لا ينبغي أن تتحول الحرب في الشرق الأوسط إلى حرب إقليمية
تاريخ النشر: 7th, October 2024 GMT
لقد أدت الضربة الصاروخية الثانية التي وجهتها إيران إلى إسرائيل في الأول من أكتوبر/تشرين الأول إلى تصعيد التوترات في الشرق الأوسط بشكل كبير، مما زاد من خطر تصاعد دورة العنف الانتقامي التي قد تؤدي إلى صراع إقليمي واسع النطاق.
وكانت التوترات قد تصاعدت بالفعل بشكل خطير مع اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في طهران، ثم مقتل حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، إلى جانب الجنرال عباس نيلفوروشان، نائب قائد الحرس الثوري الإسلامي، وقادة كبار آخرين في لبنان.
ويمثل اغتيال نصر الله، على وجه الخصوص، يشكل لحظة محورية في هذه التطورات. ففي أعقاب الضربة العسكرية الكبرى التي وجهتها إسرائيل في إبريل/نيسان، عادت إيران إلى موقف “الصبر الاستراتيجي” بعد أن هاجمت إسرائيل سوريا ولبنان، وامتنعت عن الرد المباشر على اغتيال هنية وغيرها من الحوادث.
منذ هجوم حماس على إسرائيل قبل عام في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، كان الرأي السائد في إيران هو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يريد حرباً إقليمية شاملة من شأنها أن تجر إيران إلى صراع مباشر مع إسرائيل والولايات المتحدة. وبعد أن فشلت في جر إيران إلى حرب غزة، فتحت إسرائيل جبهة جديدة في لبنان لاستفزاز إيران للدخول في الصراع بشكل مباشر.
ولذلك، فمن وجهة النظر الإيرانية، فإن تحويل “الحرب في المنطقة” إلى “حرب إقليمية” هو الهدف الرئيسي لإسرائيل.
وتسبب استمرار سياسة الصبر الاستراتيجي التي تنتهجها إيران، وافتقارها إلى الرد على اغتيال هنية، بانتقادات واسعة النطاق من جانب المحافظين والمعارضين للحكومة المعتدلة الجديدة برئاسة مسعود بزشكيان. ويقول المنتقدون إن سلبية إيران شجعت إسرائيل على اغتيال نصر الله وكبار قادة حزب الله. ويعتقد المعارضون والمحافظون أن استمرار هذه السياسة أدى إلى تقليص قوة الردع الإيرانية في المنطقة، ومكن إسرائيل من تحقيق المزيد من التقدم.
كما امتنعت إيران عن الرد المباشر على اغتيال هنية، ويرجع ذلك جزئياً إلى الضغوط من جانب الدول الغربية والعربية على أمل التوسط في وقف إطلاق النار في غزة. ومع ذلك، واصلت إسرائيل هجماتها على غزة ووسعت نطاق الصراع إلى لبنان. واعتبرت جماعات المعارضة والمحافظون هذا بمثابة خيانة أخرى من جانب الغرب، واتهموا بيزيشكيان بارتكاب نفس الخطأ الذي ارتكبه الرئيس السابق حسن روحاني بوضع الكثير من الثقة في الدبلوماسية الغربية. وبعد اغتيال نصر الله، تعالت الدعوات للانتقام.
لا شك أن هذا الاتجاه الجديد سيشكل تحديًا خطيرًا للغاية للحكومة المعتدلة التي يتزعمها بيزيشكيان والتي تسعى إلى إحياء الاتفاق النووي الإيراني المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة(JCPOA). وسيشكل تدخل إيران المباشر في الحرب تحديا خطيرا لتلك العملية. من الصعب جدا – بل من المستحيل – الفصل بين قضايا الاتفاق النووي والحرب بين إيران وإسرائيل.
يقود نتنياهو الحكومة الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل، ويرى في إضعاف القوى التابعة لإيران مثل حزب الله فرصة غير مسبوقة لمواجهة إيران. إن الرأي السائد في إيران هو استمرار للسياسة التي أطلق عليها وزير التعليم الإسرائيلي نفتالي بينيت في عام 2018 مبدأ الأخطبوط، والذي نص على أنه بدلاً من مواجهة وكلاء طهران في المنطقة بشكل فردي، يجب على إسرائيل مواجهة إيران نفسها بشكل مباشر.
وفي ضوء كل هذه التطورات، يشعر المجتمع الدولي ــ وخاصة بلدان الشرق الأوسط ــ بقلق بالغ إزاء احتمال اندلاع حرب إقليمية شاملة. وتحتفظ الولايات المتحدة، الحليف الوثيق لإسرائيل، بقواعد عسكرية عديدة في المنطقة. وقد حذرت إيران رسميا هذه البلدان من أن أي مساعدة لإسرائيل والولايات المتحدة في شن هجمات عسكرية ضد إيران سوف تجعلها أهدافا مشروعة للهجمات الإيرانية. كما تشكل الصدمة المحتملة الشديدة لسوق النفط العالمية مصدر قلق دولي رئيسي آخر.
وإذا أمكن تجنب دورة العمل العسكري والانتقام بين إيران وإسرائيل من خلال الضغط الدولي، فمن المرجح أن تعود إيران إلى سياسة الصبر الاستراتيجي والعمل على إحياء قواتها بالوكالة، وخاصة حزب الله في لبنان. وعلى الرغم من تعرضه لضربات قوية في الهجمات الأخيرة ــ وهي ضربات غير مسبوقة منذ تأسيسه في عام 1982 ــ فإن حزب الله بعيد كل البعد عن التدمير. ولا تزال الجماعة تمارس نفوذا سياسيا وعسكريا كبيرا في لبنان وفي مختلف أنحاء سوريا والعراق واليمن.
وتظل إيران تأمل في أن تتمكن من خلال إعادة بناء قيادة حزب الله ومعنوياته وثقته من الحفاظ على هذا الركيزة الأساسية لجبهة المقاومة كجزء من استراتيجيتها الرادعة في الشرق الأوسط.
*نشر أولاً في “نيكاي آسيا“
يمن مونيتور7 أكتوبر، 2024 شاركها فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام الحوثيون يعلنون مسؤوليتهم عن الصواريخ التي أطلقت على وسط إسرائيل إيران ــ إسرائيل.. نحو حرب إقليمية؟ مقالات ذات صلة إيران تعد 10 سيناريوهات للرد الإسرائيلي المحتمل 7 أكتوبر، 2024 إيران ــ إسرائيل.. نحو حرب إقليمية؟ 7 أكتوبر، 2024 الحوثيون يعلنون مسؤوليتهم عن الصواريخ التي أطلقت على وسط إسرائيل 7 أكتوبر، 2024 حرب شاملة في الشرق الأوسط تقترب وجهود التهدئة محكومة بالفشل 7 أكتوبر، 2024 اترك تعليقاً إلغاء الرد
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق آراء ومواقف جذر الصراع 7 أكتوبر، 2024 الأخبار الرئيسية إيران تعد 10 سيناريوهات للرد الإسرائيلي المحتمل 7 أكتوبر، 2024 إيران ــ إسرائيل.. نحو حرب إقليمية؟ 7 أكتوبر، 2024 لا ينبغي أن تتحول الحرب في الشرق الأوسط إلى حرب إقليمية 7 أكتوبر، 2024 الحوثيون يعلنون مسؤوليتهم عن الصواريخ التي أطلقت على وسط إسرائيل 7 أكتوبر، 2024 حرب شاملة في الشرق الأوسط تقترب وجهود التهدئة محكومة بالفشل 7 أكتوبر، 2024 الأكثر مشاهدة واللاتي تخافون نشوزهن 14 مارس، 2018 التحالف يقول إن نهاية الحوثيين في اليمن باتت وشيكة 26 يوليو، 2019 الحكومة اليمنية تبدي استعدادها بتوفير المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين وبأسعار أقل 12 أكتوبر، 2019 (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ 29 أغسطس، 2021 مجموعة العشرين تتعهّد توفير “الغذاء الكافي” في مواجهة كورونا 22 أبريل، 2020 اخترنا لك إيران ــ إسرائيل.. نحو حرب إقليمية؟ 7 أكتوبر، 2024 جذر الصراع 7 أكتوبر، 2024 موجة الموت التي أسقطت الملالي في الشرق الأوسط 7 أكتوبر، 2024 الحرب السادسة في المنطقة خلال 40 عاما قد تكون الأسوأ 7 أكتوبر، 2024 عن فتحية الجرافي 4 أكتوبر، 2024 الطقس صنعاء غيوم متفرقة 19 ℃ 19º - 19º 24% 2.91 كيلومتر/ساعة 19℃ الأثنين 25℃ الثلاثاء 24℃ الأربعاء 24℃ الخميس 24℃ الجمعة تصفح إيضاً إيران تعد 10 سيناريوهات للرد الإسرائيلي المحتمل 7 أكتوبر، 2024 إيران ــ إسرائيل.. نحو حرب إقليمية؟ 7 أكتوبر، 2024 الأقسام أخبار محلية 28٬088 غير مصنف 24٬183 الأخبار الرئيسية 14٬738 اخترنا لكم 7٬024 عربي ودولي 6٬892 غزة 6 رياضة 2٬328 كأس العالم 2022 72 اقتصاد 2٬233 كتابات خاصة 2٬075 منوعات 1٬993 مجتمع 1٬834 تراجم وتحليلات 1٬771 ترجمة خاصة 56 تحليل 13 تقارير 1٬599 آراء ومواقف 1٬533 صحافة 1٬483 ميديا 1٬397 حقوق وحريات 1٬311 فكر وثقافة 896 تفاعل 813 فنون 477 الأرصاد 308 بورتريه 63 صورة وخبر 36 كاريكاتير 32 حصري 21 الرئيسية أخبار تقارير تراجم وتحليلات حقوق وحريات آراء ومواقف مجتمع صحافة كتابات خاصة وسائط من نحن تواصل معنا فن منوعات تفاعل English © حقوق النشر 2024، جميع الحقوق محفوظة | يمن مونيتورفيسبوكتويترملخص الموقع RSS فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام زر الذهاب إلى الأعلى إغلاق فيسبوكتويترملخص الموقع RSS البحث عن: أكثر المقالات مشاهدة واللاتي تخافون نشوزهن 14 مارس، 2018 التحالف يقول إن نهاية الحوثيين في اليمن باتت وشيكة 26 يوليو، 2019 الحكومة اليمنية تبدي استعدادها بتوفير المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين وبأسعار أقل 12 أكتوبر، 2019 (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ 29 أغسطس، 2021 مجموعة العشرين تتعهّد توفير “الغذاء الكافي” في مواجهة كورونا 22 أبريل، 2020 أكثر المقالات تعليقاً 1 ديسمبر، 2022 “طيران اليمنية” تعلن أسعارها الجديدة بعد تخفيض قيمة التذاكر 30 ديسمبر، 2023 انفراد- مدمرة صواريخ هندية تظهر قبالة مناطق الحوثيين 21 فبراير، 2024 صور الأقمار الصناعية تكشف بقعة كبيرة من الزيت من سفينة استهدفها الحوثيون 4 سبتمبر، 2022 مؤسسة قطرية تطلق مشروعاً في اليمن لدعم أكثر من 41 ألف شاب وفتاه اقتصاديا 4 يوليو، 2024 دراسة حديثة تحلل خمس وثائق أصدرها الحوثيون تعيد إحياء الإمامة وتغيّر الهوية اليمنية 26 فبراير، 2024 معهد أمريكي يقدم “حلا مناسباً” لإنهاء هجمات البحر الأحمر مع فشل الولايات المتحدة في وقف الحوثيين أخر التعليقات Abdaullh Enanنور سبتمبر يطل علينا رغم العتمة، أَلقاً وضياءً، متفوقاً على...
SALEHتم مشاهدة طائر اللقلق مغرب يوم الاحد 8 سبتمبر 2024 في محافظة...
محمد عبدالله هزاعيا هلا و سهلا ب رئيسنا الشرعي ان شاء الله تعود هذه الزيارة ب...
.نرحو ايصال هذا الخبر...... أمين عام اللجنة الوطنية للطاقة ال...
issamعندما كانت الدول العربية تصارع الإستعمار كان هذا الأخير يمرر...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: إیران ــ إسرائیل نحو حرب إقلیمیة فی المنطقة على اغتیال إیران إلى فی لبنان نصر الله حزب الله
إقرأ أيضاً:
الغرب وكأس الشرق الأوسط المقدسة
يرغب الأميركان في شرق أوسط مستقر، وفي سبيل ذلك يتخذون أفضل السياسات الكفيلة بزعزعة استقراره. منذ وقت طويل يراودهم حلم الوصول إلى "الكأس المقدسة"، تلك التي ستأتي بالسلام والاستقرار الأبديين. والكأس المقدسة هي السلام مع السعودية وفقًا للوصف الذي نحته زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد في مقال له على صحيفة هآرتس.
استعصت الكأس المقدسة حتى الآن، وستصبح بعيدة المنال مستقبلًا في ظل ازدهار اليهودية الراديكالية، كما يتوقع لبيد. تدرك السعودية أمرين هامين حين يتعلق الأمر بالتطبيع مع إسرائيل: مكانتها الرمزية في العالم الإسلامي، والأصول التوراتية التي تختبئ وراء النفاق الغربي. كما تدرك أيضًا أن سلامًا مفتوحًا مع إسرائيل، دون حل جذري للمشكلة الفلسطينية، لن يسهم في استقرار الشرق الأوسط.
بعد أربعة عقود من السلام مع مصر يتساءل المثقفون الإسرائيليون عن قيمة ذلك النوع من "السلام البارد". الحال بين مصر وإسرائيل بات أكثر خطرًا من سلام بارد. فقد اعترضت إسرائيل مؤخرًا على الإنشاءات العسكرية التي يقوم بها الجيش المصري في سيناء، وسبق لها أن وصفت ثورة 25 يناير/ تشرين الأول بالطاعون المصري.
داخل النقاش الجاري هناك – حول النشاط العسكري المصري في جزيرة سيناء – علّق تامير موراج، المراسل الدبلوماسي للقناة 14 الإسرائيلية، مطلع هذا الشهر قائلًا: ".. على قيادتنا العليا أن تبقى مستيقظة في الليل. مباشرة أمام أعيننا، وتحت ستار اتفاقية السلام، قامت مصر ببناء جيش هائل يعتمد على الأسلحة الأميركية، وجميع تدريباته تحاكي سيناريوهات غزو إسرائيل [..]. قوات بحرية قوية، وقوة جوية قادرة على تحدي وتعقيد الأمور بالنسبة لسلاح الجو الإسرائيلي. هذه القوة العسكرية برمتها، التي تنتهك وتقوض اتفاقات كامب ديفيد بشكل متكرر، تتدرب من أجل هدف واحد: الحرب مع إسرائيل".
إعلانشيء واحد في حكم المؤكد، وهو أن إسرائيل – الحصن الغربي- كيان تأسس على عجلة استعمارية، وأن الزمن يعقد عليه الأمور من كل جانب. ما من كأس مقدسة في الشرق الأوسط، وحتى السلام البارد مع القوة العربية الكبرى في طريقه لأن يصبح سلامًا خطرًا، سلامًا يتدرب على غزو الجار، كما تخبرنا القناة 14 المعروفة بتطرفها وقربها من المنظومة اليمينية.
الخفة في التعاطي مع الشرق الأوسط صارت إلى علامة فارقة في السياسة الغربية التي نحَت، مؤخرًا، منحى توراتيًّا وباتت ترى الدولة الإسرائيلية شأنًا إلهيًّا، بعد أن كانت "حصنًا غربيًا" كما في تصوّر كونراد أديناور، مؤسس ألمانيا الحديثة.
القول إن المقاربة الغربية لمسألة الصراع العربي- الفلسطيني أخذت بعدًا توراتيًا ليس رجمًا بالغيب، ولا هو حديث مرسل. في يونيو/ حزيران 2001 دُعي بيل كلينتون للاحتفال بكتاب "كيف تخوض حربًا حديثة"، للجنرال ويسلي كلارك، القائد السابق للناتو. كان قد مرّ نصف عام على مغادرة كلينتون للبيت الأبيض، وعام كامل على انهيار مفاوضات كامب ديفيد.
لساعة كاملة تحدث كلينتون – لأوّل مرّة- عمّا دار في المفاوضات. تسبب عرفات، يقول كلينتون، في انهيار المفاوضات حين أقدم على الخطأ الذي لا يغتفر. إذ شكّك في "الحقيقة التاريخية" التي تقول إن الهيكل اليهودي يوجد هناك، أسفل المجمَع الإسلامي المكوّن من المسجد الأقصى، قبة الصخرة، وحائط البراق.
بالنسبة لكلينتون فإن هذا التشكيك أمر لا يحتمل. قال للحاضرين "أخبرت عرفات، قلتُ له أنا أعرف أن الهيكل هناك في الأسفل". في الواقع فقد سمع عرفات ما هو أكثر خطورة من هذه الجملة. في الرواية التي دوّنها إيهود باراك، قائد الوفد الإسرائيلي، عن الساعات الأخيرة من المفاوضات نقرأ أن كلينتون انتفض ونهر عرفات صارخًا في وجهه "أخبرني القس سولومو وأنا طفل في نيويورك أن الهيكل هناك تحت المسجد". قبل أن يغادر الحفلة قال كلينتون للحاضرين "أعتذر، لقد أفسدتُ ذلك الشيء في الشرق الأوسط"، كما نقلت مجلة نيوزويك في حينه (يونيو/ حزيران، 2001 ).
إعلانيعمل كل الغرب، لقناعات توراتية – كولونيالية، على إفساد "ذلك الشيء" في الشرق الأوسط، ولم يكن كلينتون استثناء. الإبادة الجارية في غزة كشفت عن رؤية غربية للصراع تقع القصة التوراتية في مركزها. حتى الغرب الثقافي انخرط في ذلك الخيال التوراتي. ولم يعد مستغربًا أن يرى المرء مفكرًا سياسيًا مرموقًا مثل نيال فيرغسون، الذي يقدّم نفسه بوصفه ملحدًا يرسل أولاده إلى الكنيسة، وهو يتحدث عن "المهمة الإسرائيلية فائقة النجاح" في غزة. فـ "تلك الأرض"، يقول فيرغسون، هي مكان وهبه الإله – الذي لا يؤمن بوجوده- لليهود.
الشرق الأوسط حقيقة جيوسياسية بالغة التعقيد، تتصارع حوله ثلاث رؤى، كما يذهب الباحث الإسرائيلي عاموس يلدين في مقاله الأحدث على فورين أفيرز: رؤية المقاومة الفلسطينية (حماس)، الرؤية الإيرانية، والرؤية الأميركية.
لا يمكن العثور على تصور عربي متجانس لمسألة الشرق الأوسط، لا لماضيه ولا لمستقبله. ثمّة خيالات وأحلام متناقضة ومتصارعة. غير أن مشروعًا عربيًا مكتملًا، بما يوازي ويماثل المشاريع المتجانسة التي تنظر إلى المنطقة من خارجها، لا يزال بعيد المنال.
تقوم الرؤية الأميركية، في تقدير يلدين، على تحقيق استقرار في الشرق الأوسط عبر إستراتيجيات متعددة: إنتاج فرص سياسية للإسرائيليين والفلسطينيين معًا، التطبيع بين إسرائيل والسعودية، ومن خلال اتفاقية دفاع بين واشنطن والرياض.
السؤال الإسرائيلي كان دائمًا هو سؤال الاستقرار، وهذا ما تدركه كل المقاربات الأميركية للصراع. فالمجتمع الإسرائيلي سيتعين عليه، في آخر الأمر، أن يتجاوز سؤال البقاء إلى أسئلة أخرى لا تقل أهمية، منها سؤال الاندماج مع الجوار.
فما من مثيل واحد في العالم لحالة النبذ والقطيعة التي تعيشها "الدولة" الإسرائيلية مع كل الجيران. لا تتجاوب إسرائيل كثيرًا مع تكتيكات الاستقرار التي تبتكرها السياسة الأميركية، ومع اتجاهها يمينًا فإن استجابة إسرائيل للرؤى والتقديرات القادمة من خارج المنطقة ستصبح أكثر ندرة.
إعلانفي مذكراته قال كيسنجر إن المسؤولين الإسرائيليين شكروه في وقت متأخر جدًّا على تكتيكاته التي حمَت دولتهم إبّان الصدام العسكري العربي- الإسرائيلي في سبعينيات القرن الماضي.
لم تكن المصلحة الإستراتيجية التي تنطوي عليها "حلول" كيسنجر واضحةً في العقل الإسرائيلي أوّل الأمر. كان كيسنجر بالنسبة لهم أميركيًا أكثر من حقيقته اليهودية، ولم تكن الحميمية الإسرائيلية- الأميركية قد بلغت الحد الذي نراه الآن، بأن تعمل دولة عضو في مجلس الأمن على رعاية إبادة بشرية على الهواء. وحتى الآن، في أوج الحميمية التوراتية بين البلدين، فثمة هامش مناورة واسع تستطيع إسرائيل من خلاله تمرير مشاريعها العدوانية بما فيها تلك التي تأخذ شكلًا إجراميًا مروّعًا.
الرؤيتان الأخريان؛ رؤية حماس ورؤية المحور الإيراني، تختلفان وتتفقان. وجه اتفاقهما هو في استنزاف إسرائيل وحشرها في زاوية الدخيل والغريب على المنطقة. يواصل يلدين تقديره لما يراه قائلًا: فشلت المقاربات الثلاث ونجحت إسرائيل في فرض رؤيتها الواقعية. إذ أدت العمليات العسكرية لجيش الدفاع الإسرائيلي إلى سلسلة من النجاحات انتهت بسقوط النظام السوري من جهة، وإلى تقويض "الكوريدور الممتد من غرب إيران وحتى الحدود الإسرائيلية، ذلك الطريق الذي عكفت إيران على بنائه لأربعة عقود"، بحسب يلدين.
نجحت إسرائيل من خلال أعمالها العسكرية على جبهات عدة في تغيير "الشكل" الأوسط على نحو لم تكن تتوقعه ولا يبدو أنها تأنس له. لقد تخلّق شكل جديد غامض للشرق الأوسط، لم يستقر بعد، ولا يمكن التنبؤ بما سيؤول إليه في قابل الأيام.
وإن كانت إسرائيل قد نجحت في إبعاد إيران عن حدودها، فإن الحدود التركية باتت الآن، ولأوّل مرّة، على مشارف الدولة العبرية. يتداول الكُتّاب الإسرائيليون النقاش حول المفاجأة السورية التي جعلت تركيا، ذات الثأر التاريخي، محاددة لدولتهم. كل حركة في الشرق الأوسط تخلق نقائضها، وكل إجابة عن سؤال هي في الحقيقة تعقيد للسؤال نفسه.
إعلانإلى ما قبل ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، 2024، كانت الثورة السورية قد آلت إلى قصة من الماضي البعيد. أما الثوار وهم يتحضرون للعملية العسكرية فإن طموحاتهم لم تأخذهم إلى ما هو أبعد من ريف حلب، كما دوّن كمال أوزتورك، الصحفي التركي القريب من المعارضة السورية، في مقالة له على الجزيرة نت.
تدحرجت الكرة كما هي عادة الأحداث في المنطقة وبتنا نشاهد شرقًا أوسطَ جديدًا وغامضًا يختلف جذريًّا عن ذلك الذي تخيله شمعون بيريز مخترع مصطلح "الشرق الأوسط الجديد" في تسعينيات القرن الماضي.
بينما المسألتان؛ الفلسطينية واللبنانية ذاهبتان إلى الهدوء، برز الحدث السوري إلى العلن على شكل "هزة أرضية لم تحدث في المنطقة منذ اتفاقية سايكس-بيكو عام 2016" وفقًا لكلمات نتنياهو أمام المحكمة المركزية. ما من شيء، ولا أحد، بمقدوره أن يمنع الرياح والعواصف في الشرق الأوسط، ولا حتى أن يخبرنا من أين ستهبّ ولا أين ستسكن.
يقف الشرق الأوسط، برمّته، على كثبان من الرمال المتحرّكة. سكونه المريب باعث على الشك، وحركته المفاجِئة لا تخضع للقواعد. داخل هذا الغموض الوجودي، "الهيولى المحيّرة"، يُراد لإسرائيل أن تغدو كيانًا مستقرًّا. وليس لتلك الأمنية من معنى سوى أنها صادرة عن خيال عاجز وفقير، وعن أوهام خطرة حول شرقنا الأوسط اللعوب والعنيد.
كما لو أن الحديث عن الشرق الأوسط الجديد، دائمًا، يتعلق بالبحث عن مكان آمن لإسرائيل في تلك البقعة من الأرض، لا عن فهم جذري لحقيقته الجيوسياسية في سياقها التاريخي.
الشرق الأوسط الذي يُراد له أن يتسع لإسرائيل يضيق بنفسه وبشعوبه، وهو واحد من أكثر الأماكن الطاردة للسكّان الأصليين. جدران الشرق الأوسط السياسية والاجتماعية ضيقة، وقد أدّت التفاعلات السياسية التي حدثت في العقد الماضي إلى حروب أهلية مدمّرة.
إعلانتريد إسرائيل مكانًا آمنًا في الشرق الأوسط، وفي سبيل ذلك فقد بنت إستراتيجيتها على ثلاثة مبادئ: "الردع، الإنذار المبكر، والنصر الحاسم" كما يرى الباحث الإسرائيلي أسّاف أوريون في مقال له على فورين بوليسي. لطالما استخدمت إسرائيل سجلها من الانتصارات الحاسمة في ردع خصومها، وكانت تضرب الصغير ضربة يخرّ لها قلب الكبير، كما هو قانون "عنترة" في الصراع.
من خلال آلتها العسكرية المتقدمة حرصت على تحقيق انتصارات حاسمة داخل أراضي العدو، بعيدًا عن الحدود. ذلك ما جعلها تبدو وكأنها حقيقة جيوسياسية نهائية في الشرق الأدنى، وليست كيانًا استيطانيًّا في منطقة غير مستقرة في المجمل.
غير أنها مع نهاية معاركها تقف على حقائق جديدة، غالبًا أكثر تعقيدًا. كلما تعقدت المسائل أمام إسرائيل وعدتها أميركا بالكأس المقدسة، وتلك الكأس تأخذ في كل مرّة شكلًا واسمًا. كانت "مصر"- التي يتدرب جيشها على غزو إسرائيل كما يقول مراسل القناة 14- هي تلك الكأس الغالية قبل أربعة عقود.
من الحقائق الجديدة التي وقفت عليها إسرائيل بُعيد انهيار نظام الأسد أن إيران المحشورة في الزاوية، كما حذرت جيروزاليم بوست، قد تلجأ إلى تسريع برنامجها النووي بوصفه الحصن الأخير بعد انهيار كل الحصون. إن نجحت إيران في ذلك المسعى فعلى الإسرائيليين أن يهاجروا، كما يذهب تقريرٌ متشائم لصحيفة يديعوت أحرنوت.
يشبه الحال – بالنسبة لإستراتيجية الأمن الإسرائيلية- لعبة الدمى الروسية، الماتريوشكا، كلما نزع اللاعب مجسمًا وجد تحته آخر. في الواقع ثمّة كأس مقدسة، سهلة ويمكن تخيّلها: الدولة الفلسطينية. غير أن إسرائيل، ومن ورائها العلمانية الغربية التوراتية، اختارت طريق النيران.
الأمم لا تذهب إلى الاستقرار عبر المذابح. جربت أميركا ذلك الطريق مرارًا وفشلت فيه. وكان عليها، وهي تلعب دور الأم، أن تنقل إلى إسرائيل ما تحتاجه الأخيرة من العظة والعبرة. أو على الأقل أن تكشف لها عن نوع من "الحب القاسي"، وفقًا للنصيحة التي قدمها توماس فريدمان عبر صحيفة نيويورك تايمز في العام الماضي.
إعلانالآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية