الصين تستعِدُّ لمرحلة ما بعد الانتخابات الأمريكية
تاريخ النشر: 7th, October 2024 GMT
ترجمة: قاسم مكي -
فيما يعكف باقي العالم على تقييم الأثر الذي يمكن أن يترتب عن فوزِ دونالد ترامب أو كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر سيفرض انتصار أي منهما تحدياتٍ خطيرة على الصين. يقينا لا يريد أيٌّ من المرشَّحَين كما يبدو صراعا مفتوحا بين القوَّتين العُظمَيَيْن والذي يمكن أن يعجِّل بانحدارٍ كارثي نحو فوضى عالمية.
تستعد الصين لمزيد من العواصف باعتماد مقاربة شاملة لعلاقاتها مع الولايات المتحدة تشارك فيها مؤسسات البلد بأكملها. يعني ذلك عدم الاقتصار على مجال الشؤون الخارجية والتنسيق مع صانعي السياسات الاقتصادية والمسؤولين العسكريين والقادة التقنيين الى جانب حشد الموارد في أرجاء الصين. مثل هذه المقاربة تستهدي باستراتيجية الاحتواء الأمريكية والتي شملت في السنوات الأخيرة جهودا لا هوادة فيها للحفاظ على التفوق التقني الأمريكي والحدَّ من قدرة الصين على الوصول الى السوق العالمية الى جانب بناء تحالفات سواء في آسيا أو غيرها للتعامل مع "تحدي الصين."
في ظل شعورها بأنها تحت الحصار تُعِدُّ الصين نفسَها لعداء طويل الأمد مع أكبر اقتصاد في العالم. وبناء على ملخص الاجتماع الأخير بين وزير الخارجية الصيني وانغ يي ومستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان يبدو أن بكين تخلت عن آمالها في المزيد من روابط التعاون مع الولايات المتحدة. بل التركيز الآن بدلا عن ذلك على تحديد شروط وقواعد المنافسة بين العملاقين.
كجزء من هذه العملية نقلت الصين نموذجها الاقتصادي من الركض وراء النمو مهما كلف ذلك الى بناء اقتصاد مَرِن يقوده الابتكار ويستطيع التكيف مع توترات جيوسياسية متطاولة.
بتسريع الابتكار المحلِّي يهدف الرئيس الصيني شي جينبينج أيضا الى إعادة هيكلة الاقتصاد والمساعدة على تقليل الاعتماد المفرط على القطاع العقاري. والمؤتمر الثالث للجنة المركزية العشرين للحزب الشيوعي الصيني الذي اختتم مؤخرا أعلن عن مباركته النهائية لهذا الإصلاح الكبير.
التقدم العلمي والبراعة التقنيَّة من بين الأهداف الاستراتيجية والمفتاحية الأخرى للرئيس شي. لقد أوْلَت الصين أهمية كبيرة لتطوير قدرتها على الابتكار. وهي عازمة على أن تصبح الدولة المهيمنة عالميا في قطاعات تكنولوجية معينة. لكن العقوبات الأمريكية التي تستهدف شركات التقنية الصينية والأفراد أحبطت هذه الجهود.
تقليديا تعتبر التجارة والاستثمارات قوَى استقرارٍ في العلاقات الصينية الأمريكية. لكن القادة الصينيين الآن يركزون بقدر أقل عليها لأن منافعها الملموسة للعلاقات الثنائية تراجعت بقدر كبير. يعود ذلك الى تزايد التنافسية التجارية وتحول الصين من نموذج النمو الذي تقوده الصادرات ويعتمد على السلع الرخيصة الى الاقتصاد الذي تقوده التقنية ويعتمد على المنتجات الغالية وعالية الجودة.
بدلا عن ذلك فاقم تقدمُ الصين السريع في تصنيع السيارات الكهربائية وأشباه الموصلات التوتراتِ التجارية مع الولايات المتحدة. ومن المستبعد أن تتخلى بكين عن طموحها بالتحول الى رائد عالمي في مجال الصناعة المتقدمة بهدف إصلاح اقتصادها. لذلك ستظل الاحتكاكات بين البلدين حتمية.
لاتزال تايوان وإلى حد بعيد القضية الأشد حساسية في العلاقات الأمريكية الصينية. وعلى الرغم من عدم وجود تغيير رسمي في الصياغة اللغوية لسياسة الصين إلا أن الاستراتيجيين الصينيين يعتبرون الوضع الحالي حَرِجا بالنظر الى أن حكومة تايوان الجديدة تناصر الاستقلال. ومن المرجح أن يقود ذلك في الصين الى تحول نحو تنشيط الردع ضد قيادة تايوان وبالتالي الولايات المتحدة. ومع تعزيز واشنطن بنفس القدر تدابيرَ الردع ضد الصين تتوافر عناصر المواجهة بين البلدين في مضيق تايوان.
للحيلولة دون تحقق السيناريو الأسوأ على الرئيس شي إجراء محادثات منتظمة ومباشرة مع أي من المرشحين الرئاسيين الذي يختاره الناخبون الأمريكيون في نوفمبر.
الهدف الرئيسي للصين هو ضمان ألا يعرقل أي تدهور آخر في العلاقات الصينية الأمريكية النموَّ الاقتصادي والذي يشكل أساس شرعية نظام الحكم. وهكذا حاول واضعو السياسة الصينية تقليل خسائر الصين التي تترتب عن خلافها مع الولايات المتحدة بتوسيع نفوذها الاقتصادي والسياسي في باقي العالم وخصوصا في جنوب العالم. هذا يمكن أن يتيح للصين وقتا لبناء المرونة الاقتصادية وتسريع خطى التنمية التقنيَّة.
مع تنافس ترامب وهاريس على أيهما سيبدو الأكثر تشددا ضد الصين قبل الانتخابات لا تنتاب واضعي السياسات الصينيين أية أوهام بأن العلاقات المضطربة مع الولايات المتحدة ستتحسن بطريقة سحرية في المستقبل القريب.
لكن يجب عدم النظر الى العلاقات الصينية الأمريكية بتشاؤم مفرط. فسياسة الصين تجاه الولايات المتحدة ظلت دائما وستظل نتاجا لدراسة متوازنة تضع في حسابها الوضع الدولي وتُقيِّم الحاجات الخاصة بالبلد. ذلك الوضع لم يتغير على الرغم من التحولات الكبرى في المشهد السياسي في ظل زعامة شي.
ما يبشر بخير أن كلا الجانبين الصيني والأمريكي أبديا مؤخرا المزيد من الاهتمام بإدارة علاقاتهما بمسئولية. ورغم أن التنافس الصيني الأمريكي لن يختفي بين ليلة وضحاها إلا أن أكبر اقتصادين في العالم يمكنهما تجنب الصراع والعواقب الكارثية التي يُرجَّح أن تترتب عنه بصرف النظر عن المرشح الذي سيدخل البيت الأبيض في العام القادم.
•الكاتبة يو جيا زميل أول أبحاث برنامج الصين ومنطقة المحيط الهادي الآسيوية بالمعهد الملكي للشؤون الدولية (شاتام هاوس).
• ترجمة خاصة لـ عمان.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: مع الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
هل يستطيع إيلون ماسك التأثير على الانتخابات في المملكة المتحدة؟
تزداد التكهنات حول الدور الذي قد يلعبه الملياردير الأمريكي، إيلون ماسك، أغنى شخص في العالم، في خضم الانتخابات العامة في المملكة المتحدة لعام 2025، حيث تشير التقديرات إلى أنه قد يقدم تبرعًا ضخمًا يصل إلى 80 مليون جنيه إسترليني، أي 100 مليون دولار لحزب «إصلاح المملكة المتحدة» بزعامة نايجل فاراج، بينما بلغت التبرعات الإجمالية لكل الأحزاب السياسية نحو 50 مليون جنيه إسترليني، وفقًا لصحيفة «تليجراف» البريطانية.
التبرعات أثارت تساؤلات بشأن تأثير الأموال الكبيرة على مسار الانتخابات البريطانية، وهل سيكون للتبرع دور حاسم في تغيير نتائج الانتخابات العام المقبل؟
كيف يمكن للحزب استثمار أموال ماسك؟يعتبر أي ضخ أموال ضخمة لحزب سياسي، خاصةً إذا كان من شخصية بارزة مثل إيلون ماسك، قد يغير من موازين الانتخابات العامة في بريطانيا، حيث يمكن لحزب «إصلاح المملكة المتحدة» استثمار أموال ماسك في تحسين تواجده علي الساحة من خلال حملاته الإعلامية، وزيادة دعواته السياسية، بحسب الصحيفة.
وأحد الأفكار المطروحة هو استثمار جزء من المبلغ في مراكز لدعم الأيديولوجية الإصلاحية وتعزيز مكانة الحزب علي الساحة السياسية، كما يمكن استخدام الأموال في تعزيز التواصل مع الناخبين الشباب، الذين يعتبرون جزءًا أساسيًا من استراتيجية رئيس الحزب «فاراج»، وذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإعلانات الرقمية، بحسب تقرير لصحيفة «الجارديان».
ومن ناحية أخرى، اقترح ريتشارد تايس، نائب «فاراج»، أن يتم تخصيص جزء من الأموال لزيادة حجم الحزب على الأرض عبر توظيف موظفين إضافيين وتنظيم حملات تواصل مباشرة مع الناخبين.
التحديات المرتبطة بتمويل ماسكوفقًا للقوانين الانتخابية في المملكة المتحدة، يقتصر إنفاق الأحزاب على مبلغ محدد في كل دائرة انتخابية يبلغ حوالي 54 ألف جنيه إسترليني، ورغم أن التبرع المحتمل من إيلون ماسك يتجاوز بكثير هذا الحد، إلا أن حزب «إصلاح المملكة المتحدة» سيحتاج إلى استغلال هذه الأموال بحذر ضمن الإطار القانوني المعمول به.
ورغم أن ضخ الأموال في الحملة الانتخابية قد يعزز من قدرة الحزب على المنافسة، فإن هناك تحديات كبيرة قد تواجهه، فقد أشار بعض الخبراء إلى أن الحصول على تمويل ضخم قد يؤدي إلى تعقيد الأمور داخل الحزب، كما حدث مع حزب «المحافظين» الذي عانى من مشاكل تنظيمية بعد حصوله على تمويل كبير.
وذلك، إلى جانب أن حزب «إصلاح المملكة المتحدة» لا يزال في مرحلة نمو مقارنةً بالأحزاب الكبرى مثل حزب العمال أو حزب المحافظين، فإن تبرع ماسك الضخم لن يكون كافيًا لبناء حركة جماهيرية واسعة، وأن استغلال هذه الأموال قد يستغرق وقتًا ويواجه تحديات كبيرة.
كما يواجه «فاراج» نفسه انقسامات داخلية في دعم الناخبين، فهو يحظى بشعبية لدى بعض الفئات، بينما يلقى رفضًا كبيرًا من الأخرين، مما يجعل من الصعب توسيع قاعدة الدعم لجذب مجموعة واسعة من الناخبين.
الأثار المحتملة علي باقي الأحزابقد يستفيد حزب «إصلاح المملكة المتحدة» من تبرع إبون ماسك في تعزيز وجوده، ولكن يظل قادة حزب العمال متخوفين من تأثير هذه الأموال على المنافسة، حيث يرى بعض أعضاء حزب العمال أن ضخ تلك الأموال يمكن أن يعزز من ظهور «فاراج» الشعبوي على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما لم يكن متاحًا للأحزاب الرئيسية.