الجزيرة:
2024-10-08@12:03:44 GMT

كيف نجح الحراك في أوروبا رغم هستيريا القمع؟

تاريخ النشر: 8th, October 2024 GMT

كيف نجح الحراك في أوروبا رغم هستيريا القمع؟

لم تكن الأحداث الجسام التي انطلقت في قطاع غزة شهر أكتوبر/ تشرين الماضي من العام الماضي عادية بأي حال من الأحوال، بل ولم تكن استثنائيتها ومراحل تطورها ونموها على كافة الأصعدة تسمح بتجاوزها شهريًا، فكيف هو الحال ونحن نعيش الآن ذكرى سنويتها الأولى، تلك السنة التي يكاد لا يخلو يوم منها إلا ويحمل شاهدًا أو أكثر على دموية وبربرية ووحشية عزّ نظيرها في التاريخ الحديث.

إذ يمكن وصفها بأنها المثال الأكمل والأجمع لمصطلح الإبادة الجماعية تحت أنظار وأسماع العالم أجمع، ذلك الصمت الذي أعطى ضوءًا أخضر لآلة الحرب الإسرائيلية، فأحالت قطاع غزة ومجتمعه ومقومات الحياة فيه أثرًا بعد عين، لا تسمع فيه إلا أنات العذاب ودموع الأنين ممزوجة بروح العزة والإصرار والصمود والمقاومة الحية العصية على الانكسار.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2نيويورك تايمز : إسرائيل غارقة في أزمة وجودية وتستخف بمعاناة الفلسطينيينlist 2 of 2عام على طوفان الأقصى.. حصاد إسرائيلي ثقيل رغم تدمير غزةend of list

قطاع صغير جغرافيًا وعام من الزمن المحمل بالجرائم كانا كافيَين بارتداداتهما السياسية والعسكرية والحقوقية والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية، أن يشغلا العالم أجمع ويملآ الآفاق ضجيجًا، وأن يسحبا الأضواء عن قضايا سياسية أخرى، وحروب نصف عالمية، كالقضية الروسية الأوكرانية على سبيل المثال لا الحصر.

محطة سنوية نتوقف عندها اليوم مدركين أهمية الدقيقة فيها وتأثيرها على سردية المعلومات وتقدير المواقف، لكننا نستطيع أن نقول إن أي توقف للتحليل لن يكون مكتملًا إذا لم يُخصَّص جزء منه لأثر وتأثر القارة والسياسة الأوروبية بهذا العدوان الإسرائيلي الغاشم والإجرامي خلال عام مضى، لا يعرف منتهاه من الزمن.

وإذ نخصص مقالنا اليوم لتقييم الحراك الأوروبي ببعده الشعبي لصالح فلسطين، فإنه مما لا شك فيه ومنذ اللحظة الأولى للأحداث والعدوان كانت القارة الأوروبية، بما تحمله من مقومات ومساحات، على الموعد. فجاء الحراك الشعبي المدفوع من قبل المؤسسات الحاضرة المراكمة للخبرات، مستفيدًا من مساحات الحرية التي تتمتع بها شعوب هذه القارة، ومعاني الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تؤمن بها، علاوة على الفضاء الإعلامي المفتوح الذي كسر قواعد اللعبة القديمة وأغلق الطريق على تجار الرواية الواحدة الكاذبة.

فبات العالم يرى ويسمع بأم عينيه وباللحظة ما يجري داخل غزة وفلسطين، مجردًا من كل العمليات التي كانت تمارس لتجميل سوءة الاحتلال وداعميه ومناصريه. جاء الحراك الشعبي عالي الزخم، رغم الانحياز السياسي لأوروبا اتحادًا ودولًا لصالح الكيان الإسرائيلي، وهو أمر ليس بالمستغرب لمن وعى أن الغرب الأوروبي صنع دولة الاحتلال، وكان أساس وجودها واستمرارها طيلة عقود من الزمن.

منذ الساعات الأولى، كانت انطلاقة الحراك الشعبي قوية متناسبة مع الأحداث. ولعل أبرز ملامحها الأولى كانت النزول إلى الشوارع بأعداد هائلة، شاركت فيها مكونات المجتمع بكافة أطيافها الفلسطينية والعربية والمسلمة والأوروبية، وبكافة أيديولوجياتها اليسارية والمسيحية والإسلامية واليهودية اللاصهيونية، ومن شتى المراحل العمرية شبابًا وشيبةً، أطفالًا ونساءً ورجالًا.

امتدت هذه المظاهرات لتشمل عواصم مختلف الدول الأوروبية ومدنها الكبرى وساحاتها الرئيسية، الأمر الذي شكل صفعة قوية للانحياز اللاإنساني لصالح الكيان الإسرائيلي، الذي اعتادت أن تمارسه الدول الأوروبية وصنّاع قرارها السياسي. بل وشكل رسالة واضحة وصريحة بالبعد الشعبي الانتخابي، أن المعارضين لهذا الانحياز يشكلون كتلة شعبية ليست بالقليلة، ولا يمكن تجاوزها بأي حال من الأحوال.

أمام هذه الصفعة التي برزت ملامح تنامي حدتها مع الأيام، مدفوعة بكم الإجرام المتزايد من قبل الاحتلال ومشاهد الإجرام الحية في الفضاء الإعلامي المفتوح، وعدم رقي الموقف السياسي الأوروبي إلى المستوى المطلوب، والبروز الواضح لسياسة ازدواج المعايير التي يمارسها الاتحاد الأوروبي في كيفية تعامله مع المصطلحات والقيم والقوانين وفقًا لمصالحه البحتة لا المبادئ السامية التي ينادي بها؛ لم يرُق ذلك للوبي الصهيوني الضاغط ولا لأنصاره من اليمين الصاعد داخل القارة الأوروبية، ولا للعديد من الدول مثل ألمانيا التي تربطها علاقات خاصة مع الاحتلال محكومة بعقدة مذابح اليهود على يد النازية.

كل ذلك، إضافة إلى استحضار عامل التنافس الحزبي الداخلي، كما حصل في فرنسا وبريطانيا، دفع العديد من الدول الأوروبية إلى التصرف بحدة وصل حد الهستيريا في بعض الدول، كما هو الحال في ألمانيا التي صادرت حق التظاهر بغير وجه حق، وتطور الأمر إلى الاعتداء على المتظاهرين جسديًا في انتهاك واضح للقوانين التي تنادي بها بلدان القارة الأوروبية.

ورغم ذلك، فإن الإصرار الشعبي على التظاهر – مدعومًا برفع الدعاوى القضائية ودخول شخصيات مؤثرة عالميًا، وكذلك الدور البارز الذي قامت به الشريحة الشابة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مستفيدين من اتساع حجم الجرائم والمجازر، وعدم رضا بعض أفراد الشرطة عن قمعهم للمتظاهرين – أعاد للحراك التظاهري زخمه ووجوده الكثيف. كما زاد من اندفاعه، مستفيدًا من عوامل عديدة، أولها العنف والجرائم الإسرائيلية المستمرة دون هوادة، وثانيها صمود الشعب الفلسطيني في غزة والنماذج النضالية التي يسطرها يوميًا، ما جعل هذا التزامن بين العاملين عاملًا ثالثًا في دفع الحراك.

ومن بين العوامل الأخرى المؤثرة، برز الإعلام البديل والمفتوح كعامل بارز، سواء في نقل الحقيقة من داخل غزة أو في نقل الحدث الداعم من خارجها، وتبادل الخبرات النضالية بين بلدان القارة الأوروبية والقارات الأخرى. وعامل آخر هو الإنجاز غير المسبوق الذي فرضته التظاهرات على المستوى الرسمي، والذي زاد من الإيمان بجدوى هذا الحراك وعدالته، ما ساهم في تراكم الخبرات على مدار العام الماضي.

كل ذلك أدى إلى نقلة مهمة في الحراك الشعبي، حيث بلغ عدد المظاهرات التي رصدها المركز الأوروبي الفلسطيني للإعلام حوالي 26,000 مظاهرة وفعالية في 619 مدينة عبر 20 دولة أوروبية. ولم يقتصر التطور على عدد المظاهرات، بل شهد الخطاب الإعلامي أيضًا تطورًا ملحوظًا.

ورغم محاولات الدول المنحازة للاحتلال، بدعم من اللوبي الصهيوني، شيطنة هذا الحراك بوصفه أنه "معادٍ للسامية"، برزت مفاهيم جديدة في الفهم الأوروبي، مثل: "المقاومة" و"من النهر إلى البحر، فلسطين ستكون حرة". وبرزت أيضًا مشاركة شخصيات ومؤسسات يهودية مناهضة للصهيونية، ما أضعف مزاعم "معاداة السامية" وجعل هذه النقطة رابحة لصالح المناصرين للحق الفلسطيني.

وعلى العموم، لم تقتصر المظاهرات على الشكل الوحيد للحراك الشعبي لصالح فلسطين، بل تنوعت أشكال هذا الحراك الإبداعي. فقد شملت فعاليات مثل: "الاعتصام" و"الموت الرمزي"، ومقاطعة المطاعم والمتاجر الداعمة للاحتلال، والوقفات أمام مصانع الأسلحة الداعمة لإسرائيل، والقطع المؤقت للطرق الرئيسية للفت الانتباه إلى القضية الفلسطينية. كما كانت المخيمات الطلابية الجامعية من أبرز الأشكال التي أوصلت رسالة واعية وواسعة، انتقدت حالات القمع الممارس ضد المتظاهرين.

ورغم الضغوط الممنهجة التي مارسها اللوبي الصهيوني داخل الأروقة السياسية الأوروبية لإفشال هذا الحراك، فإنه استطاع تحقيق عدد من النقاط المهمة لصالح القضية الفلسطينية. فقد أرسل رسالة قوية دعمت صمود الشعب الفلسطيني في غزة، وخلق رواية مناهضة للرواية الإسرائيلية الزائفة، وأحرج صناع القرار الأوروبيين. بالإضافة إلى ذلك، دعم الحراك الشعبي حركات المقاطعة التي أوجعت الكيان الإسرائيلي اقتصاديًا.

وفي الختام، على الرغم من عدم حدوث انقلاب سياسي أو تغيير رسمي هائل في أوروبا، فإن هذا الحراك الشعبي المستمر قد جعل الأيام التي كانت تسود فيها الرواية الإسرائيلية شيئًا من الماضي. وبدأ وعي أوروبي متزايد تجاه القضية الفلسطينية بالظهور، ما يعزز ضرورة تطوير أدوات العمل الفلسطيني والتمثيل الرسمي لتحقيق نتائج أكبر وأكثر تأثيرًا في المستقبل.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات القارة الأوروبیة الحراک الشعبی هذا الحراک

إقرأ أيضاً:

مصير الحراك الرئاسي يتضح هذا الاسبوع وحديث عن بدء البحث بالأسماء

يفترض ان يتضح هذا الاسبوع مصير الحراك المستجد، لاخراج الملف الرئاسي من المراوحة القاتلة التي يشهدها.
وقالت مصادر سياسية مطلعة ل" اللواء" ان كل ما يتم تداوله بشأن ملف رئاسة الجمهورية لم يرتق إلى مستوى اتمامه مع العلم أن الاتصالات انطلقت في سياق تهيئة الأجواء كي تنعقد جلسة الأنتخاب بعد مناقشة الأسماء ، ونفت أن يكون قد تم الاتفاق على اسم  محدد لاسيما أن هناك جملة مشاورات تحصل وفي كل الأحوال لا تزال مبادرة الحل الأنقاذي تنقلت بين القوى السياسية ، معلنة أن المجال لا يسمح بترف الوقت.

وكتبت" الديار": وبحسب مصادر نيابية واسعة الاطلاع فان «الدخول قي لعبة الاسماء قد حان، ومن المفترض ان يتقدم كل حزب باسم او اسماء مرشحيه هذا الاسبوع.. على ان تكون هذه الاسماء جدية، لا للحرق كما حصل في المرحلة الماضية».
واوضحت المصادر ان «رئيس المجلس النيابي نبيه بري قام بخطوات الى الامام في هذا الملف، وبالتالي المطلوب ملاقاته في منتصف الطريق، والا سيكون جليا ان هناك قوى تعول على انكسار المقاومة لتفرض رئيسا بالقوة في مرحلة لاحقة. واضافت:»هناك ٣ اسماء جدية يتم التداول فيها ، ويفترض التوجه الى مجلس النواب لانتخاب احدها وهي جوزاف عون، الياس البيسري وجورج خوري». 

وكتبت" الاخبار": لا يبدو ان الولايات المتحدة وحدها من يهتم يتغيير الواقع السياسي في لبنان. اذ سارع العدو الاسرائيلي الى عرض خدماته. وهو ما ظهر في الحديث بين رئيس وزراء كيان الاحتلال، بنيامين نتنياهو، أمس، مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وعاتبه على مواقفه من وقف توريد السلاح الى إسرائيل.
وحسب ما نشر في تل أبيب، فإن نتنياهو أكد لماكرون «أنه مثلما تدعم إيران جميع أجزاء المحور الإيراني، فمن المتوقع أن يقف أصدقاء إسرائيل خلفها، وألّا يفرضوا قيوداً عليها من شأنها أن تؤدي فقط إلى إضعاف موقفها». لكن اللافت في ما نشره مكتب نتنياهو أنه قال للرئيس الفرنسي إن «التحركات الإسرائيلية ضد حزب الله تخلق فرصة لتغيير الواقع في لبنان لمصلحة الاستقرار والأمن والسلام في المنطقة بأكملها». وقالت مصادر ديبلوماسية لـ»الأخبار» إن نتنياهو «حثّ ماركون على الاستفادة من ضرب حزب الله من أجل تقليص نفوذه في إدارة السلطات كافة داخل لبنان، وتسهيل التسوية التي تعرضها فرنسا بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية للمسألة اللبنانية الداخلية». وقد أعلن أن البحث المفصّل سيتم خلال زيارة وزير الخارجية الفرنسي، الذي طلب مواعيد مع المسؤولين في إسرائيل.
على ان الاميركيين لا يتمنّون فقط، بل يهوّلون ويهدّدون بأن كلفة عدم السير في خطتهم، هي المزيد من الخراب والفوضى والدماء. وقد استنفرت الولايات المتحدة كل أدواتها لدعم المشروع، ليسَ في الداخل اللبناني وإنما أيضاً في الخارج

مقالات مشابهة

  • أبو عبيدة يثمن الحراك الشعبي اليمني: هتافاتكم ترفع الرؤوس وتقرع الآذان
  • الحراك السياسي يتقدّم.. هل يلبّي الأفرقاء نداء اللقاء الثلاثي؟!
  • مصير الحراك الرئاسي يتضح هذا الاسبوع وحديث عن بدء البحث بالأسماء
  • المجلس الشعبي الوطني عضو ملاحظ في برلمان البرلاتينو
  • تونس: الملايين ينتخبون رئيسا للبلاد وسط حالة القمع السياسي وخشية من العزوف عن مكاتب الاقتراع
  • 20 حالة تسمم لعناصر في الحشد الشعبي
  • الرئيس سينتصر فيها : مئات التونسيين يتظاهرون ضد "القمع" قبل يومين من الانتخابات الرئاسية
  • الجزائر تُرحب بقرار محكمة العدل الأوروبية وتدعو للإلتزام به
  • من هي الدول التي أجلت رعاياها من لبنان؟