«ونحن نُحِبُّ الحَيَاةَ إِذَا مَا اسْتَطَعْنَا إِلَيْهَا سَبِيلا»، كلمات للشاعر محمود درويش، تصف شعب فلسطين المُحب للحياة، رغم أصوات القصف، وتزايد أعداد الشهداء، فبعد أن قطع الاحتلال الإسرائيلى إمدادات الماء عن أهالى غزة، أطلقوا مبادرات لـ«سقى الماء»، وبعد أن دمر البيوت فنصبوا الخِيام، منع عنهم الدواء، فوفره الأطباء وأوصلوه إلى المرضى فى الخفاء، كما يجرى الكثير من الكيميائيين محاولات متواصلة لتصنيع مواد دوائية محلية الصُنع للتغلب على الحصار، هكذا يعيش أهالى غزة حياتهم تحت وطأة الاحتلال، خاصة خلال العام الماضى، منذ عملية «طوفان الأقصى» فى السابع من أكتوبر الماضى.

«سقيا الماء» مبادرة محمود خميس للإهالي 

بين شوارع غزة، يتجول الشاب الفلسطينى محمود خميس، هنا وهناك، يبحث مع أصدقائه، بعدما اشتد الحصار على القطاع، عن بيوت وقرى لا يوجد بها ماء، ويحاول توفيره للأهالى، الأمر الذى يُدخل البهجة على قلوب الصغار قبل الكبار، يحكى «خميس» لـ«الوطن» أنه «فى شهر سبتمبر الماضى، كانت هناك بعض المبادرات، بنحاول نساعد بيها الناس، قُمنا بتوزيع مبالغ نقدية لبعض المناشدات والحالات الخاصة بقيمة 6300 شيكل، وتوزيع 120 وجبة كباب، و135 وجبة رز باللحم، و22 ألف لتر مياه شرب فى شمال غزة وفى المحافظة الوسطى وفى الجنوب بقيمة 2500 شيكل».

مبالغ مالية ضخمة يحاول «خميس» أن يجمعها من المتبرعين، ومع سوء الأوضاع فى «النصيرات»، لجأ الشاب الفلسطينى، بمساعدة عدد من أصدقائه، إلى إنشاء «تكية» لإطعام الأهالى بقيمة 2500 شيكل، تشمل توزيع طرود غذائية وشوادر ونايلون بقيمة 8000 شيكل، وكذلك، فى خان يونس، يجرى توزيع 35 ألف لتر مياه شرب أسبوعياً، ويقول فى هذا الصدد: «فيه ناس كتير ما وصلها، بس لأن عندنا مليون نازح، وبنحاول نساعد، واللى نقدر عليه أقل من 1%، شغلنا محدود، واللى جاى كله طالع الحمد لله، وكل واحد ونصيبه، ربنا يكتب لنا الأجر فقط والسمعة الطيبة، ويذكرنا الناس بدعوة صادقة قبل وبعد الموت، وجاهزين للاستمرار بفضل الله، ومساهمات أهل الخير».

مساهمة الأطباء في توفير الأدوية

أما «سومة عابدين»، صيدلانية شابة، فلم تقف هى الأخرى مكتوفة الأيدى، وبدأت مع عدد من أصدقائها من الصيادلة، محاولات لتوزيع الأدوية على المحتاجين فى الخفاء، لأن الاحتلال دمر كل الصيدليات، تقول لـ«الوطن» إن هناك «مجموعة خاصة بالصيادلة على منصات السوشيال ميديا، بتحاول توفر الأدوية، علماً بأنه لا يوجد فى غزة أى صيدلية، بعد تدمير البلد، الموجود كله عبارة عن أكشاك أو خيام، وفى أحسن الأحوال لا تتجاوز أفضل خيمة صيدلانية 50 صنفاً من الأدوية، يتم جمعها مساءً فى كرتونة صغيرة، تحسّباً لقصف المكان».

ومع نُدرة الأدوية وأدوات النظافة الشخصية، مثل الصابون، كانت هناك مبادرة من بعض الشبان الكيميائيين فى قطاع غزة، لتصنيع الأدوية محلياً، وحسب «سومة»: «بعض أهل الاختصاص، سواء مدرس كيمياء أو إخصائى تجميل، تغلبوا على الوضع، وحاولوا تصنيع مواد محلية بخامات بسيطة متاحة، ومع ذلك لم يسلموا من أذى المحتل، الذى يستهدف أى ورشة أو معمل، بالطيران الحربى».

ورغم حرب الإبادة المستمرة فى غزة منذ عام، والتى طالت معظم المدارس، لم تتوقف العملية التعليمية تماماً، ويحكى محمد أبو الروس، مدير مدرسة «شهداء المنطار» ونقيب المعلمين سابقاً، لـ«الوطن»، أن النازحين الذين لديهم خبرة تعليمية، وهم بالأصل معلمون، يجمعون أطفال النازحين، وكل فى مكانه، بدأ بتعليم الأطفال القراءة والحساب، ويقول إن عدداً كبيراً من هذه المبادرات، كانت فردية بجهد ذاتى للنازحين، لضمان استمرار العملية التعليمية فى ظل الحرب التى لم تتوقف، أما بالنسبة للطلاب فى المراحل الإعدادية والثانوية، فيقول: «التعليم واقف، انطلب منهم يسجلوا فى صفوف افتراضية ويتابعوا فيها، لكن للأسف لا كهرباء ولا إنترنت ولا مقومات دراسة لهم».

وحسب «أبوالروس»، فإن ممثل وزارة التربية والتعليم فى قطاع غزة، الدكتور مجدى برهوم، أعلن منذ أيام، فى تصريح صحفى، عن استشهاد أكثر من 11 ألف طفل فى سن التعليم المدرسى، ونحو 750 معلماً وإدارياً وموظفاً تابعاً لوزارة التربية والتعليم، منذ 7 أكتوبر 2023.

من جانبها، أطلقت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية عدداً من المبادرات، فى ظل الحرب، منها الدعم النفسى، من خلال توفير الأنشطة واللعب وتخفيف الضغط النفسى، رغم البيئة غير الآمنة والقصف، وقلة المواد اللازمة والاحتياجات الأساسية للتعليم، مثل الكراسات والسبورات وغيرها، وظهر الصغار فى صور وفيديوهات من خلال تلك المبادرات، التى بالتأكيد لن تكون الأخيرة، وهم سعداء، يحاولون تجاوز الصدمات النفسية التى عاشوها بسبب الدمار وأصوات الطائرات التى تقصف بيوتهم، وحرمان بعضهم من الأب، أو استشهاد شقيق أو صديق لهم، وهو ما يؤكد أن الحياة ما زالت مستمرة، ونبرة التحدى والصمود تعلو يوماً بعد يوم، وسط غيوم استبداد العدو.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: غزة مبادرات المياه الأدوية

إقرأ أيضاً:

ترامب وحلم السطوة

ظهر «ترامب» ملتحفا بحلم القوة الذى ظل يراوده منذ أن اعتلى سدة الرئاسة فى الولايات المتحدة الأمريكية. ومع فوزه بفترة ثانية تعمق الحلم وتعامل مع نفسه وكأنه القوة التى تهيمن على العالم وتفرض سطوتها على دوله. ولهذا خرج مؤخرا ليدعو إلى تهجير الفلسطينيين من أراضيهم فى قطاع غزة إلى كل من مصر والأردن. نسى «ترامب» نفسه وظن أن بإمكانه فرض ما يراه على الآخرين. نسى أن الدول التى اختارها هى دول مستقلة وذات سيادة، وبالتالى لا يمكن أن تكون تابعة له لكى يفرض عليها سطوته. ولعل ما أراده هو أن يخلى الأرض الفلسطينية من أجل إسرائيل الكيان الغاصب الذى يتماهى معه ويحاول بقدر الإمكان تحقيق كل تطلعاته، بل يذعن لنزواته.

نسى «ترامب» أن الفلسطينيين لا يريدون الرحيل عن أرضهم ووطنهم، وأنهم رفضوا التهجيرلأن أحلامهم تظل مرتبطة بأرض الوطن. غاب عن « ترامب» أن يشاهد الفيديوهات التى أظهرت عودة أهل غزة إلى شمالها وهم يقبلون أرض الوطن، فهم يأبون الرحيل عن أرضهم. واليوم نقول لو أنصف «ترامب» فعليه أن يلوذ بالصمت وينسحب من المشهد بعد أن منيت مغامراته بالهزيمة.

لربما أراد «ترامب» أن يتظاهر بالإنسانية فخرج يقترح نقل نحو مليون ونصف المليون من سكان غزة إلى كل من الأردن ومصر لتكون تلك الخطوة وفق تصوره مقدمة ضرورية نحو الحل الدائم والعادل. تظاهر «ترامب» بالإنسانية، وأنه حريص على أن يعيش سكان غزة فى منطقة أكثر أمانا واستقرارا. نسى أن الجانب الآخر من مقترحه سيؤدى فيما إذا تم تنفيذه إلى إفراغ قطاع غزة من أغلبية سكانه ليكون ساحة مباحة أمام إسرائيل، وبالتالى يمكنها وقتئذ إعادة احتلالها له وتحويله إلى بؤر استيطانية للمتطرفين الصهاينة الذين يتحينون الفرصة للسطو على الأرض الفلسطينية. بل إن الخطوة إذا تحققت ستكون مقدمة لتشجيع الصهاينة على تنفيذها فى الضفة الغربية وتهجير سكانها إلى الأردن الذى لا يزال اليمين الإسرائيلى المتطرف ينظر له بوصفه الوطن البديل.

إن ما يقترحه «ترامب» هو نفسه مخطط التهجير الذى يحلم الكيان الصهيونى بتنفيذه لكى تؤول إليه الأرض الفلسطينية كاملة ويتم التخلص من الفلسطينيين بشكل كامل. لقد أسقط « ترامب» من اعتباره الأسس والثوابت الرئيسية والتى ترتكز على الالتزام بالقانون الدولى والمواثيق الإنسانية، والاعتبارات الأخلاقية والسياسية. لقد أراد «ترامب» بأطروحته تصفية القضية الفلسطينية بما يعنى اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم عنوة ليتم ذلك تحت ذرائع واهية.

وحسنا ما فعلته مصر إذ شكلت حائط صد ضد التهجير سواء أكان قسرا أم طوعا. بل إن موقفها أماط اللثام عن المؤامرة التى رسمتها إسرائيل وشاركت الولايات المتحدة فى نسجها. فكان العدوان الإسرائيلى على غزة لكى يتم عبره استهداف الفلسطينيين بالتهجير، وهو مخطط جابهته مصر برفضها له بوصفه مشبوها لا يمكن تنفيذه لكونه يعنى عملية إحلال وتبديل يجرى بمقتضاها ترحيل الفلسطينيين من أرضهم ليتم ترسيخ الصهاينة فى الأرض الفلسطينية. ولقد عبرت مصر قيادة وشعبا عن رفض مخطط أمريكا الإجرامى الذى يحاول الزج بمصر فى مستنقع التهجير ليحملها آثامه. فمصر كانت وستظل حريصة على الفلسطينيين وعلى قضيتهم، وعلى أن ينال الفلسطينيون حقوقهم المشروعة كاملة ويأتى فى صدارتها حق تقرير المصير، وحق إقامة دولتهم المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية وذلك تحقيقا للأمن والاستقرار لجميع دول وشعوب المنطقة.

مقالات مشابهة

  • نجوع.. نموت.. ما نرحل
  • ترامب وحلم السطوة
  • أهالي غزة ينظمون وقفة لدعم الرئيس السيسي والمصريين في رفض التهجير
  • رئيس هيئة الرقابة الصحية: المبادرات أسهمت في تحسين النظام الصحي (حوار)
  • إعلام العدو: كلفة الحرب بلغت 150 مليار شيكل حتى نصف يناير الجاري
  • المفوضية الأوروبية توافق على خطة مساعدات حكومية لإيطاليا بقيمة 1.1 مليار يورو
  • مبادرات طوعية في شرق السودان.. ضوء في عتمة الحرب
  • قائد عام شرطة أبوظبي: “عام المجتمع” يرسخ قيم الإمارات في استدامة جودة الحياة
  • كيف وصلت الحياة إلى كوكب الأرض؟.. علماء يكشفون نتائج مثيرة
  • اكتشاف كويكب قريب من الأرض يحمل عناصر الحياة