تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تعد إيران واحدة من بين أهم القوى الإقليمية البارزة في منطقة الشرق الأوسط، واتخذت سياساتها الخارجية توجهات أساسية تجمع ما بين الدعم الواضح لأذرعها العسكرية وحلفائها في المنطقة وبين سعيها الدائم إلى الحوار مع القوى الكبرى، ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، وهذه السياسة الخارجية المعقدة طالما أثارت تساؤلات عديدة حول كيفية توازن إيران بين مصالحها الإقليمية وضرورة التفاوض بشأن ملفها النووي، خصوصًا في ظل العقوبات الاقتصادية الضخمة التي فرضت عليها، وتجد إيران نفسها أمام معضلة جيوسياسية بين حفاظها على نفوذها الإقليمي من خلال استمرار دعمها لأذرعها العسكرية في المنطقة، مثل حزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن، وبين رغبتها في إبرام اتفاق نووي مع الولايات المتحدة.


هذه المعادلة الصعبة تحكم السياسة الإيرانية منذ سنوات، وتزداد تعقيدًا في ظل التطورات الأخيرة، بما فيها مقتل حسن نصرالله، الأمين العام لحزب الله.
منذ الثورة الإسلامية في عام ١٩٧٩، تبنت إيران سياسة خارجية تقوم على تعزيز نفوذها الإقليمي من خلال علاقاتها مع جماعات مسلحة وغير حكومية في دول مثل لبنان، سوريا، العراق، واليمن، ويمثل حزب الله اللبناني، أحد أهم هذه الأذرع وهو عنصر رئيسي في السياسة الإقليمية الإيرانية. 
وتحقق إيران من خلال شبكة علاقاتها الخارجية عدة أهداف استراتيجية، فهي أولًا، تعزز نفوذها الجيوسياسي في المنطقة، حيث تعتبر تلك الجماعات والأذرع التي تدعمها بمثابة وكلاء تستخدمهم في مواجهة خصومها، مثل إسرائيل والسعودية، وهو ما يتيح لها تشكيل جبهات عسكرية تستطيع من خلالها التأثير في السياسات الإقليمية، وعلى سبيل المثال، يعد حزب الله هو حجر الزاوية في المواجهة المستمرة بين إيران وإسرائيل.
لكن على الجانب الآخر، يتسبب هذا الدعم في فرض المزيد من العقوبات الدولية عليها. الجماعات المدعومة من إيران متورطة في النزاعات الإقليمية والأعمال العسكرية التي تجعل من المنطقة بؤرة دائمة للحروب والصراعات، مما يضع إيران في مواجهة مباشرة مع المجتمع الدولي، ويزيد من عزلة الجمهورية الإسلامية على الصعيد الدبلوماسي. وتعد محادثات الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى، ولا سيما الولايات المتحدة، فرصة مهمة لإيران للخروج من عزلتها الاقتصادية التي تسببها العقوبات الدولية. وكان اتفاق لوزان النووي لعام ٢٠١٥، المعروف باسم «خطة العمل الشاملة المشتركة» مع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، يعنى بتقييد قدرات إيران النووية مقابل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها.
وتأمل إيران في تجديد الاتفاق من أجل تحقيق الاستقرار الاقتصادي الذي تشتد حاجتها إليه داخليًا، خصوصًا في ظل التدهور الاقتصادي الذي عانت منه البلاد على مر السنوات الأخيرة. لكن العودة إلى الاتفاق تتطلب تلبية شروط جديدة أكثر صرامة، منها ضبط سلوك إيران الإقليمي وتخفيض نفوذها العسكري في المنطقة. 
الولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميون يرون أن جزءًا من أي اتفاق جديد يجب أن يشمل تقليص دعم إيران للأذرع العسكرية في المنطقة. وهنا يبرز السؤال: هل يمكن أن تضحي إيران بحزب الله وغيره من حلفائها من أجل تحسين وضعها الاقتصادي والتخلص من عزلتها الدولية؟ 
حزب الله يمثل علاقة متشابكة بالنسبة لإيران. فهو ليس مجرد حليف، بل هو جزء من الاستراتيجية الإيرانية لفرض نفوذها في الشرق الأوسط، خصوصًا فيما يتعلق بمواجهة إسرائيل. والحزب ليس منظمة سياسية وعسكرية فحسب، بل هو أداة رئيسية في التحالف الشيعي الإقليمي الذي تسعى إيران إلى تعزيزه وبالتالي من الصعب تخيل أن إيران قد تضحي بهذا التحالف بشكل مباشر، لكن قد تعتمد إيران سياسة مزدوجة كي تتمكن من تخفيف دعمها العلني والمباشر لبعض الجماعات المسلحة لإرضاء المجتمع الدولي، مع الإبقاء على تلك العلاقة في إطار خفي أو غير مباشر. ومثل هذا النهج قد يتيح لإيران مواصلة تعزيز نفوذها الإقليمي دون إثارة قلق القوى الكبرى.
ومع مقتل حسن نصرالله، فقد تشكل هذه التطورات فرصة لإيران لإعادة تقييم علاقتها بحزب الله بشكل أعمق. رحيل نصرالله، باعتباره الزعيم الذي جسد التحالف الاستراتيجي بين إيران وحزب الله لعقود، قد يفتح المجال أمام تغييرات في هيكلية الحزب وعلاقته بطهران. قد تستغل إيران هذه الفرصة للقيام بتغييرات تدريجية في دعمها لحزب الله، وهذه التحولات قد تعطي لإيران مساحة أكبر للمناورة على طاولة المفاوضات النووية مع الغرب، إذ ستظهر كقوة إقليمية أكثر مرونة ومستعدة للتكيف مع المطالب الدولية، دون أن تفقد كامل نفوذها في المنطقة.
يبقى التحدي الرئيسي أمام إيران هو التوفيق بين مصالحها الإقليمية التي تتطلب دعم حلفائها المسلحين، وبين الضغوط الدولية التي تسعى للحد من هذا الدعم مقابل تحقيق مكاسب اقتصادية من خلال الاتفاق النووي. مقتل نصرالله، قد يكون نقطة تحول تتيح لإيران إعادة صياغة استراتيجياتها الإقليمية بطريقة توازن بين هذين الجانبين. لكن التخلي الكامل عن حزب الله يبدو مستبعدًا على المدى القريب، نظرًا للدور الحيوي الذي يلعبه الحزب في دعم السياسات الإيرانية الإقليمية. ومع ذلك، قد تتخذ إيران خطوات لتقليل مستوى تدخلها المباشر، مما يتيح لها التخفيف من الانتقادات الدولية مع الحفاظ على التحالفات الأساسية التي تضمن مصالحها الاستراتيجية.
إيران تجد نفسها في موقف معقد يتطلب منها اتخاذ قرارات حاسمة بشأن سياستها الإقليمية واستراتيجيتها في التعامل مع القوى الدولية ودعم أذرعها العسكرية، وخاصة حزب الله، فهو جزء لا يتجزأ من نفوذها الإقليمي. 
وهنا يبقى السؤال الأهم: إلى أي مدى يمكن لإيران تقديم تنازلات في هذا الملف دون أن تضعف موقفها الاستراتيجي في المنطقة؟ من جهة، تسعى إيران إلى تحسين علاقاتها مع الغرب، خصوصًا بعد سنوات من العقوبات الاقتصادية التي أثرت بشكل كبير على اقتصادها الداخلي. ومن جهة أخرى، تعلم إيران أن أي تراجع عن دعم أذرعها العسكرية، مثل حزب الله، قد يضعف قدرتها على التأثير في الشرق الأوسط، خصوصًا في مواجهة خصومها مثل إسرائيل.
من المهم أن نلاحظ أن إيران قد تستخدم مسألة دعمها لحزب الله كورقة تفاوضية. قد تتعهد بتقليص هذا الدعم أو ضبطه في إطار محادثات أوسع مع الولايات المتحدة، خصوصًا إذا ما كانت تلك الخطوة قد تحقق مكاسب اقتصادية كبيرة. لكن في نهاية المطاف، من غير المرجح أن تتخلى إيران بشكل كامل عن حزب الله، نظرًا لأهميته الاستراتيجية. الإجابة عن هذا السؤال تعتمد على مدى استعداد إيران للتخلي عن نفوذها الإقليمي في مقابل المكاسب الاقتصادية التي قد تجنيها من التوصل إلى اتفاق نووي جديد. ويظل إيجاد مخرج يجمع بين الحفاظ على أذرعها العسكرية من جهة، وتحسين علاقاتها مع المجتمع الدولي من جهة أخرى، تحديًا كبيرًا لإيران، سواء في الوقت الحالي أو السنوات المقبلة.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: إيران القوى الإقليمية منطقة الشرق الاوسط الدعم العسكرية المنطقة توازن إيران الولایات المتحدة فی المنطقة خصوص ا فی حزب الله من خلال من جهة

إقرأ أيضاً:

من أمن العقوبة أساء الأدب.. حمد بن جاسم يتحدث عن مخاطر تجاوز الخطوط الحمراء لإيران وإسرائيل

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- تحدث رئيس الوزراء القطري الأسبق، حمد بن جاسم، السبت، عن إمكانية أن نشهد بداية النهاية للتصعيد الحالي في المنطقة، بشرط احترام ما أسماها بـ"الخطوط الحمراء" لكل من إسرائيل وإيران، وعجز العرب عسكريا عن تغيير الوضع الراهن.

وقال حمد بن جاسم في منشوره عبر حسابه الرسمي على منصة "إكس"، تويتر سابقا: "لست أحاول هنا تحليل الوضع السياسي في المنطقة، ولكنني أظن أننا قد نشهد بداية لنهاية التصعيد الراهن، بشرط أن تُحترم الخطوط الحمراء لكل من إسرائيل وإيران".

وأضاف رئيس الوزراء القطري الأسبق: "فإيران خطها الأحمر الذي لن تسمح أو تتهاون تجاه تجاوزه هو منجزاتها النووية. وإسرائيل في المقابل، تريد عودة الهدوء إلى جبهة الشمال مع لبنان، وضمان ألا يتكرر تعرضها لأي هجوم إيراني كالذي حدث مؤخراً، وما حدث في 7 أكتوبر".

وأردف حمد بن جاسم قائلا: "وكذلك فإن الطرفين ينتظران نتيجة الانتخابات الأمريكية، لمعرفة من سيكون الرئيس القادم في البيت الأبيض. فنتنياهو يريد أن يعرف من سيجلس في المكتب البيضاوي، وما إذا كان سيعطيه ما أعطاه سلفه من وقت ومماطلة قبل الموافقة على وقف إطلاق النار"، حسب وصفه.

وأكد حمد بن جاسم: "المهم عندما تنتهي المعركة الحالية، هل ستكون لدى العرب عموماً والفلسطينيين بالذات، والولايات المتحدة، استراتيجية للوصول إلى حل أو البدء بوضع حلول للقضية الفلسطينية تؤدي إلي حل الدولتين وانطلاق عملية سلام شامل؟".

ومضى يقول: "مع أنى أشك في أن نتنياهو يريد سلاماً عبر حل الدولتين، بل يريد استمرار الوضع الراهن تحت سيطرة حكومته وقواته، وهذا هو التحدي الأكبر. ومع أننا نحن العرب نعترف بأننا عاجزون، عسكرياً أولا، عن تغيير الوضع الراهن، فإنه لابد لنا من أن نضع لأنفسنا استراتيجية لمعركة سلام طويلة واضحة المعالم، تعتمد على المعايير الدولية والقانونية وقرارات الشرعية الدولية. وعلينا أن نعي أن هناك اليوم رأياً عاماً دولياً وشعبياً يساند حصول الفلسطينيين على حقوقهم، وهو ما يجب علينا استغلاله بسرعة من أجل وضع أسس سلام عادل يؤمن للمنطقة الاستقرار، وينهي كل أسباب الإرهاب، ويحبط مخططات من لا يريدون الاستقرار في المنطقة. فنتنياهو يشعر اليوم بنشوة نصر ستتعاظم إذا استطاع أن يحقق في جبهة الشمال نوعاً من التوغل في لبنان، وإذا استطاع أن يقتل في غزة من يسعي لقتلهم، خاصة يحيى السنوار، وبذلك ينتهي التوتر والإرهاب حسب زعمه".

وأشار حمد بن جاسم في منشوره إلى أن "هذه كلها تحديات كبيرة أمام العرب تحتاج إلي تفكير عميق وهادئ، لكن ما أخشاه هو أن يعترينا الوهم حين تنتهي المعركة بأن الاستقرار عاد، فنغرق بعدها في سباتنا العميق كما كان يحدث في السابق، ونفوت على أنفسنا الفرصة لتحقيق الاستقرار، وإفشال مخططات من لا يريدون الاستقرار. وربما تمر هذه الأزمة من دون أن يشتعل فتيل الفوضى وعدم الاستقرار في دولنا بسبب الشعور العام بالإحباط، وأسباب أخرى لا أريد أن أخوض فيها، لكن المستقبل قد يحمل لنا ذلك حين تتزايد الضغوط الشعبية، فتجبر الساسة وأصحاب القرار على اتخاذ قرارات صعبة. ولذلك على العرب أن يبدأوا من الآن من أجل بلوغ السلام".

وأكد رئيس الوزراء القطري الأسبق أنه "كما يعرف الجميع، فعند غزو العراق للكويت كان هناك موقف عربي ودولي موحد تقريباً لإحلال السلام وتحقق تقدم جيد، وهذا ما يجب أن يحصل الآن. وإن لم يحصل وتم تجاوز الخطوط الحمراء التي أشرنا إليها، فإننا سنرى توتراً وحرب استنزاف طويلة الأمد في المنطقة، لأنه قد لا يبق لإيران ما تخسره، وستستغل ذلك الجهات التي تريد استمرار التوتر، وكما قال المثل العربي: (من أمن العقوبة أساء الأدب) وهذا ينطبق على بنيامين نتنياهو أولا"، حسب قوله.

مقالات مشابهة

  • في عيد ميلاده الـ72.. أبرز الهدايا الفريدة التي حصل عليها فلاديمير بوتين
  • "لم ترَ من الدنيا إلا القليل".. حكاية الطفلة «صبا» التي حزنت عليها بني سويف
  • داليا عبدالرحيم: الجماعات الإرهابية تجد في الصراع الإيراني الإسرائيلي فرصة لتوسيع نفوذها.. خبير: فرص التصعيد بالمنطقة أكبر من التسوية.. ونتنياهو يسعى لتغيير الشرق الأوسط
  • الكشف عن الاسباب الخفية التي أجبرت إيران للتخلي عن صبرها الاستراتيجي والرد بهجوم صاروخي مفاجئ على إسرائيل
  • دراسة: نصف السعرات الحرارية التي يحصل عليها الأطفال مصدرها الأطعمة المصنعة
  • القتال بين إسرائيل وجماعات موالية لإيران في المنطقة يضع دولا عربية في مأزق
  • من أمن العقوبة أساء الأدب.. حمد بن جاسم يتحدث عن مخاطر تجاوز الخطوط الحمراء لإيران وإسرائيل
  • صريح جدا / التابعة والعين .. هذه هي الأشياء التي يملكها الجزائري ويحسده عليها الآخرين !
  • من "الأم الحنون الحامية إلى دور المتفرج".. كيف فقدت فرنسا نفوذها في لبنان؟