بايدن سعى إلى السلام لكنه ساعد على الحرب
تاريخ النشر: 7th, October 2024 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
عندما تحدَّت إسرائيل مناشدات أمريكا لها قبل أيام قليلة ألا تغزو لبنان، سأل صحفي الرئيس بايدن إن كان مرتاحًا إلى ما جرى من أحداث.
فأجاب بايدن في أسى قائلا: «أرتاح إلى توقفها. لا بد من وقف إطلاق النار الآن». ومضى عن المنصة عابسًا ومحبطًا وعاجزًا، وهو المسؤول عن التقليل من نفسه.
تلك كانت أحدث علامات خضوع بايدن لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
بدلا من المساعدة في مخاض سلام الشرق الأوسط المشهود الذي كان يرجوه، بات بايدن مورد الأسلحة لتدمير غزة في حرب مات فيها من النساء والأطفال في عام واحد أكثر ممن ماتوا في أي حرب أخرى خلال العقدين الماضيين وفقًا لمنظمة أوكسفام.
ظل بايدن يدعو إلى ضبط النفس على مدار عام، لكنه عمل على تهميش نفسه باستمراره في توفير الأسلحة وسماحه بتجاهل نداءاته. وظل يناشد الجانب الخيِّر في نفس نتنياهو، فلم يبد أن لهذا الجانب الخير أصلا.
فرض بايدن قيودًا وشروطًا على نقل أسلحة الولايات المتحدة إلى أوكرانيا لكنه خشي أن يفعل مثل ذلك مع إسرائيل لئلا يغري بذلك حزب الله بمهاجمتها. فترك بايدن الأسلحة تتدفق (باستثناء شحنة واحدة على الأقل من قنابل الألفي رطل) ولم يفرض قط قيودا جادة على استعمالها. وبسبب هذه الحصانة اجترأ نتنياهو على تجاهل بايدن، فلم تكن النتيجة أن رعى بايدن سلامًا في المنطقة، وإنما أن رعى حربًا فيها، مع مخاطرة بأن تنجرف أمريكا إليها.
قال لي السيناتور كريس فان هولين الديمقراطي عن ولاية ميريلاند المعجب بسياسة بايدن الخارجية في جوانب أخرى: إن «بوسعنا أن نرى بوضوح في الشرق الأوسط فشل السياسة، وإنني أعتقد أن جذور هذا الفشل في نهاية المطاف تكمن في عزوف إدارة بايدن عن استعمال النفوذ الأمريكي استعمالا فعالا لتحقيق أهداف الرئيس المعلنة».
وأضاف فان هولين: إن «المشكلة تكمن في أننا هنا نتبع نمطا. والنمط هو أن يتجاهل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الولايات المتحدة ثم يتلقى المكافآت على هذا».
أبدى يان إليسون وزير الخارجية السويدي السابق والمسؤول رفيع المستوى في الأمم المتحدة أسفه قائلًا إنه «لمن المؤلم أن نشهد هذه المذلة المستمرة لرئيس الولايات المتحدة وحكومتها من نتنياهو».
وبوصفي شخصًا يعرف بايدن ويكن له إعجابًا، ورآه في تعاطفه، ويكن احترامًا عظيمًا لفريقه في السياسة الخارجية، ويعد دبلوماسيته في شرق آسيا دبلوماسية بارعة، فإنني يؤلمني أن أكتب هذه المقالة. لكن بعد مرور عام على هجمات السابع من أكتوبر، تبدو سياسة بايدن في الشرق الأوسط فاشلة فشلا عمليا ومعنويا. وقد يكون فشلًا سياسيًا أيضًا، من شأنه أن يضير بكمالا هاريس في ميشيجن ـ وفي كل مكان، إذا ما وقعت حرب مع إيران فرفعت أسعار الوقود على المستهلك العادي.
فما الخطأ الذي وقع؟ وكيف تأتّى لرئيس شديد الحرص على السلام أن يشرف على حرب آخذة في التوسع؟
لم يكن فشل رؤية أو امتناع عن العمل الجاد. فقد توصل بايدن إلى خطة عظيمة لاتفاقية تعددية من شأنها أن توفر وقفا لإطلاق النار في غزة، وتطبيعًا في العلاقات السعودية الإسرائيلية، وطريقًا إلى إقامة دولة فلسطينية، وشراكة سعودية أمريكية من شأنها تجميد الصين وإخراجها من المنطقة. لكن بايدن عزف عن استعمال نفوذه بقوة للوصول إلى هذا، فظل نتنياهو يلتف حول الرئيس.
في ثنايا ذلك، استطاع نتنياهو أن يعيد تأهيل نفسه على نحو إعجازي داخل السياسة الإسرائيلية، حتى أن استطلاعا حديثا للرأي يشير إلى أنه على الطريق إلى إعادة الانتخاب.
وقال نتنياهو في خطبة أمام الأمم المتحدة الشهر الماضي «إننا ننتصر». وأصبحت إيران في مرمى بصره وهو يعلن بعد أيام قليلة قائلا: «عندما تتحرر إيران أخيرًا، وستأتي هذه اللحظة بأسرع مما يتوقع الناس، فسوف يختلف كل شيء».
لقد تبين لي من واقع زياراتي لإيران على مدى السنوات العشرين الماضية أن النظام الإيراني الحاكم قليل الشعبية في الوطن. ولكن يؤسفني أن نتنياهو يمضي بإسرائيل إلى حرب مع إيران ويسعى إلى حمل الولايات المتحدة على خوضها أيضا.
قال فان هولين: «في رأيي أن رئيس الوزراء نتنياهو يريد منذ أمد بعيد استدراج الولايات المتحدة إلى صراع مع إيران».
وقد ذهبت من قبل إلى أن غزة أصبحت ذنبًا ثقيلًا معلقًا في رقبة بايدن، تلوث إرثه، لكن الأمر يزداد سوءًا. في أوساط الصقور الأمريكيين، ثمة حديث حالم عن بناء لبنان وإعادة صياغة الشرق الأوسط. ومن الممكن حقًا أن يوفر دمار حزب الله الأمن لإسرائيل لبعض الوقت. ولكن ذلك الحديث المتفاخر يذكرني بالحديث المتغطرس قبل سنة عن تدمير إسرائيل لحماس في غضون أشهر قليلة. ويذكرني كذلك بالنبوءات الحماسية قبل إحدى وعشرين سنة بأن غزو العراق وإسقاط صدام حسين سوف يكون بداية عصر جديد للديمقراطية والسلام.
فقد قال نتنياهو أمام الكونجرس في عام 2002 «لو أنكم أبعدتم صدام، ونظام صدام، فإنني أَضمن لكم آثارًا إيجابيةً هائلةً على المنطقة. أعتقد أن البشر الجالسين الآن في إيران جارة العراق، والشباب، وكثيرا غيرهم، سيقولون إن عصر هذه الأنظمة وهؤلاء الطغاة قد ولَّى».
وأرجع أكثر إلى الوراء، وإلى أولى رحلاتي الصحفية (عندما كنت طالبا أدرس القانون وأكتب مقالات أبعثها للصحف)، وكانت تلك الرحلة تتضمن التجول في لبنان خلال غزو إسرائيل سنة 1982، كان ذلك الغزو يسمى (عملية سلام الجليل) وكان الغرض منها هو إقامة منطقة عازلة في جنوب لبنان وإقامة حكومة صديقة في بيروت.
فأثمر ذلك الغزو مستنقعا قورن في بعض الأحيان بفيتنام، وأدى إلى ميلاد حزب الله.
ثم اغتالت إسرائيل زعيم حزب الله عباس الموسوي سنة 1992 فأثار ذلك شعورًا عابرًا بالنصر، لكن حل حسن نصرالله محل الموسوي فأثبت أنه أشد عداء لإسرائيل.
باختصار، تعلمت أن أدير عيني كلما رأيت الصقور يتعهدون بأن حربًا صغيرةً رائعةً سوف تجلب السلام.
ومثلما يفهم بايدن ولا شك، ثمة وسائل أنجع لإعادة صياغة الشرق الأوسط. ربما كان وقف إطلاق النار في غزة لينهي إطلاق الصواريخ من لبنان ويسمح للإسرائيليين بالعودة إلى منازلهم في الشمال. وكانت الاتفاقية النووية مع إيران قد فككت الكثير من برنامجها إلى أن انسحب دونالد ترامب منها. وأخيرا، تأمين إسرائيل يكون عبر التفاوض على ميلاد دولة فلسطينية.
استمر بايدن في نقل الأسلحة لإسرائيل برغم اعترافه أن النتيجة في بعض الأحيان تكون «شديدة الإفراط» وتكون «قصفًا عشوائيًا» وبرغم أن إدارته نفسها توصلت إلى أن استعمال إسرائيل للأسلحة الأمريكية ينتهك على الأرجح القانون الإنساني الدولي.
ولعل إدارة بايدن انتهكت أيضًا قانونًا أمريكيًا يستوجب وقف شحنات الأسلحة إلى البلاد التي تعوق وصول المساعدات الإنسانية الأمريكية. فقد حصلت منظمتا بروبابليكا وديفيكس على مذكرة أعدتها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وانتهت إلى أن إسرائيل تعوق المساعدات، لكن بايدن تجاهل هذه المخاوف ونحاها جانبا.
لم يكن بايدن يقصد أن يكون في موضعه الحالي. في زيارته الأولى إلى إسرائيل المحطمة في أعقاب أهوال هجمة السابع من أكتوبر، أعرب عن تعاطف واجب تماما ولكنه حذر الإسرائيليين أيضا من عدم تكرار أخطاء ارتكبتها أمريكا بعدوانية بعد 11/9. ويبدو أنه كان يتوقع من إسرائيل أن تبدي من ضبط النفس في غزة أكثر مما أبدت، وأنها لن تجوِّع سكان غزة وأن الحرب ستنتهي بحلول نهاية العام تقريبا. ظن أن معانقة نتنياهو هي الطريقة المثلى لحمله على الإنصات. وقال مرارا إن إسرائيل وحماس قريبتان من اتفاقية لوقف إطلاق النار.
يشيع في الحوارات الدبلوماسية تشبيه جو بايدن بتشارلي براون إذ يحاول ركل الكرة، فيسحبها منه نتنياهو كل مرة (وأحيانا تسحبها حماس أيضا).
لقد تساءل جوش بول الدبلوماسي الأمريكي السابق الذي استقال احتجاجًا على سياسة بايدن في الشرق الأوسط «كم مرة تنتزع منك الكرة قبل أن تلعب؟»
لقد أشار أندرو ميلي المسؤول الرفيع السابق في وزارة الخارجية في مقالة له بفورين أفيرز إلى أنه قبل بايدن، كان رؤساء أمريكيون آخرون يبدون استعدادا لاستعمال ورقة نقل الأسلحة لإسرائيل. فمنذ ليندن جونسن، منع جميع الرؤساء الأمريكيين تقريبًا أسلحة عن إسرائيل أو هددوا بذلك ليكسبوا ورقة ضغط. وفي حين أن ذلك لم ينجح النجاح الأمثل، فإنه كثيرا ما كان يوجه إسرائيل على مضض في وجهة المصالح الأمريكية.
للإنصاف نقول إن بايدن كان محاصرا بالسياسات الداخلية. إذ يبدو في بعض الأحيان أن نصف الأمريكيين يشتكون من أنه لم يفعل ما يكفي ليكبح إسرائيل، وأن النصف الآخر يحتجون؛ لأنه لم يدعمها بالقدر الكافي. وكانت لدى بايدن مخاوف مشروعة من أن المشاحنات العلنية بين أمريكا وإسرائيل قد تؤدي إلى اجتراء إيران.
هل كان يمكن أن تستجيب إسرائيل في صدمتها على مدار العام الماضي أن تستجيب لمثل ذلك الضغط؟ أم كانت لتتحداه، في ظل طرح نتنياهو نفسه باعتباره حامي إسرائيل من الاستئساد الأمريكي؟
يصعب القطع، لكن الخبراء يقولون إن الجيش الإسرائيلي كان ليبدي حساسية كبيرة تجاه أي تباطؤ في نقل الأسلحة أو قطع الغيار وكان ليفرض ضغوطًا كبيرةً على الساسة الإسرائيليين لمعالجة الصدع مع واشنطن. ولبايدن أيضا قدرة كبيرة على أن يفرض هذا النفوذ لأنه محط إعجاب في إسرائيل بوصفه صديقًا حقيقيًا، فقد قال ثلثا يهود إسرائيل في استطلاع للرأي في الربيع إنهم يثقون في قيام بايدن بالصواب في الشؤون العالمية.
لقد ألحق امتناع بايدن عن استعمال القدر الكافي من نفوذه ـ أو حتى الالتزام بالقانون الأمريكي ـ ضررًا بمصالح أخرى يعنى بها البيت لأبيض، ومنها دعم أوكرانيا. وإن إنذارات النفاق لتدوي في العواصم الأجنبية حينما يتكلم الدبلوماسيون الأمريكيون مشيدين بـ«النظام الدولي القائم على القواعد» ويوفرون في الوقت نفسه القنابل التي تدمر البنية الأساسية في غزة وتتسبب في مجاعة.
لقد كان من نجاحات بايدن المؤزرة أنه أقام تحالفات في آسيا لمحاصرة الصين، وتقوض هذا بسياسته في الشرق الأوسط. وقد قال الناس من بلاد في جنوب شرق آسيا في استطلاع لرأي إن حرب غزة هي شاغلهم الجيوسياسي الأول، وإنهم لو اضطروا إلى الاختيار بين الولايات المتحدة والصين فإن بلادهم يجب أن تقف بجانب الصين.
وقال لي نبيل فهمي وزير الخارجية المصري الأسبق إن «مكانة أمريكا تقلصت كثيرا بين الأصدقاء والحلفاء» مشيرا إلى أن بلادا أخرى ذهلت من «استمرار إسرائيل في الاستهانة الصارخة بطلبات الولايات المتحدة».
وأضاف فهمي أن «هذا ستكون له تداعيات بعيدة المدى إذ سينظر الحلفاء والأصدقاء إلى وجهة أخرى».
يجب أن نعترف أننا لا نعرف إلى أين تمضي بنا الأحداث في الشرق الأوسط وغيره. ولدينا جميعًا أسباب تدعونا إلى التواضع: فقد أخطأت حمائم كثيرة في التشكيك في حرب الخليج سنة 1991، وأخطأ صقور كثر بتبني غزو العراق سنة 2003. من جانبي، كنت محقا في معارضة حرب العراق، ومخطئا في معارضة زيادة قوات العراق بعد أربع سنوات. ولكن بعد عام من هجمات السابع من أكتوبر، ثمة أشياء قليلة نعلمها جيدا.
لا يزال رهائن إسرائيليون وأمريكيون أسرى في غزة. ضعفت حماس كثيرا في غزة لكنها لم تتعرض للدمار. وربما اكتسبت حماس تأييدا في الضفة الغربية، التي تبدو أكثر فأكثر على وشك الانفجار.
قال عيسى عمرو الناشط الذي يوصف بغاندي الفلسطيني: «إننا نشعر أن تأييد الولايات المتحدة الأعمى لنتنياهو يشجع المتطرفين الإسرائيليين ويغذي شهيتهم إلى ضم الضفة الغربية لإسرائيل. والفلسطينيون في الضفة الغربية يفقدون الأمل في آفاق السلام ويفقدون الإيمان بحل الدولتين».
في غزة، لقي أكثر من عشرة آلاف طفل مصرعهم وبترت أطراف أكثر من ألفين بحسب تقرير منطمة (ذير وورلد) البريطانية الخيرية المعنية بقضايا الأطفال. وتضيف المنظمة أن 40% من أسر غزة ترعى حاليا طفلا لا ينتمي إليها، وأن 85% من أطفال غزة يمر عليهم اليوم كاملا بغير طعام.
قال الطبيب الأمريكي سام عطار الذي تطوع في أربع مهام جراحية في مستشفيات غزة خلال الحرب إن «كل يوم يمثل كفاحا لمن يعيشون في الخيام محاطين بالدماء والقاذورات والوحل والركام. وإن كل يوم يمثل حدا أقصى لاحتمال نقص الطعام والمياه».
محمد الشناط باحث لغوي في غزة، معجب بالبلاد الديمقراطية، ومؤمن بأن المسلمين واليهود يمكن أن يعيشوا في تناغم، وقد قضى السنة الماضية يكافح للحفاظ على بقاء أسرته على قيد الحياة. كتب لي في رسالة إلكترونية أنه «ما من مكان آمن، وما من طعام أو مياه نظيفة أو أدوية. كأننا خراف في مجزر».
وما الغاية؟
أرى انتصارات تكتيكية حقيقية لإسرائيل في غزة ولبنان واليمن وإيران، لكن ليس واضحا أنها تفضي إلى شيء، اللهم إلا انتصارات سياسية لنتنياهو.
تساءلت راندا سليم من معهد الشرق الأوسط «هي نجاحات تكتيكية، ولكن ما الإستراتيجية؟ ما إستراتيجية اليوم التالي؟» ذلك ما لا جواب له عند نتنياهو حتى الآن.
لا يبدو أن الإسرائيليين أكثر أمانا اليوم مما كانوا عليه قبل سنة، وجلي أن اللبنانيين والفلسطينيين أقل أمانا. والقوات الأمريكية معرضة للخطر في قواعد الشرق الأوسط، والشحن البحري قبالة سواحل اليمن مخاطرة كبيرة. ما من سلام يلوح في الأفق، وما من مخرج لغزة أو لبنان أو الضفة الغربية. وكأن بايدن ونتنياهو عالقان في مسرحية سارتر الوجودية «لا مخرج».
قال الباحث الإسرائيلي أوري جولدبرج في يأس «ليست لدينا خطط أو معايير عدا الموت».
في الوقت نفسه، ضمن بايدن استمرار الأسلحة الأمريكية في تحطيم الحيوات دونما خدمة للمصالح الأمريكية أو الإسرائيلية أو العربية. وقد حكت لي هيتي هيجنز من اليونيسف في لبنان عن فتاة لبنانية عمرها سبع سنوات فقدت خمسة عشر فردا من أسرتها في ضربة إسرائيلية قبل أيام قليلة. فقدت الطفلة أبويها وجميع إخوتها وعانت هي نفسها من جروح وكدمات.
أتخيلها إذ تقابل بايدن وتسأله: لماذا تقدم القنابل التي تقتل أسرا مثل أسرتي؟ وأتساءل كيف يمكن أن يجيب بايدن، وهو رجل صالح لم يرد هذه الحرب أن تنشب لكنه أعان عليها.
نيكولاس كريستوف من كتاب الرأي في نيويورك تايمز منذ 2001
خدمة نيويورك تايمز
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی الشرق الأوسط الضفة الغربیة إطلاق النار إسرائیل فی مع إیران بایدن فی حزب الله فی غزة إلى أن
إقرأ أيضاً:
WP: نظام جديد بدأ بالتشكل في الشرق الأوسط.. هؤلاء الرابحون
قالت صحيفة "واشنطن بوست" إن الأنظار تتركز الآن، على النظام الجديد الذي يتشكل في دمشق، بعد السقوط المذهل لنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، والجهات الفاعلة الإقليمية القوية التي قد تؤثر عليه.
وأوضحت الصحيفة في تقرير ترجمته "عربي21"، أن المحللين سارعوا وأعلنوا من الآن الفائزين والخاسرين على المستوى الجيوسياسي، إيران وروسيا، داعمي الأسد منذ فترة طويلة، يلعقون جراحهم؛ تركيا والملكيات العربية التي دعمت المعارضين السوريين بدرجات متفاوتة في صعود.
من الواضح أن دولة الاحتلال، التي نفذت حملة قصف لا هوادة فيها على أهداف عسكرية سورية ونقلت قوات برية عبر مرتفعات الجولان المتنازع عليها إلى الأراضي السورية، تشعر بالجرأة أيضا.
وأضاف: "مع تولي جماعة من الثوار الإسلاميين التي أطاحت بالأسد زمام الأمور في توجيه عملية الانتقال السياسي في البلاد، بدأت الحكومات الغربية في إعادة الانخراط في بلد ظل لفترة طويلة في حالة من البرودة الدبلوماسية. فرفع العلم الفرنسي فوق سفارة فرنسا في دمشق يوم الثلاثاء لأول مرة منذ 12 عاما. ويوم الجمعة، زار وفد أمريكي سوريا، في أول زيارة دبلوماسية أمريكية إلى دمشق منذ أكثر من عقد من الزمان".
ويظل الكثير غير مؤكد. فيوم الخميس، تظاهر عشرات الأشخاص في قلب دمشق، مطالبين السلطات الجديدة المرتبطة بالإسلاميين بالحفاظ على دولة علمانية شاملة. وتستعد الوحدات الكردية المسلحة، في شمال شرق سوريا لمعارك محتملة مع الفصائل السورية.
وقالت الصحيفة: "لقد كشف سقوط الأسد عن بعض الديناميات. لقد كان زوال النظام متوقعا من خلال القضاء التكتيكي الإسرائيلي على جماعة حزب الله اللبنانية المسلحة، وهي الوكيل الإيراني الذي كان حيويا لتأمين نظام الأسد على مدى عقد من الحرب الأهلية. وعلاوة على ذلك، بعد الدفاع عنه لسنوات، كانت كل من إيران وروسيا غير قادرتين أو حتى غير راغبتين في إبقاء الأسد في السلطة. ويمثل الإطاحة به تغييرا سياسيا كبيرا في الشرق الأوسط".
ونقلت عن لينا الخطيب، محللة شؤون الشرق الأوسط في مركز تشاتام هاوس البريطاني للأبحاث قولها: "كما كان عام 1989 بمثابة نهاية الشيوعية في أوروبا، فإن هروب الأسد إلى موسكو يشير إلى زوال أيديولوجية المقاومة المناهضة للغرب والمعادية لإسرائيل في الشرق الأوسط. لأكثر من نصف قرن، كانت عائلة الأسد العمود الفقري للنظام السياسي في الشرق الأوسط حيث أطلقت كتلة من الدول على نفسها اسم المقاومة لما أسمته الإمبريالية الغربية والصهيونية".
في مقال في مجلة "فورين أفيرز"، حدد كبار المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين السابقين عاموس يادلين وأفنير غولوف استراتيجية من شأنها أن تنشئ "نظاما إسرائيليا في الشرق الأوسط". ودعوا إلى بذل جهد دبلوماسي لربط إسرائيل بشكل أكبر بالملكيات العربية في الخليج، وخاصة السعودية والإمارات وهو جهد معقد يتطلب شراكة أمريكية وتنازلات إسرائيلية في نهاية المطاف لملايين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الفعلي. لكن هذا يتطلب أيضا من نتنياهو تحدي أعضاء اليمين المتطرف الرئيسيين في ائتلافه الحاكم، الذين يتصورون أن إسرائيل ستضم قريبا أجزاء من الضفة الغربية وحتى إنشاء مستوطنات في غزة.
كتب يادلين وغولوف: "على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، أعادت إسرائيل تأكيد قدرتها على تشكيل السياسة والأمن في الشرق الأوسط. ولكن بدون قيادة شجاعة، قد تفلت فرصة إسرائيل. إن تطلعات الأعضاء المتطرفين في ائتلاف نتنياهو لضم أجزاء من غزة والضفة الغربية، أو فرض الحكم العسكري في غزة، أو متابعة أجندة محلية استقطابية تضعف المؤسسات الديمقراطية من شأنها أن تعيق هذا التقدم بشدة".
ولكن هناك لاعب إقليمي آخر يشعر بلحظته أيضا. كان نظام الأسد بمثابة محور لما أطلق عليه المحللون منذ فترة طويلة "الهلال الشيعي" الإيراني، وهو قوس من النفوذ والجماعات الوكيلة التي تربط طهران بالبحر الأبيض المتوسط. ومع رحيل الأسد فقد نشهد "نهاية الهلال الشيعي الذي طالما خشيته إيران وصعود البدر التركي، وإعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي من القرن الأفريقي إلى بلاد الشام وأفغانستان".
إن وكلاء تركيا في وضع مهيمن في دمشق وعلى استعداد للاستيلاء على المزيد من السيطرة في شمال شرق سوريا. لقد دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ فترة طويلة إلى الإطاحة بالأسد، ويبدو الآن أنه أثبت صحة نهجه. كما لعب دورا أكبر كرجل دولة إقليمي، حيث توسط مؤخرا في اتفاقيات السلام بين إثيوبيا والصومال، في حين عزز تحالف تركيا مع أذربيجان، الدولة النفطية المسلحة جيدا على عتبة إيران.
حتى أن ترامب وصف ما جرى بأنه "استيلاء غير ودي" من قبل تركيا، وهو السرد الذي رفضته أنقرة. وقال وزير الخارجية هاكان فيدان في مقابلة: "لن نسميه استيلاء، لأنه سيكون خطأ فادحا تقديم ما يحدث في سوريا" بهذه المصطلحات، مضيفا أن الإطاحة بالأسد تعكس "إرادة الشعب السوري" وأنه من المهم للشرق الأوسط أن يتجاوز "ثقافة الهيمنة".
وقال فيدان: "لا الهيمنة التركية، ولا الهيمنة الإيرانية، ولا الهيمنة العربية، بل يجب أن يكون التعاون هو الأساس".
وأشارت الصحيفة إلى أن "الود التركي للجماعات الإسلامية ودعمه التاريخي للأحزاب التابعة لجماعة الإخوان المسلمين يشكلان مصدر قلق لكل من الدول العربية مثل الإمارات ومصر، وكذلك إسرائيل، التي تدهورت علاقاتها مع تركيا منذ بداية الحرب في غزة. وقد تكتسب الصراعات السياسية في دمشق بسرعة طابعا جيوسياسيا. كتب جدعون رحمان، كاتب العمود في صحيفة فاينانشال تايمز: "قد تصطدم الطموحات المتنافسة لأردوغان ونتنياهو بسهولة في سوريا. إنها تخاطر بأن تصبح ساحة معركة للقوى الإقليمية المتنافسة لأن السعودية ودول الخليج لديها أيضا مصالح على المحك هناك".
وأشار بول سالم من معهد الشرق الأوسط إنه ومع ذلك، ورغم أن النظام في طهران قد يضعف، فسوف يتعين على منافسيه أن يكونوا حذرين بشأن الضغط على ميزتهم. "إن المخاطر تكمن في أن التصعيد العسكري من جانب إسرائيل ضد إيران قد يخرج عن نطاق السيطرة، مع رد الأخيرة بهجمات على شحن النفط ومرافق الإنتاج في الخليج، مما قد يؤدي إلى أزمة طاقة واقتصاد عالمية". وأضاف أن إيران قد "تقرر أيضا إعادة بناء ردعها المفقود من خلال التسرع في تطوير سلاح نووي، مما قد يؤدي أيضا إلى اندلاع حرب مع إسرائيل - والولايات المتحدة".
ويزعم آخرون أن السبب وراء استغلال إدارة ترامب لضعف إيران من خلال الدبلوماسية التي تحد من الاندفاع نحو سلاح نووي. قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن في مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك يوم الأربعاء: "لا أعتقد أن السلاح النووي أمر لا مفر منه"، مضيفا أنه يرى "احتمال المفاوضات".
في سوريا، يعتقد المحللون أن إيران قد تحاول بعناية شق طريقها للعودة، واستغلال الفراغ الأمني والاضطرابات المحتملة بين الأقليات العرقية. وقال الصحافي السوري إبراهيم حميدي لواشنطن بوست: "نحن جميعا نعلم أن إيران خسرت بشكل كبير بسقوط الأسد. ونعلم أيضا أن إيران لديها صبر. في الوقت الحالي، يتعين علينا اتخاذ بضع خطوات إلى الوراء لاتخاذ قرار بشأن كيفية التعامل مع هذا الأمر".