صالح القحم
تمثل المعركة الحالية بين الحق والباطل سباقًا حاسمًا ليس فقط للمسلمين، بل لكل من يسعى للعدالة والحرية. فالصراع لا يقتصر على أرض فلسطين فحسب، بل يمثل أبعادًا عالمية تهدف إلى الهيمنة والاستغلال. يواجه المسلمون تحديات مُستمرّة تتطلب الوحدة والتضامن لمواجهة قوى الكفر والنفاق. إن التصدي للظلم يتطلب من الأُمَّــة الإسلامية استعادة الوعي التاريخي والقيمي في ذلك السياق.
تظل المقاومة الإسلامية رمزًا لعزم الشعوب على مواجهة الاحتلال والظلم. يعكس فكر المقاومة الإرادَة الشعبيّة والتمسك بالحقوق المشروعة في مواجهة الكيان الإسرائيلي. يجسد العديد من رجال المقاومة الشجاعة والتضحية، ما يجعل منهم روادًا للشرف والعزة. تصب جهود المقاومة في تعزيز الهُــوِيَّة الوطنية وتوثيق الروابط بين الأجيال المختلفة. في خضم التصعيد، يأتي دور أهل المقاومة كحجر زاوية تحافظ على روح الانتفاضة.
قدَّم رجال المقاومة في غزة ولبنان تضحيات استثنائية في سبيل تحرير الأرض وحماية المقدسات. شجاعة هؤلاء الأبطال تذكرنا بأن الحرية تتطلب ثمنًا، وأن ثباتهم في مواجهة التحديات يعد شرفًا عظيمًا. سجلات الشهادة تروي قصص المجاهدين الذين اختاروا المضي قدمًا رغم صعوبة الظروف. يعمل هؤلاء الأبطال بلا هوادة لتحقيق هدفهم الأسمى في التحرير والاستقلال. ولقد تجسدت قيم الشجاعة والفداء في سلوكهم، مما جذب أنظار العالم إلى قضيتهم.
يعتبر السيد حسن نصر الله من أبرز القادة الذين لعبوا دورًا حيويًّا في نصرة القضية الفلسطينية. فقد قدّم نفسه شهيدًا في سبيل الله، مؤكّـداً التزامه بقضية الأُمَّــة. يمثل نضاله في سياق المقاومة تجسيدًا لمبادئ الإسلام وعزائم المؤمنين. تتعدى جهود نصر الله حدود لبنان، موجهًا رسالة قوية لكل الأُمَّــة الإسلامية حول أهميّة التضامن في مواجهة الكيان المحتلّ. هذا الدور القوي يعكس رؤية جماعية يمكن أن تشكل محورًا للتغيير في العالم العربي.
يبدو أن السبات الذي تعاني منه الدول العربية قد أثّر سلبًا على موقفها من القضية الفلسطينية. تراجع الدعم العربي للمقاومة يعكس فشلًا في تأدية الواجب التاريخي تجاه قضيتهم. رغم الأزمات المُستمرّة، نتمنى أن تستفيق الأُمَّــة العربية من غفوتها لتستعيد دورها المحوري. التخاذل العربي يجعل الأُمَّــة عُرضة للتحديات، وينبغي أن يدفعنا ذلك إلى إعادة النظر في استراتيجيتنا ونسج علاقات جديدة. إن تخاذل بعض الدول الإسلامية يعتبر جرحًا عميقًا في جسم الأُمَّــة يجب معالجته.
تعتبر إيران واحدة من الدول التي دعمت المقاومة الإسلامية من خلال تقديم الدعم العسكري واللوجستي. يظهر تاريخ الدعم الإيراني قدرة البلاد على اتِّخاذ مواقف استراتيجية تجاه القضية الفلسطينية. إن هذا التآزر يسمح بتعزيز القدرات القتالية لرجال المقاومة، مما يساعدهم في مواجهة الاحتلال. يُعد دعم إيران رسالة واضحة بأن هناك قوى حية تسعى إلى نصرة الحق. هذه الشراكة تُظهر أَيْـضاً كيف يمكن للأُمَّـة الإسلامية أن تتشارك الجهود لتحقيق الأهداف المشتركة.
تواجه الأُمَّــة الإسلامية تحديات جسيمة تتمثل في تحالف القوى العالمية ضدها. يسعى الكثيرون إلى تشويه صورة الإسلام ونشر الفتنة بين الشعوب. من الضروري أن نفهم أن هذه التحديات ليست فردية، بل تتطلب تضافر الجهود بين المسلمين. التحديات الحالية تمثل فرصًا لتأكيد الوحدة بين الصفوف وتقديم نموذج قوي للمقاومة. يستوجب ذلك أَيْـضاً على كُـلّ مسلم أن يتحمل مسؤوليته في مواجهة الأفكار الهدامة وعدم السكوت على الظلم.
يجب على المسلمين أن يتحدوا لمواجهة الأعداء الذين يسعون لتفكيك وحدتهم. إن توحيد الصفوف وتعزيز التعاون بين الدول الإسلامية هو السبيل الوحيد لتحقيق التغيير الحقيقي. يمكن أن تؤدي الوحدة إلى استثمار القدرات المتاحة وتحقيق الأهداف المشروعة. في خضم التحديات الحالية، تأتي الدعوة لوحدة المسلمين كنداء يجب أن يُسمع على أعلى المستويات. عندما يتحد المسلمون، فَــإنَّهم قادرون على أن يغيروا المعادلات على الأرض ويصنعوا الفارق التاريخي.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: فی مواجهة
إقرأ أيضاً:
رداً على فتاوى التخذيل .. الجهاد إيمان وعزيمة لا ميزان قوى، أو معادلة رياضية تقاس بعدد الدبابات والطائرات
يمانيون ـ مبارك حزام العسالي*
يا دار الإفتاء “المصرية”، بوركت جهودكم في التنظير والتفصيل، كأنكم تجلسون على شواطئ النيل تتأملون خريطة العالم! فبدلًا من أن تكونوا “دار فتوى” للمستضعفين، أصبحتم “دار تخذيل” للمؤمنين.
تتحدثون عن “مفهوم شرعي دقيق” للجهاد وشروط وأركان، وكأن نصرة المسلمين المحاصرين في غزة تحتاج إلى تأشيرة دخول وقواعد بيانات!
عجيب أمركم، تستنبطون من الشريعة ما يخدم “أمن المجتمعات واستقرار الدول الإسلامية” قبل أن يخدم “أمن واستقرار” إخواننا الذين تُقطع أوصالهم..!
وتؤكدون أن دعم الفلسطينيين “واجب شرعي وإنساني وأخلاقي”، ولكن بشرط أن يكون “في إطار ما يحقق مصلحة الشعب الفلسطيني”! يا له من قيد ذهبي..!
وهل مصلحة الشعب الفلسطيني الآن هي البقاء تحت القصف والحصار حتى يرضى عنهم المحتل؟!
يبدو أن “مصلحة الفلسطينيين” في نظركم هي عدم إغضاب الكيان الغاصب وحلفائه! أهكذا تُقاس المصالح؟!
أما عن “راية الدولة الشرعية والقيادة السياسية”، فنذكركم أن هذه “الراية” غائبة أو مغيبة في كثير من بقاع أمتنا، أو أنها مشغولة بـ”استقرارها” أكثر من انشغالها بتحرير المقدسات. وحتى في غياب هذه الراية الواضحة لنصرة الحق، فإن ذلك لا يعفي الأفراد والجماعات من مسؤولية نصرة المظلومين بكل الوسائل المتاحة والمستطاعة.
فهل ننتظر إذًا حتى تجتمع “القيادات السياسية” على مائدة المفاوضات مع المحتل ليعلنوا “الجهاد”؟!
يا له من جهاد مبارك مؤجل إلى يوم غير معلوم!
وتقولون “الدعوة إلى الجهاد دون مراعاة لقدرات الأمة وواقعها السياسي والعسكري والاقتصادي -هي دعوة غير مسؤولة”!
نسيتم أو تناسيتم قول الحق تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ﴾ [الأنفال: 65].
فالله تعالى يحث على القتال ويعد بالنصر حتى مع قلة العدد، لأن المعيار الحقيقي ليس في ميزان القوى المادي وحده.
فالجهاد يا سادة الإفتاء ليس معادلة رياضية تقاس بعدد الدبابات والطائرات؛ إنه إيمان بالله، ونصرة للحق، ورفض للظلم، ولو بأضعف الإمكانيات؛ التحريض على القتال ليس دعوة إلى “مغامرات غير محسوبة”، بل هو إيقاظ للضمائر النائمة، وبث لروح العزة في أمة خارت قواها تحت وطأة التخاذل! وكما قال تعالى: ﴿فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ [النساء: 76]، فبالإيمان الحق يمكن للمؤمنين أن يتغلبوا على كيد الأعداء مهما بلغت قوتهم الظاهرية.
أما عن “من يدعو إلى الجهاد يجب عليه أولًا أن يتقدم الصفوف بنفسه”، فنقول: وهل قادة الأمة الذين تتحدثون عنهم قد تقدموا الصفوف للدفاع عن كرامة الأمة وحقوقها المسلوبة..؟!
بدلًا من مطالبة الداعين بالتقدم، طالبوا القادة بالتحرك..
وأخيرًا، نصيحتكم بـ”توجيه جهود الأمة نحو العمل الجاد من أجل إيقاف التصعيد ومنع التهجير” تبدو كمن ينصح الغريق بعدم البلل؛ وهل إيقاف التصعيد والتهجير سيتحقق بالتنديد والشجب والبيانات، أم بالقوة التي تردع الظالم وتمنعه من التمادي في غيه؟!
وكما قال تعالى: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 249]، فالعبرة ليست بالكثرة العددية أو القوة المادية، بل بنصر الله وتأييده للصابرين والمجاهدين.
ونحن اليمنيون من موقعنا التاريخي والجغرافي والديمغرافي الذي اختارنا الله أن نكون فيه لأمراً أراده، ونرى أن نصرة غزة من أوامر الله، ويتردد صدى القول المأثور: “إذا وضعك الله في مكان تستطيع من خلاله نصرة المظلومين فكن لائقاً بالمكان الذي وضعك الله فيه.. وكن درعاً للمظلومين وسيفاً مسلطاً على الظالمين وحقق عدالة الله في الأرض”. فاليمن، رغم التحديات الكبيرة والصعاب والعقبات والخذلان ممن حوله، بل الخيانة التي تجلت في أنصع صورها خلال العدوان الأمريكي المستمر عليه حتى لحظة كتابة هذه السطور، يجسد هذا المعنى بكل إباء وشموخ، مقدمًا أغلى التضحيات ليكون درعًا لإخوانه في غزة وسيفًا في وجه العدوان الإسرائيلي، مؤكدًا بذلك أنه جدير بهذا الموقف المشرف الذي اختاره لنفسه -بصدق النية والتوكل على الله- في سبيل تحقيق العدل الإلهي ونصرة الحق، واختاره الله في هذا المكان لمثل هذه الأيام.
ختامًا: إن “الحكمة والمقاصد الشرعية” الحقيقية تقتضي نصرة المظلوم بكل ما أوتينا من قوة، ولو كانت قليلة في نظركم؛ فالله ينصر من نصره، ولا ينظر إلى قلة العدد والعتاد، بل إلى صدق النية وعزيمة الإيمان؛ فليتق الله كل امرئ وليراجع فتاواه في ميزان الحق والعدل؛
والله المستعان على ما تصفون.
• المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب