"نانا".. أعجوبة الموسيقى الصوتية
تاريخ النشر: 7th, October 2024 GMT
علي بن سهيل المعشني
asa228222@gmail.com
تتسلل ظلال المساء بهدوء من منحدرات جبال ظفار الشامخة، بينما تعزف نسمات "الكوس" العليلة القادمة من بحر العرب سيمفونيتها الفريدة على أغصان الأشجار. وفي تلك اللحظات السحرية، تصدح أصوات الراعيات بألحان "النانا" الشجية.على نظام السوبرانو (1)، هذا الصوت الأصيل ينساب من أعالي الجبال، ويتردد في جنبات الأودية والكهوف، ليشكل معزوفة طبيعية متكاملة؛ حيث تتحول الجبال والأودية إلى منظومة موسيقية تحاكي حناجر المُغنيات وكأنها مزامير داوود.
تُعبر الدخلة اللحنية لهذا الفن.
""نانا نانا نانانا" عن الشكوى والتفاعل العاطفي والوجداني بين مغني "النانا" والطبيعة المحيطة من حوله.
النانا ولد من رحم الخريف:يتمتع فن "النانا" بجغرافية خاصة تتبع امتداد البساط الخريفي الأخضر في سهول وجبال ظفار، بدءًا من "صرفيت" بولاية ضلكوت غربًا، وصولاً إلى أطراف جبل سمحان الشرقية بولاية سدح. يُعتبر "النانا" وليد الخريف، إذ استلهم جماله من الطبيعة الخلابة والإبداع الإنساني الفريد.
النانا تراث إنساني:"النانا" إعجوبة الموسيقى الصوتية النقية، الخالية من الآلات والمؤثرات الصوتية الحديثة. هذا الفن يأخذك إلى تجربة حسية غنية، تجمع بين ضدي الحزن والفرح، مما يمنحه بُعدًا حسيًا لا نهائيًا.
تاريخ فن النانا:يعود أصل فن "النانا" في جبال ظفار، وبدايته بقدم لغة أهل الريف، الجبالية الشحرية. وهو فن نسائي في الأصل، إلا أنه قبل ما يزيد على قرن من الزمان شهد تحولًا بانضمام الرجال إليه، ليصبح جزءًا من تقليد ثقافي مشترك يُعبر عن عبق الماضي وروح الحاضر.
شعر النانا:يشكل الشعر قلب "النانا" و محوره، حيث يتميز بتنوع أوزانه التي تعكس غنى هذا الفن. يعتمد شعر "النانا" على توازن دقيق بين الإيقاع الوزني واللحن، مما يُضفي عليه جمالية خاصة في اللحن والأداء. ومن أبرز أوزان النانا "المثنى"، الذي يتكون من شطرين (صدر وعجز) ويُعد الأكثر شيوعًا وانتشارًا بفضل إيقاعه الغنائي الجذاب بين أنواع شعر النانا. يليه وزن المثولث والذي يتكون من شطرين (صدر وعجز) بزيادة كلمة واحدة لكل شطر عن وزن المثنى. والوزن الطويل يأتي على نفس وزن المثنى بعدد أبيات حسب رغبة الشاعر أو المدى الذي يريده من قصيدة النانا الطويلة.
النانا صورة شعرية:شعراء "النانا" يمتلكون قدرة استثنائية على توظيف الصور و استدعاء المشاهد سواء من الماضي أو الحاضر أو المستقبل، وتوظيف ذلك كله في لوحات فنية تحمل عبق الأرض والتاريخ والخيال والرمزية التي تصل إلى مستوى اللغزية مما يجعل قصيدة النانا لجة عميقة ذات أوجه متعددة تفتح عليها أبواب التأويلات مما يتطلب فهما عميقاً وقراءة متمكنة للمعنى الذي تحمله قصيدة النانا.
بهذا.. يبقى فن "النانا" أحد أبرز الفنون التي تحاكي الروح وتعبر عن أصالة الإنسان والطبيعة، ليظل هذا الفن تراثًا خالدًا يحمل في طياته جمال ظفار وسحرها متوجًا بإبداع إنساني فريد.
--------------
السوبرانو: الصوت النسائي الصادح بأعلى الطبقات.المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
مبادرة لتوطين 40 ألف ذريعة من "الصفيلح" لتعزيز المخزون الطبيعي
صلالة- العُمانية
يُنفذ مركز بحوث الثروة السمكية بمحافظة ظفار التابع للمديرية العامة للبحوث السمكية بوزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه، مبادرة توطين 40 ألف زريعة من أذن البحر "الصفيلح"؛ ضمن أعمال البرنامج الدوري لتعزيز المخزون الطبيعي للصفيلح العُماني، والحفاظ على الموارد البحرية وتحقيق استدامة المصائد السمكية، إذ تشمل المبادرة المناطق الرئيسة للصيد في مرباط وسدح وحدبين وحاسك، بعد انتهاء موسم صيد الصفيلح مباشرةً للعام 2024.
وقال المهندس سالم بن أحمد الغساني مدير مركز بحوث الثروة السمكية بمحافظة ظفار إن هذه المبادرة تعكس إدراك الوزارة أهمية أذن البحر كونه عنصرًا أساسيًّا في النظام البيئي البحري وموردًا اقتصاديًّا وثقافيًّا؛ إذ يُسهم تعزيز المخزون الطبيعي في معالجة مشكلات انخفاض أعداد أذن البحر الناجمة عن الصيد الجائر وتدهور الموائل الطبيعية، مما يعزز استدامة هذا المورد للأجيال القادمة.
وأضاف أن الصفيلح مصدر مهمٌّ للتنوع البيولوجي، ويقوم بدور في دعم التوازن البيئي للشعاب المرجانية، إلى جانب قيمته الاقتصادية العالية، خاصةً في الأسواق الآسيوية، ما يجعل استدامته ضرورة لدعم مصادر الدخل للصيادين المحليين والمجتمعات المرتبطة بهذا القطاع.
وحول أهداف مبادرة برنامج تعزيز المخزون الطبيعي وتوطين زريعة الصفيلح العُماني وضح مدير مركز بحوث الثروة السمكية بمحافظة ظفار أنّ البرنامج يهدف إلى الإسهام في استدامة المخزون الطبيعي للصفيلح في المناطق المستهدفة من خلال توطين زريعة صفيلح مُنتجة في محطة الاستزراع السمكي بولاية مرباط وتوزيعها على مناطق الصيد في محافظة ظفار، مبيّنًا أن هذه الزريعة تُنتج عن طريق تحفيز أمهات الصفيلح للتكاثر في الأحواض، ثَمَ تربية الصغار المُنتجة لمدة تصل إلى 8 أشهر قبل استخدامها في أنشطة التوطين.
وتابع أنّ الزريعة المُنتجة تخضع للفحص المخبري للتأكد من خلوّها من مسببات الأمراض قبل توطينها في الطبيعة، ومن المتوقع أنّ تعود هذه الجهود بالفائدة على الصيادين المحليين من خلال زيادة الإنتاجية في المستقبل، إلى جانب دعم الصناعات المتعلقة بتجهيز وتصدير أذن البحر.
وأوضح أنّ هذه المبادرة تُسهم في وعي المجتمع المحلي بأهمية الممارسات المستدامة، مما يعزز روح الشراكة مع الصيادين للحفاظ على الموارد البحرية، بالإضافة إلى توفير الفرصة لجمع البيانات اللازمة لتحسين استراتيجيات إدارة المصائد البحرية في المستقبل.
وعن التحديات التي تواجهها المبادرة بيّن مدير مركز بحوث الثروة السمكية بمحافظة ظفار أنه رغم النجاح الأولي للمبادرة، لا تزال هناك تحديات تتعلق بمعدلات بقاء أذن البحر المزروع ما يتطلب تعزيز الجهود لحمايته من المفترسات والضغوط البيئية، إلى جانب استعادة وحماية الموائل الطبيعية التي تعد أساسية لنجاح توطين أذن البحر، مؤكدًا على أنّ تطبيق اللوائح المنظمة للصيد، المتمثلة في تحديد المواسم والأحجام المسموح بصيدها، يعد أمرًا بالغ الأهمية لضمان استدامة هذا المورد، لافتًا إلى أهمية إشراك المجتمعات المحلية في هذه الجهود من أجل تحقيق نجاح مستدام للمبادرة.
وأكد مدير مركز بحوث الثروة السمكية بمحافظة ظفار على أنّ توطين زريعة أذن البحر وتعزيز مخزونه الطبيعي يمثل خطوة إيجابية نحو تحقيق الاستدامة البيئية والاقتصادية لمصائد في ظفار، خاصةً إذا تزامنت هذه الجهود مع استراتيجيات فعّالة للرصد والحماية، كما يمكن أنّ تصبح المبادرة نموذجًا يُحتذى به في إدارة الموارد البحرية على المستويين الإقليمي والعالمي.