لجريدة عمان:
2024-10-07@20:32:44 GMT

تعزيز إيرادات الشركات عبر التوريد الاستراتيجي

تاريخ النشر: 7th, October 2024 GMT

تُعاد صياغة معايير قطاع الأعمال بوتيرة غير مسبوقة لم يشهدها العالم من قبل. ومع ذلك، ما تزال بعض الشركات تنظر إلى التوريد باعتباره وسيلة لخفض التكاليف فحسب، متجاهلة الصورة الأكبر ودور التوريد في تعزيز الابتكار وتحقيق النمو المستدام.

لا شك في أن الشركات تسعى دائماً إلى تحقيق وفورات في التكاليف، لكن التوريد الاستراتيجي يتجاوز هذا الهدف بكثير؛ فالمسألة تتعلق بالاستفادة من سلسلة التوريد لتعزيز الابتكار، وتحسين المرونة، ومواءمة أعمال الشركة مع أهداف الاستدامة، مما يؤدي إلى تحقيق نمو حقيقي ومستدام في الإيرادات.

تُفوّت العديد من الشركات فرصاً سانحة للنمو؛ لأنها تركّز على الجوانب التقليدية. إنها لا تدرك في الغالب أن التوريد يمكن أن يكون محرّكاً لنمو الإيرادات، وليس مجرد وسيلة لتقليل التكاليف. نسرد أدناه ثلاثة أمثلة من شركات بارزة تمكنت من صياغة استراتيجيات مبتكرة للتوريد لتنتقل إلى مستويات نجاح باهرة.

الموردون ليسوا مجرّد باعة، بل هم شركاء في الابتكار

على مدى سنوات طويلة اعتادت الشركات التعامل مع الموردين كما لو كانوا مجرد آلات بيع، يُضغط على المنتج المطلوب فتخرجه للزبون. غير أن هذا النهج يغفل جانباً أكثر أهمية وقيمة، وهو أن الموردين لديهم إمكانيات ابتكار كبيرة، وقد تسهم في تطوير أعمال الشركة وتدفعها نحو آفاق جديدة.

نشرت دورية هارفارد بيزنس ريفيو في عام 2006 دراسة حالة لشركة بروكتر آند غامبل. أدركت الشركة المذكورة أن مورديها يمثلون منجماً زاخراً بالأفكار المبتكرة. على إثر ذلك، شرعت الشركة في التعاون مع هؤلاء الموردين باعتبارهم شركاءً في الابتكار، وليس مجرد مزودي منتجات. أسست الشركة برنامج "التواصل والتطوير" الذي سعت من خلاله إلى التعاون بفعالية مع مورديها في ابتكار منتجات جديدة وتحسين المنتجات القائمة. وقد أثمر هذا النهج عن إطلاق منتجات شهيرة مثل سويفر وفيبريز، اللذان أسهما إلى حد بعيد في زيادة الإيرادات. وقد ابتكر منتج سويفر وحده فئة جديدة بالكامل من منتجات التنظيف في السوق بقيمة مليار دولار، لم تكن موجودة من قبل.

يمكن للشركات أن تحقق استفادة كبرى من معرفة مورديها واستكشاف ابتكاراتهم وتقنياتهم إذا ما تعاملت معهم باعتبارهم شركاء حقيقيين، لا مجرد موردين؛ إذ كثيراً ما يكون لدى الموردين أفكار تحقق طفرة في المبيعات، لكن الشركات لن تدرك ذلك إذا انصبّ جلّ تركيزها على خفض التكاليف، بدلاً من الاستفادة من إمكانيات الموردين الإبداعية.

الابتكار ليس حكراً على ما ينتجه موظفو الشركة؛ فالشركات - عبر تعاونها مع الموردين - تتمكن من الوصول إلى أفكار وتقنيات وقدرات جديدة تمنحها ميزة تنافسية في السوق، وتساعدها على تسريع ابتكار منتجات جديدة. وكلما تسارعت وتيرة الابتكار، ازدادت فرص الاستحواذ على حصة أكبر من السوق، مما يؤدي إلى زيادة الإيرادات وفتح آفاق جديدة للنمو.

المرونة هي السبق لمن يستجيب أولاً

قد تُعيق عمليات الشراء البطيئة والتقليدية نمو الشركات وتقدمها. فعندما يكون فريق التوريد في الشركة قليل الكفاءة، فإن الشركة تفوّت فرصاً عديدة، وقد تتأخر أمام منافسيها الذين يتسمون بالمرونة وسرعة الاستجابة، مما ينجم عنه خسارة حصة في السوق.

حوّلت شركة زارا، وهي إحدى شركات التجزئة العالمية في مجال الأزياء، التوريد إلى فن أتقنته بإبداع، مما عزز نموذج أعمالها على نحو مباشر. إن قدرة الشركة على تعديل سلسلة التوريد بسرعة تتيح لها إدخال تصاميم جديدة إلى متاجرها خلال أسابيع قليلة، مقارنةً بأشهر يحتاجها منافسوها. وتُظهر الأبحاث (هارفارد بزنس ريفيو 2004 وفوربس 2013 وغيرها) أن استراتيجية زارا في التوريد لا تقتصر على خفض التكاليف فحسب، بل تقوم على مرونة فائقة في التوريد، وسرعة إيصال المنتجات إلى السوق في الوقت المناسب، والبقاء في طليعة التوجهات. هذه المرونة سمحت لزارا بالنمو لتصبح إمبراطورية تبلغ قيمتها 20 مليار دولار في صناعة شديدة التنافسية.

يكمن سر نجاح زارا في نظام توريد متكامل وسريع الاستجابة، يمكّن الشركة من التكيف مع تغيرات الطلب بين عشية وضحاها. فقد نجحت في تبسيط عملياتها على نحو دقيق، إذ يمكنها تعديل مخزونها بناءً على ملاحظات العملاء في الوقت الفعلي تقريباً. وبهذا النموذج، تستطيع الشركات تحويل التوريد من مجرد عملية تقليدية إلى آلة فعّالة تُسهم في زيادة الإيرادات وتنمية الأعمال على نحو مستدام.

عندما تكون عمليات التوريد سريعة ومرنة، تتمكن الشركات من تلبية الطلبات بكفاءة أكبر، وتسريع إطلاق المنتجات، واغتنام الفرص فور ظهورها. وكلما زادت سرعة تكيف الشركة، زادت قدرتها على تحقيق الإيرادات. وفي قطاعات مثل البيع بالتجزئة والتقنية والتصنيع، تشكل السرعة العامل الحاسم بين أن تكون الشركة رائدة في السوق أو أن تصبح اسماً منسياً.

الاستدامة هي ربح يحمل غاية

يُنظر إلى الاستدامة - في كثير من الأحيان - على أنها مجرد كلمة طنانة. لكن الواقع يُظهر أن الناس يولونها اهتماماً متزايداً أكثر من أي وقت مضى. وإذا لم تدرك الشركات هذا التوجه، فإنها لا ترتكب خطأ أخلاقياً فقط، بل خطأ مالياً فادحاً قد يكلفها خسارة فرص كبيرة للنمو والربح.

لم تقتصر شركة يونيليفر، وهي عملاق عالمي في السلع الاستهلاكية، على تبني الاستدامة لتعزيز صورتها العامة فقط، بل دمجتها في جميع مراحل سلسلة التوريد (انظر خطة "يونيليفر لحياة مستدامة" 2010 - 2020). تبدأ الخطة من حصول الشركة على المواد الخام وصولاً إلى التعاون مع الموردين الذين يتبعون ممارسات عمل أخلاقية، مما أدى إلى تعزيز ولاء العملاء وزيادة إيرادات الشركة. ومن أبرز الأمثلة على نجاح هذا النهج هو نمو علامات يونيليفر التجارية المستدامة مثل Dove وBen & Jerry’s، التي نمت 69% أسرع من بقية علامات الشركة، وأسهمت بـ 75% من نموها الإجمالي (إيدي 2019).

تقدم الاستدامة عوائد مالية حقيقية، إلى جانب كونها نهجاً يجلب رضا المستهلكين، فهؤلاء اليوم على استعداد لدفع مبالغ أكبر مقابل العلامات التجارية التي تعكس قيمهم. وقد استفادت يونيليفر من هذا التحول في خيارات المستهلكين. وتتجلى الاستدامة في التوريد من خلال اختيار الموردين الذين يلتزمون بالممارسات الأخلاقية، ويقللون أثرهم البيئي، ويحسّنون ظروف العمل. وبهذا، تساهم الاستدامة في خلق سلسلة توريد مسؤولة ومرنة في الوقت ذاته، قادرة على التكيف مع متطلبات السوق والتوجهات المستقبلية.

عند مواءمة استراتيجية التوريد مع الاستدامة، تتمكن الشركات من جذب شريحة متزايدة من المستهلكين المهتمين بالبيئة، الذين يكونون مستعدين لزيادة إنفاقهم على العلامات التجارية التي تلتزم بالأخلاقيات البيئية. علاوة على ذلك، تفتح التوريد المستدامة أبواباً لأسواق جديدة، وتساعد الشركات في كسب ثقة المستثمرين، وتمنحها ميزة تنافسية أمام منافسيها. كل هذه العوامل تسهم في دفع نمو الإيرادات على المدى الطويل، وتضع الشركات في موقع أفضل لمواجهة تحديات المستقبل.

التوريد الاستراتيجي: الرؤية الشاملة

لقد شهد دور التوريد تحولاً كبيراً مع مرور الوقت؛ فلم يعد يقتصر على الحصول على صفقة أفضل أو تقليص التكاليف؛ فقد أثبتت شركات مثل بروكتر آند غامبل وزارا ويونيليفر كيف أن استراتيجية التوريد يمكن أن تصبح رافداً يعزز الابتكار ويسرّع الأداء ويفتح أسواقاً جديدة عبر تبني ممارسات مستدامة. هذه الشركات تمثل نماذج رائدة لكيف يستخدم التوريد أداة فعالة لدفع النمو والتميز في الأسواق التنافسية.

عندما يركز التوريد على خفض تكاليف الموردين فقط، فإن الشركات تقيد إمكانياتها، وتحد مما يمكن أن تقدمه لأعمالها التجارية. ولكن عندما تنفتح هذه الشركات على الإمكانات الواسعة للتوريد الاستراتيجي، فإنها ستدرك أنه يمثل رافعة رئيسة للنمو. إن الأمر يتجاوز تقليص النفقات ليغدو مرتبطاً بتهيئة الشركات للنمو في عالم يزداد تعقيداً وتنافسية، مما يضمن قدرتها على التكيف والاستمرارية.

إذن ما الذي يعوق نمو الشركات العمانية؟ أما زالت تعمل وفق افتراض قديم بأن التوريد مجرد عملية روتينية لخفض التكاليف؟ أم أنها مستعدة لترى التوريد كما غدا اليوم؛ أي أداة قوية لرفع الإيرادات والنمو؟ إن الشركات العُمانية التي تتمكن من النظر في رؤيتها وتطور أساليب توريدها هي التي ستقود قاطرة الابتكار والنجاح، وستكون نموذجاً يُحتذى به في مسار تطور الاقتصاد العُماني في المستقبل.

في ظل التوسع السريع الذي يشهده الاقتصاد العُماني، يصبح التوريد أكثر من مجرد وسيلة لخفض التكاليف؛ إذ إنه يتمحور حول إضافة قيمة حقيقية من خلال تعزيز الابتكار وتبسيط العمليات والتكيف مع احتياجات العملاء المتغيرة دوماً. ومن خلال تغيير نظرتها حول التوريد، ستتمكن الشركات العُمانية من تعزيز مكانتها في السوق والارتقاء بأدائها إلى آفاق جديدة، مما يفتح أمامها فرصاً أوسع للنمو والتميز.

• حمد سنان الغيثي كاتب ومترجم عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی السوق من خلال

إقرأ أيضاً:

دبي تستضيف القمة العالمية للتجارة وسلسلة التوريد

تستضيف دبي غداً الثلاثاء الدورة الرابعة من القمة العالمية للتجارة وسلسلة التوريد، التي تنظمها مؤسسة "إيكونوميست إمباكت" بالتعاون مع أكاديمية الاقتصاد الجديد، لمدة يومين وبمشاركة 500 من القيادات وصناع السياسات في التجارة والتوريد، وخبراء ومحللين عالميين وممثلين عن الأمم المتحدة، لمناقشة وتشكيل مستقبل التجارة العالمية.

ستستعرض القمة سبل تعزيز مرونة التجارة العالمية، وتبحث في العلاقة الأساسية بين الاستدامة وسلاسل التوريد، بالإضافة إلى مناقشة تأثيرات الجغرافيا السياسية، واضطرابات سلسلة التوريد، وتحديات الاستدامة وارتفاع تكلفة البضائع.
وتغطي القمة مجموعة متنوعة من المواضيع مثل السياسة والعولمة الجديدة، والتجارة المدعومة بالتكنولوجيا، والابتكار والذكاء الاصطناعي، والمخاطر والمرونة، بالإضافة إلى بناء سلاسل التوريد المستدامة.
وتهدف القمة إلى تحول نوعي في تحسين كفاءة سلاسل التوريد وتبني الابتكار الرقمي لتعزيز استدامتها، كما ستستكشف الحلول المبتكرة والتقنيات المتقدمة التي تسهم في مرونة سلاسل التوريد ،وتحقيق استدامة طويلة الأمد في التجارة الدولية.
وسيشارك فيها عدد من المتحدثين البارزين مثل الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي، وزير الدولة للتجارة الخارجية، وجوانا هيل، نائب مدير عام منظمة التجارة العالمية، بالإضافة إلى عدد من الخبراء والمتخصصين.
ستتناول جلسات اليوم الأول، إعادة تصور العولمة في الأزمات، وقدرة الذكاء الاصطناعي التوليدي على إحداث نقلة نوعية في عمليات الشراء وسلاسل التوريد، وتعزيز المرونة في مواجهة تقلبات المناخ.
وفي اليوم الثاني، تمويل مستقبل التجارة المستدامة، وتطوير مهارات العاملين في سلاسل التوريد في عصر الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى استراتيجيات التجارة الرقمية في إفريقيا.

مقالات مشابهة

  • إي آند مصر: الجيل الخامس يتماشى مع تحول الشركة إلى مجموعة تكنولوجية متكاملة
  • تقرير أومديا يكرم إريكسون لدورها في سوق الموردين الأساسيين لعام 2024
  • "اكتتاب أوكيو".. تعزيز للاستثمار وتنويع للاقتصاد
  • دبي تستضيف القمة العالمية للتجارة وسلسلة التوريد
  • إيرادات أفلام موسم الصيف.. تنافس مثير في دور العرض السينمائي وعاشق يتصدر الإيرادات
  • “عبدالقادر” و”خليل” يبحثان تعزيز التعاون لتطوير التعليم وفق احتياجات السوق
  • خالد بن محمد بن زايد: تعزيز التعاون مع الشركات النرويجية يفتح آفاقاً جديدة من النمو الاقتصادي
  • تقلبات الدولار: رحلة جديدة أمام الجنيه المصري
  • سوق الذهب المصري: استقرار الأسعار يفتح آفاق جديدة للمستثمرين والمشترين