عندما قرر السنوار أن يغير المنطقة لم نتغير
تاريخ النشر: 8th, October 2024 GMT
عام مر على القرار الذي يغير المنطقة، ففي مثل هذا اليوم منذ 365 يوما انطلقت طلائع المقاومة باتجاه مغتصبات محيط غزة، ولعل الوضع على الأرض تجاوز الأهداف التي وضعت لعملية طوفان الأقصى، وهو الاسم الذي اختارته المقاومة أو بالأحرى ما بشّر به السنوار قبل عام من بدء العملية في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، فإن كان الهدف من العملية هو انتزاع بنوك المعلومات من أهم فرق جيش الاحتلال في رعيم، وكرم أبو سالم، وزيكيم، لكن الهدف الاستراتيجي للعملية هو فرض معادلة ردع هجومية تبادر فيها المقاومة، ولا تكون ردة فعل، ومن ثم الهدف الأهم هو عودة القضية الفلسطينية إلى الواجهة بعد أن هُمِّشت بفعل فاعل.
لقد قرر السنوار بعملية طوفان الأقصى أن يغير المنطقة، التي باتت متناغمة رسميا مع التطبيع مع الاحتلال، رغم الرفض الشعبي، الذي بدأ بالتراجع، ويعول مهندسي التطبيع على عامل الوقت لصهره في بوتقة التعايش مع العضو الغريب في جسد الأمة، وأنفق مهندسو العملية مليارات الدولارات منذ سنوات على الإعلام لتدجين الجيل الحالي، وعلى التعليم لتنشئة جيل جديد يقبل الاحتلال، ويتعايش معه، لكن السنوار ورفاقه أرادوا أمرا آخر، فالعملية ضربت هذا الجهد في مقتل حتى أصبحت المليارات التي أنفقوا؛ عليهم حسرة، وضربت معها جهود التطبيع، وضربت صفقة القرن، وكشفت العملية أيضا عن الحلفاء الحقيقيين، كما كشفت عن المرجفين، وكذا المتأرجحين. لكن أهم ما كشفت عنه عملية طوفان الأقصى هي عورة الفكر العربي وانجراره خلف توجهات إعلامية واستخباراتية، من المؤكد أن لها أهدافا، تحيد بالعقل العربي عن الطريق، ولا تخدم مستقبل هذه الأمة، بقدر ما تخدم أصحاب مشاريع من يريدون استغلال هذه الأمة.
لقد كشفت عملية طوفان الأمة عن حالة الشقاق التي تعيشها الأمة، ولأنني قطعت على نفسي عهدا ألا أخوض مع الخائضين، فسأشير لما هو واقع دون الدخول في تفاصيله، والمقصود هنا صول حالة الخلاف إلى مرحلة التلاسن بين من انكوى بنار محور إيران، كما يسمونه، وبين من يرى أن الاحتلال الإسرائيلي هو الخطر الأعظم على الأمة، دون أن يحاولوا السماع للأصوات التي ترى شرور كليهما، فلم يعذر بعضهم بعض، ولم يسعيا للتعاون فيما اتفقا فيه، حتى وصل الأمر إلى النظر في الدم والتفرقة بينه، وزايد البعض على الآخر، في ملهاة لم تشهدها الأمة من قبل، ولعلها لم تشهدها، لواقع حال لم تعشه الأمة في تاريخها، كما أن المؤثرات والمؤثرين لم يكونوا على المستوى الذي عليه في زمننا هذا، سواء على مستوى العمل المخابراتي أو الإعلامي التقليدي والاجتماعي كأذرع للأول.
يضاف إلى مشكلات الأمة التي لا تخفى على أحد، التي كتبنا عنها في مقال (ما يهمنا من صواريخ إيران على تل أبيب)، أنه وعلى المستوى الشعبي، وفي ظل حالة الجدل الدائر بين الفريقين سالفي الذكر، تجد أن الأمة على المستوى الشعبي تفتقد إلى آليات الحوار، حتى وصل الأمر إلى انجرار الأمة إلى ما يشبه تشجيع فريقين في مباراة لكرة القدم. يغلب على الجماهير حالة التحيز غير الواعي، المدفوع بغريزة التوحد بالجماعة، دون تحسس مواضع الأقدام، ولا مآلات الخطوات، في ظل عتمة الطريق، وافتقاد الحادي، فلا المشروع واضح، والقائد منبه، ولا أحد يعلم أن يذهب قطار الأمة.
وقد يقول قائل إن مجتمعاتنا ما زالت تعيش حالة صدمة ما بعد ثورات الربيع العربي في بلدانه، وحالة الدمار الكبير الذي يحدثه الاحتلال في فلسطين الآن، وهو في ذلك محق، لكن العتب هنا لا يقع على الشعوب، قدر ما يقع عل نخبها الثورية أو القيادية؛ التي لم تؤهل الشعوب لقبول الآخر، واستفادة من حالة الرفض لكل ما هو آخر.
على الرغم من أن مقولة "إن لم يكن لك مشروع فأنت مشروع غيرك" قد تقطعت أشلاء على ألسنة من يتصدرون المشهد في هذه الأمة، إلا أنها لا تجد لها تعريفا في قاموس خطاب هذه القيادات، ومن ثم يستفيد المتداعون على قصعتنا من انعدام المشروع، بل ويكسبون الأرض من خلال خطاب إعلامي يرسخ هذا الفقد. وتزيد من وحشة الطريق حيلة صغيرة ومتكررة يلعبها الإعلام في زمن الفضائيات والوصول لكل شبر على هذه المعمور، لا سيما في القضايا المفصلية والمصيرية. يمارس الإعلام عليك عزيزي القارئ لعبة التشتيت والإلهاء، فحديث العقلاء عن الخطط الاستراتيجية لهذه الأمة؛ يقابله الإعلام بقضايا جزئية لتشتيت المتلقي وحرفه عن الكليات، بل ويصنع له من القصص الإعلامية والخبرية ما يلهيه عن أصل الأزمة، فيستغرق في القصة المفتعلة، وقبل أن يفيق تصنع له قصة جديدة، ومن قصة لقصة، تغوص أقدام الأمة في بحر الرمال المتحركة بفعل تسارع الأحداث.
أزمة الحوار في الأمة إنما هي أزمة ثقافة وإدراك وتشبث بأهداب الهوية، ثم إنَّها أزمة أحدثتها فجوة التراث والحداثة، ومن ثم التخندق عند حدود الأزمة دون النظر إلى أبعادها، وهو ما وصفه مالك بن نبي بالقصور في إنتاج الأفكار القادرة على النهوض بالحضارة، وهو بالنتيجة ناتج عن فقدان الرؤية الشمولية، وفقدان الوعي بالأبعاد، ما يجعل الأفراد يتقهقرون من مفهوم الدولة والأمة، إلى التمترس بالقبيلة والعصبية، كما يرى ابن خلدون في مقدمته، فما إن تبدو لنا بشائر الفجر، حتى نعود لنخلد إلى الثبات، ولا نهب لنتلمس الطريق مستفيدين من الغسق، فنركن إلى خطاب التهوين والتكفير والاتهام بالعمالة، دون أن نترك مساحات الرأي والفكر.
ولعل ما زاد من هذه الأزمة مساحات الرأي التي أتاحتها وسائل التواصل الاجتماعي، التي أتاحت للعواطف أن تسود وللأفكار أن تتقهقر، يهزمها الاعتداد بالرأي وطغيان الأغلبية والدكتاتورية، وهو ما يخلق تمحورا حول الذات، وفرض الرأي وعدم رؤية الآخر مساحات التقاطع أو الالتقاء. وهنا، قد يستحق العامة اللوم، لكن اللوم الحقيقي يقع على نخب هذه الأمة ومفكريها وصانعي الوعي.
إن حال الأمة لا يخفى على ذي نظر، فحالة تماهي الناس مع اللاوعي؛ وعدم الرغبة في الخروج منها، في ظل الهوى المتبع وإعجاب كل ذي رأي برأيه، يحتم على الجميع أن ينهض، وخاصة أصحاب الفكر والقلم، وأن يهب العلماء والمفكرون، وقادة الرأي والمصلحون، للتصدي لهذا الاعوجاج فيقوّموه، وفك الالتباس والاشتباه، ورسم الطريق ويبينوه، وعلى أصحاب الرؤى الاستراتيجية أن يجتمعوا لوضع الخطط ويحددوا الخطوط ويضعوا الأولويات موضعها من الترتيب اللازم في ظل الظروف والمحددات، غير متناسين ظروف الأقليم، فيفككوا خطط العدو ويضعوا لها طرق المواجهة، والاستفادة من طاقات الأمة البشرية اللا متناهية، وعلى رأس هذه الطاقات الكوادر الإعلامية وصناع الرأي وقياسييه. فالسنوار الذي أراد أن يغير المنطقة، لن ينجح لو قام ذلك بنفسه أو مع جماعته، فالمعركة هي معركة الأمة، وعلى الجميع أن يستعد للطوفان القادم قبل أن يبتلعه.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المقاومة الفلسطينية فلسطين المقاومة طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات تكنولوجيا سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة یغیر المنطقة هذه الأمة
إقرأ أيضاً:
الخارجية : سورية تؤكد أن الجرائم التي يرتكبها الكيان الصهيوني في سورية ولبنان وفلسطين تشكل خطراً حقيقياً على أمن واستقرار المنطقة
2024-11-20naghamسابق وزارة الخارجية والمغتربين: سورية تدين بأشد العبارات الاعتداء الإسرائيلي الوحشي على مدينة تدمر والذي يعكس الإجرام الصهيوني المستمر بحق دول المنطقة وشعوبها انظر ايضاًوزارة الخارجية والمغتربين: سورية تدين بأشد العبارات الاعتداء الإسرائيلي الوحشي على مدينة تدمر والذي يعكس الإجرام الصهيوني المستمر بحق دول المنطقة وشعوبها
آخر الأخبار 2024-11-20جلسات حوار لمناقشة تعديل القوانين الناظمة لعمل وزارة التجارة الداخلية بطرطوس ودرعا 2024-11-20استشهاد شاب فلسطيني برصاص قوات الاحتلال غرب جنين 2024-11-20ترميز السلع والمنتجات لتنظيم عمل الأسواق خلال اجتماع في وزارة التجارة الداخلية 2024-11-20فيتو أميركي يعرقل مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يطالب بوقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة 2024-11-20انطلاق الجلسات الحوارية في غرفة تجارة حماة لتعديل قانون حماية المستهلك 2024-11-20الشيخ قاسم: العدو لن يخرج إلا بالمقاومة وسنبقى في الميدان نقاتله مهما ارتفعت الكلفة 2024-11-20قانون اتحاد الصحفيين… ندوة حوارية في دار البعث 2024-11-20ارتقاء 36 شهيداً وجرح العشرات جراء عدوان إسرائيلي استهدف أبنية سكنية في تدمر 2024-11-20بمناسبة اليوم العالمي لمرضى السكري… فعالية توعوية طبية في طرطوس 2024-11-20محور الأورام في رابع أيام مؤتمر أيام صحة دمشق 2024 العلمية
مراسيم وقوانين مرسومان بتحديد الـ 21 من كانون الأول القادم موعداً لإجراء انتخابات تشريعية لمقعدين شاغرين في دائرة دمشق وآخر في دائرة مناطق حلب 2024-11-20 الرئيس الأسد يصدر ثلاثة قوانين تسهم في تطوير آليات العمل بالقطاع السياحي 2024-11-14 الرئيس الأسد يصدر مرسوماً بتنفيذ عقوبة العزل بحق قاضية في النياية العامة التمييزية 2024-11-02الأحداث على حقيقتها القوات الروسية تقيم 9 نقاط مراقبة بريفي القنيطرة ودرعا قرب “منطقة فصل القوات” 2024-11-18 الجيش يدمر 15 طائرة مسيرة للإرهابيين في أرياف حلب واللاذقية وإدلب 2024-11-18صور من سورية منوعات مركبة الشحن الفضائية الصينية “تيانتشو-8″تلتحم مع محطة الفضاء الصينية تيانقونغ 2024-11-16 انبعاثات الكربون العالمية تصل إلى مستوى قياسي خلال العام الجاري 2024-11-13فرص عمل الخارجية تعلن عن برنامج تدريب المقبولين للتقدم إلى المرحلة الثالثة من مسابقتها 2024-11-06 التعليم العالي تسمح للجامعات الخاصة فتح التسجيل المباشر لملء الشواغر في كلياتها 2024-11-04الصحافة استكمال المــهــمــة!!! بقلم: أ. د.بثينة شعبان 2024-11-18 المسافة صفر.. مخرز في خاصرة الاحتلال – بقلم : جمال ظريفة 2024-11-16حدث في مثل هذا اليوم 2024-11-2020 تشرين الثاني- اليوم العالمي للطفل 2024-11-1919 تشرين الثاني 1954 – بدء بث «تلفزيون مونتي كارلو» وهي أقدم قناة تلفزيونية خاصة في أوروبا 2024-11-1717 تشرين الثاني 1969 -مفاوضات بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة للحد من عدد الأسلحة الإستراتيجية على كلا الجانبين 2024-11-1616 تشرين الثاني 1970- قيام الحركة التصحيحية بقيادة القائد المؤسس حافظ الأسد 2024-11-1515 تشرين الثاني 1920-عقد أول اجتماع لعصبة الأمم في جنيف 2024-11-1414 تشرين الأول 1908- عالم الفيزياء ألبرت أينشتاين يعلن عن نظرية كمية الضوء
مواقع صديقة | أسعار العملات | رسائل سانا | هيئة التحرير | اتصل بنا | للإعلان على موقعنا |