بينما تسعى الفرق البحثية حول العالم إلى توفير أدوات تعتمد بشكل أساسي على الذكاء الاصطناعي لاستكشاف مخاطر الزلازل في المستقبل بالمناطق النشطة تكتونيا فإن فريقا بحثيا عراقيا قدم ما تعرف بـ"المراوح الرسوبية" باعتبارها وسيلة لتحقيق ذلك.

ويشير مصطلح "المروحة الرسوبية" إلى الشكل المروحي الناتج عن ترسب الرواسب، وخلال الدراسة المنشورة في دورية "فيزكس آند كمستري أوف إيرث" استخدم الفريق البحثي من قسم الجيولوجيا بجامعة البصرة العراقية ما تعرف بـ"مروحة الشهابي الرسوبية" التي تقع في محافظة واسط العراقية قرب الحدود مع إيران كوسيلة لاستكشاف مخاطر الزلازل في مستقبل المنطقة.

تخيل المروحة الرسوبية كتشكيل عملاق متشعب يشبه المروحة من الصخور الجبلية، خضعت تلك الصخور لمراحل مختلفة من النمو بسبب القوى التكتونية، تماما مثل طبقات الكعكة التي تضاف واحدة تلو الأخرى أثناء الخبز.

وركزت الدراسات السابقة على تكوين مروحة الشهابي ونموها وتطورها بناء على عوامل مثل المناخ وتوزيع الرواسب وعلم المياه (تدفق المياه)، كما فحصت التضاريس (السمات الفيزيائية للمناظر الطبيعية) والأشكال الأرضية العامة، وبحثت في العمليات السطحية مثل التآكل وتراكم الرواسب، ولكن لم تستكشف الحركات التكتونية بالمروحة.

وتعالج الدراسة الجديدة هذه المشكلة بالتعمق في فحص القوى التكتونية بالمنطقة، حيث كشفت عن أنها لا تزال نشطة تكتونيا إلى الآن، ولا تزال التحولات التكتونية وخطوط الصدع (مثل صدع جبال زاغروس الواقعة غرب إيران وشرق العراق) تؤثر على تطور المروحة، مما يساعد في فهم مخاطر الزلازل في المنطقة واستطلاع مستقبلها أيضا.

وتمثل الصفائح التكتونية القشرة الصخرية للأرض، وهي عبارة عن قطع ضخمة متداخلة من الصخور بشكل يشبه تداخل قطع الأحجيات الورقية، وهي المؤثر الرئيسي على الزلازل في كل أنحاء العالم بسبب حركتها بالنسبة لبعضها البعض.

تتكون القشرة الأرضية من نحو 20 قطعة تتداخل فيما بينها كما تتداخل قطع الأحجيات الورقية (ويكيميديا) أدوات الدراسة وأبرز نتائجها

واستخدمت الدراسة أدوات رسم الخرائط المتقدمة مثل "إيه آر سي جي إي إس" وبيانات من هيئة المسح الجيولوجي الأميركية لتحليل تاريخ المروحة.

ومن خلال فحص المقاطع الطبوغرافية (شرائح الأرض) وإنشاء خرائط الكنتور مثل الخطوط على الخريطة الطبوغرافية التي توضح الارتفاع حدد الباحثون 5 فترات نمو رئيسية في المروحة، كل منها ناتجة عن النشاط التكتوني، الأمر الذي يمكن استخدامه لدراسة مخاطر الزلازل المستقبلية.

وتمثل هذه المراحل الممتدة من البليوسين إلى أواخر البليستوسين لحظات تحركت فيها قشرة الأرض، مما تسبب في ترسب طبقات جديدة من الرواسب، ووجدت الدراسة أن نشاط المروحة الرسوبية لا يزال مستمرا إلى الآن.

كما وجد الباحثون أن ارتفاعها يتغير من 15 مترا في الجنوب الغربي إلى 120 مترا في الشمال الشرقي، وتتراكم المزيد من الرواسب على الجانب الغربي بسبب خطوط الصدع القريبة مثل جبال زاغروس، وهذه القوى التكتونية مسؤولة عن رفع تلال حمرين (شمال شرق العراق)، وغرق سهل ما بين النهرين (يغطي الجزء الأوسط من العراق ويمتد باتجاه الجنوب الشرقي).

أحد أشكال المراوح الرسوبية (ويكيميديا) الزلازل والمراوح الرسوبية

ويقول رئيس قسم الزلازل في المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية بمصر شريف الهادي في تصريح للجزيرة نت إن"هناك علاقة بين المروحة الرسوبية (مثل مروحة الشهابي الرسوبية) والنشاط الزلزالي، وتكمن في العمليات الجيولوجية التي تشكل كل من المروحة وقشرة الأرض".

وتتشكل المراوح الرسوبية بمرور الوقت بسبب تدفق المياه التي تحمل الرواسب من الجبال والتلال، وترسبها في المناطق المنخفضة، وغالبا ما تتطور هذه المراوح في المناطق النشطة تكتونيا، مما يعني أن قشرة الأرض تتحرك بسبب خطوط الصدع.

ويقول الهادي "في حالة مروحة الشهابي الرسوبية التى تناولتها الدراسة تعمل القوى التكتونية مثل تلك الناتجة عن صدع جبهة زاغروس على تشكيل الأرض، وترفع هذه القوى مناطق معينة (مثل تلال حمرين) وتتسبب في غرق مناطق أخرى (مثل سهل ما بين النهرين)، وعندما تتراكم هذه الضغوط التكتونية يمكن أن تؤدي إلى الزلازل، وبالتالي يمكن أن توفر طبقات الرواسب في المروحة الرسوبية سجلا تاريخيا للنشاط التكتوني الماضي، بما في ذلك الزلازل".

وعندما يحدث زلزال يمكن أن يعطل التدفق الطبيعي للرواسب، مما يخلق طبقات مميزة أو تغييرات في بنية المروحة، ومن خلال دراسة هذه الطبقات يمكن للجيولوجيين تتبع تاريخ التحولات التكتونية، وحتى تحديد وقت حدوث الزلازل الكبيرة، أي أن المراوح الرسوبية أرشيف لأحداث الماضي.

ومن خلال تحليل هذا الأرشيف يمكن للعلماء فهم تاريخ النشاط الزلزالي في المنطقة بشكل أفضل، واستطلاع مخاطر الزلازل في المستقبل، كما يوضح الهادي.

ويفرق الهادي بين استطلاع مخاطر الزلازل في المستقبل والتنبؤ بوقوعها، ويقول إنه "في حين لا تستطيع المراوح الرسوبية التنبؤ بالزلازل بشكل مباشر إلا أنها توفر أدلة حول النشاط التكتوني طويل الأمد".

وتمنح دراسة كيفية نمو المروحة وتحولها بمرور الوقت العلماء نظرة ثاقبة للإجهاد التكتوني المستمر، مما قد يساعد في تقييم ما إذا كانت المنطقة من المرجح أن تشهد المزيد من الزلازل.

كما أنه من خلال فهم العلاقة بين خطوط الصدع مثل صدع جبهة زاغروس وعملية الترسيب يمكن للباحثين قياس مقدار الإجهاد المتراكم على طول الصدع، مما قد يشير إلى احتمالية أعلى لوقوع زلازل في المستقبل، كما يوضح الهادي.

وأخيرا، يضيف أن "المناطق التي تتحرك فيها قشرة الأرض بنشاط مثل ارتفاع تلال حمرين وهبوط سهل ما بين النهرين هي مناطق أكثر عرضة للزلازل، مما يجعل من الضروري مراقبتها عن كثب".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات فی المستقبل من خلال ما بین

إقرأ أيضاً:

جامعة أسيوط تقدم مشروعات تخرج مبتكرة في برنامج المساحة ونظم المعلومات الجغرافية

 شهدت جامعة أسيوط مناقشة مشروعات تخرج الدفعة الثانية من طلاب برنامج المساحة والخرائط ونظم المعلومات الجغرافية بكلية الآداب، بإشراف الدكتور أحمد عبد المولى، نائب رئيس الجامعة لشئون التعليم والطلاب، والدكتور مجدي علوان، عميد كلية الآداب، والدكتور خالد بدرة، منسق البرنامج.

 

 

وحضر فعاليات المناقشة كل من الدكتور حامد مشهور، وكيل الكلية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، والدكتور سامح فكري، وكيل الكلية لشئون الدراسات العليا والبحوث، والدكتور محمد السيد أبو رحاب، وكيل الكلية لشئون التعليم والطلاب، إلى جانب المشرفين على مشروعات التخرج من أعضاء هيئة التدريس الدكتورة أفنان عبد الرؤوف، الدكتورة هناء رفعت، الدكتور محمد بشير، والدكتور عصام عادل، وعدد من رؤساء الأقسام وأعضاء هيئة التدريس

وأعرب الدكتور أحمد المنشاوي رئيس الجامعة عن إشادته بالمستوى المتميز لمشروعات التخرج، مشيرًا إلى أنها تعكس تأهيلًا أكاديميًا وتطبيقيًا عالي المستوى يُعد الطلاب لسوق العمل، كما تواكب هذه المشروعات متطلبات العصر في مجالات التخطيط والتنمية. وأضاف أن البرنامج يُعد نموذجًا للتكامل بين الدراسة النظرية والتطبيق العملي بما يخدم قضايا المجتمع.

وأكد رئيس الجامعة على أن الجامعة تحرص على توجيه مشروعات التخرج لخدمة القضايا التنموية ودعم المبادرات الوطنية، منوهًا بأهمية هذه المشروعات في دعم الصناعة والاقتصاد القومي.

وأشاد الدكتور مجدي علوان بجهود الطلاب وأعضاء هيئة التدريس في تنفيذ مشروعات متميزة تعكس تطور البرنامج، مشيرًا إلى أنه من أنجح البرامج المتخصصة في الجامعات المصرية، ويشهد إقبالًا متزايدًا من الطلاب، ويُعد من الموارد الذاتية المهمة للكلية.

وأشار الدكتور مجدي علوان إلى أهمية التكامل بين تخصص الجغرافيا وعلوم الآثار، ودور نظم المعلومات الجغرافية (GIS) والمسح الجوي في تطوير عمليات التنقيب والتوثيق الأثري، مؤكدًا أن هذه التقنيات ساهمت في رسم خرائط دقيقة وربط المواقع الأثرية بسياقها البيئي والتاريخي.

ووجه الدكتور خالد بدرة الشكر لإدارة الكلية على دعمها للبرنامج، مؤكدًا أن البرنامج يُعد من التخصصات البينية التي تجمع بين الدراسة الأكاديمية والتدريب العملي، ويؤهل خريجين مزودين بمهارات قادرة على خدمة مشروعات التخطيط والتنمية.

وخلال الفعاليات، استعرضت المهندسة رانيا حليم تجربة خريجي الدفعة الأولى من البرنامج في المشاركة بمشروع لمحافظة أسيوط بعنوان كشف مسارات البنية التحتية ووضعها على خرائط البنية التحتية في مشروع إحلال وتجديد خط الصرف الصحي من محطة البركة إلى محطة عرب المدابغ بطول 7 كم

وتضمنت مشروعات التخرج (10) مشروعات بمشاركة (170) طالبًا وطالبة، تناولت موضوعات مثل: البوابة الجيومكانية (web site)، التحليلات المكانية للخدمات بمدينة أسيوط الجديدة، تقييم كفاءة توزيع المدارس الثانوية باستخدام GIS، تطبيق "كليتنا"، ورفع مساحي لعدد من مدرجات كلية الآداب، بالإضافة إلى تحديد أفضل مسارات الوصول بين قاعات ومدرجات الكلية.

وكما شهدت الفعالية حضور نخبة من ممثلي المؤسسات والشركات المعنية، أبرزهم: المهندس علاء الدين جلال، رئيس هيئة المساحة بأسيوط والمهندس محمد أحمد عبد السلام، مقرر لجنة المساحة بشركة المقاولون العرب، والمهندس محمد الليثي، مدير وحدة المتغيرات المكانية بمحافظة أسيوط، والمهندسة رانيا حليم، مدير مركز معلومات شبكات المرافق والبنية التحتية بأسيوط، والمهندس سيد عبد النعيم، مدير عام المشروعات بشركة أسيوط لتكرير البترول، والمهندس محمود شحاتة، رئيس شركة مياه الشرب والصرف الصحي بأسيوط، والمهندسة رانيا نصر، مدير العلاقات العامة بشركة تكرير بترول أسيوط، والمهندس سامر محمد، من إدارة العلاقات العامة بشركة تكرير بترول أسيوط.

مقالات مشابهة

  • أستاذ جامعي يرصد حالات الغش في قاعة الامتحانات بطريقة مبتكرة! .. فيديو
  • خبراء يحذرون: النوم على المروحة قد يضر بصحتك أكثر مما ينفع
  • أفضل طريقة لاستخدام المراوح والتكييف في الصيف بأمان
  • وداعًا للتسوس: طرق مبتكرة لحماية أسنانك قبل أن تفكر في زيارة الطبيب
  • نقيب الصحفيين العراقيين يثمن جهود قبول ومشاركة العراق في مهرجان كان السينمائي بدورته المقبلة
  • أضرار استخدام المروحة والتكييف في الصيف
  • جامعة أسيوط تقدم مشروعات تخرج مبتكرة في برنامج المساحة ونظم المعلومات الجغرافية
  • «مالية الشارقة» تدشن منصة «Shj3» الذكية لخدمة المتعاملين عبر حلول مبتكرة
  • ضبط 6 مقيمين لاستغلالهم الرواسب في الشرقية
  • القبض على 6 مخالفين للأنظمة البيئية في المنطقة الشرقية لاستغلالهم الرواسب دون ترخيص