كثرت المناشدات لإنارة الطرق السريعة، وقبل فترة نشر تقرير صحفي بعنوان: "الظلام يهدد حياة مستخدمي طريق الشرقية السريع.. ومطالبات بتشغيل الإنارة"، بسبب حيوية هذا الطريق ودوره.
صحيح عندما نسافر أوروبا لا نشهد إنارة في الطرق الطويلة ليلا، لكننا نشهد فيها عددا من المواصفات التي لا تتوفر في طرقنا السريعة، فقد أنشئت طرقنا بمواصفات الإنارة، لذا نشهد وجود أعمدة الإنارة فيها.
مهندسو الطرق يعلمون أن التخطيط لطريق بوجود إنارة يختلف تماما عن التخطيط لطريق بدون إنارة، فنشهد في طرق أوروبا ابتعاد المسارين، مسار الذاهب والمسار الآتي بعيدا عن بعضهما البعض بمسافة تتسع وتضيق بحسب الاحتياج البصري، ومدى إنارة مصابيح السيارات لمستخدمي المسارين، فعندما يضيق نلاحظ ارتفاع أحدهما عن الآخر ارتفاعا يوفر مساحة أمان كي لا يحصل العشى البصري، ولا تحصل الاصطدامات الخطيرة بين السيارات الذاهبة والآتية، فأحيانا كثيرة شدة الفرملة أو حادث ما في مسار معين يدفع بالسيارة إلى المسار الآخر الملاصق إلا من حاجز حديدي، مما يشكل خطورة قصوى على سيارات المسار الآخر التي تسير بسرعتها الاعتيادية المرتفعة. ونتذكر الحوادث الخطيرة التي كانت تحصل في شارع السلطان قابوس وقفز السيارات للمسار الآخر، مما اضطر المعنيين إلى استبدال الحاجز الحديدي بقطع خرسانية ضخمة على طول المسار، والأمر من أهم عيوب المسارين المتلاصقين، وهذا لا نكاد نجده في أوروبا على طرقاتهم الطويلة بين المدن.
إن تلاصق المسارين يؤذي بصر من يسير على المسار المعاكس في حال استخدام إضاءة علوية لاستكشاف الطريق المظلم، فلا يكاد يبصر صاحب المسار المعاكس الطريق وخاصة في المنحنيات، حيث تضرب إضاءة المصابيح في عينيه مباشرة، وتغشي بصره، مما يعرضه لفقدان التوازن والاصطدام والحوادث، لكن هناك حاجة ملحة لاستخدام الإضاءة العلوية طوال الوقت بسبب الظلام الدامس والشديد وخاصة مع الشعور بوجود منحنى لموازنة حركة وسرعة السيارة، لذا نلاحظ كثرة الحوادث في المسارين وآثارها على الأسفلت وعلى الحواجز الحديدية.
الشيء الآخر أن طرق أوروبا مليئة بعشرات وعشرات العلامات التي تضيء بمجرد انعكاس أضواء السيارة، علامات علوية وسفلية، علامات على الأرضية وأخرى جانبية وثالثة فوق الحواجز ورابعة فوق أعمدة وضعت خصيصا لذلك، ونتعجب من كثرتها وتناسقها مع بعض وتآزرها، وخاصة في المنحنيات والمتعرجات والطلعات والمخارج ولدى الصعود والهبوط، فتوفر سهولة قيادة دون الشعور بحاجة إلى إنارة أخرى، وهذا غير متوفر لدينا، ولا اعتقد أن هناك جهة استطاعت مراكمة هذه الكفاءة لعدم استخدامنا لها طوال السنوات الماضية بسبب توفر الإنارة.
الأصعب والأعقد من كل ذلك في طرقنا السريعة المخارج والمطالع للقرى والبلدات والمناطق، فهي أيضا صمّمت على أساس وجود إنارة، ومع افتقاد الإنارة تحصل حوادث قاتلة جدا بسبب عدم القدرة على تمييز المخارج والمطالع في الظلام الدامس، وعدم كفاية العلامات والإرشادات، وبنية الطريق نفسه ومساراته، وهذه البنية تختلف تماما عن طرق أوروبا.
أتحدث عن الأمر عن تجربة لأكثر من مرة، رغم أن الذي كان يقود السيارة أحد الأكفاء في القيادة، لكن قررنا بعدها أن الأفضل السير ليلا في الطرق المضيئة وان كانت طويلة ومرهقة وتشهد ازدحاما.
ومع حقيقة إنشاء هذه الطرق بمواصفات معينة، فلا يمكننا هدمها وإعادة بنائها، وإنما ضرورة توفير الإنارة كي نجنب أنفسنا الكثير من الحوادث والمآسي، فالتنمية وسيلتها وعمادها الإنسان، وأن يتم التخطيط مستقبلا لطرق بدون إنارة وبمواصفات الطرق الأوروبية.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
مصر ترسم خارطة الطريق.. كيف تخطط للاستفادة من مشروعات الطرق وشبكات النقل لدعم الاقتصاد؟
أدركت مصر خلال السنوات الأخيرة أهمية تطوير البنية التحتية كركيزة أساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية، لذلك ركزت الدولة جهودها على تحسين شبكات الطرق والكباري والنقل، بالإضافة إلى إنشاء شبكة اتصالات حديثة، وتوفير البيانات والمعلومات اللازمة، فضلًا عن إعداد خريطة استثمارية شاملة لدعم جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية.
ممرات لوجستيةوفي إطار خطة الدولة لتحقيق التنمية المستدامة وتحويل مصر إلى مركز إقليمي للنقل واللوجستيات، تنفذ وزارة النقل المصرية عددًا من الممرات اللوجستية التي تهدف إلى ربط الموانئ البحرية المصرية ببعضها وربط مناطق الإنتاج والتصدير، مع التركيز على إنشاء مجتمعات صناعية وزراعية وعمرانية جديدة.
وتعتمد هذه الممرات على شبكة السكك الحديدية والقطارات الكهربائية السريعة التي تربط المدن والمحافظات ببعضها، ما يسهم في تعزيز الاستثمار وخلق فرص اقتصادية جديدة.
مشروعات كبرى لتطوير شبكة النقلبدأت مصر إنشاء شبكة القطار الكهربائي السريع، والتي تضم خطين رئيسيين بطول 2000 كيلومتر ويربط الخط الأول بين ميناء العين السخنة على البحر الأحمر وميناء الإسكندرية ومدينة العلمين الجديدة وميناء جرجوب على البحر المتوسط، مما يعزز الربط بين البحرين الأحمر والمتوسط كقناة موازية لقناة السويس. أما الخط الثاني، فيربط مدن صعيد مصر بالطريق الصحراوي الغربي، ما يخلق محاور تنموية تخدم حركة السياحة والصناعة، ويُنتظر قريبًا البدء في تنفيذ الخط الثالث الذي سيربط المدن الساحلية بمناطق نهر النيل، مما يتيح ربط المناطق الصناعية والزراعية بالموانئ.
استثمارات أجنبية وتنمية المناطق اللوجستيةتشهد الممرات اللوجستية الجارية تنفيذها اهتمامًا كبيرًا من المستثمرين الأجانب، خاصة في الموانئ البحرية والمناطق الجافة واللوجستية.
وتم التخطيط لإنشاء 7 ممرات لوجستية متكاملة تخدم أهداف التنمية المستدامة. تشمل هذه الممرات:
- ممر السخنة – الإسكندرية اللوجيستي: يربط المناطق الصناعية والموانئ الجافة بميناء الإسكندرية الكبير.
- ممر العريش – طابا اللوجيستي: يمر عبر مناطق الصناعات الثقيلة في سيناء لتعزيز التنمية في شبه الجزيرة.
- ممر القاهرة – أسوان – أبو سمبل اللوجيستي: يشمل الخط الثاني للقطار الكهربائي السريع ويدعم المناطق الزراعية والسياحية في الصعيد.
كما تم تطوير خطط للاستفادة من نهر النيل كوسيلة نقل، مما يخفف الضغط على الطرق ويوفر وسيلة نقل اقتصادية ومستدامة. هذه المشروعات تُعد قاطرة لتنمية الاقتصاد المصري، مع التركيز على تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص، محليًا ودوليًا، لتحقيق أقصى استفادة اقتصادية واجتماعية.
الدكتور علي الإدريسيمشروعات البنية التحتية والاقتصاداتفق خبراء الاقتصاد عالميًا على أن تطوير البنية التحتية يمثل حجر الأساس في مسيرة تطور المجتمعات وتحقيق التنمية الاقتصادية، كما يُعد العنصر الأساسي في جذب واستقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
ومن جانبه، قال أستاذ الاقتصاد، الدكتور علي الإدريسي، إن مشروعات البنية التحتية تلعب دورًا محوريًا في تحسين مناخ الاستثمار وجذب الاستثمارات الجديدة، مشيرًا إلى أنها تمثل أحد أهم معايير التقييم الدولي لمناخ الاستثمار، سواء من خلال تقرير ممارسة الأعمال أو تقرير التنافسية العالمية.
وأضاف الإدريسي خلال تصريحات لـ “صدى البلد”، أن استمرار العمل في تطوير البنية التحتية يعود بالنفع على المواطنين والمستثمرين على حد سواء، ما يعظم الاستفادة الاقتصادية والاجتماعية.
وأوضح الإدريسي أن مصر تسعى إلى الترويج للفرص الاستثمارية المتاحة بهدف جذب أكبر قدر ممكن من الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وأشار إلى أن عوائد هذه الاستثمارات لا تقتصر على توفير فرص العمل، بل تشمل أيضًا نقل رؤوس الأموال والتكنولوجيا، زيادة الحصيلة الضريبية، وتحقيق الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة، إضافة إلى تقليل الاعتماد على الواردات، مما يدعم الميزان التجاري للبلاد.
وأكد الإدريسي أن الإنفاق الحكومي على مشروعات البنية التحتية، بما يشمل تطوير المرافق وإنشاء المدن الجديدة والذكية، يعد عاملاً رئيسيًا في كسر حالة الركود الاقتصادي وتنشيط النمو.
وأوضح أن هذه المشروعات تحفز المستثمرين المحليين وتستقطب الاستثمارات الأجنبية، بالإضافة إلى فتح آفاق جديدة لقطاعات اقتصادية واعدة، مما يسهم في تعزيز مكانة مصر الاقتصادية على المستوى الدولي.
إسلام الأمينبوابة لدعم الاقتصاد والتنمية المستدامةمن جانبه، قال المحلل الاقتصادي، إسلام الأمين، إن مصر لديها رؤية طموحة في رسم خارطة طريق شاملة لدعم الاقتصاد من خلال تطوير مشروعات الطرق وشبكات النقل، مشيرًا إلى أن هذه المشروعات تمثل ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز تنافسية الاقتصاد المصري على المستويين الإقليمي والدولي.
وأضاف خلال تصريحات لـ "صدى البلد"، أن الاستثمارات الكبيرة التي تُضخ في هذا القطاع تسهم بشكل مباشر في تحسين البنية التحتية، بما يربط مناطق الإنتاج الصناعي والزراعي بالموانئ والأسواق المحلية والعالمية، مما يعزز كفاءة سلاسل الإمداد والتجارة، ويخفض تكاليف النقل، ويزيد من سرعة تداول البضائع.
وأوضح الأمين أن مشروعات النقل الكبرى مثل القطار الكهربائي السريع والممرات اللوجستية، بالإضافة إلى تطوير الطرق والكباري، تُعد استثمارات استراتيجية طويلة الأجل تفتح آفاقًا جديدة لجذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية. وأشار إلى أن هذه المشروعات لا تخدم فقط الاقتصاد، بل تمتد آثارها إلى تحسين جودة حياة المواطنين من خلال توفير وسائل نقل آمنة ومتطورة تُسهل التنقل وتقلل من حوادث الطرق.
كما أكد الأمين أن الدولة المصرية تسير بخطى ثابتة نحو تعزيز شراكتها مع القطاع الخاص في إدارة وتشغيل مشروعات النقل، مما يعكس توجهًا حكوميًا لدعم الابتكار وتعظيم الكفاءة. وأشار إلى أن هذه الجهود تسهم في تعزيز مكانة مصر كمركز إقليمي للنقل واللوجستيات، خاصة مع ربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط عبر مشروعات تربط الموانئ والمناطق الصناعية بالأسواق العالمية. وشدد على أن هذه الاستراتيجية الشاملة من شأنها أن تدعم أهداف رؤية مصر 2030، وتحقق طفرة اقتصادية كبيرة تلبي طموحات الدولة في التنمية والازدهار.
الدكتور عادل عامرقاطرة التنميةمن جانبه، أكد الدكتور عادل عامر، الخبير الاقتصادي، أن قطاع النقل يعد من الركائز الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة، حيث تؤثر كفاءة شبكات وأساطيل النقل بشكل مباشر على كفاءة القطاعات الاقتصادية والخدمية، مما يساهم في تحقيق أهداف التنمية الشاملة.
وأضاف في تصريحات لـ “صدى البلد”، أن القيادة السياسية المصرية تدعم بقوة الشراكة مع القطاع الخاص، محليًا ودوليًا، لتنفيذ المشروعات الكبرى، ما يساعد في توفير خدمات نقل متميزة وآمنة ومنضبطة تخدم المواطنين والاقتصاد على حد سواء.
وأشار إلى أن وزارة النقل وضعت استراتيجية متكاملة لتطوير منظومة النقل حتى عام 2050، تتضمن تحديث مرافق النقل البري والبحري والجوي، بالإضافة إلى تطوير البنية التشريعية والهيكلية لتسهيل دخول القطاع الخاص.
وتشمل هذه المشروعات تطوير النقل النهري وزيادة الاعتماد على نهر النيل كوسيلة نقل للبضائع والركاب، مما يخفف الضغط على الطرق ويقلل من الازدحام المروري.
وأشار إلى أن صناديق التمويل العربية والدولية أبدت اهتمامًا كبيرًا بتمويل مشروعات البنية التحتية في مصر.
وأكد عامر أن الموانئ البحرية ومشروعات السكك الحديدية والنقل الجماعي، والمراكز اللوجستية ليست فقط وسيلة لتعزيز الاقتصاد، ولكنها تمثل حلًا عمليًا لتقليل الفجوات في البنية التحتية، وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية.