنزين أيام السفاح البشير بعد أن أكل الناس ابان الحرب الدائرة اليوم في زمن البرهان و حمديتى حتى " الكدايس " الأليفة !
مر بذهنى دعاء الجدة الذى تفوهت به قبل خمسين عاما و انا أشاهد في امدرمان صفوف المواطنين كل يحمل اناء في يده، و يقف في صف ممتد في انتظار أن يحصل على " كمشة " من البليلة من التكايا التي قام بأنشائها بعض المحسنين و فاعلي الخير، عندما عجزت دولة البرهان في توفير لقمة العيش للمواطنين الجوعى جراء الحرب الدموية التي يقوم بها طرفاء الحرب.
2
عبر التاريخ القريب في السودان وقعت أحداث مجاعة قتلت كثير من السودانيين و تناول بعضها الحكي الشعبي، أشهر تلك المجاعات هي المجاعة المشهورة في التاريخ باسم مجاعة ( سنة سته )، المجاعة حدثت في العام 1306ه و ذلك سبب أسم التسمية و يوافق العام 1888 م. و هنالك مجاعة أخرى حدثت في القرن الماضي في العام 1982- 1984 ابان حكم الديكتاتور نميري في دارفور، و قتلت آلاف المواطنين و أدت الى نزوح آلاف الآخرين الى العاصمة المثلثة.
مجاعة سنة سته- 1888م
هنالك عدة أسباب أدت الى مجاعة سنة سته منها المناخي ، السياسي و الإداري
المناخي
1- فيضان النيل كان ضعيفا ذلك العام.
2- قلة الأمطار التي لم تهطل ذلك العام مثل بقية الأعوام السابقة
3 – أسراب الجراد التي غزت الحقول وقضت على المحاصيل ( نعوم شقير- جغرافية و تاريخ السودان )
أسباب سياسية و أدارية
4- وجود ثلاث جيوش غير منتجة في دنقلا ، القلابات و دارفور بدعوى الجهاد و حفظ الأمن، تلك الحشود كانت على حساب الإنتاج الزراعي في الأرياف. ( ب م هولت دولة المهدية في السودان عهد الخليفة عبدالله 1885- 1898 )
5 – تهجير التعايشه أهل الخليفة عبداللة الى أمدرمان، و توفير الطعام لهم خصما على باقي المواطنين إضافة الى محاباة الخليفة لأهله بإعطاء الأولوية لهم في شراء الحبوب ( هولت ).
تلك الأسباب مجتمعة أدت الى مجاعة ضربت كل مدن السودان بدأت في بربر لتشمل بعد ذلك باقي المدن.... دنقلا، القضارف ،القلابات الخ و أدت الى هجرة و نزوح كبير الى العاصمة ادرمان هربا من المجاعة، ليواجه الفارين من المجاعة نفس المصير الذى هربوا منه و هو الموت جوعا في العاصمة.
أكل المواطنون الحمير، الجلود و حتى جثث الحيوانات النافقة، و آخرين عندما عجزوا عن توفير الطعام قاموا بتوثيق أطفالهم و ماتوا معهم جوعا داخل منازلهم تفاديا للسؤال و مد الأيدي (راجع كتاب سلاطين باشا – السف و النار ....أيضا نعوم شقير – جغرافية و تاريخ السودان ) .
مجاعة سنة 1982 - 1984
تعتبر واحدة من أسوأ المجاعات التي مر بها السودان حتى أضطر المواطنين في دارفور لنبش بيوت النمل بحثا عن الحبوب. أسباب المجاعة متعددة منها الطبيعي المتعلق بالتغيرات المناخية و منها المتعلقة بفساد السياسات و الحروب ، و يمكن حصر الأسباب في الآتي :
1- الجفاف الذى ضرب القرن الأفريقي و تأثرت به كثير من الدول في المنطقة.
2- إزاحة الغطاء النباتي عن مساحات كبيرة من الأراضي.
3- قلة الأمطار الذى أدى الى زوال و موت كثير من النباتات
4 – الحرب الأهلية في جنوب السودان و سياسات الدولة الخاطئة و الفساد الذى ضرب جهاز الدولة ، متمثلا في بنك فيصل الاسلامى الذى قام بشراء و تخزين الذرة ثم بيعها بأسعار عالية و كذلك شراء و تخزين الفحم ( الوقود ) مما فاقم من المجاعة.
كل ذلك أدى الى نزاعات مسلحة في دارفور و من ثم موت الألاف و الهجرة داخليا و خارجيا. أتذكر في تلك الأيام بلغ سعر الخروف جنيهات بسيطة لعجز ملاكها عن اطعامها و خوف موتها.....كانت تلك أيام صعبة نشاهد إرهاصتها هذه الأيام مما قد يشير الى تكرارها.
3
نبوءة الجدة التي كانت تتمنى أن لا تعيش ( زمن البليلة ) هانحن اليوم نعيش ذلك الزمن الخرافي، و حتى تلك " البليلة " المفتري عليها، سوف تعز و تختفى و تصبح رفاهية، وفقا لما تنبأت به منظمات الأمم المتحدة المختصة بمحاربة المجاعات، اذا أستمر الحال بما هو عليه الآن !
فقد ذكر تقرير برنامج الأغذية العالمي و هي وكالة تابعة للأمم المتحدة و الخاص بالسودان ( الى أن 9.3 مليون شخص يواجهون انعداما حادا في الأمن الغذائي بما في ذلك 2.7 مليون في حالة طوارئ غذائية ذلك بسبب الحرب و نزوح مئات الالاف من الأشخاص إضافة للجفاف و تدهور الظروف الاقتصادية ).
كما تشير التقارير المشتركة التي أقرتها منظمة الأغذية و الزراعة " فاو “، برنامج الأغذية العالمي و مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ( الى أن السودان يقف على حافة مجاعة كبرى ).
جدير بالذكر هنا الى أن وكالات الأمم المتحدة المختصة تعتمد في تقريرها الى عدة مؤشرات نوردها أدناه لأهميتها و هي :
- تدمير سلاسل الأمن الغذائي نتيجة للحرب كالمواصلات و البنية التحتية و الطرقات الذى يتسبب في أزمة و نقص الغذاء.
- استهداف المناطق الزراعية بواسطة طرفي الحرب
- اضعاف الاقتصاد المحلى مما يؤدى ارتفاع السلع و المواد الغذائية
- النزوح الجماعي للمواطنين
- اعاقات الوصول الى المساعدات الإنسانية بواسطة طرفي الحرب.
بعد كل هذا السرد يطل السؤال الأساسي و هو كيفية تفادى مشكلة المجاعة ؟
بما هو واضح ان طرفي النزاع غير حريصين على " حلحلة " مشاكل المواطنين، كما أن الظروف الدولية المعقدة المتمثلة في حرب فلسطين ، أوكرانيا و الانتخابات الأمريكية تجعل السودان يقبع في آخر بند الاهتمامات الدولية. لكن مع كل ذلك يظل الهدف الأساسي مواصلة الضغط لوقف الحرب، و فتح مسارات آمنة لوصول الاغاثات الإنسانية و ذلك ممكن التحقيق بالعزم و قوة الارادة، الوحدة و التنظيم.....شعبنا خلاق.

عدنان زاهر
6 أكتوبر 2024

elsadati2008@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: أدت الى

إقرأ أيضاً:

تحذيرات دولية من نقص الغذاء حتى منتصف العام الحالي في اليمن

نبَّهت «شبكة الإنذار المبكر من المجاعة» إلى أن ملايين اليمنيين سيعانون من عجز في استهلاك الغذاء حتى منتصف العام الحالي على الأقل، حيث تستمرُّ الصدمات الاقتصادية الكلية، الناجمة عن الصراع المستمر في البلاد، في تقييد وصول الأسر بشدة إلى الغذاء. وبيَّنت أن المواني الخاضعة لسيطرة الحوثيين فقدت 70 في المائة من قدرتها التشغيلية؛ نتيجة الضربات الإسرائيلية.

وفي أحدث تقارير الشبكة المعنية بمراقبة أوضاع الأمن الغذائي في العالم والتحذير من المجاعة، ذكرت أنه في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية، تفرض أسعار المواد الغذائية فوق المتوسطة والدخل غير الكافي - بما في ذلك مدفوعات الرواتب الحكومية غير المنتظمة - ضغوطاً على القدرة الشرائية للأسر؛ مما يؤدي إلى نتائج أزمة واسعة النطاق في «المرحلة 3» من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي.

وفي عدد من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية، من المرجح - وفق الشبكة - أن تمنع المساعدات الغذائية الإنسانية انعدام الأمن الغذائي الحاد الأكثر شدة، مما يؤدي إلى نتائج أزمة.

كما بيَّنت الشبكة أن مجموعة من المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين لا تزال تواجه نتائج الطوارئ، وهي «المرحلة 4» من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، أي على بُعد مرحلة واحدة من المجاعة.

وذكرت في تقريرها أنه وعلى الرغم من أن ضوابط الأسعار لا تزال ساريةً مع تلقي هذه المناطق مساعدات غذائية إنسانية إضافية في أوائل هذا العام، فإن نطاق التغطية المتوقع ليس مرتفعاً بما يكفي لمنع نتائج هذه المرحلة نظراً لندرة مصادر الغذاء والدخل الأخرى للأسر.

ووفق ما جاء في التقرير، فإن الغارات الجوية الإسرائيلية الأخيرة على البنية التحتية الأساسية للمواني أدت إلى زيادة خطر نقص الوقود والغذاء، وعودة السوق السوداء للوقود، خصوصاً إذا ظلت القدرة التشغيلية محدودة بشكل كبير في الأمد المتوسط إلى الطويل، وإذا لم يتم استخدام استراتيجيات التخفيف.

وأكدت الشبكة أن تلك الغارات أدت إلى تدمير خزانات الوقود؛ وإتلاف 8 زوارق بحرية ضرورية لعمليات الشحن في مواني الحديدة والصليف ومنشآت النفط في رأس عيسى؛ وإلحاق أضرار بمحطتين للطاقة في مدينة صنعاء.

مقالات مشابهة

  • العالم في حالة حرب.. هذه بؤر التوتر التي يتجاهلها الغرب
  • تحذيرات دولية من نقص الغذاء حتى منتصف العام الحالي في اليمن
  • جريمة فاريا... توقيف والدة المرتكب والفتاة التي كانت برفقته
  • تناول ناقد للتقارير التي تدعي وجود مجاعة في السودان
  • وزير الخارجية السوداني: بلادنا ستعود لما كانت عليه وأفضل بمساندة مصر
  • الأدب والفن بين الدمار والإبداع
  • بالفيديو.. مسؤولون: الهليكوبتر التي تحطمت كانت ضمن وحدة استعداد في حالة هجوم على أمريكا
  • جامعة الخرطوم تستأنف مسيرة العطاء
  • ترامب: المروحية العسكرية التي اصطدمت بطائرة الركاب كانت تحلق على ارتفاع عالٍ جدا
  • تعرّف على المنظمة التي تلاحق مجرمي الحرب الإسرائيليين بجميع أنحاء العالم