رضوان مزاحم **

 

في ظلال عالمنا الجديد الشجاع، حيث يتم الإعلان عن التقنيات المبتكرة مثل بلوكتشين Blockchain، والتمويل اللامركزي، والحوسبة الكمومية، والذكاء الاصطناعي، كمحفزات للتقدم والحرية، قد تتكشف مؤامرة شريرة. هل يمكن أن تكون هذه التطورات غير المسبوقة قد تمت هندستها عمدًا لتوقعنا في كابوس أورويل؟ مع كل قفزة إلى الأمام، يلوح في الأفق شبح مخيف لرواية جورج أورويل “1984”، وهو تذكير قاتم بأننا يجب أن نظل يقظين ضد التآكل الخبيث لحرياتنا.

اللغز الكمومي: كتاب تمهيدي في الحوسبة الكمومية

الحوسبة الكمومية هي تقنية ثورية تستفيد من مبادئ ميكانيكا الكم لمعالجة المعلومات وتخزينها. على عكس أجهزة الكمبيوتر الكلاسيكية، التي تعتمد على بِتات (bits) لتمثيل إما 0 أو 1، تستخدم أجهزة الكمبيوتر الكمومية بِتات كمومية، أو كيوبتات، والتي يمكن أن تمثل كلًا من 0 و1 في وقت واحد. تسمح هذه الخاصية الفريدة لأجهزة الكمبيوتر الكمومية بحل المشكلات المعقدة بشكل أسرع من نظيراتها التقليدية.

وفي حين أن الحوسبة الكمومية تحمل وعودًا هائلة، فإنها تهدد أيضًا بتقويض أمن شبكات "بلوكتشين Blockchain" والتمويل اللامركزي، مما قد يعرض كل جانب من جوانب حياتنا الرقمية للتدقيق والسيطرة من قبل قوى غير مرئية.

الخداع الكبير: سيرك روماني حديث

وبالتوازي مع هذه التطورات التكنولوجية، ابتكر مهندسو عالمنا الجديد الشجاع وسيلة إلهاء بارعة: السيرك الروماني الحديث. تجذبنا صناعة الترفيه، الغارقة في الثروات، بوعد الشهرة والثروة، بينما يتمتع المطورون الذين يعملون بلا كلل على أحدث التقنيات بمكافآت مربحة في مقابل عملهم.

في هذا الوهم المصمم بعناية، نشجع على أن نتطلع إلى أن نصبح فنانين ومهرجين، غير مدركين بسعادة أننا ضللنا. وبينما نرقص على أنغام المزمار، فإن سادة الدمى وراء الكواليس يسحبون الأوتار، ويشددون قبضتهم على مقاليد السلطة.

الكشف عن تصميم قاتم

عندما تتجمع قطع اللغز معًا، من الصعب ألا نتساءل عما إذا كان هذا النسيج المتقن للابتكار التكنولوجي والإلهاء الجماعي هو نتاج تصميم ضخم. هل نظّمت النخب هذا التقارب في القوى لتهدئتنا في حالة الرضا عن النفس، حتى عندما يسحبون البساط من تحتنا، ويدخلون في عصر جديد من السيطرة الكاملة؟

ولفهم حجم هذا الخداع بشكل كامل، يجب أن نتراجع ونرى الصورة الأكبر: تمتلك كل من “بلوكتشين” Blockchain، والتمويل اللامركزي، والحوسبة الكمومية، والذكاء الاصطناعي، القدرة على إحداث ثورة في العالم، ولكن يمكن كذلك استخدامها كسلاح لإنشاء حالة مراقبة لا مفر منها، حيث تتم مراقبة كل أفكارنا وأفعالنا ومعاملاتنا والتلاعب بها.

المسرح العالمي: مغامرة التشفير العالمية

بينما نتأمل في تداعيات هذا الخداع الكبير، نحتاج فقط إلى النظر إلى نظام المراقبة الصيني كمثال مخيف للعواقب المحتملة. بالاستفادة من تقنية الذكاء الاصطناعي والتعرف على الوجه، أنشأت الحكومة الصينية نظامًا شاملًا للمراقبة والتحكم يخنق المعارضة ويحد من الحرية الشخصية. وفي الوقت نفسه، تستثمر البلدان في جميع أنحاء العالم بهدوء في العملات المشفرة، وتهيئ نفسها لجني ثمار هذه التكنولوجيا التحويلية.

السيرك الروماني في عصرنا، موجود دائمًا على الأجهزة التي نحملها معنا على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، ما يجعلنا مطيعين ومشتتين. كما كتب الشاعر الروماني جوفينال ذات مرة: "أعطِهم الخبز والسيرك ولن يثوروا أبدًا".

نحن نتعرض باستمرار لقصف من مصادر التشتت، بينما يعمل مهندسو مستقبلنا التكنولوجي البائس في الظل، ويشددون الخناق حول أعناقنا الجماعية.

تم إعداد المسرح واللاعبين في مكانهم. وبينما يرتفع الستار على هذا الأداء المظلم والملتوي، نتساءل: هل يمكننا التحرر من القيود التي تربطنا واستعادة حقنا الطبيعي، أم أنه مقدر لنا أن نرقص على أنغام أسيادنا الدمى غير المرئيين؟

الساعة متأخرة، ورمال الزمن تنزلق بين أصابعنا. الخيار لنا، لكن الساعة تدق: تيك توك، تيك توك، تيك توك.

** كاتب ومحلل مختص بالتكنولوجيا والتجارة الرقمية

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

كيف مارست المقاومة الخداع الإستراتيجي حتى انطلاق طوفان الأقصى؟

لم يكن الفشل الإستخباراتي الإسرائيلي الكبير عند انطلاق عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 يرجع إلى أسباب داخلية أمنية بقدر ما هو أكبر عملية خداع إستراتيجي لجيش الاحتلال.

ولم يقتصر هذا الخداع على فعلته المقاومة من إعداد تجهيز واسعين طوال سنوات طويلة، إنما أيضا فيما لم تفعله وعدم المشاركة في الرد على التصعيد الإسرائيلي ضد قطاع غزة في أيار/ مايو من العام ذاته، واغتيال 6 قيادات من سرايا القدس الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي. 

وكان إعلام الاحتلال منشغلا حينها بمرور 50 عاما على حرب السادس من أكتوبر 1973 وتحليل "لماذا فاجأت تلك الحرب إسرائيل؟"، بينما جاء السابع من أكتوبر ليفاجئ الإسرائيليين بهجوم غير مسبوق، وكان هذا المرة من حركة مقاومة ليس من دولة.

View this post on Instagram A post shared by Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)
ولن تقتصر المفاجأة على جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية، بل فاجأت العالم أجمع، وزاد من مفاجأتها أنها لم تقتصر على اللحظة الأولى، بل ما زالت مستمرة بعد أكثر من 72 ساعة، إضافة إلى ما حققته من نتائج.


وجاء هذا النجاح رغم أن غزة وحدودها، لا تغيب المراقبة الإسرائيلية أبدا من خلال طائرات المراقبة المسيّرة والحدود شديدة التأمين والمليئة بالكاميرات الأمنية والجنود الذين يحرسونها، إضافة إلى العملاء داخل غزة، واستخدام التكنولوجيا في جمع المعلومات.

لكن رغم كل ذلك، فقد نجح "الطوفان"، وبدا أن عيون إسرائيل كانت "مغمضة" في الفترة التي سبقت الهجوم المفاجئ الذي شنته حركة حماس.

ويُرجّح أن حجم الإخفاق الاستخباراتي والفشل الإسرائيلي في التعامل مع عناصر كتائب القسام سيبقى طي الكتمان حتى بعد الفحص وتشكيل لجان تحقيق، نظرا إلى أن "إسرائيل" بمختلف أجهزتها ومؤسساتها أخفقت في التعامل مع الفلسطينيين.

على مدى عامين، نفذت حركة حماس وجناحها العسكري حملة خداع إستراتيجي دقيقة، الأمر الذي مكّن قوة تستخدم الجرافات والطائرات الشراعية والدراجات النارية من التغلب على جيش يُوصف بأنه "أقوى جيش في الشرق الأوسط، والجيش الذي لا يُقهر".

وشملت عملية الخداع إبقاء خطط حماس العسكرية طي الكتمان وإقناع "إسرائيل" بأن الحركة لا تريد القتال. 


ونقلت وكالة رويترز عن مصدر مقرب من حماس قوله حينها إنه "بينما كانت إسرائيل تعتقد أنها احتوت حماس التي أنهكتها الحرب من خلال توفير حوافز اقتصادية للعمال في غزة، كان مقاتلو الجماعة يتم تدريبهم، وغالبا على مرأى من الجميع".

وأضاف المصدر أن "حماس استخدمت تكتيكا استخباراتيا غير مسبوق لتضليل إسرائيل خلال الأشهر الماضية، من خلال إعطاء انطباع عام بأنها غير مستعدة للدخول في قتال أو مواجهة مع إسرائيل أثناء التحضير لهذه العملية الضخمة".

وكشف أنه في أحد العناصر الأكثر لفتا للانتباه في استعداداتها، قامت حماس ببناء مستوطنة إسرائيلية وهمية في غزة حيث تدربت على الإنزال العسكري وتدربت على اقتحامها.

وأشار إلى أنه من المؤكد أن إسرائيل رأتهم، لكنهم كانوا مقتنعين بأن حماس لم تكن حريصة على الدخول في مواجهة، بعد أن أقنعت "إسرائيل" بأنها مهتمة أكثر بضمان حصول العمال في غزة على فرص عمل عبر الحدود، وليس لديهم مصلحة في بدء حرب جديدة.

مقالات مشابهة

  • الرقابة المالية: نتبنى أجندة إصلاحات شاملة لتعزيز التحول الرقمي والشمول والاستقرار المالي
  • بيت الهاكرز النسائي موطن عاشقات التكنولوجيا
  • طغيان شركات التكنولوجيا الكبرى
  • كيف مارست المقاومة الخداع الإستراتيجي حتى انطلاق طوفان الأقصى؟
  • برئاسة محمد بن راشد.. مجلس الوزراء يستعرض مستجدات تطبيق أجندة الإمارات للاقتصاد الدائري 2031
  • أحمد ياسر يكتب: إسرائيل بين أجندة التوسع وفشل المجتمع الدولي
  • الغباري: الخداع الاستراتيجي قلص 59% من خسائرنا في حرب أكتوبر
  • خطة الخداع الاستراتيجي في حرب أكتوبر.. تدريب وإخلاء دون إثارة الشكوك
  • موطن الحكمة.. وفلسطين التي كشفت القناع