بعد مرور عام على طوفان الأقصى لا تزال أصداء هذا الهجوم تتردد بقوة في الأوساط الإسرائيلية نظرا لآثاره العميقة التي تركها على المجتمع والدولة في إسرائيل، وأدت إلى إخفاقات على جميع الصعد سياسيا واقتصاديا وأمنيا.

وباتت إسرائيل تعاني تراجعا في الشرعية الدولية وانقساما داخليا عميقا وتباطؤا لمسارات التطبيع والسلام الإقليمي، كما أن جدارها الأمني مني بضربة قوية أفقدت الجمهور الإسرائيلي جزءا كبيرا من شعوره بالأمن، مما أسفر عن حركة هجرة عكسية واسعة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كم سنة لتسقط إسرائيل نهائياً؟list 2 of 2عام على حرب غزة.. هل نجحت مقاطعة الشركات الداعمة لإسرائيل؟end of list

ومع المساعي الإسرائيلية المتعثرة لاستعادة الهيبة والردع فقد أدت المجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال في غزة إلى تراجع المكانة السياسية والشرعية لإسرائيل، وزيادة تكلفة دعمها على رعاتها التقليديين، كالولايات المتحدة وبعض دول أوروبا.

تآكل الشرعية الدولية

شهد عام الطوفان أكبر قدر من تآكل الشرعية الدولية لإسرائيل منذ نشوئها، بفعل مستوى الجرائم غير المسبوق التي ارتكبتها، وتمثل ذلك على مستوى الرأي العام العالمي وقرارات المنظمات الدولية، وهو أمر بالغ التأثير على المدى الطويل لدولة قامت -استنادا إلى قرار دولي- على أرض احتلتها من أصحابها في محيط من الدول المختلفة عنها في التاريخ والدين واللغة والثقافة.

وشهدت آلاف المدن حول العالم مظاهرات متكررة تنديدا بمجازر الاحتلال في غزة، وسعى الكثير منها إلى إعاقة الإمداد العسكري والتكنولوجي الغربي لها، وهدفت الاعتصامات الواسعة في عشرات الجامعات الأميركية إلى مقاطعة إسرائيل ووقف التعاون العلمي معها.

وكان لافتا اتخاذ العديد من هذه الاعتصامات طابعا أقرب إلى التمرد على توجهات الجامعات المنحازة إلى الاحتلال، والرفض الشديد لسلوك الإدارة الأميركية بشأن الحرب، وذلك باللجوء إلى إغلاق أجزاء من الكليات والتفاوض لتحقيق إنجازات عملية على المستوى المحلي.

وأظهرت استطلاعات الرأي في العالم عموما وفي الولايات المتحدة وأوروبا خصوصا تراجعا كبيرا في التأييد الشعبي لإسرائيل وسياساتها.

فعلى سبيل المثال، نشرت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية في 17 ديسمبر/كانون الأول 2023 نتائج استطلاع أجراه معهد هاريس ومركز الدراسات السياسية الأميركية بجامعة هارفارد وشمل ألفي ناخب أميركي من فئات عمرية مختلفة.

وبيّن الاستطلاع أن 51% من الشباب من هذه الفئة العمرية يعتقدون أن الحل طويل المدى للصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو "إنهاء إسرائيل وتسليم الحكم لحماس والفلسطينيين".

كما أشار استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "فوكال داتا" في يونيو/حزيران 2024 لصالح موقع "أنهيرد" الإخباري أن أغلبية الشباب في بريطانيا "لا يعتقدون بضرورة وجود إسرائيل".

التعاون العسكري

وانعكس المزاج الشعبي العالمي على مواقف بعض الدول تجاه الحرب في غزة ومستوى التعاون العسكري مع جيش الاحتلال، إذ أمرت محكمة هولندية في فبراير/شباط 2024 الحكومة بوقف توريد أجزاء طائرات مقاتلة من طراز "إف-35" إلى إسرائيل، وقيدت بلجيكا مبيعات الأسلحة إليها، وقامت الحكومة البلجيكية بحملة من أجل حظر شبيه على مستوى الاتحاد الأوروبي.

ووافق البرلمان الكندي في مارس/آذار في تصويت على وقف المبيعات العسكرية المستقبلية إلى إسرائيل، وصرح وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس في يناير/كانون الثاني 2024 بأن إسبانيا لم تبع أسلحة إلى إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وفي مايو/أيار أعلنت مدريد أنها ستحظر على السفن التي تحمل أسلحة إلى إسرائيل الرسو في الموانئ الإسبانية.

وأعلن وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني في الشهر ذاته أن روما قررت بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول عدم إرسال مزيد من الأسلحة إلى إسرائيل.

وأعلن وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي في سبتمبر/أيلول الماضي أن لندن علقت 30 من أصل 350 ترخيصا للأسلحة.

في المقابل، قاومت الدول الأكثر تصديرا للسلاح إلى إسرائيل كالولايات المتحدة وألمانيا والدانمارك الضغوط الشعبية، واستمرت في توريده بدون تغيير مهم، لكن يتوقع أن يزداد تأثير هذا المزاج العام في السنوات المقبلة، إذ يُظهر الشباب رفضا أوضح من الفئات الأكبر سنا للسردية والجرائم الإسرائيلية.

المؤسسات الدولية

ومع تواصل العدوان على قطاع غزة خلال عام برزت إسرائيل كدولة متمردة على الصعيد الدولي بشكل أوضح من أي وقت سابق، فقد أهملت وتحدت قرارات عديدة أصدرتها المؤسسات الدولية، منها على سبيل المثال:

قرار مجلس الأمن الدولي في 25 مارس/آذار 2024 بوقف إطلاق نار فوري خلال شهر رمضان يؤدي إلى وقف دائم ومستدام لإطلاق النار. قرار المجلس في 10 يونيو/حزيران 2024 بوقف فوري تام وكامل لإطلاق النار مع إطلاق سراح الرهائن. قرار محكمة العدل الدولية في 26 يناير/كانون الثاني 2024 باتخاذ تدابير مؤقتة "لمنع الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في غزة، وضمان توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية، ومنع ومعاقبة التحريض على ارتكاب الإبادة الجماعية". قرار المحكمة ذاتها في 24 مايو/أيار 2024 بالوقف الفوري لهجومها العسكري على رفح.

وللمرة الأولى في تاريخ إسرائيل أعلنت المحكمة الجنائية الدولية في 20 مايو/أيار 2024 تقديم طلبات لإصدار أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، إضافة إلى طلب اعتقال 3 من قادة حركة حماس.

بدورها، تقدمت الجمعية العامة للأمم المتحدة بطلب إلى محكمة العدل الدولية لتبيان الآثار المترتبة على استمرار الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما حصل بالفعل، وأعقبه قرار للجمعية العامة في 18 سبتمبر/أيلول 2024 بطلب انسحاب الاحتلال من الأراضي المحتلة عام 1967 خلال 12 شهرا ضمن مجموعة من التوصيات التي تظهر غضب أغلبية دول العالم من الاستهتار الإسرائيلي بالمؤسسات الدولية والحقوق الفلسطينية والقيم الإنسانية.

انقسام داخلي غير مسبوق

وكان من تداعيات الحرب على إسرائيل تعميق الانقسامات السياسية والاجتماعية وإبرازها، خصوصا في ظل أسر المقاومة قرابة 240 إسرائيليا وتهميش نتنياهو هذا الملف، مما جعله عنوانا لمعارضة سياسة الائتلاف الحاكم تجاه الحرب.

وكذلك الحال بشأن عشرات الآلاف من المهجرين من شمال وجنوب إسرائيل، والذين اتهم بعض ممثليهم حكومتهم بخذلانهم والتمييز بينهم وبين سكان مركز الدولة.

واتخذ الانقسام بعدا دينيا بشأن قانون تجنيد اليهود المتدينين "الحريديم" وبعدا سياسيا عسكريا على خلفية تحديد المسؤولية عن فشل الدولة في 7 أكتوبر/تشرين الأول، وتحديد أولويات الحرب، والتهدئة من عدمها، وهو ما ظهر على شكل تراشق علني للاتهامات بين العديد من الوزراء والقيادات الأمنية والعسكرية.

وظهر ذلك -على سبيل المثال- في المؤتمر الصحفي لوزير الدفاع الإسرائيلي غالانت في 15 مايو/أيار 2024، والذي جاهر فيه بمعارضة توجهات نتنياهو بشأن غزة ما بعد الحرب، قائلا إنه سيعارض أي حكم عسكري إسرائيلي للقطاع، لأنه سيكون دمويا ومكلفا وسيستمر أعواما.

وكان من مظاهر هذا الانقسام المظاهرات الواسعة المعارضة للحكومة في ذروة الحرب، وهو أمر غير مسبوق في إسرائيل، وكذلك التسريبات الكثيرة بشأن مجريات إدارة الحرب، وإن كان نتنياهو قد استخدم بعض هذه التسريبات والخلافات لتضليل أعدائه والمناورة في وجه الضغوط الخارجية عليه، خصوصا الأميركية منها.

مسيرة شعبية أردنية ضد التطبيع مع إسرائيل (مواقع التواصل) تراجع التطبيع

وعلى صعيد العلاقات الإقليمية، تباطأ مسار التطبيع الإقليمي، وبدا أن المسار السعودي معلق بإبداء حكومة الاحتلال توجها لتسوية القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، في حين نأت الإمارات بنفسها عن تصريحات إسرائيلية بشأن تحمّل تكلفة إعادة إعمار القطاع.

كما طفا على السطح خلاف إسرائيلي مصري بشأن تهجير سكان القطاع والسيطرة الإسرائيلية على محور صلاح الدين "فيلادلفيا" ومعبر رفح.

وبالتوازي، شهدت العلاقة مع الأردن توترا على خلفية المخاوف من تهجير سكان الضفة والتوجه لتصفية القضية الفلسطينية.

ورغم أن كانت الخلافات السابقة دون مستوى تقويض أوجه التطبيع والسلام السابقة فإن عملية طوفان الأقصى كان لها أثر في إبطاء وتيرتها المتسارعة، كما أنها جعلت الاتفاقيات مثار تساؤل شعبي بشأن فاعليتها في وقف العدوان.

ثغرة في جدار الأمن

شكلت عملية طوفان الأقصى إثباتا لإمكانية خرق جدار الأمن والردع الذي كان الاحتلال يضفي عليه هالة أسطورية، خصوصا من جانب تكنولوجيا التنصت، وكلفت الحرب إسرائيل فاتورة باهظة من القتلى والمصابين والمعاقين والنازحين، وهو ما تحاول التستر عليه.

فوفقا لأرقام نشرها معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2024، فإن عدد قتلى الجيش الإسرائيلي خلال سنة من الحرب بلغ 1697 جنديا وضابطا وأصيب نحو 5 آلاف، بينهم 695 جراحهم خطيرة.

وبلغ عدد المصابين المدنيين الإسرائيليين 19 ألفا، وعدد الإسرائيليين الذين نزحوا من الشمال والجنوب خلال الحرب 143 ألفا.

وشكّل هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وفشل الجيش في التنبؤ به ومواجهته ضربة غير مسبوقة لثقة الجمهور الإسرائيلي بجيشه ودولته، ومما عزز هذا الأمر مستوى النقد والاتهامات التي طالت قادة الجيش والأمن من قبل وزراء اليمين في حكومة نتنياهو.

كما أضعفت الحرب الشعور الشعبي بالأمان، وأنتجت موجة واسعة للهجرة العكسية واستعدادا غير مسبوق للهجرة إلى الخارج.

وكشف استطلاع للرأي أجرته قناة "كان" التابعة لهيئة البث الرسمية الإسرائيلية في أكتوبر/تشرين الأول 2024 أن نحو ربع الإسرائيليين فكروا في الهجرة للخارج خلال العام الماضي بسبب الأوضاع السياسية والأمنية الراهنة.

وفي سبتمبر/أيلول الماضي كشفت معطيات رسمية صدرت عن دائرة الإحصاء المركزية عن تزايد ملحوظ في ظاهرة هجرة الإسرائيليين إلى الخارج.

في المقابل، سعت إسرائيل إلى ترميم جدار الردع من خلال إيقاع قدر هائل من الدمار والضحايا في قطاع غزة، وهو ما تأمل أن يوفر لها فرصة لتهجير جزء من سكان القطاع حالما تسنح لها الفرصة لذلك.

وتمكنت على الجبهة الشمالية من تعويض جزء من خسائر صورتها من خلال الاستهدافات النوعية لبنية حزب الله الأمنية، وعلى رأسها القدرة على تفخيخ وتفجير آلاف أجهزة النداء الآلي "البيجر" وأجهزة الاتصال اللاسلكي، والقدرة السريعة على الوصول إلى قيادات الصف الأول سياسيا وعسكريا، وفي مقدمتهم الرجل الأول في الحزب حسن نصر الله، وهو ما أضعف خصما كانت تتحسب كثيرا لقدراته على مدار السنين السابقة.

وعلى الرغم من ذلك فإن التصعيد أوصل إسرائيل المنطقة إلى حافة الحرب الإقليمية، مع الاشتباك المباشر مع إيران لمرتين، والذي يشكل التهديد الأكبر لأمنها، إضافة إلى ما يشكله من تهديد لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها في الإقليم.

دعم مكلف

وخلال عام زادت الحرب تكلفة إسرائيل على رعاتها الغربيين -وفي مقدمتهم الولايات المتحدة- وتباينت أولوياتها مع أولوياتهم، مما يدفع بها إلى تكون عبئا عليهم بدلا من أن تكون حليفة أو أداة إقليمية فاعلة لتحقيق مصالح استعمارية لدول كبرى.

كما برزت حاجتها إلى الحماية الدولية بدلا من أن تكون مركزا وسندا لتحالف إقليمي سعت اتفاقات السلام والتطبيع إلى بنائه، وتراجعت بالمحصلة مكانتها السياسية وانفتح مستقبلها على مخاطر أكبر، وهو ما يوحي به تراجع التصنيف الائتماني لها والمبني على استقراء المخاطر المستقبلية المتوقعة لها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الجامعات أکتوبر تشرین الأول طوفان الأقصى إلى إسرائیل مایو أیار وهو ما فی غزة

إقرأ أيضاً:

طوفان الأقصى هل كان إنجازا أم نكبة؟

بعد مرور عام على معركة طوفان الأقصى، ما زال الكثير من الفلسطينيين والعرب يشيدون فيه باعتباره نقطة مفصلية في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي وخطوة نحو التحرير.

وتأتي هذه الذكرى وقد تكبد قطاع غزة كثيرا من الخسائر في الأرواح والممتلكات، وبات مضربا للمثل عند قادة إسرائيل وحلفائهم للتدمير والخراب.

ورغم قتامة المشهد وألمه -وفق العديد من المراقبين- فإن ما أنجزته المقاومة خلال هذا العام فاق تصورات أنصارها وأعدائها على حد سواء.

فقد ذكرت صحيفة واشنطن بوست -في أحد تقاريرها- أن حركة المقاومة الإسلامية ما زالت راسخة في مواقعها بعد مرور عام من الحرب الإسرائيلية التي أعلنت أن القضاء على حماس أهم أهدافها.

ولا يمكن بحال من الأحول غض النظر عن الهوس الإسرائيلي بما يمكن أن تفعله المقاومة في ذكرى الطوفان و7 أكتوبر/تشرين الأول، فقد زاد الجيش الإسرائيلي تحصين مواقعه داخل القطاع خاصة محوري فيلادلفيا (جنوب) ونتساريم (وسط) ومنذ أيام تعمل قوات الاحتلال على توسيع المحور لمواجهة أي طارئ قد يحدث في ذكرى 7 أكتوبر/تشرين الأول.

وتأتي عملية الاحتلال شمال القطاع، ليلة الخامس من الشهر الجاري، لتشير بوضوح إلى تمكن المقاومة الفلسطينية من كي الوعي الإسرائيلي، وتؤكد أن الحديث عن هزيمتها والقضاء عليها مجرد تصريحات لكي يطمئن الجمهور الإسرائيلي، ولكن الميدان يثبت عدم دقتها.

وما زالت الحرب في أوجها وهي بعيدة عن الحسم حاليا، وكلما طال أمدها زاد احتمال اتساعها وهو ما يحدث حاليا، ولكن هناك العديد من المؤشرات لصالح المقاومة خاصة في ظل أسلوب الاستنزاف الذي تتبعه المقاومة مع الاحتلال.

دحرجة الرؤوس

يجمع العديد من المراقبين على أن حماس أفشلت مخطط إسرائيل، فقد اتخذت قرارا بشن حرب خاطفة ومدمرة على القطاع المحاصر، وجاء هجوم المقاومة ليخلط كافة الأوراق ويجر اسرائيل للدخول في مربع رد الفعل والاستنزاف المتراكم والمتدحرج بشريا وعسكريا واقتصاديا، وفق ما يرى المحلل السياسي عزام أبو العدس.

ويمكن رصد الخطة الإسرائيلية من خلال تصريحات مسؤولين إسرائيليين، في أبريل/نيسان 2023، عندما قال وزير الأمن إيتمار بن غفير إن "الوقت قد حان لتتدحرج الرؤوس في قطاع غزة".

وذكر بن غفير أن "الحكومة التي أنا عضو فيها يجب أن ترد بقوة على إطلاق الصواريخ من غزة. صواريخ حماس تحتاج لرد يتجاوز قصف الكثبان الرملية ومواقع غير مأهولة، حان الوقت لتتدحرج الرؤوس".

وبعدها بثلاثين يوما، توعد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بـ"احتمال إعادة احتلال قطاع غزة، كحل جذري للاشتباكات المتكررة مع الفصائل الفلسطينية في القطاع".

وأشار سموتريتش في حينها أنه "من المحتمل أن يأتي الوقت للعودة إلى داخل غزة وتفكيك حماس ونزع سلاحها".

وبعد أشهر من الطوفان الفلسطيني تدحرجت رؤوس كثيرة بمواقع القيادة في إسرائيل، وقدم العديد منهم استقالاتهم للفشل الذي مني به الاحتلال ذلك اليوم، فقد استقال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) أهارون هاليفا، واللواء يوسي شارييل قائد وحدة الاستخبارات الإسرائيلية 8200. كما استقال عدد كبير من المسؤولين بمكتب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي. ومن المنتظر استقالة آخرين ما أن تضع الحرب أوزارها.

وعلى الجانب المقابل، نقلت صحيفة واشنطن بوست عن قادة في حركة حماس قولهم إن رئيس المكتب السياسي يحيى السنوار "لم ينجُ فحسب بعد مرور عام على 7 أكتوبر/تشرين الأول، بل إنّه يضع أيضا الأساس لإعادة ظهور حماس".

صور عرضها الاحتلال لأول مرة لمركز شرطة سديروت في السابع من أكتوبر (مواقع التواصل) الاستمرار بالقتال

هدفت المقاومة من خلال معركة الطوفان تحرير الأسرى ورفع الحصار عن القطاع ووقف الاعتداءات على الحرم القدسي، لكن مسار الحرب تطور لتصبح حربا وجودية. فالمقاومة لن ترضخ لمطالب الاحتلال وتسعى للبقاء وتحقيق أجندتها، بينما يسعى الاحتلال -لضمان بقائه وعدم زواله وضمان أمنه في ذات الوقت- ويرى أنه لن يتحقق له ذلك إلا من خلال حرب الإبادة التي يمارسها بغزة.

وتظهر تصريحات المسؤولين الإسرائيليين نظرتهم لغزة والتعامل معها، فبعد أيام قليلة من طوفان الأقصى، أعلن وزير الدفاع يوآف غالانت أنه لابد من حصار غزة لمحاربة "الحيوانات البشرية"، وقال "لا كهرباء ولا طعام ولا وقود"!

وأواخر أكتوبر/تشرين الأول 2023، استشهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بنص من التوراة أثناء إعلانه عن العدوان على غزة، قائلا "يجب أن تتذكروا ما فعله العماليق بكم".

بينما ذهب وزير التراث عميحاي إلياهو، في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، للحديث عن إسقاط قنبلة نووية على القطاع الفلسطيني كـ"أحد الاحتمالات" في الصراع الحالي.

لذا، فلن تحسم الحرب بين الطرفين إلا بعدم قدرة أحدهما على الاستمرار فيها وقبول شروط الطرف الآخر.

 

قد مسه الجنون

اعتمد الاحتلال الإسرائيلي منذ العام 2006 نظرية رئيس هيئة الأركان في حينه دان حالوتس وهي الاستخدام المفرط للقوة ولمزيد من القوة العسكرية بطريقة تشي للعدو بأن "صاحب البيت قد مسه الجنون"، ضاعف الاحتلال بعد معركة طوفان الأقصى من استخدام هذه النظرية، لذلك فقد قصف القطاع بشكل لا يتخيله العقل، وسعى لإفهام المقاومة أنه ممكن أن يذهب لأبعد من ذلك.

كلن نظرية الجنون لم تجدي نفعا مع المقاومة في غزة، ويمكن القول إنها اردت على الاحتلال، إذ لم يعد لدية أوراق يساوم بها المقاومة بعد ما أظهره من شراسة في العدوان على القطاع.

بدأت إسرائيل حربها على قطاع غزة معتقدة أنها قادرة على إنهاء وجود حركة حماس هناك وفرض شروطها ورؤيتها على القطاع ومستقبله.

وما لم تضعه إسرائيل في حسبانها هو اتساع نطاق الحرب ودخول عدة أطراف فيها، مما قد يحولها لحرب إقليمية ستؤثر على إسرائيل ومستقبلها لعدة سنوات.

ولئن بدت الضفة هادئة وغير مشاركة في معركة طوفان الأقصى، فإنه على الرغم من إجراءات السلطة الفلسطينية وإسرائيل منع أي عمل مقاوم فإن المقاومة هناك اشتد ساعدها واستوت على سوقها وبدأت تأخذ أبعادا جديدة وتشارك بفعالية في المقاومة، وهي جبهة مرشحة للانفجار في أي وقت وهي أصعب الجبهات على الاحتلال وسياسته.

فقد بدأ حزب الله بدعم المقاومة في غزة مستخدما إستراتيجية التنقيط التي هجرت سكان شمال إسرائيل، ودفعت نتنياهو وحكومته لاتخاذ قرار شن الحرب على  لبنان.

ورغم ما قد بدا نصرا سريعا لقادة إسرائيل في لبنان بعد تفجيرات أجهزة النداء و"توكي ووكي" واغتيال الأمين العام للحزب حسن نصر الله والعديد من الصف القيادي فإن الحزب ما زال قادرا على إمطار إسرائيل بالصواريخ وقد اتسع مداها لاحقا لتصل إلى حيفا وتل أبيب، ولم يعد سكان الشمال بعد.

كما تمكن الحوثيون من منع الملاحة في البحر الأحمر دعما وإسنادا لغزة المحاصرة، والتأثير على ميناء إيلات الإسرائيلي. ولم يقتصر موقف الحوثيين على إغلاق طريق الملاحة بل هاجمت إسرائيل بمسيرات وصواريخ وصلت تل أبيب والتي تعد قدس أقداس إسرائيل.

ومع ذكرى انقضاء عام على بدء هذه المعركة، يقف العالم على قدم واحدة بانتظار الرد الإسرائيلي على القصف الإيراني ودخول الحرب طورا جديدا سعت كافة الأطراف لتجنبه، إلا أن المنطقة قد نزلت إلى أتون حرب قد تتسع أكثر مما هو متوقع.

ولا يمكن بحال من الأحوال إغفال أن إسرائيل حكومة وجيشا يتحركون تحت ضغط الوقت وأنهما يسعيان إلى تقديم صورة نصر للإسرائيليين بعد عام من أطول حرب تخوضها إسرائيل منذ نشأتها عام 1948.

ويرى مراقبون أن إسرائيل قد تختار ذكرى معركة الطوفان للرد على إيران "في محاولة لكي يكون هذا التاريخ فرصة لتحقيق إنجاز كبير يغطي على الفشل الذي منيت به إسرائيل".

ويرى المحلل السياسي سعيد زياد أن هجوم الاحتلال على شمال قطاع غزة يوم 5 أكتوبر/تشرين الأول الجاري وتنفيذ هجوم برى يهدف إلى صنع "صورة رمزية للمجتمع الإسرائيلي بأنه جيشه يقاتل في الشمال والجنوب، ولا يزال بعد عام كامل يستطيع الحضور في أكثر مناطق غزة رمزية وتاريخا".

إبداع المقاومة

رغم كل ما قامت به إسرائيل من تدمير وقتل في غزة فإن العام ينقضي وما زالت المقاومة في القطاع الفلسطيني قادرة على خوض المعركة وتكبيد العدو المزيد من الخسائر.

وقد عبر عن ذلك قائد ما تسمى فرقة غزة سابقا اللواء الإسرائيلي غدي شمني بقوله "الوضع في غزة معقد وصعب.. أهداف الحرب لم تتحقق ولم يتم إخضاع حماس ولم نتمكن من إعادة الأسرى".

وفي اليوم المتمم لعام من الحرب الإسرائيلية على غزة ما زالت المقاومة قادرة على تفجير دبابات وخوض معارك مع جنود الاحتلال وتفجير منازل مفخخة بقوات الاحتلال وقصف مستوطنات غلاف غزة.

ولئن قال أحد مساعدي نتنياهو إنه يشعر بأنهم "منتصرون" وفقا لموقع أكسيوس الأميركي، فإن للشارع الإسرائيلي رأيا مختلفا. فقد أظهر استطلاع للرأي قامت به هيئة البث الإسرائيلية أن 73% من الإسرائيليين يعتقدون بالفشل أمام حماس.

بينما قال 86% من الإسرائيليين إنهم غير مستعدين للعيش في مستوطنات غلاف غزة بعد انتهاء الحرب.

إضافة لذلك، فبعد عام على الطوفان بات جيش الاحتلال يعاني من نقص القوى البشرية، وقد حذّر تقرير لهيئة الأركان العامة في مارس/آذار الماضي من نقص حاد في الموارد البشرية، بسبب مقتل مئات الجنود وإصابة الآلاف غيرهم، وقال إن هناك حاجة إلى 7 آلاف جندي لنقلهم إلى جبهات القتال.

لذا فقد تفجرت قضية تجنيد الحريديم خلال الحرب على غزة، واضطر الجيش الإسرائيلي لتجنيد طالبي اللجوء الأفارقة في صفوفه، وفقا صحيفة هآرتس.

ويمكن القول إن النقص في عدد الجنود يعيق مخططات إسرائيل في غزو لبنان والقتال بالضفة، لذا يلجأ الاحتلال للاعتماد على الغارات الجوية لكنها لا تحسم حربا.

وهو الأمر الذي لم تعانِ منه المقاومة فهي قادرة على تعويض خسائرها البشرية وتجنيد مقاومين جدد وهو ما ظهر في فيديو لكتائب القسام قبل شهر حين ذكر أحد مقاتليها أنه من دفعة تجنيد عام 2024، ولئن كانت حماس المحاصرة في قطاع غزة قادرة على تجنيد مقاتلين فلن تجد قوى المقاومة بالضفة مشكلة في تجنيد مزيد من المقاتلين في صفوفها.

وترى "واشنطن بوست" أنّ حماس "تركز بلا هوادة على تحقيق الاكتفاء الذاتي" من التسلح، وتشير إلى أنّ هذا يشمل "القدرة على إنتاج الأسلحة والمتفجرات الخاصة بها، وتنفيذ عمليات معقدة تشمل الآلاف من المشاركين، مع الحفاظ على السرية التامة".

وتقول الصحيفة الأميركية إنّ حماس "أنفقت سنوات في إتقان آلة حرب قادرة على تصنيع ذخائرها الخاصة، واتخاذ قرار تنفيذ العمليات داخليا".

وهذا الوضع يجعل المقاومة في غزة قادرة على خوض معركة طويلة تستنزف فيها الاحتلال الذي شكا في بعض مراحل الحرب من نقص الأسلحة لديه عندما قيل إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عطلت بعض شحنات الأسلحة.

كما أن تقييد بعض الدول الأوروبية بعض الصادرات لإسرائيل -في محاولة منها لمجاراة الضغط الشعبي عليها- دفع نتنياهو لمهاجمة هذه الدول واعتبرها داعمة "للإرهاب".

الحاضنة الشعبية

لا يمكن بحال من الأحوال عقد مقارنة بين الحاضنة الشعبية للاحتلال والحاضنة الشعبية للمقاومة، ويعد وجود حاضنة شعبية أثناء الحرب ركنا أساسيا في الحرب وإدارتها ورفع معنويات الجنود والمقاتلين.

فمنذ طوفان الأقصى شهد المجتمع الإسرائيلي انقساما حاد بين مكوناته باتت تنعكس على موقفهم من الحرب وكيفية إنهائها. وقد عبرت الصحافية الإسرائيلية آيلانا دايان بالقول "الذكرى السنوية الأولى لأحداث السابع من أكتوبر تمر في ظل انقسام كبير بالشارع والدليل أن تخليد الذكرى يجرى في مسارين مختلفين".

وقد كشف استطلاع داخلي للرأي أن نحو ربع الإسرائيليين فكروا في الهجرة للخارج خلال العام المنصرم، بسبب الأوضاع السياسية والأمنية الراهنة بعد طوفان الأقصى.

وأظهر هذا الاستطلاع -الذي أجرته قناة "كان" التابعة لهيئة البث الرسمية الإسرائيلية- أن 23% من الإسرائيليين فكروا خلال العام المنصرم (منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 حتى أكتوبر/تشرين الأول 2024) في المغادرة بسبب الوضع السياسي والأمني الراهن.

وفي سبتمبر/أيلول الماضي، كشفت معطيات رسمية -صدرت عن دائرة الإحصاء المركزية- عن تزايد ملحوظ في ظاهرة هجرة الإسرائيليين للخارج، حيث غادر أكثر من 40 ألفا خلال الأشهر السبعة الأولى من 2024.

وعام 2023، هاجر نحو 55 ألفا و300 إسرائيلي، مقارنة بـ38 ألفا هاجروا عام 2022.

وذلك على خلاف الحاضنة الشعبية في غزة وفلسطين عموما، فلم يقبل الآلاف من سكان قطاع غزة ترك منازلهم والنزوح كما طالبهم جيش الاحتلال وهو الأمر الذي أفسد على الاحتلال مخططه بإفراغ شمال القطاع والسيطرة عليه.

كما أن سنوات الاحتلال ومقاومته جعلت الفلسطيني أكثر تمسكا بأرضه ومقتنعا بخطاب المقاومة وخيارها.

فقد أظهر استطلاع للرأي في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، ارتفاع نسبة تأييد العمل المسلح لمواجهة الاحتلال، حيث يرى أكثر من 60% من الفلسطينيين الذين شملهم الاستطلاع أن "المقاومة هي الطريق الأمثل لإنهاء الاحتلال".

وأعربت الأغلبية العظمي من المستطلعة آراؤهم بالضفة وغزة أن قرار طوفان الأقصى كان صحيحا، وقال 72% ممن شملهم الاستطلاع إنهم يؤيدون هذه العملية.

وقد تستمر الحرب عدة أشهر أخرى ويتمكن الاحتلال من تدمير المزيد من القطاع والضغط على حاضنة المقاومة، إلا أن ذلك سيدفع "جحافل من الشباب إلى أحضان حماس" كما تقول صحيفة واشنطن بوست التي نقلت عن مسؤول استخباراتي عربي تأكيده أن "الناس الذين فقدوا عائلاتهم لديهم دافع واحد هو الانتقام".

وإزاء ذلك كله تتحول حماس "إلى مرحلة جديدة من الصراع، يمكنها فيها أن تستفيد بسهولة أكبر من طاقات أعضائها الجدد" كما ترى الصحيفة الأميركية.

مقالات مشابهة

  • عام على "طوفان الأقصى".. أي فشل عسكري واستراتيجي منيت به "إسرائيل"؟
  • حصاد عام من الخسائر على الاقتصاد الصهيوني بعد عملية طوفان الأقصى:تكاليف الاقتصاد “الإسرائيلي” فاقت 140 مليار دولار منذ بداية الطوفان
  • تطورات اليوم الـ368 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • حصاد العمليات العسكرية لـ سرايا القدس في قطاع غزة خلال عام من معركة طوفان الأقصى (فيديو جرافيك)
  • عام على طوفان الأقصى.. كيف حطمت المقاومة أسطورة الاحتلال الإسرائيلي
  • تطورات اليوم الـ367 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • طوفان الأقصى هل كان إنجازا أم نكبة؟
  • تطورات اليوم الـ366 من "طوفان الأقصى" والعدوان الإسرائيلي على غزة
  • الاحتلال الإسرائيلي يعلن تدمير أنفاق ومخازن أسلحة في لبنان