عبدالرزّاق الربيعي يكتب: مدوّناتٌ هشّةٌ مثلُ ذاكرةِ سمكة
تاريخ النشر: 13th, August 2023 GMT
أثير- عبدالرزّاق الربيعي
قبل أن يخترع الصينيون الورق في حدث فريد أحدث نقلة حضارية، جرى منذ حوالي ألفي سنة، دوّن الإنسان أحداث حياته الاجتماعية، وهواجسه، وشجونه، على الصخور، تلك الخامة الطبيعيّة، الصلبة، التي حافظت على مدوّناته، فبقيت شاهدة على تلك الأحداث، يقول الشاعر:
تلك آثارنا تدلّ علينا
فانظروا بعدنا إلى الآثار
وقد ظهرت تلك الكتابات بأشكال مختلفة، فبعضها حُفِر جدران الكهوف أو حيطان المساجد القديمة والسقوف الخشبية والأبواب، وآخر وجد على هيئة رسومات ونقوش وصور، وكلّها أكّدت حرص الإنسان على التوثيق، لعلمه أن الذاكرة كيان هشّ، فالكثير من الأحداث، والوقائع، التي مرّت بنا واحتلّت حيّزا من تفكيرنا وقت حدوثها، اختفت، وطواها النسيان، وعبثا نحاول استرجاعها، وفي أفضل الأحوال تظهر على سطح الذاكرة على هيئة صور مضبّبة ومعلومات مشوّشة، وكثيرا ما نكرّر الأخطاء التي نمرّ بها، بفعل ذاكرة السمكة التي تنسى بسرعة طعم السنّارة، وتعود إليها ثانية، فإنّ الحلّ يكمن في التوثيق، والتدوين.
من التجارب التي أعتز بها مشاركتي بتوثيق حكايات الحرب التي نظمتها وزارة الإعلام العراقية عقب انتهاء حرب الخليج الأولى عام 1988م ، ضمن أكثر من ثمانين شاعرا وكاتبا، توزّعوا على المواقع التي شهدت حرب الثمانية أعوام، بالتنسيق مع وزارة الدفاع، وكانت التوجيهات تقتضي بتدوين حكايات الحرب من الجنود أنفسهم، وليس من الضباط والقادة، الذين يروون الوقائع من وجهة نظر رسمية، باعتبار أن الجنود هم صناع تلك الأحداث، وكل ذلك يجري من خلال اللقاء بهم، في الأماكن التي شهدت تلك المعارك، لكي تكون الذاكرة يقظة، وحيّة، تتحرّك بنشاط، عند تفاعلها مع المكان، بشكل أكبر، وأفضل مما لو التقى الفريق بهم خارجه، ولزيادة بالتوثيق، يُكتب اسم الجندي، وعنوانه، واسم المعركة وتاريخها، وبعد ذلك يُذكر اسم عضو الفريق الذي دوّن الحكاية.
بعد أن توزّعنا على الوحدات، استمعنا إلى قصص بطولية كثيرة، قمنا باختيار الأهمّ، وقدّمناها للجنة المشرفة على المشروع، وبعد غربلة تلك الحكايات، دعتنا اللجنة لتحويل تلك الحكايات الواقعية إلى نصوص أدبية، يدخل في نسيجها الخيال، والأبنية اللغوية، والمهارات الكتابية اللازمة، وبالفعل تصدّى عدد من الأدباء لهذه المهمة، وحوّلوها إلى قصص وروايات، فيما لم أكمل المشروع بسبب مغادرتي العراق.
لقد حفظ لنا التدوين الكثير من العلوم والمعارف، والأحداث، خصوصا بعد أن يخترع الألماني غوتنبرغ آلة الطباعة عام 1440م، وشخصيّا، عوّدت نفسي على تدوين كلّ ما يمرّ بي ويستحقّ أن يسجّل، والأمر لا يقتصر على الأحداث، بل يتجاوز ذلك إلى الجُمَل والمقولات المهمة، والأمثال، والحِكَم، والأبيات الشعريّة الملهمة، والمقاطع الجميلة، وقد أفادتني تلك التدوينات كثيرا، في حياتي اليومية والثقافية، ورغم أن وسائل التواصل الاجتماعي أتاحت للجميع فرصة التدوين على صفحاتها ومواقعها، إلّا أن تلك المدوّنات غير مأمونة الجانب، فهي عرضة للتلف، والهجمات الإلكترونية والفايروسات، وكم من صور، وملفّات غابت عن الوجود بضغطة زر!
لذا وجب أخذ الكثير من الاحتياطات، فالمدوّنات الإلكترونية أكثر هشاشة من ذاكرة سمكة، ويظل الورق الحارس الأمين على تفاصيلنا، وذكرياتنا.
المصدر: صحيفة أثير
إقرأ أيضاً:
دراسة تكشف عن تأثير مسكنات الألم على الذاكرة.. هل تؤدي لتدهورها؟
تتنوع مسكنات الألم الشائعة التي يستخدمها العديد من المرضى الذين يعانون من آلام في مناطق متفرقة، وتساعد هذه المسكنات على تخفيف الألم والتقليل من الالتهابات، وعلى الرغم من فوائد الحبوب والأقراص للتخلص من الآلام التي لا تزول بغيرها، إلا أنّ هناك دراسة أثبتت تأثيرات سلبية لبعض المسكنات الشائعة على جسم الإنسان.
تأثير المسكنات على صحة الذاكرةتوصلت الدراسة إلى أن «الإيبوبروفين» المضاد للإلتهابات هو من ضمن هذه المسكنات الشائعة، الذي يتناوله البعض لتخفيف الصداع ، والتخلص من آلام الأسنان، وآلام الظهر وأعراض البرد، كما وجد أن تناول الباراسيتامول أيضًا، وهو مسكن شائع آخر للألم، له تأثير معاكس وقد يؤدي إلى تدهور الذاكرة، بحسب ما ذكرت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية.
وأجرت كلية لندن الجامعية دراسة تركزعلى التأثيرات الإدراكية للأدوية الشائعة على حوالي نصف مليون شخص في المملكة المتحدة، وأشارت نتائج الدراسة إلى أنّ الأدوية المستخدمة لعلاج الألم، والالتهابات، وهشاشة العظام، وأمراض القلب والربو والحساسية وارتفاع ضغط الدم قد يكون لها تأثيرات سلبية على الذاكرة.
الدكتور أحمد كامل، استشاري المخ والأعصاب يقول في حديثه لـ«الوطن» إنّ هناك بعض الأعراض الجانبية الإيجابية لتلك المسكنات كالأيبوبروفين والڤولتارين والكودايين؛ تتمثل في تحسين وظائف الذاكرة والقدرة على حل قدرات الذكاء، إلا أنّ هناك بعض المسكنات الأخرى كالباراسيتامول، والبنادول وبعض أدوية الإكتئاب لها تأثير سلبي على الذاكرة؛ إذ تؤدي إلى تدهورها وعدم قدرتها على حل المشكلات.
وأضاف استشاري المخ والأعصاب، أنّ تلك الدراسة ما هي إلا دراسة أولية تحتاج إلى مزيد من التجارب على عدد أكبر من الأشخاص للتأكد من كامل صحتها وللوصول إلى نتائج وتوصيات سليمة، خاصة وأنّه لا توجد صلة قوية بين الأدوية وهذه التأثيرات، لكنها لا تعتبر دليلًا ملموسا على أنها تسبب تلك التأثيرات بشكل مباشر، يجب على التجارب غير المعلن عنها أن تنظر لجميع الأدوية الجديدة في التأثير المحتمل على الدماغ للسماح للأطباء باختيار أفضل الأدوية التي يمكن للمرضى تناولها.
آثار جانبية وسلبية للمسكنات الشائعةوكان مارتن روسور، عالم الأعصاب والمؤلف الرئيسي للدراسة، قال إنّ الأدوية المستخدمة بشكل شائع قد يكون لها آثارًا جانبية إيجابية ذات تأثير كبير على الجسم، والعديد منها له آثار سلبية أيضًا؛ إذ ارتبط عقار «أميتريبتيلين» لعلاج الصداع النصفي بتأثيره السلبي على التقييم الروتيني للإدراك.
ولم تُجرَ سوى أبحاث قليلة حول التأثيرات المعرفية للأدوية الشائعة، وتتمثل إحدى المشكلات في أن العديد من هذه الأدوية يتناولها كبار السن في أغلب الأحيان، وغالبًا بالتزامن مع أدوية أخرى، فمن الصعب عزل السبب المحتمل وراء هذا التأثير.
واستخدمت الدراسة التي موّلتها مؤسسة الصحة الخيرية، مجموعة من بيانات طبية تشمل حوالي 540 ألف رجل وامرأة، تتراوح أعمارهم بين 73 عاما و100 عاما، وتضمنت معلومات عن الأدوية التي كانوا يتناولونها وأدائهم في الاختبارات التي تقيس أوقات رد الفعل، الذاكرة، مهارات التفكير والقدرة على حل المشكلات.
وبعد مقارنة النتائج بين الذين تناولوا الأدوية مع أولئك الذين لم يتناولوها، كشفت النتائج أن الأشخاص الذين كانوا يتناولون أحد الأدوية العشرة الشائعة حققوا أداء أفضل في الاختبارات من أولئك الذين لم يتناولوها، وفقا لما نشرت مجلة «Brain And Behaviour».