الثورة نت:
2025-01-22@04:33:17 GMT

الياسين 105 .. فخر صناعة القسَّام في طوفان الأقصى

تاريخ النشر: 8th, October 2024 GMT

الياسين 105 .. فخر صناعة القسَّام في طوفان الأقصى

الثورة  / وكالات

على مدار عام كامل من معركة طوفان الأقصى ذاع صيت قذيفة الياسين 105 كفخر للصناعة القسامية المحلية بعدما ثبتت كفاءتها العالية في اصطياد آليات الاحتلال واختراق دروع دباباته.

ونجح مهندسو القسام في تطوير قذيفة من صناعة روسية، لتصبح الياسين 105 بعدما أضافوا إليها لمستهم الخاصة، وصنعت لتدمير المدرعات العسكرية، وجرى عليها تطويرات مختلفة حتى أضحت تدمر الميركافا فخر صناعة العسكرية الإسرائيلية.

قصة تحد وإنجاز

ونشرت كتائب القسام في تقرير خاص حول قصة “الياسين 105” قصة تحدٍ وإنجاز وسط الحصار، أشارت فيه إلى أنه وعلى مدار الصراع بين المحتل والمقاومة الفلسطينية اجتهد الاحتلال وداعميه من المنظومة العالمية الظالمة بالمحافظة على التفوق الفارق بين الاحتلال الصهيوني من الدعم بالقدرات العسكرية والأسلحة المتطورة والمتطورة جداً والدعم المالي والدعم بالخبرات والقدرات العسكرية في مقابل حرمان الفلسطيني من بناء أي نوعٍ من أنواع القوة أو منحه حتى الحق في مواجهة صلف الاحتلال والتصدي لأي نوعٍ من عدوانه وإجرامه.

وقذيفة الياسين 105 مضادة للدروع صنعتها كتائب القسام، واستخدمتها لأول مرة في معركة طوفان الأقصى التي أطلقتها في السابع من أكتوبر 2023.

أسمتها كتائب القسام الياسين 105 تيمنًا بمؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين القائد المؤسس للحركة، الذي اعتقلته إسرائيل مرات عدة، واغتالته على كرسيه المتحرك في 22 مارس 2004.

و”الياسين 105″ قذيفة “آر بي جي” محمولة على الكتف مضادة للدروع، صنعتها كتائب القسام في قطاع غزة عبر تطوير قذيفة “تاندوم 85” الروسية، التي استخدمتها المقاومة لأول مرة في معركة “الفرقان” في يناير/كانون الثاني 2009.

وقد استهدفت المقاومة بهذه القذيفة -التي ظهرت أيضا في كثير من العروض العسكرية لكتائب القسام- ناقلة جند إسرائيلية شرق بلدة جباليا شمال قطاع غزة ودمرتها بالكامل.

وفي معركة “العصف المأكول” في يوليو/تموز 2014، استخدمت المقاومة طرازا روسيا مطورا من قذيفة “تاندوم 85” وأثبت فعاليته، إذ فجرت به 9 دبابات إسرائيلية.

في فبراير/شباط 2017 أعلنت القسام أنها طورت نسخة محلية من قذيفة “تاندوم 85” وسمتها قذيفة “الياسين 105″، وقالت إنها أضافت إليها تحسينات طورت بها دقتها وفعاليتها ضد الدبابات والمركبات المدرعة عموما.

وأضافت الكتائب في فيلم وثائقي عن الشهيد محمد القوقا، أحد قادتها الميدانيين الذين اغتالهم الاحتلال، أن قذيفة “بانتوم 85” أثبتت فعاليتها في حرب 2014 وألحقت خسائر فادحة بالجيش الإسرائيلي.

وقال القيادي في الكتائب رائد سعد في شهادة في الفيلم نفسه إن الشهيد القوقا كان له دور مهم في تطوير هذه القذيفة إلى نسخة “الياسين 105”.

وأعلنت كتائب القسام عن استخدام قذيفة “الياسين 105” لأول مرة في حرب “طوفان الأقصى”، وكشف عن ذلك الناطق باسمها أبو عبيدة في خطاب له يوم السبت 28 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وأسقطت هذه القذيفة في بداية المعركة على دبابة من الجو بواسطة طائرة مسيرة، كما استهدف بها المقاومون دبابات إسرائيل من مسافات قريبة في عدة مناطق بقطاع غزة.

المميزات والمواصفات

تتكون قذيفة الياسين من رأس تدميرية مزدوجة، تحتوي على حشوتين تنفجران عبر مرحلتين، الأولى تنفجر وتخرق الدرع الخارجي، والثانية تخترق فولاذ الدبابة وتنفجر بداخلها.

ويقدر مدى قذيفة “الياسين 105” بما بين 100 و500 متر، ويكون مداها المؤثر في حدود 150 مترا، كما تبلغ سرعتها القصوى 300 متر في الثانية.

وأبرز مواصفاتها وخصائصها ما يلي: ذات قدرة تدميرية عالية، وتستخدم ضد الآليات المدرعة تدريعا عاليا، ويتم إطلاقها بقاذف “آر بي جي” محمول على الكتف.

كما لها رأس حربي مزدوج يحطم الدرع الخارجي للآلية وتخترقها وتدمرها من الداخل، وعيار القذيفة: 64/105 مليمتر.

كما يبلغ الوزن الكلي لها 4.5 كيلوغرامات، والمدى الفعال لها يبلغ 100 متر، والمدى المؤثر 150 مترًا، ولها قدرة الاختراق في الحديد الصلب 60 سم بعد الدرع الخارجية.

عبقرية الياسين 105

العميد سمير راغب -الخبير العسكري- يتحدث عن “عبقرية الياسين 105” التي تكمن في استخدامها حيث تم تدريب عناصر حركة حماس على ذلك ببراعة لاستهداف نقاط ضعف المدرعات وما تحمله من ذخيرة ما يؤدي إلى تفجيرها.

وشدد في تصريحات صحفية أن هذا السلاح محلي الصنع وأن مكوناته يمكن الحصول عليها من منتجات غير ممنوعة.

وفي هذا السياق يقول إن هناك “ورش للتصنيع قادرة على التصنيع بدقة مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد ولديهم معرفة عميقة عن كيفية إعادة تدوير المواد المتوفره لديهم”.

بالتوازي، يقول الكاتب والمحلل السياسي نضال عيسى إن “ما شاهدناه من المقاومين في غزة الذين حققوا طوفان الأقصى من خلال إرادة النصر واستعادة الحقوق في صقل خبرتهم وتطويرها العسكري وتحديداً القذيفة التي أصبحت أشهر سلاح في العالم “الياسين105” التي لا تتجاوز تكلفتها بين 200 – 500 دولار واستطاعت تدمير اقوى وأشهر دبابة يتغنى العدو بها وبقدراتها والتي يبلغ سعرها 6 ملايين دولار “.

ويشرح أن “هذه القذيفة الصاروخية المستنسخة من “آر بي جي 7″ طوّرها المقاومون بطريقة جديدة وقوة أكبر بتزويدها بمواد شديدة الانفجار لتشكّل أكبر تهديد للدبابات والأليات والمدرعات بجميع أنواعها ويمكن استخدامها أيضاً” ضد التحصينات الخرسانية، وهذه القذيفة التي صنعت محلياً تحمل رؤوس حربية ترادفية لزيادة قدرتها التدميرية”.

ويمثّل “الرأس الترادفي”، بحسب المحلل، أهم أسرار قوة “الياسين 105” لأنها عبارة عن قذيفتين متتاليتين تقوم الأولى بتفجير الدرع التفاعلي للدبابة واختراق جزئي أو كلي في الدرع الفولاذي، لتكمل القذيفة الثانية عملية الاختراق إلى الداخل لإحداث انفجار يقود إلى الدبابة بشكلٍ كامل.

ووفقاً لموقع “الدفاع والتسليح العربي”، يشير التقدير إلى أن “حماس” تمتلك ما لا يقل عن 2000 قذيفة RPG من هذا النوع.

أسلحة زهيدة الثمن

وذكرت مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية أن الحرب في غزة تشكل مثالا على تهديد الأسلحة “زهيدة الثمن” لقوة الجيوش العظمى في الحروب الحديثة.

ونشرت المجلة أنه “في بداية حرب غزة، بدأت حماس بإطلاق أعداد كبيرة من صواريخ القسام على إسرائيل، وهذه الصواريخ رخيصة الثمن بشكل لا يصدق، حيث يتم تصنيع وقود الصواريخ من السكر والأسمدة وبعض المواد الرخيصة، ويبدو أن تكلفة إنتاج كل صاروخ حوالي 300-800 دولار، لكن نظام (القبة الحديدية) سلاح الدفاع لدى إسرائيل ضد هذه الصواريخ، تبلغ تكلفة البطارية الواحدة منه 100 مليون دولار، وتبلغ تكلفة الصاروخ الواحد من صواريخ (تامير) الاعتراضية التي تطلقها إسرائيل حوالي 50 ألف دولار”.

وأشارت المجلة إلى أن، دبابات ميركافا 4M الإسرائيلية الأغلى والأكثر تطورا في العالم معرضة للدمار والخطر أمام نظام “آر بي جي” محلي الصنع الذي تنتجه حركة “حماس”، وهو قاذف “الياسين 105″، الذي تبلغ تكلفة تصنيعه حوالي 200 دولار، بينما تبلغ تكلفة ميركافا 4M الواحدة 7 ملايين دولار، أي أن حماس يمكنها إنتاج 35 ألف قاذف ياسين مقابل كل دبابة ينتجها الإسرائيليون.

عامل مهم

الخبير الاستراتيجي والعسكري واصف عريقات، يرى أن قذيفة الياسين 105 شكلت عاملًا مهما وأساسيا في معركة “طوفان الأقصى” لقدرتها على التصدي وتدمير آليات الاحتلال المتوغلة في قطاع غزة.

وأوضح عريقات في حديث صحفي، أن جيش الاحتلال تفاجأ من قدرة قذيفة الياسين على تدمير وإعطاب الآليات وناقلات الجند المحصنة والمتطورة، مشيرًا إلى أن القذيفة كانت إحدى أهم الأسباب التي غيرت مسار الحرب البرية في قطاع غزة.

وأشار إلى أن كتائب القسام نجحت في تدريب مقاتليها ببراعة لاستهداف نقاط ضعف المدرعات والآليات العسكرية المصفحة وما تحمله من ذخيرة ما يؤدي إلى تفجيرها بشكل كامل.

وأكد عريقات أن أهم أسرار قوة “الياسين 105” أنها عبارة عن قذيفتين متتاليتين تقوم الأولى بتفجير الدرع التفاعلي للدبابة واختراق جزئي أو كلي في الدرع الفولاذي، لتكمل القذيفة الثانية عملية الاختراق إلى الداخل لإحداث انفجار يقود إلى تدمير الدبابة بشكلٍ كامل.

وشدد الخبير الاستراتيجي والعسكري على أن الخبرات العسكرية والإرادة هما عامل أساسي في نجاح المقاومين بصناعة هذه “القذيفة التي أدهشت العالم، كما أفشلت القذيفة بيع مدرعة النمر المصفحة لدول العالم بملايين الدولارات.

تأثير مزدوج

وأثارت قذيفة الياسين المضادة للدروع، والتي أنتجتها كتائب القسام انتباه خبير روسي، بسبب حداثتها وطريقة أدائها القوية، وقال إنها “عبارة عن نسخة من قاذف آر بي جي 7 روسي الصنع، وذات تأثير مزدوج”.

وقال يوري ليامين، أحد كبار الباحثين في المركز الروسي لتحليل الاستراتيجيات والتكنولوجيات، “إننا لا نعرف الخصائص الدقيقة لهذه القذائف”.

واستدرك ليامين “ولكن من المحتمل أن تكون رؤوسها الحربية المزدوجة قادرة على المكافحة الفعالة للمدرعات الحديثة، بما في ذلك دبابات القتال الرئيسية ميركافا 4 وناقلات الجنود المدرعة الثقيلة نمر التي تم تصميمها على أساسها”.

المصدر: الثورة نت

كلمات دلالية: قذیفة الیاسین طوفان الأقصى کتائب القسام هذه القذیفة تبلغ تکلفة الیاسین 105 فی معرکة قطاع غزة آر بی جی إلى أن

إقرأ أيضاً:

التداعيات الجيوسياسية ‏ لعملية طوفان الأقصى

دخل اتفاق وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن بين حركة حماس وإسرائيل حيز التنفيذ صباح الأحد (19 كانون الثاني/ يناير 2025)، بعد حرب طويلة دامت قرابة 466 يوما، عقب عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها حركة حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، والتي عصفت بأمن المستعمرة الصهيونية واستدعت تنفيذ حرب إبادة استعمارية إسرائيلية وحشية بمساندة الإمبريالية الأمريكية، بهدف تحقيق نصر استراتيجي بالقضاء على حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية واستعادة الرهائن، وإعادة تشكيل الشرق الأوسط. لكن الوقائع كشفت عن وهم وحدود القوة والغطرسة، وأسفرت حرب الإبادة الصهيونية عن تحقيق نجاحات تكتيكية بأكلاف سياسية باهظة وفشل استراتيجي له تداعيات جيوسياسية عميقة، وبرهنت أن السياسة الإسرائيلية الشاملة المتمثلة بتجاهل الفلسطينيين وإدارة الصراع، من خلال قوة الردع وعملية بناء المستوطنات والتقارب مع الدول العربية مجرد وهم خطير، فعملية "طوفان الأقصى" تشكل جزءا من عملية تحول جيوسياسي عالمي.

ثمة خرافات حول أسباب موافقة المستعمرة على الاتفاق مع حركة حماس، وفي مقدمتها ضغوطات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ولكن الحقيقة أن ترامب سبب ثانوي، فالسبب الحقيقي هو فشل رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في تحقيق نصر استراتيجي نظامي بالقضاء على حركة حماس والمقاومة واستعادة الرهائن، ودخول الكيان الاستعماري في حرب استنزاف دون أفق. فهذه الصفقة لا تختلف كثيرا عن تلك التي كانت مطروحة على الطاولة في أيار/ مايو 2024، بل وقبل ذلك، فقد أعادت حماس بناء قوتها، وازدادت عزلة إسرائيل وعدد من الرهائن لقوا حتفهم، وبات الشرق الأوسط أبعد من تصورات الولايات المتحدة والمستعمرة الصهيونية، وتعد سوريا مثالا لصورة الشرق الأوسط الجديد.

في سياق الهزيمة والفضيحة خاضت إسرائيل الحرب على غزة دون وجود خطة استراتيجية واضحة بأهداف محددة، ولم تتمكن من تحقيق الأهداف المعلنة للحرب باستعادة الرهائن والقضاء على حركة حماس وتدمير حزب الله وأنصار الله وجبهات المساندة، وهو ما أفضى بإسرائيل إلى التورط في فخ حرب استنزاف والوقوع في مصيدة متعددة الجبهات، ذلك أن الحرب الإسرائيلية الحالية على القطاع تحولت إلى هدف بحد ذاتها وليس وسيلة لتحقيق أهداف سياسية
لم تكن عملية "طوفان الأقصى" المباغتة سوى استجابة طبيعية لما أفضت إليه محاولات تصفية القضية الفلسطينية، والعنف الاستعماري الإسرائيلي الممنهج في قطاع غزة الذي حولته إلى معتقل وسجن كبير بدعم من الإمبريالية الأمريكية والغربية وخنوع الأنظمة العربية، التي تجاهلت الخلفية التاريخية والسياقية للمشروع الاستعماري الاستيطاني لإسرائيل، الأمر الذي جعل من تكرار إسرائيل لجرائمها في غزة روتينا عاديا، حيث أصبح الوهم القائل بأن الفلسطينيين والمقاومة الفلسطينية يمكن محوها أو نسيانها حقيقة مقبولة لدى المستوطنين الإسرائيليين وحلفائهم الدوليين والإقليميين، وتنامى الاعتقاد بأن المسألة الفلسطينية باتت قضية منسية ومهجورة، وأن إسرائيل قادرة على الحفاظ على وجودها غير القانوني إلى أجل غير مسمى من خلال القوة العنيفة، وقد عززت مسارات تطبيع الكيان الاستعماري مع الدول الاستبدادية العربية برعاية إمبريالية أمريكية في جعل الاحتلال حقيقة دائمة وحالة طبيعية.

حطمت العملية العسكرية التي قادتها حماس جملة الأساطير التي زعمت أن إسرائيل قوة لا تقهر، وأطاحت بتخرصات وتوقعات مواطنيها بالهدوء إلى الأبد في الوقت الذي تهدر فيه حياة الفلسطينيين. فقبل أسابيع فقط من عملية "طوفان الأقصى"، كان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يتباهى بأن إسرائيل نجحت في "إدارة" الصراع، إلى درجة أن فلسطين لم تعد تظهر على خريطته "للشرق الأوسط الجديد". ومع "اتفاقيات إبراهام" العلنية الوقحة، والتحالفات السرية المشينة الأخرى، كان معظم لقادة العرب يحتضنون إسرائيل. وكانت الولايات المتحدة تروج لخطة "صفقة القرن"، حيث ركز الرئيسان دونالد ترامب وجو بايدن على "التطبيع" مع الأنظمة العربية التي كانت على استعداد لترك الفلسطينيين عرضة للاحتلال ونظام الفصل العنصري الإسرائيلي، وبدا أن الطريق بات ممهدا لتصفية القضية الفلسطينية ومحو اسم فلسطين من الوجود.

شنت المستعمرة الصهيونية حرب إبادة على غزة وصعدت من الهجمات على جنوب لبنان في لحظة شك وجودي، في محاولة يائسة لاستعادة المكانة المفقودة وقوة الردع المهدورة، فالهزيمة الأكبر في تاريخ إسرائيل هي حرب غزّة، والتي ستسجّل للأبد باعتبارها الهزيمة الأكثر خزيا في تاريخ المستعمرة، وهذا من دون أن نأخذ في الحسبان فضيحة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 العسكرية والفشل الاستخباري الأمني والعملياتي العسكري.

ففي سياق الهزيمة والفضيحة خاضت إسرائيل الحرب على غزة دون وجود خطة استراتيجية واضحة بأهداف محددة، ولم تتمكن من تحقيق الأهداف المعلنة للحرب باستعادة الرهائن والقضاء على حركة حماس وتدمير حزب الله وأنصار الله وجبهات المساندة، وهو ما أفضى بإسرائيل إلى التورط في فخ حرب استنزاف والوقوع في مصيدة متعددة الجبهات، ذلك أن الحرب الإسرائيلية الحالية على القطاع تحولت إلى هدف بحد ذاتها وليس وسيلة لتحقيق أهداف سياسية كما هو شأن الحروب السابقة.

إن محاولة تسويق صورة للنصر في غزة يتناقض مع مقومات مفهوم النصر الإسرائيلي، بينما يتطابق مع مفهوم النصر عند المقاومة الفلسطينية وحركة حماس. فمفهوم النصر يشكل أحد الأسس الأربعة التي تقوم عليها عقيدة الأمن القومي الإسرائيلي، إلى جانب الردع، والإنذار المبكر، والدفاع، حيث تميز العقيدة الإسرائيلية بين أربعة أنواع من النصر وهي: النصر التكتيكي بإبطال قدرات العدو القتالية، والنصر العملياتي بتفكيك نظام القتال للعدو من خلال سلسلة من الاشتباكات أو المعارك، والنصر العسكري الاستراتيجي بإزالة التهديد العسكري لسنوات قادمة، والنصر النظامي بتغيير الوضع الاستراتيجي بشكل أساسي سياسيا وعسكريا واقتصاديا. وثمة إجماع على أن إسرائيل عجزت عن تحقيق نصر نظامي، بإحداث تغيير جوهري في وضعها الاستراتيجي، من خلال إزالة التهديد الذي تفرضه حماس.

فالنصر النظامي لا يتحقق من خلال الوسائل العسكرية فحسب؛ بل يتطلب إجراءات سياسية ومدنية واقتصادية تؤدي تدريجيا إلى تغيير في المنطق الكامن خلف سلوك حماس، والذي يتطلب إضعاف الحاضنة الشعبية الداعمة لحماس والمقاومة، وهو ما فشلت فيه الآلة العسكرية والمؤسسة السياسية الإسرائيلية. أما مفهوم النصر لحركة المقاومة والتحرير فيقوم على أسس مختلفة، تستند إلى الصمود ودعم الحاضنة الشعبية، فحركة حماس، باعتبارها حركة مقاومة، تركز على عنصر بسيط وهو الصمود والبقاء، وقدرة الحركة على إعادة بناء بنيتها التحتية العسكرية والمدنية، وإدارة المقاومة والرأي العام، وممارسة النفوذ على حكم غزة ما بعد الحرب، ولذلك تخوض حماس باقتدار مفاوضات صعبة مع إسرائيل بشأن الرهائن، بما في ذلك المطالبة بضمانات أمريكية لوقف إطلاق نار دائم والانسحاب الإسرائيلي من غزة.

إن التداعيات الجيوسياسية للحرب الإسرائيلية على غزة لا تقتصر على منطقة الشرق الأوسط، بل تمتد إلى مختلف أنحاء العالم. فقد أعاد الصراع بين المستعمرة الصهيونية والمقاومة الفلسطينية مرة أخرى إلى الواجهة السعي الفلسطيني إلى إقامة دولة قابلة للحياة، وقد أدى الهجوم الذي شنته حركة حماس في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر والرد الإسرائيلي على ذلك الهجوم إلى تدمير خرافة السلام في الشرق الأوسط دون حل القضية الفلسطينية الذي تصاعد عقب توقيع الاتفاقيات الإبراهيمية في أيلول/ سبتمبر 2020، بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين، بتسهيل من الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب آنذاك، وكانت السعودية على وشك التوقيع، وقد اعترفت الاتفاقيات بسيادة إسرائيل وأقامت علاقات دبلوماسية كاملة بين الموقعين عليها، وفي الوقت نفسه، تم تهميش القضية الفلسطينية. وتبع الاتفاقيات الإبراهيمية اتفاقيات تطبيع بين إسرائيل والمغرب والسودان، واصل الرئيس الأمريكي جو بايدن سياسة ترامب في الشرق الأوسط، ورفعها إلى مستوى آخر من خلال محاولة تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية.

لقد فشل الافتراض الأساسي الذي استندت إليه الاتفاقيات الإبراهيمية، بإمكانية تحقيق السلام في الشرق الأوسط دون معالجة القضية الفلسطينية، وأصبحت عملية التطبيع العربي الإسرائيلي في حالة يرثى لها، وحتى الدول العربية التي سعت إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل اضطرت إلى التراجع وانتقاد تل أبيب، بل شكلت السعودية تحالفا دوليا للوصول لحل الدولتين، وذلك بعد أن انتفضت الشعوب العربية وأكدت على مركزية ومكانة فلسطين، واتساع الهوة بين الشعوب العربية والأنظمة الاستبدادية، التي وقعت في حرج بعد أن وقفت بلدان الجنوب العالمي إلى جانب الفلسطينيين، شجعت عملية "طوفان الأقصى" قوى عديدة على إمكانية تحمل مخاطر أكبر في مختلف أنحاء العالم لإحداث تغيير، ودفعت روسيا إلى الذهاب بعيدا في الحرب على أوكرانيا، وتشعر الصين بالجرأة للضغط على تايوان باجراء مناورات جريئة متزايدة، وفي الوقت الذي خسرت فيه إيران بعض نفوذها في المنطقة، شهدت سوريا تغيرات دراماتيكية بسيطرة حركة جهادية سنية على الحكم، وثمة خشية من عودة الانتقاضات العربية وحدوث تحولات بنيوية للسلطة بطرق متنوعةحيث صوتت أغلب هذه البلدان لصالح "هدنة إنسانية" في القتال في غزة في قرار أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث صوتت 121 دولة لصالح القرار و14 دولة ضده، وامتنعت 44 دولة عن التصويت، وبعد أن سحبت عدة دول، بما في ذلك جنوب أفريقيا، سفراءها أو جميع دبلوماسييها من إسرائيل، احتجاجا على العنف في قطاع غزة.

خلاصة القول أن إسرائيل وافقت على اتفاق وقف إطلاق النار بعد أن دخلت في حرب استنزاف وتلبست بهزيمة استراتيجية، ولن تفلح غطرسة القوة والخطابات الاستعلائية المنمقة للتفوقية العرقية اليهودية الاستيطانية في محو وتصفية القضية الفلسطينية. فقد دشنت عملية "طوفان الأقصى" ديناميكية تحول جيوسياسية عالمية، بدأت من الشرق الأوسط الذي حلم نتنياهو بإعادة تشكيله، وهو فعلا دخل في مسارات إعادة التشكل من البوابة السورية ببروز قوة إسلامية سنية جديدة.

وأعطت عملية "طوفان الأقصى" زخما لعملية روسيا الخاصة على أوكرانيا، وتعزز الحديث عن بروز "عالم متعدد الأقطاب" أكثر عدالة ومساواة، حيث لا توجد هيمنة غربية مطلقة، ولا "شرطي عالمي" أمريكي متفرد يتحكم في مصائر الكوكب. وفي ظل هذا النظام العالمي الجديد، تشعر العديد من القوى بالتشجيع على تأكيد مصالحها بطريقة كانت متاحة في السابق للقوى الكبرى فقط، وتأمل العديد من البلدان في ما يعرف بالجنوب العالمي أن تؤدي هذه التعددية القطبية إلى توزيع عالمي أكثر عدالة للقوة، فقد شجعت عملية "طوفان الأقصى" قوى عديدة على إمكانية تحمل مخاطر أكبر في مختلف أنحاء العالم لإحداث تغيير، ودفعت روسيا إلى الذهاب بعيدا في الحرب على أوكرانيا، وتشعر الصين بالجرأة للضغط على تايوان باجراء مناورات جريئة متزايدة، وفي الوقت الذي خسرت فيه إيران بعض نفوذها في المنطقة، شهدت سوريا تغيرات دراماتيكية بسيطرة حركة جهادية سنية على الحكم، وثمة خشية من عودة الانتقاضات العربية وحدوث تحولات بنيوية للسلطة بطرق متنوعة.

x.com/hasanabuhanya

مقالات مشابهة

  • القسام تكشف عن عمليات جديدة في معركة طوفان الأقصى
  • طوفان الأقصى.. جين الشجعان وجين الجبناء
  • ما سر الهدايا التي منحتها «حماس» للأسيرات الإسرائيليات في غزة؟
  • أبو عبيدة يلقي خطاب النصر ويعلن: معركة طوفان الأقصى دقت المسمار الأخير بنعش الاحتلال وغيّرت المعادلات
  • متحدث القسام: ندعو الوسطاء إلى إلزام العدو بتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة
  • أبو عبيدة: 471 يوما على معركة طوفان الأقصى التاريخية التي دقت المسمار الأخير بنعش الاحتلال
  • في أول ظهور منذ شهور.. أبو عبيدة: التضحيات والدماء العظيمة التي بذلها شعبنا لن تذهب سدى / فيديو
  • التداعيات الجيوسياسية ‏ لعملية طوفان الأقصى
  • خبراء إيرانيون يقيّمون طوفان الأقصى بعد اتفاق غزة
  • أبرز من هزمتهم عملية طوفان الأقصى