المصريون المغتربون بالخارج ملاذ لذويهم مع تفاقم أزمة الدواء
تاريخ النشر: 8th, October 2024 GMT
القاهرة- حين اعتذر لي الصيدلي لعدم توفر العقار الذي طلبته، لم يخطر ببالي أن رحلة البحث عن دواء ستمتد من صيدليات القاهرة إلى خارج حدود الوطن، أو أنها ستصبح جزءا من شهادة في إطار رصد أزمة تشهدها البلاد منذ عدة أشهر.
على وقع تجارب سابقة، لم يشملني القلق ذلك اليوم رغم فشلي في العثور على الدواء بـ8 صيدليات، فأزمة اختفاء أصناف من الدواء عادة ما تنفرج من تلقاء نفسها بأن يُطرح في الأسواق بعد فترة وجيزة أو توفره صيدلية نائية يقصدها قليل من الزبائن.
لكن الأمور هذه المرة مختلفة فالدواء مختفٍ تماما والأزمة تتفاقم، ووالدتي التي تعاني من مرض السكري -وسبب لها قبل سنوات الفشل الكلوي- تحتاج جرعات يومية من الإنسولين.
رغم انو الواحد كان بغزة بعاني من قصة الادوية ونقصها… الا انو بمصر معاناة اكثر خاصة بادوية المناعة انا بقعد اسبوع كامل ادور هان وهناك عشان القي دواء لامي واذا لقيته بدفع ضعفين السعر.. اصلا ااي ببيعك عارفك محتاج فيستغلك وللاسف هيروح جهنم عشان زيادة بالفلوس وحسبي الله ونعم الوكيل
— Abdelrahaman Alshibi (@drshebo) September 26, 2024
أزمة مستمرةوبتتبع التصريحات الرسمية عبر وسائل الإعلام المحلية واستغاثات المواطنين من خلال منصات التواصل الاجتماعي، أدركتُ أن أزمة الدواء ليست كسابقاتها خاصة المتعلقة بالأمراض المزمنة، وأنني بتّ في صراع مع الوقت.
على إثر الأزمة المستمرة منذ قرابة 7 أشهر، قدرت شعبة الأدوية بالاتحاد العام للغرف التجارية، حجم العجز في الأصناف الدوائية بألف نوع دوائي من أصل 17 ألفا موجودة بأسواق مصر. بينما تقلص الرقم إلى 110 أصناف خلال الأيام الأخيرة، وفق تصريحات مسؤولين رسميين، لكن توالي الاستغاثات عبر المنصات الاجتماعية يشير إلى استمرار تفاقم الأزمة.
يصبح الوقت مقياس الحياة بالنسبة لمريض لا يجد جرعة دواء، ذلك بالضبط ما واجهته أمي وهي تضطر لتناول جرعات الإنسولين من عبوة منتهية الصلاحية، كونها لا تجد البديل أمامها.
توقفت الوالدة عن ذلك مدة 24 ساعة ثم اضطرت لاستخدام نوع مختلف من الإنسولين لا يناسب حالتها، ما استدعى في النهاية إلى حجزها بالمستشفى مع تدهور حالتها الصحية مما أدى لخلل في جدول مواعيد جلسات الغسيل الكلوي المقدرة بـ3 مرات أسبوعيا.
في الأثناء، باتت شقيقتي المقيمة بإحدى الدول الخليجية وسيلة النجاة لوالدتنا، فتُعجل من موعد زيارتها السنوية لمصر، مصطحبة معها كميات من الإنسولين تكفي للاستخدام على مدار أشهر ممتدة، وذهبت بعض العبوات لشركاء المرض والمعاناة من الجيران والأقرباء.
أسبابيدفع المسؤولون الحكوميون وجهات اختصاص صناعة الدواء بأسباب متنوعة لأزمة اختفاء عدد كبير من الأصناف الدوائية بالسوق المصري، وعدم استقرار سعر صرف العملة أحد أهم الأسباب التي تُطرح لتبرير الأزمة، إذ تواجه الشركات المنتجة مشكلة تدبير العملة الصعبة لاستيراد المواد الخام اللازمة للتصنيع.
في مارس/آذار الماضي، تم تحرير سعر صرف الجنيه ليرتفع سعر الدولار أمام العملة المحلية من 31 جنيها متجاوزا 48 جنيها.
على إثر ذلك، أعلنت شعبة الأدوية، في يونيو/حزيران الماضي، عن تحريك أسعار عدد من الأدوية بنسب ارتفاع تتراوح بين 10 إلى 40%، وسط توقعات بزيادة أخرى في الأسعار خلال الأشهر المقبلة.
إلى ذلك، تظهر مسببات أخرى للأزمة تتعلق بالإجراءات الرقابية حيث يتكرر إعدام أصناف دوائية غير مطابقة للمواصفات، كما تواجه السلطات الأمنية تهريب الأدوية خارج البلاد، فضلا عن لجوء بعض التجار لتخزين العقاقير لخلق سوق موازية ومن ثم طلب متزايد وبيع بسعر أعلى.
كما أشارت الحكومة بأصابع الاتهام للطبيب، فطالب رئيس الوزراء الأطباء بضرورة كتابة الاسم العلمي للدواء بدلا من التجاري لتجاوز الأزمة.
وبات كثير من المصريين المغتربين بالخارج ملاذا لإنقاذ حياة ذويهم داخل البلاد.
الطالب الجامعي عبد الله الذي عاد إلى مصر قبل 3 أعوام لدراسة الهندسة تاركا أسرته بإحدى دول الخليج، اعتاد أن تكون الأدوية ضمن ما يصطحبه لأسرته خلال الإجازات القصيرة.
ويقول للجزيرة نت إن سعر الدواء في مصر رخيص ومتاح، وأصناف كثيرة تُصرف من الصيدليات دون الحاجة لوصفة علاجية عكس الحال في الخارج.
لكن الحال اختلف في آخر زياراته، ولم تكن بحوزته الأدوية المعتادة بل قائمة بأسماء عقاقير طلبها خاله وجده المقيمان بمصر.
كما استجاب لمناشدة -عبر فيسبوك– لمريض يحتاج دواء غير متوفر، وأحضر معه غالبية الأدوية المطلوبة عند عودته بالتزامن مع بداية العام الدراسي الجديد.
خلليقول الطبيب الصيدلي محمد جودة إنه يتواصل بشكل يومي مع الموردين للاستعلام عن نواقص لأصناف دوائية، موضحا أن الأزمة صارت أقل وطأة مقارنة بأشهر الصيف.
وأضاف للجزيرة نت أن الطبيب المعالج والمريض أصبحا أكثر مرونة في التعامل مع الأزمة، وتابع "بات الطبيب يكتب أكثر من بديل دوائي بالروشتة العلاجية كما أصبح المريض يقبل بالبديل الذي أرشحه له دون تردد".
ويتأسف جودة لكونه لا يستطيع تقديم المساعدة لمريض يحتاج دواء غير متوفر، مؤكدا أنه ينصحه بكتابة مناشدة على منصات التواصل أو التواصل مع مغترب بالخارج لتوفير العلاج "وأحيانا أكون حلقة الوصل بين صيادلة مغتربين ومرضى".
أثارت تصريحات رئيس الوزراء مصطفى مدبولي بخصوص أرباح تصدير الدواء المصري حفيظة رواد منصات التواصل الاجتماعي، ففي الوقت الذي يستجلب المصريون الدواء من بلدان أخرى عبر المغتربين تصدره الشركات وتستفيد الحكومة بالأرباح.
وقبل أسبوعين، أكد مدبولي ارتفاع قيمة تصدير الأدوية إلى نحو مليار دولار في السنة المالية الماضية، مشيرا إلى خطة تستهدف زيادة المبلغ إلى 1.5 مليار دولار خلال العام الجاري.
وفي وقت سابق، أوضح المركز المصري للحق في الدواء وجود خلل بين معدلات تصدير الأدوية إلى الأسواق الخارجية والتي شهدت نموا كبيرا للغاية، مقابل تراجع كبير جدا في الضخ داخل البلاد، محملا الهيئة المصرية للدواء (تتبع مجلس الوزراء) مسؤولية ذلك.
يُشار إلى أنه وفي ظل معاناة ملايين المصريين بسبب أزمة الدواء، لا يوجد تقدير رسمي أو مؤشرات حقوقية حول أعداد المتضررين من الأزمة وطبيعة الضرر سواء تدهور الحالة الصحية أو ما هو أسوأ.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات
إقرأ أيضاً:
كيف تؤثر أزمة الثقة بين الساسة والعسكر على مستقبل إسرائيل؟
القدس المحتلة – في ظل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ومع انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، وتراكم الأدلة بشأن الإخفاق الاستخباراتي والعسكري في منع عملية "طوفان الأقصى"، يُكشف عمق الأزمة بين المستوى السياسي والعسكري بإسرائيل، والتي تحولت إلى أزمة ثقة بين الجانبين.
وتشكلت ملامح أزمة الثقة تلك مع شروع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في فبراير/شباط 2023 في تنفيذ ما أسمتها الحكومة "إصلاحات في الجهاز القضائي"، في حين وصفتها المعارضة بأنها محاولة لـ"الانقلاب على الديمقراطية"، حيث تأثر الجيش بالاضطرابات والشرخ في المجتمع الإسرائيلي.
وانعكس زخم الاحتجاجات بالشارع الإسرائيلي بإعلان شرائح واسعة من قوات الاحتياط بجيش الاحتلال عن عدم الاستجابة لأوامر الاستدعاء للخدمة العسكرية، احتجاجا على إمعان الحكومة في تقويض صلاحيات المحكمة العليا، ومواصلة التعديلات القضائية الهادفة لمنح المستوى السياسي صلاحيات واسعة بالتدخل والنفوذ بمختلف مفاصل الحكم ومواقع اتخاذ القرار، ومن ضمنها المؤسسة العسكرية.
تداعياتوتعمق السجال الداخلي بشأن الإخفاق الاستخباراتي والعملياتي في أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وكذلك حول فشل الجيش الإسرائيلي وحكومة نتنياهو في تحقيق أهداف الحرب المعلنة.
إعلانوتفاقمت الأزمة خلال الحرب حين تكشّف حجم الخسائر بصفوف جيش الاحتلال والنقص في القوات والحاجة إلى تجنيد نحو 10 آلاف جندي إضافي، إذ تعالت الأصوات داخل المجتمع الإسرائيلي الداعية إلى تجنيد "الحريديم"، في حين طالب حزبا "شاس" و"يهوديت هتوراة" بالمصادقة على قانون يعفي "الحريديم" من الخدمة العسكرية شرطًا لضمان استقرار حكومة نتنياهو ومنع تفككها.
ووسط هذه الاضطرابات، حذرت قراءات وتقديرات المحللين ومراكز الأبحاث الإستراتيجية الإسرائيلية من تداعيات هذه الأزمة على مستقبل إسرائيل "كدولة يهودية ديمقراطية ذات مؤسسات تحكم بشكل هرمي".
ورجحت قراءات الباحثين أن التوازن المضطرب في العلاقات بين الساسة والعسكر سيخلق تداعيات على مستقبل الحروب وجولات القتال التي تخوضها إسرائيل، "تحديدا ضد الشعب الفلسطيني الذي يشكل الجبهة الأكثر سخونة في هذه المرحلة".
كما حذر الباحثون من التحولات الحاصلة على المستوى السياسي للهيمنة والسيطرة على الجيش، وتحييد تأثيره وإخضاعه لرغبات وتطلعات هذا المستوى الممثل في هذه المرحلة في نتنياهو ومعسكر "اليمين المتطرف وتيار الصهيونية الدينية".
في تقدير موقف صادر عن معهد "يروشاليم" للإستراتيجية والأمن، استعرض العقيد في جيش الاحتياط الإسرائيلي غابي سيبوني هذه التحذيرات والتحولات، وأكد أن العلاقات بين السياسيين والعسكريين كانت متوترة حتى قبل حرب "السيوف الحديدية" (معركة طوفان الأقصى)، وكذلك الضجة العامة الكبرى التي أعقبت التعديلات بالجهاز القضائي التي قادتها حكومة نتنياهو.
ويقول سيبوني إنه خلال الاحتجاجات التي كرست الشرخ بالمجتمع الإسرائيلي "غرق الجيش في الأزمة عندما هدد الطيارون والجنود في الاحتياط، والذين كانوا من بين المحتجين، بالتوقف عن التطوع للخدمة الاحتياطية. لقد فشل المستوى العسكري في إدارة الحدث، وتم تحديده من قبل المستوى السياسي باعتباره مؤيدا للاحتجاج ورافضا للخدمة العسكرية، ونشأت أزمة ثقة حقيقية بينهما".
إعلانوأضاف "لقد قوضت أزمة الثقة أسس الحوار بين المستويات، ووصلت إلى حد رفض نتنياهو السماح لرئيس الأركان ورئيس الاستخبارات العسكرية وغيرهما من كبار المسؤولين في هيئة الأركان العامة، بالاجتماع معه ومع وزراء المجلس السياسي الأمني (الكابينت) لتقديم تقييمهم للمخاطر الأمنية التي يفرضها استمرار العملية التشريعية للإصلاح القضائي".
وحسب سيبوني، يتحمل المستوى السياسي، وبمقدمته نتنياهو، مسؤولية كبيرة في هذه الأزمة، ويضيف "في عملية استمرت سنوات عديدة، سمح هذا المستوى للجيش بدخول مجالات ليست خاصة به؛ السياسية والاقتصادية والعلاقات الخارجية وما إلى ذلك من إدخال الاعتبارات الأجنبية في التخطيط والأنشطة العسكرية، وهذا يشكل فشلا ذريعا لنتنياهو".
ويعتقد أن رئيس الأركان الجديد إيال زامير يواجه تحديا بالغ الأهمية بما يتعلق بتسريع عملية التصحيح وفرض سيطرته على الجيش، مشيرا إلى أن دوره سيتلخص في العمل على تطبيع العلاقات بين المستويات وإعادتها إلى التوازن الصحيح، مع تركيز الجيش على مجالات مسؤوليته المهنية، ومنع قادته من التعامل مع القضايا غير العسكرية، والتركيز على إعادة هيكلته.
اضطراب وشرخالطرح ذاته تبناه كوبي ميخائيل الجنرال في الاحتياط والباحث في "معهد أبحاث الأمن القومي" بجامعة تل أبيب، الذي أوضح أن أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 كرست هذه الأزمة، بينما فاقمت الحرب على غزة وملف المحتجزين الإسرائيليين الاضطراب والشرخ بين المستويين السياسي والعسكري، حيث تجلت بقرار رئيس الأركان وكبار المسؤولين الآخرين في هيئة الأركان العامة بمواصلة خدمتهم بعد فشل 7 أكتوبر.
ولفت الباحث إلى أن الأزمة اتضحت أكثر من خلال تصريحات المتحدث باسم الجيش بعدة مناسبات ضد نهج المستوى السياسي بشأن ملف المحتجزين وصفقة التبادل، وقضية المساعدات الإنسانية، وفيما يتعلق بفرض حكومة عسكرية مؤقتة في قطاع غزة، وتحديد أولويات أهداف الحرب التي لا تتوافق مع تعريفات هذا المستوى و"النصر المطلق" الذي وعد به نتنياهو.
إعلانوبرأيه، فإن المحور الأبرز للأزمة والعلاقات المضطربة بين السياسيين والعسكريين هو تقديم الجيش إطلاق سراح المحتجزين باعتباره الهدف الأهم للحرب، في حين سعى الساسة لمنع التوصل لاتفاق من شأنه أن يضر بتحقيق كل أهداف الحرب، بما في ذلك تدمير حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من الناحية العسكرية والحكومية.
ويختم الباحث ميخائيل أن التهديد برفض التطوع لخدمة الاحتياط، والذي عاد مجددا للواجهة بعد 15 شهرا من الحرب، "يشير إلى انقلاب إبداعي، فالجيش ليس بإرادة المستوى العسكري العليا وليس بمبادرة منه، ولكن نتيجة لسوء إدارة التطورات داخله، أصبح هو نفسه لاعبا سياسيا، حيث أثبت تهديده أنه مؤثر للغاية في واقع النقاش المدني السياسي".