أصبحنا في متاهة من كثرة سرد قصص وحكاوى الأساطير اليونانية القديمة التي كلما اعتقدنا أننا قد انتهاينا يتضح أنه ما زال بعد ومازال هناك قصة مشوقة أكثر تسلب إرادتنا عن التفكير و لا نشعر كيف إندمجنا في تفاصيل سردها ومن ضمن هذه الأساطير كانت قصة زواج كيكس ملك تراخيس بهالكيوني أبنة الملك أيولوس وما حدث معهم هيا بنا نتعرف علي تفاصيل الحكاية .
تزوج كيكس ملك تراخيس في تساليا (وهو من ذرية أورورا) بهالكيوني ابنة الملك أيولوس حاكم الرياح.
ويقال أنه قد ظل الزوجان عدة سنوات يحكمان في سعادة إلى أن مات شقيق كيكس، فصحِبَت موتَه عدةُ أحداث غريبة، فهبَّت عواصف هوجاء استمرت أمدًا طويلًا، وساد الشمسَ والقمر ظلامٌ حالك، واجتاحت البلادَ وحوشٌ ضارية مفزعة.
فاعتقد كيكس أنه من الأفضل أن يستشير الآلهة، وعلى ذلك أعلن عزمَه على الإبحار إلى كلاروس في أيونيا؛ لاستشارة وحي أبولو بها، وحاولت زوجته أن تُثنيه عن عزمه؛ لأن ذلك الوقت كان موسم الزوابع والأعاصير، ولكنه لم يستمع لنصحها وصمم على الإبحار.
فخرج في سفينة سارت به في عرض البحر نحو هدفه، غير أنه لما أوشك على الوصول إلى آخر رحلته هبَّت عاصفة عاتية حطَّمت سفينته فغرق، ولكنه، وهو يغوص تحت الماء نحو الأعماق، تلا صلاة نبتيون، طالبًا أن تحمل الأمواج جُثَّتَه حتى توصلها إلى وطنه، كي تدفنها هالكيوني.
مرت الشهور وتعاقبت وهالكيوني تنتظر عودةَ زوجها في قلقٍ بالغ، فقدمت الصلوات والبخور والذبائح للآلهة، وعلى الأخص إلى جونو، وتوسَّلت إليها أن يعود زوجها سالمًا.
وأخيرًا تأثرت جونو بتضرُّعاتها، ولكنها كيف يتسنى لها أن تفعل شيئًا لرجلٍ مات منذ مدةٍ طويلة؟ فاعتزمت أن تُعلِم هالكيوني بأنه ما عاد هناك أملٌ في عودته.
استدعت جونو رسولتها إيريس، وأمرَتْها بأن تحمل رسالتها إلى سومنوس إله النوم، فأسرعت إيريس فوق قوسها المتعددةِ الألوان إلى أرض الظلام، حيث يقيم إله النوم النعسان، فوجدته يغط في سباتٍ عميقٍ داخل مغارة ليس بها أيُّ شعاع من ضوء، وتتسرب إليها جميع الأصوات التي في العالم، إما بحالتها كما هي أو مكتومة قليلًا.
ويحوم حول تلك المغارة الداجية كثيرٌ من الأحلام، بعضها يجثم فوق رأس سومنوس نفسه، وهو راقد على سرير من الريش غارقًا في نومٍ دونه نوم الموت. فلقيَتْ إيريس مشقة كبيرة في إيقاظه، وأخيرًا وبعد لَأْي أمكنها إبلاغه برسالة جونو في وضوح.
فلما علم ذلك الإله الثقيلُ الأجفانِ بما تطلبه جونو، نادى ابنه مورفيوس، وأمره بأن يرسل حلمًا إلى هالكيوني.
وما كادت هذه الألفاظ تخرج من فمِ سومنوس حتى غلبه الكَرَى ثانية، فراح في سُباتٍ طويل، عندئذٍ أسرعت إيريس بالخروج من المغارة، وهي تذبُّ الأحلام بعيدًا عن وجهها، بينما تجد صعوبة بالغة في الاحتفاظ بيقظتِها.
في تلك الأثناء طار مورفيوس نفسه إلى قصر كيكس، متخذًا صورة سيَّدِ ذلك البيت، وظهر للملكة هالكيوني، إلا أن صورته في الحلم كانت متغيرة تمامًا، تعلو وجهَه صفرةُ الموت، ويتساقط الماء من ثيابه المبتلَّة، فأخبر زوجته بأن عاصفة هبَّت على بحر إيجه، فأغرقت سفينته، وبأنه مات.
وعندما اختفى الحلم، صحَتْ هالكيوني من نومها مذعورة، والدموع تنهمر من مآقيها منحدرةً على خدَّيْها.
وما إن أقبل الصباح الباكر حتى انطلقت من فورها إلى البحر، وبينما هي تسير على الشاطئ أبصرت جسمًا غير واضح طافيًا على سطح الماء ويتجه نحوها، فلما اقترب ولمس الشاطئ عَرَفت أنه جثةُ زوجها.
فلم تُطِقْ رؤية تلك الجثة التعيسة، وألقت بنفسها في الماء، ولكن جوبيتر أشفق عليها وهي تقفز وسط الأمواج، فحوَّلها إلى طائر يغرد حزينًا أثناء طيرانه فوق الماء، كما حول كيكس إلى طائر، فانضم ثانيةً إلى زوجته، وانحدرت منهما طيور القاوند.
تأثر الملك أيولوس بوفاتهما، فمنح البحارة ميزة خاصة، فمنع هبوبَ الرياح قبل أن يبدأ الانقلاب الشتوي بسبعة أيام، وبعد نهايته بسبعةِ أيام.
وبذا جعله موسمَ الهدوء والسلام، وعندئذٍ تجلس هالكيوني في عُشِّها الطافي على سطح الماء في هدوء.
ويطلق البحارة على هذه المدة «أيام الهدوء»؛ إذ يُحرِّم ملك الرياح على جميع العواصف أن تهب، كي يولد أحفاده في هدوء.
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
د. عصام محمد عبد القادر يكتب: عيد الشرطة
عندما يُضّحي الإنسانُ بحياته من أجل الوطن، وبقائه ومن أجل ترابه، ومن أجل عزّته، وطُهره، وصون مقدّراته، والحفاظ على شرفه، وعرضه؛ فتلك غاياتٌ، لا تضاهيها أخرى، وتلك ممارسة نبيلة، لا تناظرها أخرى؛ فمؤسسةُ الشرطة قد قدمت ذلك، وأكثر، وشاهد ذلك موقعة الإسماعلية 1952م التي شهدتْ مُواجهةً جَسُورةً، وشجاعة مع عدوٍ معتدٍ، أثيمٍ حينئذٍ، وهو المحتل البريطاني الذي أراد أن يفرض كلمته، وسلطته، ويمارس وصايته على شعب أجل عظيم قد تربّى على العزة، والكرامة؛ فما كان من هؤلاء الرجال البواسل إلا أن قدّموا أرواحهم، وبذلوا دمائهم؛ لتبقى كرامة الوطن مُقدّمةً على كل شيء، ويصبح الحدث الجلل المخلد في ذاكرة الأمة المصرية ما بقيتْ الحياةُ.
وفي مصر العظمي يتربّى رجال الشرطة في مؤسسة عريقة، من شأنها تشكيل الوعي، والوجدان، وتكسب المهارات، وتصقل الذات؛ ليتخرج منها بواسل الميادين؛ ليؤدوا واجبهم تحت قسم الولاء، والانتماء لتراب هذا الوطن، والحفاظ على مقدّراته المادية، والبشرية، ولو تكلف ذلك الأرواح، والدماء؛ إنها تربيةٌ لها خصوصية منذ أن يلتحق الطالب بكلية الشرطة، أو كما نسميها أكاديمية الشرطة؛ فندركُ أن المهمة قد باتت عظيمة، وأن الراحة تفارق الجفون، والأبدان، وأن السهر على أمن، وأمان البلاد غاية نبيلة، وجهاد، لا يوازيه أمر أخر، وأن تعزيز العدالة، والمساواة، وتطبيق القانون على الجميع مبدأٌ راسخٌ، لا يمكن التنازل عنه.
وما تقدمه المؤسسة الشرطية من تدريب، وصقل للخبرات المعرفية، والوجدانية يُعد فريدًا من نوعه إذا ما قورن بأخرى، وهذا ليس من قبيل المُجاملة؛ فقد أشارت التصنيفات العالمية إلى منزلة، ومكانة، وترتيب أكاديمية الشرطة المصرية وفق ما تنفذه من برامج تدريبية، وتعليمية للإعداد، والتأهيل، وما توفره من نظم تقنية متقدمة، تتيح لمنتسبيها الوصول إلى مستويات قياسية، واحترافية في المجال الأمني؛ ومن ثم يلتحق بتلك المؤسسة المتميزة العديد من الطلاب العرب، والأفارقة؛ لكونها دون مبالغة من أفضل الأكاديميات الشرطية على مستوى العالم؛ نظرًا لما تمتلكه من خبرات، وبرامج، وتقنيات بما يحقق فلسفة التكامل في الإعداد المهني، والأكاديمي على حدٍّ سواءٍ.
وزيارةُ الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الأكاديمية في أوقات الاختبارات، وكلماته المعبرة، والصادقة عن رسالة الشرطة السامية، لها دلالاتها الواضحة، وتتضمن رسائل عميقة؛ حيث أشار سيادته إلى أن وزارة الداخلية، وقوات الشرطة تقوم بمهمة مُقدّسَةٍ وهي حفظ الأمن، والاستقرار في الدولة المصريّة؛ فما أجلَّ!، وأرقى هذه المهمة، وما أصعبَ مسئولية الحفاظ على الوطن!، ومقدراته، وما أشْرفها من غاية! يتحقق من خلالها أن تبيت في سربك آمنا، وقارَّ العين، ومُطَمئنَّ النفس على روحك، وكل من تحب، وما لديك، وما أعلاها من مهمةٍ! تُهيء للتنمية، والنهضة المناخ المواتي؛ ليستطيع الجميعُ أن ينتجوا، كلٌ في مجاله، وتخصصه.
وإيمانًا بالعلم، ودوره في الحياة العملية، والعلمية، والمعيشية تؤدي الأكاديميةُ الدور المنوط بها في هذا الخضمِّ؛ حيث تفتح المجال أمام طلابها، وللوافدين من الدول العربية، والأفريقية مساراتِ استكمالِ الدراساتِ العليا بمرحلتيها المعروفة الماجستير، والدكتوراه في العلوم الشرطيّة، والأمنيّة، وهذا الأمر يضيف للرصيد المعرفي عبر بوابة البحث العلمي، ويجدد من طرائق التدريب الحديثة، ويستكشف استراتيجيات أمنيّةٍ، تتماشي مع التقدم التقني المتسارع، بل ويصقل الخبرات المعنية برفع الروح المعنويّة، وتحقيق أقصى درجات الانضباط الانفعالي لمنتسبي المؤسسة الشرطية بمراحلها المختلفة.
وندرك أن نتاج الدراسات العليا يعود بالنفع على العملية التعليمية بالأكاديمية؛ حيث يفرز الجديد من المعارف، التي ثبت جدواها؛ فيصبح المحتوى التعليمي متجددًا وفق ما يتناغم، ويتسق مع النظريات القديمة منها، والمستحدثة، وهذا يؤكد أن برامج الإعداد المهني، والأكاديمي التي تتبناه أكاديمية الشرطة يتماشى مع المعايير العالمية، بل وينفذ بكل دقة، وتحت رعايةٍ، وإشرافٍ متكاملين، كما يعود النفع على المجتمع المصريّ؛ إذْ تخرج الأكاديمية أفضل العناصر الشُرْطيّة المستوفيّة الإعداد، والتي تتعامل بصورةٍ لائقةٍ مع المواطن، وتقدم له سبل الدعم، والمساندة، وفي المقابل تعمل على ضبط الأمن، والاستقرار من خلال المواجهة الحاسمة للخارجين عن سياج القانون، الذي يطبق على الجميع دون اسْتثناءٍ.
وما كان لنا أن ننسى شُهدائَنا من أبرارِ الشُرْطة الذين ضَحّوا من أجل مصر، وتحقيق أمنها، وأمانها والحفاظ عليها، وصوْنها؛ فنبعث لهم دعواتِ الرحمةِ، ونتضرّعُ إلى الله – تعالى – أن يسكنهم جنّاتِ الفرْدوسِ مع النبيين، والصديقين، والشهداء، وحسن أولئك رفيقًا، ونؤكد أن ذِكْراهم مازالتْ في القلوب، والأفئدة باقيةً، وأن مِيْراثَ الشجاعة، والبطولات بيد جيلٍ تلو أخر، قد نشأوا، وترعرعوا، وتخرّجوا من تلك المؤسسة العظيمة، التي لا ينضبُ عطاؤها، ولا يجِفُّ معينُها أبد الدهر.
ويطيبُ لنا أن نُهْدِيَ برْقيةً عطِرةً تحمل التهنئة، والأمنيات بالدعوات الصادقة بدوام التقدم، والازدهار والرقيّ لتلك المؤسّسةِ صاحبةِ الرسالةِ الساميّةِ، كما تحمل في طيّاتها دعواتٍ بأن يُعين أبطالها في مهامهم، ويُسِدّدُ بالحق رميتهم، ويوفقهم لما يحب ربي - جل في علاه - ويرضى، وأن يحفظَ بهم البلادَ، والعبادَ.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.