البطالة المُقنَّعة وكيفية حلها
تاريخ النشر: 7th, October 2024 GMT
علي بن عبدالحسين اللواتي
تُعرَّف البطالة المُقنعة بأنَّها حالة اقتصادية تتسم بعدم استغلال الأفراد لكامل قدراتهم أو مؤهلاتهم في وظائفهم الحالية. يمكن تعريف البطالة المُقنعة على أنها نوع من البطالة؛ حيث يبدو الأفراد أنهم موظفون، لكنهم في الواقع لا يساهمون بشكل فعَّال في الإنتاجية الإجمالية، أو يعملون في وظائف لا تتناسب مع مؤهلاتهم العلمية وخبراتهم.
وهذه الحالة تعاني منها الكثير من المؤسسات الحكومية في كثير من دول العالم وذلك لأسباب متعددة لسنا في صدد تعدادها أو التطرق إليها، والسلطنة ليست بعيدة عن وجود هذه الظاهرة التي لها سلبيات كثيرة أيضًا لست في صدد الحديث عنها هنا.
وتفاقمت هذه الحالة – أي البطالة المُقنعة- في القطاع الخاص العُماني بعد تطبيق قانون توطين الوظائف (التعمين) بصورة مشوهة. وبالتالي ظهرت تحديات مختلفة متعلقة بالتشريعات ونظام الحماية الاجتماعية والاستثمار الأجنبي وخروج رؤوس الأموال وأيضًا لست اليوم بصدد التوغل في هذا الموضوع الشائك.
ولكني أود الحديث بشكل دقيق عن نفس تعريف البطالة المقنعة وكيف يمكن قهر المفهوم والمعنى من الأساس قبل الحديث عن العوارض والأسباب.
وقبل أن أوضح الفكرة بالدقة والتفصيل فإنني سأعرض لكم قصة حقيقية مع شاب عماني في مقتبل العمر اسمه عمر ففي عام 2021 في الأول من يوليو ذهبت لشراء هدية لابني محمد وكنت قد قررت شراء لعبة إلكترونية ولا أفقه في اختيار هذه الأمور، فعند دخولي للمحل (هايبر ماركت معروف) اخترت جهازًا من بين عدة أجهزة وعند الوصول إلى منصة الدفع كان عمر يتثاءب من الملل، فسألته: كيف العمل يا ابني؟
قال: عمي ملل والله، من صبح ماشي شغل
فقلت له: في حالة عدم وجود الزبائن لم لا تقرأ عن هذه الألعاب المُختلفة حتى إذا جاء زبون مثلي تستطيع أن تشرح له الفرق بين هذه الألعاب الإلكترونية.
فقال عمر: كلامك صحيح عمي، وفي هذه الأثناء رأيت امرأة تحاول أن تأخذ غرضاً من الرفوف العليا ولكن طولها لم يسعفها للوصول إلى الرف العلوي، فبادرت قائلاً لعمر: لم لا تُعن المرأة بسرعة لتناولها الغرض الفلاني، فأسرع الشاب وأدى المُهمة.
بعدها سألت عمر: ماذا تريد أن تعمل بدلاً عن هذه الوظيفة؟
قال: أنا أحبذ أن أعمل مندوبًا لتخليص المعاملات.
فتعجبت قائلاً: بني أتعرف أنَّ درجة الحرارة في الخارج جاوزت 40 درجة مئوية وأنت هنا تعمل في المكيف مع وجود إنترنت مجاني.
أرشدته إلى منصة لتعلُّم اللغة الإنجليزية ليستفيد من خلالها في أوقات الفراغ التي يقضيها متململا.
ثم قلت له، إن الخدمة التي قدمتها للمرأة قبل قليل ستجعل هذه الزبونة في المرات القادمة تقصد التعامل معك مباشرة ومع تكرار المشهد مع الزبائن الآخرين هذا سيلفت نظر الإدارة لك وقد يُحقق لك سرعة التقدم نحو الترقي في السلم الوظيفي.
إن تعلمك بعض الكلمات باللغة الإنجليزية يومياً سيخلق لك فرصة وظيفية أفضل في المُستقبل.
قال عمر: عمي ما حد كلمني بهذه الطريقة ولا فمهني إيش المطلوب. خلاص عمي دائماً تشوفني هنا وبعمل كما خبرتني.
لم أراجع عمر ولم أعرف ماذا حصل بعد ذلك. لعلي رأيته في نفس العمل ولكني لم أذهب للتحدث معه.
الخلاصة التي أريد أن أصل إليها وهي كيف يمكن تغيير فكر الموظف أن يكون منتجاً حتى لو أن الوظيفة التي يعمل فيها غير حقيقية أو لا ترتبط بالإنتاجية أصلا.
فعند دخولك لبعض الدوائر تجد أكثر من موظف على الاستقبال وهذه الدائرة قلما يقصدها زائر فحينئذ تعلم يقيناً بأن وجود عدة أشخاص في هذه الوظيفة إنما هي من نسخ البطالة المقنعة.
هنا يأتي دور خلق الإنتاجية الذاتية لرأس المال البشري، بمعنى سواء أكان العمل يقتضي أن تكون له نتيجة ملموسة تضيف إلى منظومة العمل والإنتاج أم لا، فإن الإنسان بما هو إنسان لابد أن يفكر في أن يكون مفيدا لمنظومة العمل والإنتاج على مستوى المجتمع بشكل عام وبدائرة أوسع من حدود الوظيفة التي يعمل فيها.
لذلك فإنه لابد من دور جديد لإدارة رأس المال البشري في خلق فكرة خلق العطاء والإنتاجية بشكل مطلق، كالشمس مثلا فهي تشرق يوميًا للعطاء بغض النظر أن هناك من يتعرض لأشعتها أم لا، فإن مجرد شروقها فإن هناك فوائد متعددة للكون بشكل واسع، لذلك فالنظر للموظف لنفسه بأنه مطلوب منه أم لا يكون عاطلا أو معطلا لمنظومة البشرية للعمل والإنتاجية والتحرك للأمام فإنه سيجعله خلاقاً في التفكير بجوانب مختلفة للعطاء.
فطرح هذه الفكرة في المدارس والجامعات وتأصيلها في الحياة العملية بشكل عام فإن الشخص سيكون منتجاً لا محالة سواء في وظيفته التي لا تتيح له الإنتاجية الحقيقية أم كان في الواقع يعمل في وظيفة ينتظر منه الأداء الحقيقي.
ولهذا فإنَّ هذه الأدوار يجب التركيز عليها من قبل إدارات رأس المال البشري وزيادة الوعي لدى الموظفين حول مفهوم الإنتاجية بشكل أوسع، وكيف يمكنهم الاستفادة من أوقاتهم لتحقيق إنجازات شخصية ومهنية.
وهي كالآتي:
التركيز على مفهوم "إدارة الذات" وتحفيز الموظفين على تحسين أنفسهم وتطوير مهاراتهم، حتى وإن لم تكن هناك مهام واضحة في وقت معين. يمكن تشجيع الموظفين على تعلم مهارات جديدة مثل اللغات، أو المشاركة في ورش عمل، أو العمل على مشاريع داخلية تطوعية.
وضع برامج تدريبية متواصلة للموظفين لتطوير مهاراتهم، بحيث لا تكون البرامج محدودة بالوظيفة الأساسية التي يقومون بها، بل تشمل مجالات أخرى قد تساعدهم على التأقلم والتكيف مع أدوار جديدة في المستقبل. فعلى سبيل المثال، إذا كان الموظف يعمل في مجال محدود ولا توجد له مهام كثيرة، يمكن تدريبه على المهارات الرقمية أو الإدارية أو مهارات التواصل.
تطبيق نظام التناوب الوظيفي يمكن أن يكون مفيدًا للموظفين لاكتساب خبرة جديدة وزيادة معرفتهم بالشركة، وبالتالي تجنب شعورهم بالملل أو عدم الفائدة.
تشجيع الموظفين على تقديم أفكار ومبادرات جديدة لتحسين بيئة العمل أو تحسين العمليات. يمكن أن تكون هذه المبادرات صغيرة، لكنها ستخلق حساً بالإنجاز والانتماء.
ويمكن توسيع هذه الأفكار بشكل أكبر في الاستراتيجية المقترحة، حيث يتم بناء بيئة عمل تعزز الاستفادة الكاملة من الإمكانات البشرية، حتى في ظل وجود بطالة مقنعة، وتوجيه الموظفين للإنتاجية بما يخدم المؤسسة والمجتمع ككل.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مدبولي: انخفاض مؤشر البطالة ليصل إلى نحو 6.6%
وصف الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المشهد العالمي خلال المرحلة الحالية بالضبابية قائلًا إن هذه الحالة تنعكس على توقعات معدلات نمو الاقتصاد العالمي التي تتحول إلى المسار السلبي، لكن في الوقت نفسه تزداد التوقعات الإيجابية الخاصة بالاقتصاد المصري، مُشيرًا في هذا السياق إلى أنه تم تعديل توقعات نمو الاقتصاد المصري من قِبل المؤسسات الدولية نحو الزيادة وليس نحو النقصان، وذلك كله تقديرًا للخطوات التي اتخذتها الدولة المصرية خلال الفترة الماضية.
وأشار رئيس الوزراء إلى الأخبار الجيدة التي تم الإعلان عنها بشأن مؤشر البطالة، مُوضحًا أن المؤشر حقق نتائج جيدة للغاية، حيث انخفض ليصل إلى نحو 6.6%، وهذا يؤكد أن الدولة تمضي في المسار السليم فيما يتعلق بملف التوظيف.
وأضاف: في إطار تركيزنا على ملف الصناعة، واستبدال ما نستورده من الخارج بمكون محلي، وقعنا اليوم اتفاقيتين مهمتين للغاية؛ الاتفاقية الأولى تتعلق بعقد تحالف بين شركة "جيبتو فارما" (مدينة الدواء المصرية)، مع إحدى كبريات الشركات الأمريكية في صناعة الدواء، وذلك بحضور عدد من الوزراء والسفيرة الأمريكية لدى مصر؛ لتعزيز صناعة الدواء في مصر، ومن خلال هذه الشراكة سنحصل على تأهيل هيئة الغذاء والدواء الأمريكية، وهذا يعني أن الدواء المصري سيكون له نفاذية للسوق الأمريكية من خلال هذا الاعتماد، وأن هذا الاتفاق يعد اتفاقًا مهمًا للغاية في زيادة نفاذية وقوة صناعة الأدوية خلال الفترة المقبلة.
وتابع الدكتور مصطفي مدبولي قائلاً: اليوم أيضًا تم توقيع اتفاقية مساهمين لتأسيس شركتين بشأن مشروعين كبيرين للغاية لشركة من الشركات التابعة لوزارة قطاع الأعمال وهي شركة مصر للحرير الصناعي وألياف البوليستر من أجل إنتاج ألياف البوليستر الذي نستورد منه كميات كبيرة للغاية، مُشيرًا إلى أن المشروعين سيعملان على إنتاج البوليستر بغرض تغطية جزء من احتياجات السوق المحلية كما سيكون ذلك فرصة كبيرة للتصدير.
وأضاف رئيس الوزراء أنه كان هناك لقاء مع رئيس الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس مُؤخراً، والذي تم التطرق خلاله إلى مشروع إنشاء شركة متخصصة في مجال صناعة العبوات المعدنية وخدمات الطباعة على الصفيح، لافتًا إلى أن مصر كانت تقوم باستيراد تلك العبوات، إلا أنه مع إنشاء مثل هذه الشركات سيمكننا الوصول إلى الاكتفاء الذاتي في هذا المجال.
وفي السياق نفسه، أشار الدكتور مصطفى مدبولي إلى أن مجلس الوزراء كان قد شهد منذ فترة توقيع العقد النهائي مع مجموعة "شين فينج" الصينية الكبرى لإنشاء مجمع صناعي يضم 9 مصانع كبرى في منطقة قناة السويس، بإجمالي استثمارات تبلغ 1.6 مليار دولار، لافتًا إلى أنه تم منذ أيام قليلة وضع حجر الأساس بالفعل، على أن يتم الانتهاء من المرحلة الأولى العام المقبل، ولذا فملف الصناعة يشهد جديدًا كل يوم، ونحاول التركيز عليه من منطلق أن لدينا أملاً في أن هذا القطاع يعود إلى سابق عهده خلال الفترة القادمة.
واختتم رئيس مجلس الوزراء حديثه، بالإشارة إلى الزيارة التي قام بها أمس لمشروع جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة (الدلتا الجديدة)، ولقائه بجميع المسئولين عن هذا المشروع، وهناك تركيز شديد من الدولة عليه، حتى يرى النور خلال النصف الثاني من هذا العام، ولذا كان هناك تشديد على جميع القائمين على هذا المشروع من جميع الجهات بأن ننتهي من جميع الأعمال في هذا المشروع المهم للغاية الذي يركز على أكثر من 2 مليون فدان، مُؤكدًا أن ما سيتم استصلاحه في هذه المرحلة يتجاوز الزمام الزراعي لخمس محافظات متجاورة مجتمعة، فنحن نتحدث هنا عن دولة جديدة بدون مُبالغة، ولهذا تم تسميتها دلتا جديدة وهي كذلك، مُعربًا عن أمله في أن ترى مصر ثمار هذا المشروع العظيم خلال الأعوام المُقبلة.