لجريدة عمان:
2025-02-02@11:02:02 GMT

عام من أمواج طوفان الأقصى العاتية

تاريخ النشر: 7th, October 2024 GMT

7 أكتوبر 2024م.. حال حولٌ على انطلاق طوفان الأقصى، لم تَدَعْ فيه إسرائيل طريقاً للقتل لم تسلكه؛ من الإبادة الجماعية إلى الاغتيالات، ومن الضربات الجوية إلى الاجتياح البري، راح ضحيتها 42 ألف شهيد ومائة ألف مصاب، ودُمرت غزة وشُطرت شطرين: فوق الأرض تحكمه الطائرات والدبابات الإسرائيلية، وتحت الأرض تحكمه مدافع وصواريخ المقاومة، والضفة الغربية لم تسلم من العدوان، ولبنان تئن تحت القصف الجوي.

إن أحرار العالم محمّلون بعاطفة جياشة وغضب نفسي تجاه ما يحدث، إلا أنه ينبغي عزل عواطفنا لنتمكن من رؤية الصورة واضحة. بعد أن رأينا القتل والدمار متواصلاً طيلة 365 يوماً، أؤكد على ما كتبتُه بعد مائة يوم من بدء الطوفان: (ومع أن المقاومة لا تؤمن إلا بالنصر أو الشهادة في سبيل تحرير شعبها؛ مهما كانت التضحيات، لكن بظني؛ لو كان في حساب قادة حماس حجم الكارثة التي ستقع على شعبهم؛ لأعادوا النظر في آلية تنفيذ الطوفان وتوقيته والاستعداد لعواقبه).

بعيداً عن الاعتبارات السياسية والسجالات العسكرية، وخط التحرر وما تراق من دماء في سبيله، فإن ما حصل تنوء بحمله نفوس أولي العزم، وعلى خط المواجهة أن يعيد حساباته، ويغيّر خططه، ويؤمِّن جبهاته، وعلى حزب الله أن يرتب أوراقه بعيداً عن أعين الخيانة. ولا عجلة في تحقيق النصر، فساعة التحرر لابد أن تأخذ وقتها، وأن يحسب للأوضاع الدولية حسابها.

طوفان الأقصى.. تمكّن من إيصال حقيقة القضية الفلسطينية للعالم، فأصبح يعرف معاناة الفلسطينيين وحقوقهم كما يعرف الظلم الصهيوني وطغيانه، وأن هناك مقاومة تناضل من أجل حقوق شعبها، ولولا أن أمريكا تقف وراء إسرائيل لأصبحت منبوذة دولياً آيلةً للتفكك. إن الخسارة السياسية التي أصابتها لا تستطيع أن تعالجها لأجيال، هذا إن لم تتواصل التداعيات عليها، فالحرب لا زالت تدور رحاها والأرض تموج تحتها. بيد أنها خسارة لم تكشف حتى الآن عن مآل إسرائيل، فعلى الرغم من الاختلافات الداخلية في إدارة الحكومة، والمظاهرات التي شهدتها تل أبيب لإيقاف الحرب مقابل إطلاق سراح الأسرى، لم يصل ذلك إلى إسقاط الحكومة، فضلاً أن يتغيّر مزاج الشعب الإسرائيلي اتجاه المشروع الصهيوني. والإسرائيليون.. لم يخرجوا ضد حكومتهم لإيقاف الحرب عن الفلسطينيين، وإنما لعجزها عن تحرير الأسرى، وهم ينتظرون توقف الحرب لتعود حياتهم إلى مجاريها المعتادة، والحرب سجال لم تصمت طلقتها الأخيرة.

طوفان الأقصى.. كشف عن توغل الاستخبارات الإسرائيلية في المنطقة، بما فيها محور المقاومة وإيران. لقد تمكنت إسرائيل من تنفيذ عمليات استخباراتية قاتلة، منها: اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنيّة في إيران، واغتيال قيادييها صالح العاروري وسعيد عطا الله في لبنان، والتفجيرات الواسعة لأجهزة البيجر والاتصال اللاسلكي، واغتيال قيادات من حزب الله؛ منهم: فؤاد شكر وإبراهيم عقيل، وحسن نصر الله أمين عام الحزب، والعميد الإيراني عباس نيلفروشان مسؤول ملف لبنان في فيلق القدس بالحرس الثوري، واحتمال اغتيال هاشم صفي الدين. هذا الاختراق لم يقابله اختراق من قِبَل خط المواجهة في جبهة العدو، اللهم إلا العملية النوعية التي انطلقت منها حماس في 7 أكتوبر 2023م، لكن الأيام كشفت أيضاً بأن حماس أكثر حصانة أمنية من المتوقع في هذه الظروف.

إسرائيل.. بالإضافة إلى اختراقها إيران أمنياً، اتبعت معها خطة عسكرية؛ يمكن تسميتها بـ«القط المتوثب»، حيث تقوم بعملية نوعية، ثم تنتظر رد الفعل الإيراني، فإن كان دون توقعها ضَرَبَتها بمخلبها مرة أخرى. وتأخر الرد الإيراني جعل إسرائيل تتمادى في صلفها، وتواصل عملياتها التدميرية من فلسطين ولبنان حتى اليمن والعراق، وهذا أمر منهك لجبهات المقاومة وإيران، وما قامت به إيران من هجمات في السابق لم يؤدِ إلى جزِّ مخلب القط الصهيوني، مما أظهر أن هذه الخطة سياسة ناجعة للتفوق الإسرائيلي. والسؤال: هل الهجوم الصاروخي الكثيف الذي وجهته إيران إلى القواعد الإسرائيلية العسكرية الأسبوع الماضي سيبطل سحر «القط المتوثب»؟

بالحسابات العسكرية.. فعلاً تأخر الرد الإيراني بالنظر للحرب وهي مشتعلة، لكن علينا أن ننظر إلى التداعيات التي يمكن أن تؤول إليها الأحداث، والأوضاع الدولية، والدعم الأمريكي والغربي لإسرائيل.. بل علينا أن ننظر إلى داخل البيت السياسي الإيراني، فإيران كأي دولة ذات مؤسسات تتعدد فيها وجهات النظر في موقفها من الحرب ودعم المقاومة، كما تتباين الخطط المقترحة للرد. لكن هذا التأخر هو «الفراغ» الذي استغلته إسرائيل لتوجيه ضرباتها المتلاحقة إلى حزب الله، كما أنه لوحظ مؤخراً من تصريحات الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان؛ أن بلاده تميل إلى معالجة الملف الغربي بخفض تصعيد التوتر بالمنطقة، وهذا ما اعتبرته إسرائيل ضعفاً إيرانياً، متناسيةً أن إيران تتعامل مع الأوضاع بمنطق الدولة، لا بمنطق الكيانات التي تخشى زوالها، مع ذلك يستوجب الوضع على إيران مواصلة عملياتها الرادعة للكيان الصهيوني، وبطؤها في الرد يعني استمرار إسرائيل في خطة «القط المتوثب». وبحسب تصريح المرشد الإيراني علي خامنئي في خطبة الجمعة الماضية.. فإن إيران مستعدة للرد على الاعتداءات الإسرائيلية عليها دون تصعيد الصراع، ولكن هل إسرائيل تلتزم بعدم الصعيد؟

عام كامل.. فيه استبان عدم قدرة حكّام المسلمين على اتخاذ قرار يشهد لهم -عبر التأريخ- بأنهم كفّوا أيدي الصهاينة عن إجرامهم. وفيه التزم العرب بموقفهم القديم «حل الدولتين»، ولا يزالون ينادون بإقامة دولة فلسطينية مستقلة بحدود 1967م عاصمتها القدس الشرقية، فتجنبوا الدخول في الحرب. كما أن الطوفان كشف عن مقدار وهن السلطة الفلسطينية، فهي غائبة، وعندما تحضر فلتأكيد عدم قدرتها على رفع المعاناة عن الفلسطينيين.

رغم مرور عام على الطوفان إلا أنه من المبكر القول بأن هناك تغيّراً في الخارطة الجيوسياسية الدولية. فالصين.. التي أبدت تعاطفاً مع القضية الفلسطينية، لا يمكن حساب تعاطفها إلا من باب المناكفة الاقتصادية مع أمريكا، ولا يظهر منها تحول حقيقي تجاه القضية. والأمر ذاته؛ يمكن أن يقرأ من الموقف الروسي، فروسيا.. مشغولة بحربها مع الغرب على الساحة الأوكرانية، وليس بمقدورها فتح جبهة جديدة معهم، وربما لا تريد.

طوفان الأقصى.. فضح المنظومة الأخلاقية العالمية، فقد عجزت عن وقف أسوأ جريمة شهدها زماننا. وأكد على أن السقوط الأخلاقي متواصل في النظام الرأسمالي، وما الليبرالية إلا دعاوى سياسية، وأنه لم يعد لهذه المنظومة مرجعية فلسفية، ولم نرَ طيلة عام أي حراك فلسفي ليبرالي مناهضاً لجرائم الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل والغرب، رغم أن حراكاً طلابياً وشعبياً مندداً بها عمّ الغرب. وأكد الطوفان كذلك على عجز الأمم المتحدة عن القيام بدورها حيال المأساة في غزة، حتى إنها لم تستطع أن تحمي موظفيها ومؤسساتها الإنسانية من يد العتو الصهيوني.

الحرب.. لم تصمت مدافعها، وجبهات المقاومة صامدة، ومُصِرّة على المضي في نضالها، وإسرائيل مدعومة من الغرب تنزل بزخمها الحربي على المقاومة والشعبين الفلسطيني واللبناني. ومهما كانت النتائج.. فإن الطوفان دفع بالأوضاع خطوات نحو التحرر الفلسطيني، لكن بحسب وقائع التاريخ لا تحرر إلا بتغيّر الخارطة الجيوسياسية عالمياً ضد المحتل، ولذلك؛ ما تحتاج إليه المقاومة مع الدعم العسكري هو السند السياسي القادر على التأثير في القرار الدولي.

في ظل الأحداث المتسارعة، والسجال المتتابع بين أطراف الصراع؛ فمن المبكر الحديث عن وضع ما بعد طوفان الأقصى، ومبدئياً؛ يمكن التأكيد على أن المقاومة مستمرة، والضربات الموجعة التي أصابتها قد تكون وقوداً معنوياً لشحذ عزائمها، وإيقاف حزب الله للاجتياح البري شاهد بذلك. ومن المستبعد كذلك أن تتوقف الحرب قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: طوفان الأقصى حزب الله

إقرأ أيضاً:

الناطق باسم حماس: استشهاد قيادات الحركة بمعارك الطوفان وليس اغتيالًا

الثورة نت /

قال الناطق باسم حركة المقاومة الإسلامية حماس، حازم قاسم، إن الشهداء من قيادات الحركة خاضوا ملحمة ضمن “طوفان الأقصى” واستشهدوا في معارك وليس اغتيالاً.

وأضاف قاسم في تصريح صحفي اليوم الجمعة، أنه تم الإعلان عن استشهاد القيادات بعد التأكد من هوياتهم من قبل الأطقم المختصة خلال وقف إطلاق النار.

وأشار إلى أن العدو الصهيوني كان يتوهم أنه بالاغتيالات سيتم إضعاف الحركة والنيل منها، ولكن هذا لم يحدث ولم يحدث أي فراغ إداري.

وشدد على أن العمل الميداني استمر رغم استشهاد القيادات، والمقاومة استمرت حتى اللحظات الأخيرة قبل وقف إطلاق النار، مضيفًا: “الحركة بخير وقادرة على تعويض الخسائر الكبيرة التي لحقت باستشهاد القيادات”.

وبيّن قاسم أن مظهر تسليم الأسرى الصهاينة، والحشود التي صاحبته وتأييدها للمقاومة أزعجت الاحتلال، متابعًا: “رسالتنا خلال مشهد التسليم أن صاحب الإنجاز هو الشعب الذي كان حاضراً إلى جانب المقاومة”.

وأردف: “قمنا بعملية التسليم في جباليا لنرسل رسالة أن محاولات الاحتلال لطمس الحياة في شمال غزة لم ولن تفلح”، مشددًا على أن حماس ملتزمة بالاتفاق وتفاصيله ما دام العدو الصهيوني ملتزماً به.

وأمس الخميس، أعلن الناطق العسكري باسم كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس أبو عبيدة، استشهاد ثلة من قادة المجلس العسكري لـ”القسام” وعلى رأسهم قائد هيئة أركان الكتائب، محمد الضيف، خلال معركة طوفان الأقصى، في مواجهات مباشرة مع جيش العدو الصهيوني بساحة المعركة.

مقالات مشابهة

  • أستاذ علوم سياسية: إسرائيل مارست كل أنواع الكذب والتضليل في عدوانها على غزة
  • قيادي في حماس: التحية لليمن وأنصار الله لما قدموه في معركة طوفان الأقصى
  • خليل الحية: معركة طوفان الأقصى كسرت هيبة العدو
  • أسمته “إسرائيل” رجل الموت.. من هو محمد الضّيف مهندس معركة “طوفان الأقصى” الذي أرعب الكيان الصهيوني؟ (تفاصيل + فيديو)
  • وزير الخارجية الإيراني: عملية طوفان الأقصى أحيت القضية الفلسطينية
  • القيادي في حماس إسماعيل رضوان: التحية إلى اليمن وأنصار الله لما قدموه في معركة طوفان الأقصى
  • مشيداً بدروه في “طوفان الأقصى”.. حزب الله ينعى القائد الكبير محمد الضيف
  • الناطق باسم حماس: استشهاد قيادات الحركة بمعارك الطوفان وليس اغتيالًا
  • شاهد | المقاومة الفلسطينية تنتزع حرية أسراها رغماً عن العدو الإسرائيلي
  • محمد الضيف.. الشبح الذي قاد كتائب القسام إلى طوفان الأقصى