في زمن التكنولوجيا والتطور، لا تزال هناك صناعات تحافظ على أصالتها وتقاليدها، وتجد فيها الأجيال الجديدة مصدر رزق وفخر.

إحدى هذه الصناعات هي صناعة الفخاريات، التي تشتهر بها مناطق الساحل الغربي في اليمن، والتي تستخدم في تبريد المياه، وتناول أو طبخ الأطعمة.

وصناعة الفخاريات هي فن قديم يعود إلى آلاف السنين، تستلزم مهارة عالية وإبداعا فائقا، حيث يستخدم الحرفيون الطين المستخرج من التلال المجاورة، ويشكلونه بأيديهم إلى أشكال مختلفة، يضعونه في أفران توقد بالخشب لتجفيفه وتقويته، وبعد ذلك يزخرفون الأواني بألوان زاهية وزخارف جميلة، تعكس ثقافة وتاريخ المنطقة.

والأواني الفخارية لها قيمة عملية وجمالية، فهي تستخدم لتبريد الماء في أجواء الصيف الحارة، وتستخدم لتناول الأطعمة، كما أنها تضفي لمسة فنية على المنازل والحدائق، وتعبر عن هوية وانتماء أصحابها.. لذلك، فإن الإقبال على شراء هذه الأواني مستمر من قبل سكان المدينة والريف على حد سواء.

ولكن صناعة الفخاريات تواجه تحديات كبيرة في ظل الحرب التي تشهدها البلاد منذ سنوات، فقد دمرت حرب مليشيات الحوثي معظم المعامل والورش التي كانت تنتج هذه الأواني، وقطعت الطرق التي كانت تسهل نقلها إلى الأسواق. 

كما أثرت الحرب على ارتفاع تكاليف المواد الأولية والوقود، مما جعل صناعة الفخاريات غير مربحة.

ورغم كل هذه المصاعب، لا يزال هناك من يصر على إبقاء هذه الصناعة حية، ويرفض أن يستسلم للظروف الحالية، ففي مديرية حيس، التابعة لمحافظة الحديدة، يوجد معمل فخار وحيد يستمر في إنتاج هذه الأواني بجودة عالية وأسعار مناسبة.

ويدير هذا المعمل الحرفي "علي مدار" الذي ورث هذه المهنة عن أبيه وجده، فيما يشتري منه البعض هذه الأواني وتسويقها في مناطق الساحل.

من بين هؤلاء الباعة الحاج محمد الذي يقول إن صناعة الفخاريات هي تراث عزيز على قلوبنا، ونحن لن نتخلى عنه مهما كانت الظروف.

ويضيف الحاج محمد، إنه يتلقى طلبات كثيرة من زيارته إلى مدن الساحل، وخاصة في فصل الصيف، حيث تزداد الحاجة إلى الماء البارد، مؤكدا أنه يعمل على تلبية هذه الطلبات.

ويتمنى الحاج محمد أن تزدهر صناعة الفخاريات مرة أخرى، باعتبار هذه الصناعة جزءاً من هويتنا وتاريخنا، وهي تستحق أن تحظى بالدعم والرعاية.

المصدر: نيوزيمن

إقرأ أيضاً:

مهنة يلعب بها الاندثار والوراثة|أسرار وخبايا يتحدث عنها أقدم سمكري في سوهاج

في حي شعبي عتيق يسمى القيسارية بقلب محافظة سوهاج، الذي يعبق بذكريات منذ زمن الملك فاروق، يستمر الحاج جمال صبري الملهلب، صاحب الـ72 عامًا، في ممارسة مهنة السمكرة التي ورثها عن أجداده منذ ذلك الوقت.

تعلم "جمال" المهنة منذ صغره من والده الذي عمل بها في أيام الزمن الجميل، عندما كانت السمكرة جزءًا لا يتجزأ من حياة الناس.

وقال الحاج جمال بابتسامة تعبق بالحنين، في بثًا مباشرًا عبر صدى البلد:" زمان كانت السمكرة مهنة لا غنى عنها. كان الناس يقبلون على تصليح كل شيء من أدوات المطبخ حتى أدوات الزراعة".

وأكد أن الآن انخفض الإقبال بسبب وفرة المنتجات الجاهزة وارتفاع أسعار الخامات، لكنني لا زلت أرى في هذه المهنة إرثًا يستحق أن يظل حيًا.

السمكرة اليوم لم تعد كما كانت، فهي تقترب من الاختفاء، إلا أن الحاج جمال لا يزال يجد عملاءً مخلصين، خاصة من بائعي الكنافة الذين يحتاجون إلى أوعية الكنافة الكبيرة (كوز الكنافة) والصيجان وأدوات أخرى.

بمشاركة 500 واعد من أبناء المحافظة | سوهاج تكتشف مهارات شبابها محافظ سوهاج يفتتح المؤتمر السنوي الثالث لوحدات الكلى السمكرة مهنة بين الاندثار والوراثة 1000156363 1000156362 1000156359 1000156361 1000156360 1000156358

واستكمل حديثه قائلًا:" هؤلاء هم زبائني الدائمون، فهم يعرفون أن جودة العمل اليدوي لا تقارن"، معبرًا عن فخره واعتزازه بالمهنة التي ورثها من اجداده عن والده، ويرى أنها تتطلب مهارات دقيقة وفهمًا عميقًا للخامات.

أدوات السمكرة تشمل المطرقة، الكماشة، المقص الحديدي، وأحيانًا الكاوي، وتستخدم في تقطيع وتشكيل المعادن، سواء كانت ألمنيوم أو نحاسًا أو حتى زنكًا.

وبفضل تطور المواد المستخدمة اليوم، أصبحت الخامات أكثر جودة، لكن الأسعار ارتفعت كثيرًا، مما أدى لتراجع الإقبال مقارنة بالماضي.

ورغم ذلك، لا يخطط الحاج جمال للتخلي عن ورشته التي تعبق برائحة المعدن والدخان، يقول بعزيمة قوية:" سأورث ابني هذه المهنة حتى يبقى مكان أجدادي مفتوحًا، إنها جزء من هويتنا وتراثنا".

تظل السمكرة، على يد الحاج جمال، شاهدة على عصر ذهبي في الحرف اليدوية، ومثالاً نادرًا على الحب والإخلاص لمهنة باتت على وشك الاندثار، يحافظ على أسرارها ويورثها لجيل جديد، يأمل أن يحافظ على ما تبقى من ذاكرة الحي وروح المهنة الأصيلة.

مقالات مشابهة

  • مسؤول في “البنتاغون”: اليمن أصبح يمتلك تكنولوجيا صناعة الصواريخ الباليستية التي تستحوذ عليها الدول المتقدمة فقط
  • مسؤولة بريطانية: انتخاب ترامب يعزز مخاطر التضخم والحرب التجارية
  • مهنة يلعب بها الاندثار والوراثة|أسرار وخبايا يتحدث عنها أقدم سمكري في سوهاج
  • اجتماع فني جمع الحاج حسن وممثلين عن الفاو وWFP بحث في مشاريع وهبات للقطاع الزراعي
  • بين عمر 20 إلى 60 عاما.. التغيرات التي تطرأ على الأسنان بمرور الزمن
  • ياسمين صبري تسابق الزمن في “ضل حيطة”
  • أبرزهم سوسن بدر إطلالات نجوم الزمن الجميل بافتتاح مهرجان القاهرة السينمائي (صور)
  • فن الحلْقة.. تراث مغربي شعبي يقاوم الاندثار
  • طالبتان من دايتون الأمريكية تنجزان رقمنة تراث رائدات آشوريات من العراق
  • زيارة محمد بن زايد للكويت… حيث الزمن تغير