لجريدة عمان:
2025-03-12@11:26:55 GMT

عام من أمواج طوفان الأقصى العاتية

تاريخ النشر: 7th, October 2024 GMT

7 أكتوبر 2024م.. حال حولٌ على انطلاق طوفان الأقصى، لم تَدَعْ فيه إسرائيل طريقاً للقتل لم تسلكه؛ من الإبادة الجماعية إلى الاغتيالات، ومن الضربات الجوية إلى الاجتياح البري، راح ضحيتها 42 ألف شهيد ومائة ألف مصاب، ودُمرت غزة وشُطرت شطرين: فوق الأرض تحكمه الطائرات والدبابات الإسرائيلية، وتحت الأرض تحكمه مدافع وصواريخ المقاومة، والضفة الغربية لم تسلم من العدوان، ولبنان تئن تحت القصف الجوي.

إن أحرار العالم محمّلون بعاطفة جياشة وغضب نفسي تجاه ما يحدث، إلا أنه ينبغي عزل عواطفنا لنتمكن من رؤية الصورة واضحة. بعد أن رأينا القتل والدمار متواصلاً طيلة 365 يوماً، أؤكد على ما كتبتُه بعد مائة يوم من بدء الطوفان: (ومع أن المقاومة لا تؤمن إلا بالنصر أو الشهادة في سبيل تحرير شعبها؛ مهما كانت التضحيات، لكن بظني؛ لو كان في حساب قادة حماس حجم الكارثة التي ستقع على شعبهم؛ لأعادوا النظر في آلية تنفيذ الطوفان وتوقيته والاستعداد لعواقبه).

بعيداً عن الاعتبارات السياسية والسجالات العسكرية، وخط التحرر وما تراق من دماء في سبيله، فإن ما حصل تنوء بحمله نفوس أولي العزم، وعلى خط المواجهة أن يعيد حساباته، ويغيّر خططه، ويؤمِّن جبهاته، وعلى حزب الله أن يرتب أوراقه بعيداً عن أعين الخيانة. ولا عجلة في تحقيق النصر، فساعة التحرر لابد أن تأخذ وقتها، وأن يحسب للأوضاع الدولية حسابها.

طوفان الأقصى.. تمكّن من إيصال حقيقة القضية الفلسطينية للعالم، فأصبح يعرف معاناة الفلسطينيين وحقوقهم كما يعرف الظلم الصهيوني وطغيانه، وأن هناك مقاومة تناضل من أجل حقوق شعبها، ولولا أن أمريكا تقف وراء إسرائيل لأصبحت منبوذة دولياً آيلةً للتفكك. إن الخسارة السياسية التي أصابتها لا تستطيع أن تعالجها لأجيال، هذا إن لم تتواصل التداعيات عليها، فالحرب لا زالت تدور رحاها والأرض تموج تحتها. بيد أنها خسارة لم تكشف حتى الآن عن مآل إسرائيل، فعلى الرغم من الاختلافات الداخلية في إدارة الحكومة، والمظاهرات التي شهدتها تل أبيب لإيقاف الحرب مقابل إطلاق سراح الأسرى، لم يصل ذلك إلى إسقاط الحكومة، فضلاً أن يتغيّر مزاج الشعب الإسرائيلي اتجاه المشروع الصهيوني. والإسرائيليون.. لم يخرجوا ضد حكومتهم لإيقاف الحرب عن الفلسطينيين، وإنما لعجزها عن تحرير الأسرى، وهم ينتظرون توقف الحرب لتعود حياتهم إلى مجاريها المعتادة، والحرب سجال لم تصمت طلقتها الأخيرة.

طوفان الأقصى.. كشف عن توغل الاستخبارات الإسرائيلية في المنطقة، بما فيها محور المقاومة وإيران. لقد تمكنت إسرائيل من تنفيذ عمليات استخباراتية قاتلة، منها: اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنيّة في إيران، واغتيال قيادييها صالح العاروري وسعيد عطا الله في لبنان، والتفجيرات الواسعة لأجهزة البيجر والاتصال اللاسلكي، واغتيال قيادات من حزب الله؛ منهم: فؤاد شكر وإبراهيم عقيل، وحسن نصر الله أمين عام الحزب، والعميد الإيراني عباس نيلفروشان مسؤول ملف لبنان في فيلق القدس بالحرس الثوري، واحتمال اغتيال هاشم صفي الدين. هذا الاختراق لم يقابله اختراق من قِبَل خط المواجهة في جبهة العدو، اللهم إلا العملية النوعية التي انطلقت منها حماس في 7 أكتوبر 2023م، لكن الأيام كشفت أيضاً بأن حماس أكثر حصانة أمنية من المتوقع في هذه الظروف.

إسرائيل.. بالإضافة إلى اختراقها إيران أمنياً، اتبعت معها خطة عسكرية؛ يمكن تسميتها بـ«القط المتوثب»، حيث تقوم بعملية نوعية، ثم تنتظر رد الفعل الإيراني، فإن كان دون توقعها ضَرَبَتها بمخلبها مرة أخرى. وتأخر الرد الإيراني جعل إسرائيل تتمادى في صلفها، وتواصل عملياتها التدميرية من فلسطين ولبنان حتى اليمن والعراق، وهذا أمر منهك لجبهات المقاومة وإيران، وما قامت به إيران من هجمات في السابق لم يؤدِ إلى جزِّ مخلب القط الصهيوني، مما أظهر أن هذه الخطة سياسة ناجعة للتفوق الإسرائيلي. والسؤال: هل الهجوم الصاروخي الكثيف الذي وجهته إيران إلى القواعد الإسرائيلية العسكرية الأسبوع الماضي سيبطل سحر «القط المتوثب»؟

بالحسابات العسكرية.. فعلاً تأخر الرد الإيراني بالنظر للحرب وهي مشتعلة، لكن علينا أن ننظر إلى التداعيات التي يمكن أن تؤول إليها الأحداث، والأوضاع الدولية، والدعم الأمريكي والغربي لإسرائيل.. بل علينا أن ننظر إلى داخل البيت السياسي الإيراني، فإيران كأي دولة ذات مؤسسات تتعدد فيها وجهات النظر في موقفها من الحرب ودعم المقاومة، كما تتباين الخطط المقترحة للرد. لكن هذا التأخر هو «الفراغ» الذي استغلته إسرائيل لتوجيه ضرباتها المتلاحقة إلى حزب الله، كما أنه لوحظ مؤخراً من تصريحات الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان؛ أن بلاده تميل إلى معالجة الملف الغربي بخفض تصعيد التوتر بالمنطقة، وهذا ما اعتبرته إسرائيل ضعفاً إيرانياً، متناسيةً أن إيران تتعامل مع الأوضاع بمنطق الدولة، لا بمنطق الكيانات التي تخشى زوالها، مع ذلك يستوجب الوضع على إيران مواصلة عملياتها الرادعة للكيان الصهيوني، وبطؤها في الرد يعني استمرار إسرائيل في خطة «القط المتوثب». وبحسب تصريح المرشد الإيراني علي خامنئي في خطبة الجمعة الماضية.. فإن إيران مستعدة للرد على الاعتداءات الإسرائيلية عليها دون تصعيد الصراع، ولكن هل إسرائيل تلتزم بعدم الصعيد؟

عام كامل.. فيه استبان عدم قدرة حكّام المسلمين على اتخاذ قرار يشهد لهم -عبر التأريخ- بأنهم كفّوا أيدي الصهاينة عن إجرامهم. وفيه التزم العرب بموقفهم القديم «حل الدولتين»، ولا يزالون ينادون بإقامة دولة فلسطينية مستقلة بحدود 1967م عاصمتها القدس الشرقية، فتجنبوا الدخول في الحرب. كما أن الطوفان كشف عن مقدار وهن السلطة الفلسطينية، فهي غائبة، وعندما تحضر فلتأكيد عدم قدرتها على رفع المعاناة عن الفلسطينيين.

رغم مرور عام على الطوفان إلا أنه من المبكر القول بأن هناك تغيّراً في الخارطة الجيوسياسية الدولية. فالصين.. التي أبدت تعاطفاً مع القضية الفلسطينية، لا يمكن حساب تعاطفها إلا من باب المناكفة الاقتصادية مع أمريكا، ولا يظهر منها تحول حقيقي تجاه القضية. والأمر ذاته؛ يمكن أن يقرأ من الموقف الروسي، فروسيا.. مشغولة بحربها مع الغرب على الساحة الأوكرانية، وليس بمقدورها فتح جبهة جديدة معهم، وربما لا تريد.

طوفان الأقصى.. فضح المنظومة الأخلاقية العالمية، فقد عجزت عن وقف أسوأ جريمة شهدها زماننا. وأكد على أن السقوط الأخلاقي متواصل في النظام الرأسمالي، وما الليبرالية إلا دعاوى سياسية، وأنه لم يعد لهذه المنظومة مرجعية فلسفية، ولم نرَ طيلة عام أي حراك فلسفي ليبرالي مناهضاً لجرائم الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل والغرب، رغم أن حراكاً طلابياً وشعبياً مندداً بها عمّ الغرب. وأكد الطوفان كذلك على عجز الأمم المتحدة عن القيام بدورها حيال المأساة في غزة، حتى إنها لم تستطع أن تحمي موظفيها ومؤسساتها الإنسانية من يد العتو الصهيوني.

الحرب.. لم تصمت مدافعها، وجبهات المقاومة صامدة، ومُصِرّة على المضي في نضالها، وإسرائيل مدعومة من الغرب تنزل بزخمها الحربي على المقاومة والشعبين الفلسطيني واللبناني. ومهما كانت النتائج.. فإن الطوفان دفع بالأوضاع خطوات نحو التحرر الفلسطيني، لكن بحسب وقائع التاريخ لا تحرر إلا بتغيّر الخارطة الجيوسياسية عالمياً ضد المحتل، ولذلك؛ ما تحتاج إليه المقاومة مع الدعم العسكري هو السند السياسي القادر على التأثير في القرار الدولي.

في ظل الأحداث المتسارعة، والسجال المتتابع بين أطراف الصراع؛ فمن المبكر الحديث عن وضع ما بعد طوفان الأقصى، ومبدئياً؛ يمكن التأكيد على أن المقاومة مستمرة، والضربات الموجعة التي أصابتها قد تكون وقوداً معنوياً لشحذ عزائمها، وإيقاف حزب الله للاجتياح البري شاهد بذلك. ومن المستبعد كذلك أن تتوقف الحرب قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: طوفان الأقصى حزب الله

إقرأ أيضاً:

لماذا لا يمكن للسلطة الفلسطينية وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل واختيار المقاومة؟

قالت مجموعة الأزمات الدولية إن الأزمة الوجودية الحادة التي تعاني منها السلطة الفلسطينية تفاقمت، ويلومها الفلسطينيون إما لضعفها في مواجهة عدوان الاحتلال أو بسبب تنسيقها الأمني معه. في حين تتهمها إسرائيل بعدم الفعالية في قمع المسلحين الفلسطينيين، وفرض الأمن على عناصر المقاومة بالضفة الغربية.

جاء ذلك في تقرير نُشر الأسبوع الماضي لكبير محللي فلسطين في مجموعة الأزمات الباحثة تهاني مصطفى بعنوان "توغلات إسرائيل في الضفة الغربية تسلط الضوء على معضلات السياسة الفلسطينية".

وقد بدأت إسرائيل عملية "الجدار الحديدي" في 21 يناير/كانون الثاني الماضي، بعد يومين فقط من دخول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حيّز التنفيذ، مما أدى إلى تصعيد عسكري واسع النطاق لقمع المقاومة المسلحة الفلسطينية في الضفة.

وتسببت عمليات الاحتلال في دمار واسع للمخيمات والمناطق الحضرية المجاورة لها بالضفة، حيث وصف السكان أحياءهم بأنها "غزة مصغرة". وأدى هذا الدمار إلى تشريد ما لا يقل عن 40 ألف شخص، في وقت يؤكد فيه الإسرائيليون أنهم لن يسمحوا بعودة هؤلاء إلى مخيماتهم، حسب ما جاء في التقرير.

الاحتلال دمر عشرات المنازل والشوارع بشكل جزئي وكامل في مخيم طولكرم (الجزيرة)

الجزيرة نت حاورت محللين وباحثين مختصين في الشؤون الفلسطينية لتسليط مزيد من الضوء على هذه القضية، وخلاصة ما وصلوا إليه يمكن إجمالها في النقاط التالية:

إعلان السلطة الفلسطينية تتحمل الجزء الأكبر مما يحدث في الضفة الغربية. السلطة لم تقدم البدائل الحقيقية لتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني، وخلقت حالة من الترهل داخل المنظومة السياسية الفلسطينية. السلطة مسؤولة عن انسداد الأفق السياسي واستمرار الانقسام الداخلي بوصفها السلطة الحاكمة والمسؤولة عن إدارة البيت الفلسطيني. تخلي السلطة عن مسؤوليتها الوطنية في قيادة الشعب نحو التحرير وإقامة الدولة يدفع الشعب نحو قوى وطنية أخرى أقدر وأجدر على حمل تطلعاته الوطنية. السلطة لا تعتمد على الشعب الفلسطيني في البقاء، فهي لا تحتاج إليه ماليا أو سياسيا، بل تحتاج إلى دعم كل من الولايات المتحدة وإسرائيل. لا يوجد في الواقع أي بديل حاليا للسلطة الفلسطينية، ورغم الاستياء الشعبي من أدائها الذي تعكسه استطلاعات الرأي فليس هناك دافع للإصلاح. السلطة واقعيا أشبه بإدارة مدنية تُعنى بشؤون الفلسطينيين تحت الاحتلال حيث توفر الخدمات البلدية والصحية والتعليمية والاقتصادية. السلطة لا تملك أي رؤية سياسية بديلة عن اتفاق أوسلو، بعد أن فقدت أوراق المفاوضات، في وقت يعمل فيه الاحتلال الإسرائيلي منهجيا على نزع الصفة السياسية عنها وتقليص دورها. السلطة ما زالت تعوّل على اتفاق أوسلو رغم أنه انتهى سياسيا وواقعيا، وهناك قرارات من الكنيست تمنع تطبيق بنوده. السلطة تتحمل مسؤولية انهيار المنظومة الأمنية أمام توحش الاحتلال وتنكيله بالفلسطينيين، وعدم الاعتراض على ذلك. السلطة تخشى مواجهة الاحتلال أو غض الطرف عن نشاط المقاومين في الضفة خوفا من فقدانها الامتيازات المادية والسلطة المكتسبة عبر ديمومة التنسيق الأمني. الوجود العسكري الإسرائيلي المتكرر في الضفة حوّل السلطة إلى شبه بلدية تتحمل الأعباء الصحية والتعليمية الثقيلة، وباقي الملفات المصيرية ذهبت لإدارة الاحتلال العسكرية. إسرائيل تنوي تحويل المخيمات في الضفة الغربية إلى "غزة مصغرة"، أي تدميرها بالكامل. ليس من الصحيح أن السلطة الفلسطينية كانت تحتكر السيطرة في الضفة، فمنذ نشأتها وهي تواجه صعوبة في فرض إرادتها على كامل الضفة، فهي كيان نشأ في الخارج أولا ثم فُرض على الفلسطينيين. يجب على السلطة أن تأخذ قرارا حاسما بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال وأن تتحول إلى مربع النضال والثورة ضد الاحتلال. يجب فصل السلطة الفلسطينية التي تقدم الخدمات للمواطنين عن منظمة التحرير الفلسطينية المعنية بتحقيق تقرير المصير.

 

تقول تهاني مصطفى -في مقابلة مع الجزيرة نت- إن السلطة الفلسطينية تتحمل جزءًا من المسؤولية عما حدث، إما من خلال تقديم بدائل محدودة جدًا لمعظم الفلسطينيين في الضفة الغربية، مثل فرص اقتصادية ضعيفة، وتدهور مستويات المعيشة، وعدم القيام بأي شيء لمحاولة التخفيف من حدة العنف في الضفة الغربية من قبل المستوطنين والجنود الإسرائيليين، وعدم الدفاع عن الفلسطينيين بشكل صحيح سياسيًا على الساحة الدولية.

إعلان

لا أعتقد أن السلطة الفلسطينية تعتمد على الفلسطينيين للبقاء، فهي لا تحتاجهم ماليًا أو سياسيًا، إنها تحتاج دعم الولايات المتحدة وإسرائيل، فهما الكيانان القويان اللذان يحددان بقاء السلطة، وهي تعرف ذلك، ورغم الاستياء الشعبي الكبير الذي عبرت عنه استطلاعات الرأي مرارًا وتكرارًا فليس لديها أي دافع للإصلاح.

ما دامت الولايات المتحدة مستمرة في توفير البقاء للسلطة، وتستمر أوروبا في تقديم الدعم، وإسرائيل تسمح لها بالبقاء، فإنها ستبقى. وهذا شيء كان واضحًا جدًا خلال 16 شهرا الماضية، فالسلطة الفلسطينية لا تريد التعامل إلا مع الأميركيين والأوروبيين.

لم يحاول قادة السلطة حتى القيام بالكثير فيما يتعلق بما يحدث في قطاع غزة أو حتى في الضفة الغربية، حتى أن الوسطاء الإقليميين مثل قطر كانوا يقولون إن المشكلة ليست أن السلطة الفلسطينية لم تُدعَ إلى طاولة المفاوضات لوقف إطلاق النار، بل لأنها ترفض الحضور.

طبيعة الاحتلال قد تغيرت، فإسرائيل لن تتحمل أي مسؤولية تجاه 5 ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية من حيث توفير الخدمات، والمجتمع الدولي لن يتمكن من القيام بذلك مباشرة، وليس هناك بديل حقيقي للسلطة الفلسطينية.

حتى الفلسطينيين لا يستطيعون تصور بديل الآن، وهو ما يعد أكبر إنقاذ للسلطة الفلسطينية، فبقاؤها بالكامل يعتمد على التنسيق الأمني، وحتى (حركة المقاومة الإسلامية) حماس تدرك أنه يجب أن يكون هناك هذا التنسيق.

السلطة الفلسطينية بشكل عام بدأت تفقد قبضتها منذ فترة طويلة، وهذا ليس لأن الفلسطينيين لا يريدونها أو لأنهم يرون بدائل، ولكن لأنها من الناحية المالية مقيدة جدًا نتيجة ممارسات الاحتلال، بالإضافة إلى الفساد الداخلي للسلطة الفلسطينية الذي يسهم في أن تفقد السلطة قبضتها.

السلطة الفلسطينية لم تكن تحتكر السيطرة على الضفة الغربية طوال الوقت، فعملها كان شاقا للغاية منذ نشأتها، فهي لم تكن كيانًا طبيعيًا نشأ في الضفة الغربية، لقد كانت شيئًا مفروضًا على الفلسطينيين من الخارج.

 

السلطة الفلسطينية تتحمّل مسؤولية كبيرة عن انهيار المنظومة الأمنية الحامية للفلسطينيين أمام توحّش الاحتلال وتنكيله بالفلسطينيين في عموم الضفة الغربية، ويعود ذلك لعدة أسباب منها:

إعلان التزامات اتفاقية أوسلو التي جعلت الأجهزة الأمنية والأمن الوطني أداة لحماية المستوطنين، وملاحقة النشطاء والمقاومين للاحتلال، بذريعة محاربة الأعمال "الإرهابية" الضارّة بالسلام ومسار المفاوضات المتوقّف منذ عام 2014. مع أن اتفاقية أوسلو انتهت سياسيا وواقعيا، فإن السلطة الفلسطينية تخشى مواجهة الاحتلال وانتهاكاته أو غض النظر عن النشطاء والمقاومين، وذلك خوفا من فقدانها الامتيازات المادية والسلطوية المكتسبة عبر ديمومة التنسيق الأمني الذي يشكّل حاجة إسرائيلية مدعومة من الولايات المتحدّة. استخدام الولاء المطلق لمنتسبي الأجهزة الأمنية في تصفية الحسابات مع المعارضين السياسيين عبر الاعتقال أو الحرمان الوظيفي أو التحييد كما حصل مع المعارض نزار بنات ابن مدينة الخليل الذي توفي بعد ساعات من اعتقاله لدى أجهزة أمن السلطة في يونيو/حزيران 2021.

خطورة ذلك أن السلطة الفلسطينية ستفقد شرعيتها في عين المواطن الفلسطيني الذي ينتظر منها الحماية أمام انتهاكات الاحتلال وعبث المستوطنين الذين وصلت بهم الجرأة إلى سرقة الأغنام وقطع أشجار الزيتون وحرق المركبات والبيوت، كما حصل في قرية حوّارة جنوب نابلس في فبراير/شباط 2023، دون أي حراك من السلطة أو دفاع من أجهزتها الأمنية.

التخلي عن المسؤولية الوطنية يُفقد السلطة أهليتها السياسية في قيادة الشعب الفلسطيني نحو التحرير وإقامة الدولة الفلسطينية، مما يدفع الشعب الفلسطيني إلى الاتجاه نحو قوى وطنية أخرى أقدر وأجدر على حمل تطلعاته الوطنية.

فكرة التنسيق الأمني مع الاحتلال تعد خطيئة من حيث البدء، وكان من المفترض ألا تكون، فمن غير المنطقي أن تعمل سلطة فلسطينية وأجهزتها الأمنية لصالح الاحتلال أو تمنحه معلومات عن النشطاء والسياسيين والعاملين في الحقل الوطني.

الاحتلال تنصّل سياسيا من التزامات اتفاقيات أوسلو، وتبنّى الكنيست الإسرائيلي تشريعا في يوليو/تموز 2024 يرفض فيه قيام دولة فلسطينية بوصفها خطرا وجوديا على دولة إسرائيل ومواطنيها.

إعلان

أصبح من الضرورات السياسية والوطنية أن تأخذ السلطة الفلسطينية قرارا حاسما بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، وأن تتحوّل إلى مربع النضال والثورة ضد الاحتلال بكافة الوسائل وأشكال المقاومة.

واقعيا، السلطة الآن أشبه بإدارة مدنية تُعنى بشؤون الفلسطينيين تحت الاحتلال عبر توفير الخدمات البلدية والصحية والتعليمية والاقتصادية، وبجودة منخفضة، بسبب الفساد الإداري والعجز المالي وغياب معايير الشفافية.

السلطة لا تملك أي رؤية سياسية بديلة عن اتفاق أوسلو بعد أن فقدت ورقة المفاوضات، في وقت يعمل فيه الاحتلال الإسرائيلي منهجيا على نزع الصفة السياسية عنها، وتقليص دورها حتى الإداري بسحب العديد من صلاحياتها التي من المفترض أن تطلع بها، لا سيّما في المناطق المصنّفة "إي" حسب تقسيمات اتفاقيات أوسلو لأراضي الضفة الغربية.

الرئيس محمود عباس يفقد بالتدريج قدرته على السيطرة، ولو على أجزاء من الضفة الغربية، وسيحوّله الاحتلال واقعيا وفي وقت قريب إلى رئيس لسلطة مدنية محلية تحت السيادة الإسرائيلية، إن بقيت السلطة على هذه الشاكلة من دون استدراك عاجل على دورها السياسي والوطني.

 

لا يختلف اثنان من الفلسطينيين حتى ممن ينتمون لحركة فتح التي انبثقت منها السلطة الفلسطينية على أنها تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية عما حل في الضفة الغربية، نظرا لعدد  من الأسباب:

السلطة تتحمل الجزء الأكبر فيما يتعلق باستمرار الانقسام الفلسطيني لأنها في النهاية السلطة الحاكمة والمسؤولة. عدم قدرتها على تجديد الوجوه مما خلق حالة من الترهل داخل أجسام السلطة في كافة المستويات، وهذا الأمر انعكس على رؤية السلطة السياسية نتيجة الاتكاء على فرضية أن الولايات المتحدة معنية بحل الدولتين، وبالتالي لا حاجة لاستحداث وسائل أخرى. السلطة لم تخلق أي رؤية إستراتيجية واكتفت بخط سياسي غير موجود عمليا، مع وجود حالة من البحث عن المصالح الشخصية الضيقة، وبالتالي وصلنا إلى هذا الوضع المتردي أمنيا وسياسيا واقتصاديا، وبالتالي السلطة الفلسطينية تتحمل الجانب الأهم في ذلك. إعلان

جزء من الفلسطينيين يرى أن السلطة عقبة أمام القدرة على مواجهة الاحتلال، وكذلك هناك من يرى أن وجودها بات عبئا على الفلسطينيين كون سلاحها مستخدما ضد الفلسطينيين بشكل أو بآخر.

هذه الحالة من التخلي عن البعد السياسي وقبول البعد الإداري فقط يترتب عليها ما يلي:

السلطة الفلسطينية ستتحول إلى جهاز إداري فقط يتحمل جزءا من أعباء الفلسطينيين لكنه في الوقت نفسه سيستميت من أجل الدفاع عن نفسه. سنكون أمام حالة من السلطة التي وافقت على تحديد صلاحياتها وتقزيم نفسها، لكنها لن تقبل التخلي عن أي دور. سيولد ذلك حالة من اصطدام داخلي إن لم يكن هناك حراك داخلي فلسطيني باتجاه ترسيخ حلول داخلية ووحدة فلسطينية وإنتاج مظلة جديدة تجمع الكل الفلسطيني.

السلطة الفلسطينية يجب أن تتخلى عن التنسيق الأمني منذ سنوات طويلة، وكانت هناك قرارات من المجلس المركزي الفلسطيني نفسه طالب السلطة بضرورة التخلي عن التنسيق الأمني.

في الفترة الأخيرة، لم تعد إسرائيل تكترث بالتنسيق الأمني كثيرا مع السلطة، لأن إسرائيل عمليا باتت تسيطر أمنيا على الضفة الغربية بشكل كبير.

السلطة الفلسطينية فقدت أوراق السيطرة على ما تبقى من الضفة الغربية، فهي اليوم ترمى في زاوية تحمل أعباء الفلسطينيين الصحية والتعليمية وغيرها، وباقي الملفات تسحب منها شيئا فشيئا وتذهب لإدارة الاحتلال العسكرية.

السلطة بذلك تحولت إلى شبه بلدية في الضفة الغربية، وهذا لا يرجع فقط للاجتياح المتكرر لمناطق الضفة، بل لأنها قبلت على نفسها مع مرور الوقت الانحناء كثيرا تحت عنوان "الصبر الإستراتيجي" و"الحكمة في التعاطي"، وتحت عناوين مختلفة ومتنوعة ومتعددة.

مقالات مشابهة

  • وزير الخارجية الإيراني: سيتم تسليم رسالة ترامب إلى إيران قريبا عبر مبعوث من إحدى الدول العربية
  • العامري:سندافع عن إيران ومشروع المقاومة حتى الموت
  • قائد الحرس الثوري الإيراني يؤكد أن اليمن نموذج واضح للمقاومة
  • انطلاق بطولة “طوفان الأقصى” الرمضانية لفئة الشباب في مديرية الوحدة
  • انطلاق بطولة “طوفان الأقصى” الرمضانية للشباب في مديرية الوحدة
  • الشيخ نعيم قاسم : اسناد غزة لم يكن سبب الحرب على لبنان ..!
  • تحقيقات طوفان الأقصى تضع الشاباك في مواجهة نتنياهو
  • لماذا لا يمكن للسلطة الفلسطينية وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل واختيار المقاومة؟
  • إعلام العدو: أكثر من 10 آلاف جندي خرجوا من الخدمة منذ طوفان الأقصى
  • تحقيقات طوفان الأقصى.. الشاباك في مواجهة نتنياهو