التمسك بالخصائص الوطنية
تاريخ النشر: 7th, October 2024 GMT
محمد بن رامس الرواس
"إن هويتنا الوطنية العُمانية هي درعنا الحصين الذي نتحصن به من الأفكار الضالة التي بدأت تنتشر في مجتمعاتنا العربية والإسلامية لذا وجب علينا كمجتمعات تنافح عن أسرها أن نتمسك بالثوابت الراسخة لقيمنا ومبادئنا الإسلامية والعربية لكي نظل متواصلين مع قيمنا الأصيلة نحمي أسرنا ومجتمعاتنا من كل فكر ضال دخيل يبحث عن بذرة شيطانية يُمكن أن يزرعها".
كانت بحق واحدة من أنجع المحاضرات التي استمعت إليها مؤخرا في شأن الخصائص والآثار التي تدعو إلى التماسك المجتمعي والأسري، كانت محاضرة قيّمة تلك التي ألقاها الشيخ الدكتور كهلان الخروصي مساعد المفتي العام للسلطنة، في مجمع السلطان قابوس للثقافة والترفيه بصلالة خلال فعالية "جسور.. عُمان هوية وحضارة" تحت شعار "هويتي" التي أقامتها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية.
ودعوني أشارككم بعض فصولها، فلقد توقفت بتمعن عند مجموعة من المحاور التي طرحها فضيلته كان أولها التعريف بالخصائص المميزة للهوية العُمانية والتعريف بمقوماتها الأساسية: الدين واللغة والخصائص الوطنية ثم تفاعلها من أجل التنمية والتطوير وهذه مقومات أساسية لكل هوية يراد لها البقاء والاستمرار والثبات؛ حيث يأتي الدين أولا؛ لأنه رأس الأمر ثم اللغة التي تعُد وجه الهوية ولسانها الناطق والمعبر عنها والموضح لها. ثم تأتي بعد ذلك الخصائص الوطنية التي تهتم بالتاريخ الذي هو من صنع الإنسان في المكان والزمان الذي وهبه الله للأوطان. يلي ذلك الجغرافيا التي هي صنع الله تعالى للإنسان.
وأكد فضيلته أن الخصائص الوطنية تعنى أيضاً بالقّيم والعادات والأعراف الحسنة النبيلة فإذا اجتمعت جميعها معاً وأضيفت إليها الأخلاق الحميدة وتوجت بحديث الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام "لو أنَّ أهل عُمان أتيت ما سبوك وما ضربوك" وما خصَّ به الرسول أهل عُمان تحديدا بجغرافيتهم وموقعهم وأناسهم وفي الحديث تنويه واضح لأعلى شمائلهم وخصائصهم وصفاتهم وهي إشارة منه عليه أفضل الصلاة والسلام لأن أهل عُمان أهل علم وعفاف وتثبت لذا وجب علينا التعريف بهذه الشمائل ليتعرف عليها أبناؤنا ومجتمعاتنا ومربونا لكي يتم تربية أبنائنا على نفس النهج ونفس الصفات ونفس هذه الصفات المباركة ولكي يتمكنوا من غرس هذه المعاني لدى الناشئة.
ثم أضاف قائلاً إن من الخصائص الوطنية التي تهدف إليها هذه الفعالية التماسك الأسري والتماسك المجتمعي والتماسك الوطني وتتمثل في محورين أساسيين هما الحقوق من القيم الشرعية والأحكام والآداب وكل ما يتعلَّق بالحقوق داخل الأسرة والحقوق المجتمعية بصفة عامة هذا بالإضافة إلى الحقوق التي تكون على المستوى الوطني من خلال ما تناولها العلماء والأدباء حيث لدينا من الإرث الحضاري العُماني ما يعمق هذه الحقوق ويغرسها باستمرار فهي قيم وحقوق وواجبات ثابتة، ومن الواجب علينا أن نُعرف به ونعمل على تنميتها وتزكيتها وتطويرها.
والمحور الثاني محور الأخلاق والشمائل بمفهومها الشامل منظومة القيم ولقد أشار فضيلته إلى أنَّ القيم في هذا الوقت هذا العصر أصبحت مستهدفة عبر العديد من الوسائل والأدوات التي لا يُمكن صدها لأنها تغزو بيوتنا فتصل إلى عقول وأفئدة أبنائنا ومجتمعاتنا لذا وجب علينا أن نتدارك الوضع ونُقدم البدائل المناسبة الموثوق بها التي تملأ لهم هذا الفراغ وتحصنهم من الماديات التي تقصف بهم بعيدا متى استفحلت.
وقد ختم فضيلته محاضرات القيمة بأهمية تفاعل هذه الخصائص التي ذكرها مع المتغيرات من حولنا وأكد على أن الدين هو مربط الفرس فننبذ ما لا نحتاجه فإننا بعون الله تعالى يمكننا أن نتفاعل مع المتغيرات حولنا وأن نجعل من هذه المتغيرات فرصًا لتعزيز هويتنا الوطنية العُمانية ونشرها لما تنطوي عليه من دين قويم وقيم سمحة ومن لسان صادق ومن معانٍ وطنية تدعو إلى التماسك والعز والحق والعدالة، حينها يمكن لنا أن نتفاعل تفاعلا إيجابياً مع المتغيرات من حولنا فتبقى هويتنا نابضة ثابتة وراسخة مصونة بعون الله وبفضله.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
ما هي عقيدة القدر المتجلي الخطيرة التي يسعى ترامب إلى إحيائها؟
في مستهلّ ولايته الرئاسية الثانية، وأثناء خطاب تنصيبه في 20 يناير/كانون الثاني، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب: "من هذا اليوم فصاعدًا، ستزدهر بلادنا وتُحترم مجددًا في جميع أنحاء العالم. سنكون محط غيرة كل أمة، ولن نسمح لأنفسنا أن يستغلّنا أحد بعد اليوم. خلال كل يوم من أيام إدارة ترامب، سأضع ببساطة، أميركا أولًا".
وأضاف: "ستستعاد سيادتنا، وسيُعاد الأمن إلى ربوعنا، وموازين العدالة إلى نصابها. وأولويتنا القصوى ستكون بناء أمة فخورة، مزدهرة، وحرة. ستصبح أميركا قريبًا أعظم، وأقوى، وأكثر تفوقًا من أي وقت مضى".
وأردف قائلًا: "من هذه اللحظة فصاعدًا، انتهى انحدار أميركا". مؤكدًا: "لقد أنقذني الله لأجعل أميركا عظيمة مرة أخرى". كما عبّر عن رغبته في تغيير "اسم خليج المكسيك إلى خليج أميركا"، وأعلن عزمه على "إرسال رواد فضاء أميركيين لغرز العلم الأميركي على كوكب المريخ". وختم مؤكدًا: "نحن شعب واحد، وعائلة واحدة، وأمة مجيدة واحدة تحت قيادة الله".
لكن التصريح الأكثر إثارة للجدل جاء في نهاية يناير/ كانون الثاني 2025، حين كشف ترامب في مقابلة عزمه على استعادة قناة بنما، وقال صراحة: "لقد بنيناها، دفعنا ثمنها، ولن نتنازل عنها للأبد"(رويترز-2025).
كما ألمح إلى إمكانية ضم غرينلاند وكندا قائلًا: "غرينلاند أراضٍ بكر، غنية بالموارد، وهي أقرب إلينا من بعض ولاياتنا" (أسوشيتد برس 27 يناير/ كانون الثاني 2025).
إعلانمن خلال هذا الخطاب، أعاد ترامب إلى الواجهة مفهومًا أيديولوجيًا عميقًا من تاريخ أميركا السياسي، وهو مفهوم "القدر المتجلي" (Manifest Destiny)، الذي برز في أربعينيات القرن التاسع عشر، وتحوّل إلى عقيدة قومية تبرّر التوسع باسم "الإرادة الإلهية".
إعلان ترامب أن "الحقبة الذهبية لأميركا تبدأ الآن"، وغرز العلم الأميركي على المريخ، لم يكن مجرد دعاية انتخابية، بل إحياءً لواحدة من أخطر العقائد الأميركية: "القدر المتجلي"، التي تبرر التوسع الإمبراطوري باسم "الإرادة الإلهية".
جذور الفكرة: من الإبادة إلى الإمبراطوريةنشأت فكرة "القدر المتجلي" على يد الصحفي الأميركي جون أوسوليفان، في عام 1845، الذي دعا الأميركيين إلى اعتبار أنفسهم شعبًا مختارًا من قبل العناية الإلهية، ومكلَّفين بنشر الحضارة (وفق الرؤية الغربية البروتستانتية الأنجلوسكسونية) عبر القارة الأميركية، ومن ثم إلى العالم بأسره.
وفقًا لهذا التصور، فإن "القدر" قد حدد غايته واختار"البيض الأنجلوسكسون البروتستانت" كحاملي هذه الرسالة، ومكّنهم من الهيمنة على الأراضي الهندية أولًا، ثم التوسّع خارج الحدود الجغرافية الطبيعية. إن "القدر"، كما رآه أوسوليفان، يجب أن يُرسم بخط مستقيم يقود نحو مستقبل تتسيّده أميركا كقوة مُخلِّصة ومهيمِنة.
على الرغم من صياغتها بخطاب سياسي وعلماني، حملت هذه العقيدة جوهرًا استعلائيًا عرقيًا ودينيًا، إذ قدمت فكرة أن الرب فضَّل "البيض الأنجلوسكسون البروتستانت"، وجعلهم "شعبًا فوق كل الشعوب"، مما ساهم في تبرير الإبادة ضد السكان الأصليين، والتوسعات الأميركية مثل شراء لويزيانا (1803)، وضم تكساس (1845)، والحرب مع المكسيك (1846-1848)، وضم كاليفورنيا، وأريزونا، ونيو مكسيكو، وصولًا إلى غزو الفلبين، وهاواي، وبورتوريكو في أواخر القرن التاسع عشر.
هكذا أصبحت هذه الفكرة غطاءً أيديولوجيًا يخفي الطموحات التوسعية خلف ستار أخلاقي، يجمع بين التفوق العرقي والإرادة الإلهية.
إعلان على خطى أوسوليفانترامب، في إحيائه هذا المفهوم، لم يكتفِ بالرمزية، بل استخدم مفرداته بشكل مباشر: التوسع في الفضاء، إعادة تسمية جغرافيا الآخرين، وتجديد مفاهيم السيطرة القومية.
قد تبدو هذه التصريحات شعبوية، لكنها تُعيد إنتاج خطاب أميركي يرى في بلاده قوة استثنائية، لا تخضع للمعايير العالمية، بل تعيد تشكيلها.
ورغم أن تطبيق هذه الفكرة بدأ قبل تأسيس الدولة الأميركية نفسها، فإن إضفاء الطابع الفكري عليها عبر مبدأ "القدر المتجلي" منح السياسيين لاحقًا غطاءً لشرعنة سياسات الغزو والهيمنة، أو العزلة عند الحاجة.
اليوم، لا يُنظر إلى "القدر المتجلي" كذكرى تاريخية، بل كنهج حي يعود بصيغة جديدة في الإدارة الأميركية. ويتجلى هذا الحضور بوضوح في كتاب (American Crusade: Our Fight to Stay Free ) لوزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث، حيث يظهر الامتداد الأيديولوجي الواضح للفكرة، وإن لم تُذكر بالاسم.
الهيمنة، السيطرة، واستعادة مؤسسات الدولة (كالتعليم، القضاء، الإعلام…) من "اليسار العدو"، كلها تتجسد في مضمون الكتاب، لتصبح العقيدة القديمة أداة حديثة لإعادة "أمركة أميركا"، وتطهيرها من كل ما لا ينسجم مع النموذج المحافظ والإنجيلي الذي يتبنّاه.
النسخة الترامبيةغير أن النسخة الترامبية من هذه الفكرة تبتعد عن الغطاء الأخلاقي التقليدي الذي استخدمته الإدارات السابقة كذرائع لتدخلاتها. فبدلًا من الشعارات حول "حقوق الإنسان" أو "نشر الديمقراطية"، يصرح ترامب بأن الغاية هي المصلحة القومية، والقوة، والهيمنة.
في هذا السياق، يرى بعض الباحثين أن هذا التحول يُعيد الولايات المتحدة إلى منطق الإمبراطوريات القديمة، حين كان التوسع غاية في حد ذاته، وليس وسيلة لتحقيق مبادئ عُليا.
ويقول المؤرخ الأميركي هاورد زين إن: "القدر المتجلي لم يكن أبدًا بريئًا، بل أداة إمبريالية مغطاة بأخلاق مصطنعة"، ويبدو أن ترامب قد قرر إزالة هذا الغطاء نهائيًا.
إعلانتبعًا لذلك، فإن "القدر المتجلي" في نسخته الترامبية لا يتوقف عند الحدود الجغرافية، بل يتعداها إلى الفضاء، والتكنولوجيا، وربما الاقتصاد العالمي.
فالدعوة إلى "استعادة" مناطق مثل كندا، وغرينلاند، تعكس تصورًا للقوة ليس قائمًا فقط على النفوذ، بل على الملكية المباشرة. كذلك، فإن تصريحه بأن على أميركا أن تكون "سيدة الفضاء"، يعكس توجهًا نحو عسكرة الفضاء، في تحدٍّ واضح للاتفاقات الدولية التي تمنع تحويل الفضاء إلى ساحة صراع عسكري.
إن هذا التوجه الأميركي الجديد قد يُنتج عواقب دولية خطيرة، من بينها تصاعد النزعة القومية في مناطق أخرى، وسباق تسلّح في الفضاء، وعودة خطاب الاستعمار والضم إلى واجهة العلاقات الدولية.
خلاصة القول: إحياء ترامب مفهوم "القدر المتجلي" ليس مجرد خطاب بلاغي، بل أداة سياسية تعكس فلسفة حُكم قائمة على السيطرة والتفوق، تُعيد صياغة الهيمنة الأميركية بأساليب معاصرة تتجاوز حدود الزمان والمكان.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline