سودانايل:
2024-10-08@12:06:29 GMT

الفكر الثاقب والبعد الأخلاقي

تاريخ النشر: 8th, October 2024 GMT

بقلم: د. محمد حمد مفرح

من المسلمات التي لا يرقى إليها الشك أن التعويل على تفكيك أي ازمة، سياسية كانت او اقتصادية او اجتماعية او خلافها، تحدث في بلد ما و تفرز واقعا كارثياً في ذلك البلد، يجب، أي التعويل، أن يكون على العقل الجمعي للسلطة الحاكمة Authority's Collective mind بذلك البلد او على مفكر مؤهل لاحداث اختراق ما يضع حدا لهذه الأزمة.

و علاوة على الفكر فان ثمة ضرورة لتوافر البعد الأخلاقي في السلطة المسؤولة أو في المفكر و ذلك من اجل تفكيك الأزمة المشار إليها. و يتمثل مفهوم هذين العاملين على التوالي في اعمال الفكر الثاقب ذي المردودات الملموسة مع توافر الأهلية الأخلاقية في السلطة او المفكر المعني.
و اذا توافر هذان العاملان المفتاحيان،أي الفكر و البعد الأخلاقي، و توافرت البيئة المناسبة فسوف يقود هذا الى تفكيك الأزمة و وضع حد لها. و بالعكس فانه اذا لم تكن هنالك بيئة تمهد طريق النجاح للعاملين المشار إليهما فسوف لن يقودا الى تحقيق الهدف المرجو. ذلك أن توافر جميع مقومات تحقيق الهدف و تكاملها يعد امرا ضروريا لتحقيقه.
و قد حفل التاريخ السياسي للدول بعدد مقدر من الحكومات التي جمعت بين العقل السياسي الراجح و الأهلية الأخلاقية Moral competence. كما شهدت دول أخرى اختراقات كبيرة لأزماتها كان وراءها بعض القادة النابهين أو المفكرين الذين توافر فيهم العاملان المشار إليهما سابقا، الأمر الذي عمل على توافر الأهلية لانتشال هذه البلدان من وهدتها حين استحكمت الازمات.
الجدير بالتأكيد أن أهلية حل الأزمة تتضمن، بجانب الفكر الثاقب المعين على اجتراح الحلول غير التقليدية و البعد الأخلاقي في الممارسة السياسية او التعامل الأخلاقي و القدرة على هزيمة المعوقات كأساسيات لا بد منها، تتضمن عوامل أخرى ضرورية لتمهيد طريق النجاح. و من تلك العوامل الواقع السياسي بالبلد المعين و مدى اسهامه في تحقيق النجاح، مع توافر الارادة الوطنية و الشخصية الوطنية و مدى تعاملها الايجابي مع مساعي الحل. و تمثل هذه العوامل مجتمعة البات تفكيك الازمة.و استشراف واقع جديد عنوانه الاستقرار و التطور و الرفاه.
و تبعا لذلك يجب التعويل في حل الأزمات على العقل السياسي للدولة و الذي إذا ما توفر سيعمل على هزيمة أي قوة خارجية يمكن ان تعيق مساعي حل الأزمة او تقوم بالاسهام في حلها مع رهن قرار البلد المأزوم و سلبه استقلالية ارادتة الوطنية.
يقول عالم الاقتصاد الباكستاني محبوب الحق أنه لا يؤمن بوجود أرض جرداء لا موارد فيها بقدر ايمانه بعقل خلاق يمكنه استخراج الكنوز من باطن الأرض. و لا شك في ان هذا القول، و بصرف النظر عن احتمالية انتفاء واقعيته و موضوعيته، يعمل على تعظيم العقل و الدعوة الى ضرورة اعماله كمرجعية فكرية منتجة. و هذا بالقطع ما دعا له ديننا الاسلامي الحنيف و حثنا عليه، في معرض دعوته لاعمال العقل في ترقية الحياة و مواجهة تحدياتها.
و من الأمثلة الحية للدول التي احدثت اختراقات كبيرة في واقعها الاقتصادي دولة الهند الموسومة بعدد السكان الكبير. فقد واجهت الهند خلال العقود القليلة الماضية تحديا وجوديا Existential challenge تمثل
في فجوة جد واسعة بين عدد سكانها الهائل و مواردها الضئيلة.
و قد و قف عالم الاقتصاد السويدي قونار مبردال انذاك على واقع الهند فسماه ب Asian Dilemma أي (المأزق الاسيوي) و حكم على الهنود بالفناء بناء على المعطيات الموضوعية هناك و المتمثلة في إنفجار سكاني مع موارد قليلة، مقارنة بعدد.السكان. و تبعا لذلك فقد ظل يتابع النمو الاقتصادي للهند ليقف على مالات ذلك الواقع الاستثنائي. غير انه وجد بعد متابعته لمدة سنتين انه اخذ، خلافا لتوقعاته، في الأزدهار بوتيرة واعدة. و عندما استقصى الأمر اكتشف ان الهند قامت باعداد إستراتيجية اعلامية ذكية موجهة لمواطنيها من اجل مواحهة هذا الواقع من خلال رفع شعار (اما ان تعمل و تنتج او تموت من الجوع). و قد تجاوب المواطن مع هذا الشعار فكانت المحصلة وفرة في الانتاج الزراعي غير مسبوقة عملت على تحقيق نقلة اقتصادية بالهند وضعتها في صدارة الدول في مجال النمو الاقتصادي ثم ولجت عالم الصناعة من أوسع الأبواب.
كما أن الرئيس الماليزي ماهتير محمد يمثل نموذج العقل السياسي الذي كسر حاجز تقليدية التفكير حتى استطاع ان يهزم واقع بلاده الاقتصادي المأساوي فاستشرفت، بفضل الله و بفضل برنامجه الاقتصادي الذكي عهدا جديدا على اكثر من صعيد.
و اذا تأملنا في واقع دول المحور (المانيا و اليابان و ايطاليا) و التي هزمت في الحرب العالمية الثانية نجد انها تراجعت على صعيد الاقتصاد بدرجة كبيرة جراء الحرب، غير ان حكوماتها المتعاقبة أخذت على عاتقها بناء اقتصاداتها بعد أن توافرت لها العوامل انفة الذكر. و قد نجحت بالفعل في ذلك حتى أضحت قوى اقتصادية رائدة و أحتلت مكانة دولية جد متقدمة في مضمار الاقتصاد و النهضة الشاملة.
اما اذا تأملنا في دول مثل رواندا نجد أنها اصبحت نموذجا دوليا بشار إليه بالبنان من حيث مواجهة واقعها الذي افرزته حربها الضروس التي قضت على الأخضر و اليابس و اورثتها وضعا اقتصاديا كارثيا. و قد تمتعت سلطتها الحاكمة بعد الحرب بالحكمة و سعة الافق السياسي ثم قامت بانقاذ برنامج سياسي، اجتماعي، اقتصادي نفذت من خلاله العدالة الانتقالية Transitional Justice ثم واجهت واقعها فكانت محصلة ذلك عهدا جديدا نقلها نقلة معتبرة على صعيد البناء السياسي و النهضة و التطور.العام.
من جهة أخرى فان السياسي المخضرم و القائد الفذ نيلسون مانديلا استطاع بحكمته و عقله السياسي الراجح و دهائه فضلا عن أهليته الأخلاقية ان يضمد جراح بلده بعد نهاية الابرثايد Aperthied و ينقلها الى مربع الاستقرار و النمو. و قد نفذ برنامج (الحقيقة و المصالحة) و قام يخلق بيئة تعايش معافاة بين سكان البلد الاصليين و البيض المستعمرين الذين سبق و أن اوردوا اهالي البلد الاصليين موارد الهلاك.
و اذا أخضعنا واقع السودان الحالي و مالاته المتوقعة بعد الحرب الجارية، للمعايير المتمثلة في العوامل سابقة الذكر ، و التي تعد ضرورية لتفكيك الازمات و تعبيد طريق الاستقرار و النهضة و التطور، إذا اخضعناها لهذه المعايير نجد أن بلادنا موسومة في الأصل بهشاشة في البنية السياسية Fragility in political structure منذ الاستقلال، اقعدتها و حالت بينها و بين النهضة و التطور برغم توافر الموارد فيها. و تعتبر هذه الهشاشة وليدة الانقلابات العسكرية التي افرزت حكومات شمولية استاثرت بحكم البلاد لسنوات طويلة بالإضافة الى الصراع السياسي بين عدد من القوى السياسية التي لا يتوافر لبعضها النضج السياسي في حين يفتقر بعضها الاخر الى البعد الأخلاقي في الممارسة السياسية. و بالطبع خلق هذا الواقع، مقرونا بمسببات أخرى كثيرة، ازمة سياسية متطاولةPrinlonged political crisis فشلت القوى السياسية في حلها مما ادى الى انسداد افق الحل. و قد ضاعفت الحرب الجارية بالبلاد من الأزمة و افرزت واقعا كارثياً نقل البلاد الى شفا الأنهيار و ظلت بسببه عرضة للتفكك في ظل التعقيدات الماثلة.
لذا فان توافر العوامل المشار إليها في صدر المقال، في يىئتنا السياسية الداخلية و بين احزابنا و نخبنا السياسية علاوة على المعينات الأخرى المطلوبة سالفة الذكر تمثل، مجتمعة، الضمانة الأكيدة لحل ازمة بلادنا
و انتشالها من وهدتها الحالية.
و هذا يستلزم، دون ريب، الوعي التام بمأزق البلاد الراهن، من قبل كل القوى السياسية و التفاعل معه و السمو فوق كل الصغائر و كذا تقديم المصلحة العامة على ما عداها ثم التواضع على برنامج حد ادنى بستهدف انقاذ البلاد من وهدتها. و من الضروري استصحاب تجارب الدول الاخرى التي واجهت ازمات مشابهة و بالذات تلك.التي خرجت من الحروب، و ذلك في سبيل احداث اختراق ايجابي كبير في ازمتنا و الا ظلت بلادنا مفتوحة على كل السيناريوهات.

mohammedhamad11960@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

الصحة: رفع كفاءة قسم الرعايات المركزة وزيادة أعداد فرق التمريض

وجه الدكتور محمد الطيب نائب وزير الصحة والسكان، بصرف مكافأة مالية تشجيعية لكافة الأطباء من العاملين بقسمي الأسنان والتمريض، وأحد موظفي قسم الإداريات بمستشفى المنيرة العام، وذلك تقديراً لالتزامهم في العمل ولمجهوداتهم المبذولة لتوفير أفضل خدمة للمرضى.


جاء ذلك خلال جوله ميدانية مفاجأة أجراها ،اليوم الأثنين، لمستشفى المنيرة العام، بمحافظة القاهرة، وذلك في إطار تنفيذ تكليفات الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة والسكان، لنوابه بضرورة تكثيف المرور الميداني على مختلف المنشآت الصحية بالمحافظات لمتابعة العمل ميدانيًا والوقوف على أي التحديات والعوائق والعمل على حلها فورياً.

وزير الصحة: نعمل فى مبادرات خاصة بالصحة العامة ومن خلال مواقع إلكترونية نستطيع الوصول إلى جموع المواطنين وزير الصحة: بدأنا تبني فكرة تطوير مستشفيات قديمة تجاوز عمرها 50 عاما


وأوضح الدكتور حسام عبدالغفار، المتحدث الرسمي لوزارة الصحة والسكان، أن نائب الوزير حرص في مستهل الجولة بتفقد العيادات الخارجية  والبالغ عددها 26 عيادة ( 13 عيادة أ، 13 عيادة ب)، في مختلف التخصصات الطبية، حيث تفقد عيادة الجراحة العامة، ووجه بتحويل غير الملتزمين من العاملين  بالعيادة للتحقيق.
ونوه "عبدالغفار" إلى تفقد نائب الوزير عيادة الأسنان، ووجه بزيادة عدد الكراسي بها ، وفقاَ لمعدلات تردد المرضى وعدد الفرق الطبية بالعيادة، في مختلف التخصصات الخاصة بالأسنان، كما راجع توافر المستلزمات الطبية والأدوية اللازمة، فضلاً عن التأكد من صيانة الأجهزة والكراسي بالعيادة.
وأضاف "عبدالغفار" أن نائب الوزير تفقد شباك التذاكر والخزينة الخاصة بالعيادات الخارجية ، لمراجعة الالتزام بلائحة الأسعار والتأكد من سرعة تقديم الخدمة للمواطنين، ولوحظ تكدس المواطنين على شباكي التذاكر والخزينة، حيث وجه "الطيب" في هذا الشأن بزيادة عدد الموظفين المعنيين بتنظيم المواطنين على شباك التذاكر، والتأكد من تحقيق سرعة الحجز وتوفير الراحة للمنتفعين.


وحرص "الطيب" على الإطلاع على الكشوف الخاصة بتوزيع الأطباء على العيادات   والتأكد من توافر القوى البشرية الكافية، ومراجعة انتظامهم بالفترات الصباحية والمسائية، فضلاً عن مراجعة معدلات الترددات الخاصة بالمرضى على كل عيادة، لافتاً إلى توجيهه بسرعة دخول المرضى كبار السن لتلقي الخدمات الطبية بالعيادات.

وأشار "عبدالغفار" إلى تفقد نائب الوزير لقسم الرعايات المركزة، والذي تم زيادة عدد الأسرة به إلى 19 سرير بدلاً من 10 أسرة، فضلاً عن زيادة عدد القوى البشرية من الأطباء العاملين بالقسم، لافتاً إلى توجيهه برفع كفاءة القسم بالكامل وزيادة أعداد فرق التمريض
بالقسم، موضحاً تفقده للمعمل الخاص بالمستشفى وقسم الطوارئ وقسم استقبال الأطفال.

توافر الأدوية والمستلزمات الطبية


ولفت "عبدالغفار" إلى تفقد نائب الوزير للصيدلية، للتأكد من توافر الأدوية والمستلزمات الطبية، موضحاً حرصه على التحدث للمرضى بالمستشفى خلال تفقده، للتأكد من مدى رضائهم عن الخدمات الطبية المقدمة لهم، حيث أشاد العديد من المرضى بجودة الخدمات المقدمة.

مقالات مشابهة

  • النويري يناقش مع برنت مستجدات الأزمة السياسية وسُبل الدفع بها نحو إجراء الانتخابات في أقرب وقت
  • مفتي الجمهورية: دار الإفتاء أحد أهمِّ مكوِّنات الدَّولة ومؤسساتها.. ونسعى لمواجهة الفكر المتطرف
  • على هامش دورة الألعاب السعودية| تنظيــم” ندوة الفكر الأولمبي”
  • وزير التموين يجتمع لمتابعة موقف توافر السلع الاستراتيجية
  • بالفيديو كونفرانس.. انطلاق فعاليات "دورة تفكيك الفكر المتطرف" لأئمة بريطانيا بمنظمة خريجي الأزهر
  • الصحة: رفع كفاءة قسم الرعايات المركزة وزيادة أعداد فرق التمريض
  • محامية عن نشر الفيديوهات الخادشة على التيك توك: نوع من الفكر الماسوني
  • حماية الفكر
  • نائب يدعو مجلس نينوى إلى الابتعاد عن الخلافات السياسية