سواليف:
2025-01-31@12:13:06 GMT

من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. أمهات بلا حدود

تاريخ النشر: 8th, October 2024 GMT

#أمهات_بلا_حدود

من أرشيف الكاتب #أحمد_حسن_الزعبي

نشر بتاريخ .. 24 / 10 / 2016

كان دخان الطابون يتغلغل في ملابسنا المنشورة على حبل الغسيل الممتد من زاوية “الفرن” إلى خصر شجر اللوز المر.. يصافح القمصان المصلوبة ثم يتطاير شرقاً ، في الصباح نلبسها معطرين بدخان الحطب ونذهب إلى المدارس كأرغفة طازجة … باب الطابون مثل فم رجل مسنّ.

.مطلي بسناج الزمن الأسود ، ينفث دخانه المسائي بوجه الغروب فقط ليدفأ قلبه…”تبغه” خشب الزيتون ، و”قنابة” اللوز وأظافر السرو المحطّبة وفي بعض الأحيان لمالم الصناديق و “الطبليات” المكسّرة، “فرننا” لم يكن ليدمن صنفاً محدداً من الدخان ..لذا ، لكل مساء تشريني قديم رائحة مختلفة…تتبع نوع الخشب المحترق ومزاج الطابون…
**
في تشرين يحل الغروب باكراً مثل طلاب الصفوف الأولى ،يقصرُ النهار، والأعمال المنزلية تصبح أكثر كثافة ، قبل الغروب كانت تحضّر أمي وجبة “الوقود”الثانية للفرن ولا تغادره حتى تطمئن أن غليونه الخشبي قد اشتغل..تجمع البيض من الخم ، وتخلص أرجل بعض الدجاج من “شلبكات الخيوط”، ثم تتأكد أن أحدا من رعية الصيصان لم يتأخر عن العودة ، لتقوم بعدها بإغلاق الباب المشبك بالأسلاك المعدنية على من حضر..تذهب إلى المطبخ تشعل “اللمبة”الوحيدة ، تنخّل الطحين بالمنخل الدائري المهتريء الأطراف ،توازن خلطتها بين طحين القمح البلدي والطحين “الموحد”..تحضر عجنة الغد بيديها تلم العجين المتماسك كما تلف الطفل الوليد بلفاعه، ثم تدثره حتى يختمر..
في تشرين، كانت حبات الباذنجان المسلوقة تملأ زوايا البيت ، أحجار ثقيلة تكبس أنفاس الجيش الأسمر، يتساقط عرقها ببطء ، ثم يتم حشوها بطريقة أقرب إلى التحنيط وتخليدها في “قطرميزات” متوهجة بالزيت البلدي، ها قد تم تأمين مخزون الشتاء من المقدوس..المكبوس؛ من خيار ،لفت، جزر، فلفل ..كلها تطل بثقة من الرفوف العلوية ، وفي “الفواتي” المعتمة الرطبة .
لا يمكن ان يمضي تشرين دون أن تفتح الذاكرة على مكبوس الزيتون ،ورائحة الفلفل والليمون الحادة، قلائد الباميا ، البندورة المجففة ، أكياس الملوخية الناشفة…لم يتركن شيئاً الا وادخرن منه شيئاً للشتاء ، بالمناسبة الأمهات العريقات لم تكن أسرهن الزوج والأولاد فقط ، الأمهات العريقات متراميات الواجبات يقلقن على وطن بأكمله والعائلة عندهن تبدأ ولا تنتهي فكل الأسر عائلتها ،وكل أولاد الحي أولادها…أذكر أن أمي كانت تجفف في أسفل “النملية” الرمان وتخبئه لفصول قادمة..وعندما نسألها ما حاجتنا بهذا… تجيب بكلمة واحدة ومبهمة لم نكن نفهما وقتها: “للوحّامات”!! ثم اكتشفنا لاحقاً أنها كانت تخشى أن تشتهي إحدى النساء “الرمان” فترة الوحام ولا يكون موسمه ..فتدخر منه حبات قليلة علّها تلبي رغبتها.. هؤلاء أمهات بلا حدود…بعواطف بلا حدود ، في زمانهن كان البيت عامراً بكل شيء..بدءاً من دفئه الداخلي، إدارته الفطرية الحكيمة ، التفاف الأبناء، الاكتفاء الاقتصادي..البركة..
كان البيت عامراً بكل شيء لأن فيه أم هي ” أمّ لكل شيء”..

مقالات ذات صلة الدويري: حرب غزة فاقت أكثر التوقعات تشاؤما والمقاومة استطاعت التعايش مع الوضع 2024/10/08

احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com

#99يوما

#أحمد_حسن_الزعبي

#متضامن_مع_أحمد_حسن_الزعبي

#الحرية_لأحمد_حسن_الزعبي

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: الحرية لأحمد حسن الزعبي أحمد حسن الزعبی بلا حدود

إقرأ أيضاً:

عبد الرحيم علي ينعى الكاتب محمد جبريل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

نعى الكاتب الصحفي عبدالرحيم علي، رئيس مجلسي إدارة وتحرير مؤسسة «البوابة نيوز»، ببالغ الحزن والأسى، الكاتب الصحفي والروائي السكندري محمد جبريل بعد صراع مع المرض عن عمر يناهز 87 عاما، والذي وافته المنية أمس الأربعاء.

وقدم "علي" خالص العزاء والمواساة لأسرة الفقيد، سائلًا المولى عز وجل أن يغفر له ويرحمه ويسكنه فسيح جناته، وأن يلهم عائلته وذويه الصبر والسلوان.

مقالات مشابهة

  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي ..غيم في سن التقاعد
  • بطريرك الروم الأرثوذكس يحتفل بصلاة الغروب لعيد الأقمار الثلاثة في إسطنبول
  • رحيل الكاتب محمد جبريل عن عمر يناهز 87 عامًا
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. شتاء تحت الإقامة الجبرية
  • عبد الرحيم علي ينعى الكاتب محمد جبريل
  • دعاء النبي آخر يوم في شهر رجب.. ردده حتى الغروب يُفرج الكروب ويرزقك من حيث لا تحتسب
  • سوريا.. تركيا تستهدف مواقع قسد بمحيط سد تشرين
  • كانت بتعتبره أخوها واتخطبت لغيره.. قصة البلوجر حبيبة النجار وأحمد سليم
  • الشيمي: روبي كانت المرشحة الأولى لدور فتاة المصنع .. فيديو
  • شرطة دبي تُلامس قلوب أمهات الخريجين