سلوكيات وتصرفات تقلقنا
تاريخ النشر: 7th, October 2024 GMT
سعيد بن سالم البادي
أشرتُ في المقال السابق بعنوان "الهدوء العُماني ودوره في اتخاذ القرار"، إلى ما معناه أنَّ الهدوء هو العامل الأبرز في جعل اتخاذ القرار العُماني متزناً يتوافق مع ميزان العدل في كل الظروف والمواقف، كما أشرت إلى أنَّ هناك بعض السلوكيات والتصرفات الدخيلة التي بدأت تظهر في المجتمع ولا شك أنَّها تصدر من جاليات تعودت على عدم الانضباط في السلوكيات والتصرفات غير المتوافقة مع المجتمع العماني وكذلك تصدر من قلة قليلة من أفراد المجتمع العماني المقلدين لتلك الفئات الخارجة عن الانضباط السلوكي.
السلوكيات والتصرفات الدخيلة علينا والتي أتحدث عنها أرى أنها ستؤثر على الهدوء وتجعله في مهب الريح وإن لم نشعر بهذا التأثير في الوقت الراهن إلا أننا سنجد أنفسنا في دوامته السلبية في المستقبل القريب إن لم نتلافاه في بداياته ونقضي عليه بالإجراءات المناسبة التي تمنع تغلغله واستفحاله في بيئتنا المجتمعية الهادئة فيجب أن تكون لدينا نظرة بعيدة المدى في مثل هذه المواقف.
فمن تلك السلوكيات ما يلاحظه الجميع في بعض الأحياء السكنية ولا سيما منطقة الخوير بمسقط وبعض الأحياء الأخرى؛ وذلك من قبل بعض الجاليات التي تفرض واقعها في تلك الأحياء السكنية وهي من الجاليات التي دخلت في المجتمع بقوة في الآونة الأخيرة؛ حيث إن البعض يجلس في المقاهي في هذه الأحياء السكنية فيطلق من الهواتف أصوات الموسيقى والمقاطع الصوتية وأصوات الأغاني والموسيقى الصاخبة ناهيك عن بعض المخالفات التي ترتكب من قبلهم كمخالفات التدخين في المطاعم والمقاهي ولا نجد من يتصدى لهذه المُخالفات البينة.
كما يتلاحظ تشغيل الأغاني الصاخبة في الشقق والبيوت التي يشغلونها بصورة مزعجة تخرج من نوافذ مساكنهم في بعض الأحيان وأثناء سيرهم في الطرقات وتشغيل مكبرات الصوت وسماعات المركبات أثناء القيادة إضافة على ذلك أصوات الضحكات التي يصدرها الرجال والنساء في المحلات والمتاجر وبين الأزقة والحوائر وكذا الإزعاج الذي يصدر من نوافذ المساكن طوال الليل في بعض الأحيان دون أدنى مراعاة للآخرين مما يسبب قلقاً وإزعاجاً لكافة القاطنين في المبنى والمباني المجاورة متجاهلين مبدأ انتهاء حريتي أينما تبدأ حرية الآخرين.
وهذا لا يعني أننا نعارضهم في الاستماع إلى ما يريدون الاستماع إليه وإنما نقول أن يستمعوا إلى ما يريدون السماع إليه في حدودهم ولا يسمِعون غيرهم حتى يبقى الهدوء هو سيد الموقف الذي يحتاج إليه الجميع للاستمتاع بما يريد أن يستمتع به وبحرية تامة لا يعكرها أي من المخالفات القانونية أو الأدبية والعادات والتقاليد المجتمعية.
كذلك يتلاحظ أن البعض من هذه الجاليات يقودون مركباتهم في الأزقة والحوائر بسرعة عالية وبتهور ورعونة وكأنَّ قائد المركبة يقود مركبته في طريق سريع لا اعتبار لمسن ولا لطفل ولا لأي عابر طريق ضاربين بقواعد المرور وأنظمته عرض الحائط، فهنا يجب أن يتم التصدي لمثل هذه السلوكيات والتي هي من الأولويات في الحفاظ على السكينة العامة.
ناهيك عن السلوكيات والتصرفات اللا أخلاقية وسط الأحياء السكنية التي تسكنها العوائل وأمام المارة من النساء والرجال، وكأننا تحررنا من أي قيمة أخلاقية؛ فعدد من نساء تلك الأحياء لا يستطعن الخروج من بيوتهن استحياءً مما يشاهدنه في الطريق وأمام أعين الجميع فأصحاب المركبات يقفون وسط الطريق للمفاصلة على أسعار الرذيلة وبدون أي حياء من قائدي تلك المركبات وتلكم النساء اللاتي يعرضن أنفسهن على الراغب وغير الراغب وكأن الأمر أصبح جبراً شئت أم أبيت فلا غيرة تحركنا ولا ضمير يؤنبنا ولا مسؤولية تيقظنا فأصبح الأمر أمراً واقعاً لا أحد يستطيع أن يحرك ساكناً تجاهه.
فإن كنَّا نعتبر تلك السلوكيات من الحرية الشخصية فلنقرأ على أنفسنا وعلى الحرية الشخصية وقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا ومجتمعنا المحافظ الفاتحة سبعًا! وإن اعتبرناها من السياحة، فعلينا أن نرفع سقف ميزانية وزارة الصحة للعلاج من الأمراض المُعدية والأمراض الوبائية التي تكلف نفقاتها الوزارة المبالغ الباهظة، التي يجب أن تذهب وتوظف لمهام تأتي في قمة الأولويات لوزارة الصحة ولا تذهب لأمر يجب علينا قطع الطريق عليه بتدابير تكلفتها لا تقارن بما ينفق على مكافحة تلك الأمراض وعلاج أولئك المرضى، والتدابير التي أقصدها هنا هي في الأصل من أولويات الواجبات التي تناط بها المؤسسات الحكومية في اتخاذها للحفاظ على الصحة العامة وهنا تتجلى أهمية هذه التدابير للتصدي لمثل ما نحن بصدده والذي هو عامل رئيسي في تهديد الصحة العامة بما ينشره من الأمراض المعدية والمتعددة.
نداؤنا للجهات المعنية بهذه الملاحظات والتي تهدد قيمنا وعاداتنا وصحتنا ومبادئنا أن تقوم بواجبها المقدس كما عهدناها وكما هي قائمة بدورها الملموس في كافة المجالات المنوطة بها والشكر والتقدير لها عالياً على محاولاتها في التصدي لما يصلها من هذه السلوكيات والشكر والتقدير موصول أيضاً لشرطة عمان السلطانية في بذل الجهود الملموسة واتخاذ الإجراءات القانونية لردع العابثين بالسكينة العامة والصحة العامة وحماية كل ما من شأنه استقرار أمن وطمانينة النسيج العماني بكل أطيافه ممن يتنعمون بالعيش على تراب هذا الوطن الآمن المستقر.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
هل تنجح الأحياء التخليقية في مواجهة التحديات؟
أ.د. حيدر بن أحمد اللواتي
في القرنين الأخيرين ومع تطور التقنيات وكثرة استخدام الآلة والأجهزة الصناعية، إضافة إلى اختراع الإنسان لعدد كبير من الكيمياويات المصنعة، والتي تم استخدامها في مختلف المجالات التي يحتاجها الإنسان، برزت تحديات جديدة ومعقدة للغاية، ومن هنا فإن عددا من العلماء يرى أن علم الأحياء التخليقية يمكنه أن يلعب دورا رائدا في إيجاد حلول ناجعة لهذه التحديات.
فمثلا يعتقد البعض أن الأحياء التخليقية هي الوسيلة المتاحة حاليا للتنوع البيولوجي، فمن أهم الأمور التي تؤدي إلى التوازن البيئي هو التنوع البيولوجي، ويقصد به تنوع أشكال الحياة وغناها بصورها المختلفة، ولكن ما يحدث الآن أن الإنسان وبسبب التمدد العمراني وزيادة عدد السكان فإنه بدأ يغزو مختلف البيئات كالسهول والجبال والغابات والوديان والصحاري، وأدى هذا التوسع إلى القضاء على عدد كبير جدا من الكائنات الحيَّة، وسيؤثر ذلك حتماً على كوكب الأرض وعلى التوازن البيئي بشكل كبير، ولذا فالحل يكمن في نظر هؤلاء في الأحياء التخليقية، فهذا العلم سيسمح لنا بإرجاع بعض الحيوانات المنقرضة إلى الحياة مرة أخرى وسيسمح لنا بتخليق كائنات حيَّة مبتكرة لم نعرفها من قبل وكل ذلك سيُساهم في التنوع الأحيائي.
وهناك من يرى أن حلول التحديات البيئية التي نواجهها اليوم بسبب التطور الصناعي إنما تكمن في الأحياء التخليقية، فلقد نتج من التطور الصناعي تحديات كبيرة مرتبطة بالبيئة، فعلى سبيل المثال فإن البلاستيك بأصنافه المختلفة يعد مشكلة بيئية كبيرة، وبالمقابل فإنه من الصعب التخلي عن استخدامه، ولذا فالبديل المطروح هو البلاستيك الصديق للبيئة والذي يمكن الحصول عليه من خلال الأحياء التخليقية، بل إن هناك من يرى أن التحديات التي نواجهها في الاحتباس الحراري يمكن استخدام الأحياء التخليقية لإيجاد حلول ناجعة لتلك التحديات فعلى سبيل المثال تؤدي عملية التمثيل الضوئي دورًا مُهمًا وبارزًا في الحفاظ على الحياة على كوكب الأرض؛ إذ إن النباتات تقوم بامتصاص غاز ثاني أوكسيد الكربون من الهواء في هذه العملية، والسؤال الذي يثيره بعض الباحثين هو هل بإمكاننا أن نتدخل جينيا في تغيير النباتات بحيث تكون أكثر كفاءة للقيام بعملية التمثيل الضوئي وتكون لديها قدرة على امتصاص كميات أكبر من غاز ثاني أوكسيد الكربون وبالتالي نخفف من تراكيز هذا الغاز في الغلاف الغازي.
ويدفع النجاح الكبير الذي حققته الهندسة الجينية والتقنية الحيوية في إيجاد حلول ناجعة للأمراض المستعصية، كمرض السكر، الكثيرين إلى المضي قدماً في علوم الحياة ومحاولة إيجاد علاجات فاعلة باستخدام الأحياء التخليقية، حيث يرى الكثيرون إن التطور في تقنيات المقص الجيني وفي علوم الحاسوب والذكاء الصناعي يسمح بعمل نماذج دقيقة للغاية للشفرة الوراثية والتحقق من سلامتها وفاعليتها من خلال عمليات المحاكاة التي تسمح بها أنظمة الحاسوب الحالية للقيام بها بسهولة، فالدواء المخصص لمرض الملاريا (Artemisinin) على الرغم من فاعليته، إلّا أن ارتفاع سعره كان تحدياً وذلك لأنَّ النبات الذي ينتج هذه المادة ينمو في بيئات معينة ويتأثر بالظروف المناخية التي يتعرض لها النبات، وللتغلب على هذه التحديات تم استخدام التقنيات الحيوية المختلفة لإنتاج هذا المركب الكيميائي وذلك عبر الأحياء التخليقية للخميرة وتغيير التشكل الجيني لها، وقد حققت التقنية نجاحًا باهرًا في توفير المركب وبسعر زهيد نسبيًا.
وهناك أمراض جينية سببها جين معين كمرض فقر الدم المنجلي، ولذا فان التقنيات الحالية تسمح بإجراء تغييرات جينية لمنع حدوث هذا المرض والأمراض الأخرى التي تشابها.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه، ما الحد المسموح به للتدخل في طبيعة الكائنات الحية وإجراء تغييرات فيها؟ وهذا ما سنلقي عليه الضوء في مقالنا المقبل، وللحديث بقية.
سلسة من المقالات عن تاريخ علوم الحياة وحاضرها وفلسفتها والتقنيات القائمة عليها** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس
رابط مختصر