ماذا تحتاج الشركات العمانية الناشئة من تسهيلات وحوافز؟
تاريخ النشر: 7th, October 2024 GMT
تعد الشركات العمانية الناشئة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة محركا رئيسيا للنمو الاقتصادي، ومصدرا مهما للابتكار والتطوير التقني، كما تسهم في تنويع القاعدة الإنتاجية، وتوفير فرص العمل للشباب، وتسهم بشكل كبير في تحسين مستوى المعيشة، وتعزيز خطوط الإنتاج للمؤسسات الكبيرة، وتقدم العديد من الخدمات والمنتجات للقطاعين العام والخاص.
وبذلك تحظى هذه الشركات بالعديد من التسهيلات والحوافز الحكومية التي تسهم بشكل كبير في التصدي للتحديات والمعوقات التي تواجهها، وتسهم أيضا في تسريع نموها ووصولها إلى أسواق جديدة محليا عالميا، بالإضافة إلى جذب المواهب وتشجيعها على طرح الأفكار وتأسيس المشروعات التي تعزز التنويع الاقتصادي.
في هذا الإطار، التقت "عمان" بعدد من رواد الأعمال مؤسسي الشركات العمانية الناشئة، للحدث حول أهم الحوافز والتسهيلات التي يحتاجوها لتسريع نمو مؤسساتهم وللتغلب على التحديات التي تواجههم.
تمويل ميسر ومرن
في البداية قال جاسم العلوي مؤسسة شركة "دربك": تحتاج الشركات الناشئة إلى العديد من الحوافز والتسهيلات أهمها تمويل مخصص للشركات الناشئة وتمويل ميسر ومرن سواء من خلال القروض أو برامج الاستثمار الموجهة، كما تحتاج إلى إعفاءات ضريبية ودعم حكومي وتخفيف الأعباء الضريبية مع توفير حوافز تشجيعية للشركات المبتكرة، وبنية تحتية رقمية قوية وتحسين خدمات الإنترنت والدفع الإلكتروني لتسهيل العمل عن بُعد والتجارة الإلكترونية، وتبسيط إجراءات التأسيس وتقليل التعقيدات في التسجيل والتراخيص لتوفير الوقت والجهد، وبرامج إرشاد وشبكات دعم وتوفير مسرّعات الأعمال وبرامج الإرشاد التي تربطنا برواد أعمال ومستثمرين ذوي خبرة.
مشيرا إلى أهم التحديات التي تواجه الشركات الناشئة، أهمها صعوبة تأمين التمويل المستدام فالتحدي الأكبر هو الحصول على تمويل كافٍ في ظل غياب برامج استثمار مستدامة للشركات الناشئة، والإجراءات المعقدة والمتطلبات الإدارية المطولة تؤخر عمليات التوسع والنمو، والمنافسة من جهات ذات ربط حكومي ووجود منافسين أكبر وأكثر رسوخا في السوق يجعل من الصعب التميز والوصول إلى العملاء.
وحول خططه المستقبلية للاستمرار في نجاح شركته، قال العلوي: ضم الخدمات الفندقية والطيران لمنصة دربك، وخدمات حجز الفنادق والمنتجعات وعمل شراكات مع الفنادق لتوفير حجز مباشر عبر المنصة، وتوفير خدمات الطيران وإضافة حجز الرحلات المحلية والدولية، وتوفير باقات سياحية متكاملة تشمل الطيران والإقامة والجولات السياحية، بالإضافة إلى توسيع السوق المستهدف ليشمل المؤسسات والقطاعات، والتوجه للسياحة المؤسسية وتنظيم رحلات العمل والفعاليات للشركات، وتنظيم ورش العمل والفعاليات وتقديم باقات ترفيهية وتدريبية مخصصة للشركات. وأضاف: كما نسعى لتحسين التجربة الرقمية والشراكات، وتكامل الخدمات الرقمية وتحسين واجهة التطبيق ونظام الحجز ليتناسب مع خطة التطوير، وتوقيع شراكات استراتيجية وتعاون مع شركات الطيران والفنادق المحلية والدولية بالإضافة إلى التوسع في الشراكات الإقليمية السياحية والاستراتيجية.
علما أن الشركة الناشئة "دربك" توفر حلولا تقنية لتسهل عملية الحجز الإلكتروني للسياح من جميع أنحاء العالم للتجربة السياحية المميزة في مختلف محافظات سلطنة عمان، كما تعتبر الحل الأمثل للترويج للسياحة الداخلية في سلطنة عمان.
التوجيه الصحيح
من جانبه قال معرك بن مبارك المعيركي مؤسسة تطبيق "فاسكانو": تحتاج الشركات الناشئة إلى التوجيه الصحيح من قبل خبراء معتمدين أو رواد أعمال متواجدين في نفس المجال ولديهم خبرات كبيرة في هذا النوع من الأعمال، والدعم المادي المدروس لبعض من الشركات المهتمة بتوسع الخارجي وكذلك تقديم خدمة محلية للمشاريع المحلية، كما تحتاج إلى التسهيلات في بعض الإجراءات لأصحاب الشركات الناشئة والمتوسطة وتسهيل بعض الإجراءات الحكومية والتصاريح اللازمة.
وأوضح أن التوسع للسوق الخارجي يعتبر من القضايا المهمة لأصحاب الشركات الناشئة، ووجب مساعدتهم من خلال تقديم النصائح والتوجيه الصحيح، كما أن العامل المالي جدا مهم لنمو وتطوير هذه الشركات.
وأكد المعيركي أن من أهم الخطط المستقبلية التي يسعى لتحقيقها مواصلة الشراكات الاستراتيجية سواء كانت مع القطاع الحكومي أو الخاص، ومواصلة التوسع الأفقي والعمودي من ناحية توفير خدمات الشركة في مناطق مختلفة وتوفير مميزات جديدة، بالإضافة إلى التركيز والتوسع للأسواق العالمية.
دعم مالي مباشر
وتحدث مسلم بن دبلان العمري مؤسس مجموعة بن دبلان العالمية حول الحوافز والتسهيلات التي تحتاجها الشركات الناشئة العمانية، قائلا: تحتاج هذه الشركات إلى توفير دعم مالي مباشر من الحكومة، مثل منح أو قروض بفوائد منخفضة، كما أن تسهيل الإجراءات الإدارية يمكن أن يسهم بشكل كبير في تسريع نمو هذه الشركات، بالإضافة ضرورة توفير حاضنات أعمال ومراكز ابتكار يمكن أن يساعد في توفير بيئة مناسبة لتطوير الأفكار وتحويلها إلى مشاريع ناجحة، وتوفير برامج تدريبية متخصصة في مجالات مثل التسويق الرقمي وإدارة الأعمال والتكنولوجيا يمكن أن يعزز من كفاءة وقدرة رواد الأعمال.
مشيرا إلى التحديات، قائلا: نقص التمويل يعد من أبرز العوائق التي تواجه هذه الشركات الناشئة، حيث يجد الكثير من رواد الأعمال صعوبة في الحصول على التمويل اللازم لتوسيع أعمالهم، كذلك تواجه الشركات الناشئة تحديات في الوصول إلى الأسواق خاصة في ظل وجود منافسة قوية من الشركات الكبرى التي تمتلك موارد أكبر، كما أن التغيرات الاقتصادية والسياسية يمكن أن تؤثر سلبا على استقرار الأعمال مما يزيد من الضغوط على هذه الشركات.
وتحدث العمري حول أهم خطط الشركة المستقبلية، قائلا: نسعى إلى توسيع نطاق أعمال الشركة من خلال تطوير وتحسين الخدمات الحالية، والدخول في مشاريع ومناقصات حكومية جديدة، كذلك نبحث عن إمكانية تفعيل استراتيجيات تسويقية مبتكرة تهدف إلى زيادة قاعدة العملاء، سواء من خلال التوسع في الأسواق المحلية، وطموحنا الوصول إلى أسواق جديدة، بالإضافة إلى ذلك نطمح للعمل على بناء شراكات استراتيجية مع شركات أخرى لتعزيز القدرة التنافسية وتحقيق النمو المستدام.
حاضنات أعمال
وقالت أسماء بنت علي العامرية مؤسسة شركة "فلونة" الناشئة: تحتاج الشركات الناشئة إلى حاضنات أعمال تحتضن هذه الشركات في بداية تأسيسها وتدريب رواد الأعمال على كيفية إدارتها والتغلب على التحديات المستمرة، بالإضافة إلى التسويق عبر المنصات المختلفة، فكل هذه التسهيلات يمكن أن تساهم في توفير منتج محلي قوي، وتزيد ثقة الزبائن بهذه المنتجات.
وأضافت: تحتاج هذه الشركات أيضا إلى التدريب والتوجيه من خلال البرامج التدريبية وورش العمل لتطوير المهارات الإدارية والمحاسبية والتسويقية، بالإضافة إلى تسهيل وتبسيط الإجراءات المتعلقة بتسجيل الشركات والحصول على التراخيص.
وحول التحديات، قالت: تواجه الشركات الناشئة منافسة قوية من الشركات الكبرى والعلامات التجارية المعروفة، وصعوبة الوصول إلى السوق وقد يكون من الصعب بناء شبكة توزيع فعالة والوصول إلى العملاء المستهدفين خاصة في المراحل الأولى، كما تعاني هذه الشركات من نقص في الموارد البشرية والمالية مما يؤثر على قدرتها على النمو والتوسع. مؤكدة أن التغيرات السريعة في اتجاهات تطوير المنتج بما يتلاءم مع احتياجات العملاء تتطلب من الشركات أن تكون مرنة وقادرة على التكيف معها.
وأوضحت العامرية أن من خطط مؤسستها المستقبلية توسع أعمالها خارج السوق المحلي واكتشاف أسواق جديدة خارج سلطنة عمان، وتوثيق علامتها التجارية، والتركيز على الحملات التسويقية الفعالة، وتوفير منتجات جديدة للشركة.
توظيف الخبرات
من جانب آخر قال قيس بن محمد الجدياني الرئيس التنفيذي لمنصة "بُن بلس": من أهم التسهيلات التي تترقبها الشركات الناشئة في سلطنة عمان والتي يمكن أن تساعدها بشكل كبير جدا في النمو والاستمرار في السوق هو توظيف المواهب والخبرات، من المؤمل من هذه الشركات أن يرتفع دخلها السنوي وأن تساهم بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي للدولة، فلا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بتوظيف ذوي الخبرات، حيث تحتاج هذه الشركات مساعدة من الجهات الحكومية المعنية بهذا القطاع أن في توفير الرواتب العالية للخبرات والمستشارين. وأضاف: نتوقع من صندوق عمان المستقبل أن يحل هذا التحدي بشكل جدا كبير، فبوجوده يمكن مساعدتنا في التقدم بشكل سريع.
وأوضح الجدياني من أهم التحديات التي تواجه الشركات الناشئة هي السوق، وقال: يجب علينا نحن كرواد أعمال أن نتغلب على التحديات التي تواجهنا في السوق باستمرار. وأضاف: من التحديات أيضا التوسع في الدول الأخرى، وكذلك تحدي التمويل حيث تحتاج هذه الشركات إلى تمويل مالي كبير لتنمو. وحول الخطط المستقبلية، قال: خطتنا متمركزة في نقطتين، أولها النمو في المنتج حيث نعمل على تطوير المنتجات التي نقدمها، وثانيا نعمل على التوسع لدول أخرى.
علما أن منصة بُن بلس تقدم مجموعة متنوعة من المنتجات والخدمات التي تلبي احتياجات أصحاب الأعمال في قطاع الهوريكا، ومن هذه الخدمات منصة تجارية شاملة، حيث يوفر تطبيق «بُن بلس» منصة تجارية مبتكرة تجمع بين أصحاب الأعمال والموردين الموثوقين، حيث يمكن لأصحاب الأعمال تصفح مجموعة واسعة من المنتجات، ومقارنة الأسعار والمواصفات، وإجراء عمليات الشراء بكل سهولة مما يساعد على تسهيل عمليات الشراء وإدارة التدفقات النقدية لأصحاب الأعمال.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: تواجه الشرکات الناشئة التحدیات التی تواجه رواد الأعمال بالإضافة إلى بشکل کبیر فی سلطنة عمان من الشرکات من خلال یمکن أن
إقرأ أيضاً:
احتفالًا بالمدينة العمانية
يخبرنا تقرير (قابلية المدن للعيش في عصر المواطنة الرقمية) للعام 2025، الصادر عن القمة العالمية للحكومات، أنه بحلول العام 2050، سيعيش ما يقرب من 70% من سكان العالم في المدن، ويتحركون نحو (مستقبل حضري)؛ إذ يستمر الملايين في جميع أنحاء العالم في مغادرة المناطق الريفية إلى المدن الكبرى، بحثًا عن فرض أفضل لهم ولعائلاتهم على مستوى العمل والتعليم، حيث توفِّر المدن عموما آفاقا واسعة للثقافة والتعليم والابتكار وبالتالي الاقتصاد ومستويات المعيشة الأفضل.
وعلى الرغم من المشكلات التي تواجهها المدن على المستوى الحضري، إلاَّ أنها تنشد دائما التوسُّع في البنية الأساسية والخدمات، وتعمل على ضمان حماية صحة القاطنين وسلامتهم ورفاهيتهم من ناحية، وقدرتها على الاستمرار نابضة بالحياة من ناحية أخرى، فالعناية بالمدن أولوية من أولويات الحكومات التي تسعى لبناء مدن مستدامة مرنة، تتواكب مع نمط الحياة العصرية، وتُسهم في تحقيق التوازن بين الترفيه والميزة التنافسية.
ولأن المدن هي الأساس الذي ينطلق منه البناء الحضاري للدول، فقد حرص صانعو السياسات والمخططون والمطورون العقاريون، على تحقيق التوازن بين تحسينات البنية الأساسية خاصة تلك المرتبطة بحياة الناس لتكون نابضة بالحياة، وضمان رفاهية وسعادة وازدهار قاطنيها، إضافة إلى ما توفِّره من استثمارات وجذب للمواهب، والنمو الاقتصادي والميزة التنافسية، التي توسِّع من مرونتها وقدرتها على الصمود، وبالتالي فإن التخطيط للمدن الحديثة يقوم على رؤية مستقبلية ذات قيمة اقتصادية مضافة.
إن التخطيط الحضري يرتبط بتقديم الخدمات والبنية الأساسية الملائمة للعيش، وتلبية احتياجات القاطنين ومتطلباتهم المرتبطة غالبا بتوفير الصحة والتعليم والترفيه وغيرها، إلاَّ أن هذا التخطيط اليوم يتطلَّب (تعزيز نوعية حياة السكَّان، وتنشيط الرخاء الاقتصادي، وضمان الصحة والسلامة والكرامة) -حسب التقرير-، الأمر الذي يتطلَّب التركيز على ما يُسمى بـ (قابلية العيش) في هذه المدن وتحويله إلى واقع عملي؛ فالأمر هنا لا يرتبط بالخدمات والبنية الأساسية وحسب، بل باعتماد أهداف قائمة على المرونة وتكييف (نهج الاحتياجات المتغيِّرة).
فالمدينة الحديثة تلك التي تتطوَّر وفقا للاحتياجات والأولويات المتغيِّرة، وبالتالي فإنها تحدِّد استجابتها بناء على التوقعات المتنوعة والقابلة للتغيير، والأمر هنا يشمل البيئة الطبيعية التي تقوم بدور حيوي في تعزيز (قابلية العيش)، وبالتالي فإن المدينة في تخطيطها الحضري تتَّخذ من موقعها الجغرافي وسياقاتها الطبيعية مرتكزا لبناء أنماط حياة مستقرة نابضة، قادرة على تحقيق الاستقرار النفسي للناس، من خلال المساحات الخضراء ومسارات الدراجات ومسارات المشي وغيرها.
ولأن عُمان من الدول التي لها تجارب رائدة في التخطيط الحضري للمدن الحديثة خاصة خلال السنوات الأخيرة، التي بدأت وفق رؤية عمرانية تسعى إلى (إنشاء مدن متوائمة مع التوجهات الاقتصادية والاجتماعية المستقبلية لـ«رؤية عمان 2040» ومحقِّقة للتوجه الاستراتيجي في الشراكة مع القطاع الخاص والمساهمة في تمكينه) -حسب الخطة التنفيذية لوزارة الإسكان والتخطيط العمراني- إضافة إلى توسعة أدوار المدن من خلال تنمية المحافظات، التي تُسهم في تحقيق التنمية الجغرافية للمدن في كافة المحافظات بما يضمن (الاستخدام الأمثل والمتوازن للأراضي والموارد الطبيعية واستثمارها بطريقة متميَّزة وفاعلة، وحماية البيئة...)، وتدعم بالتالي تحقيق النمو الاقتصادي والرفاه الاجتماعي.
إن الرؤية الحضرية والتخطيط العمراني للمدن في عُمان يمر بمرحلة استثنائية خاصة مع ما تحققه أولوية تنمية المحافظات والمدن المستدامة من نجاحات مكَّنت المدن من تطوير خدماتها وتأسيس تنمية عمرانية قائمة على المرونة والاستدامة، بما يضمن تحقيق مستويات أفضل في العمل والترفيه، وبناء مجتمعات قادرة على التطوير وفق منظومة اللامركزية، التي تنشُد التنمية المتوازنة وتحقيق التنافسية، وتعزيز التنمية الاقتصادية.
ولعل تأسيس مدينة السلطان هيثم، واحد من تلك الشواهد التي تتخِّذ من ميزات التنافسية والمرونة و(قابلية العيش)، أُسساً تقودها إلى أن تكون (وجهة جاذبة ومعزِّزة للاستثمار)؛ إذ تمثِّل (نموذجا جديدا لبناء مدن مستدامة تحاكي الحياة العصرية) حسب موقع الوزارة ، وهذا النموذج يرتكز على مجموعة من الأصول القائمة على أنماط العيش المستدامة، ومعايير جودة الحياة والرفاهية، مع المحافظة على البيئة من خلال استخدام الطاقة المتجددة، وتدابير المحافظة على المياه وغير ذلك، فالمدينة تم تأسيسها بوصفها نموذجا لمدن المستقبل.
وعلى الرغم من أن مدينة السلطان هيثم هي حلم المستقبل وآفاق استدامة المدن في عُمان، إلاَّ أن المدن العمانية تميَّزت منذ القِدم بتاريخها المعماري، وبأنماط الاستدامة التي حفظت الموارد الطبيعية، وعملت على تعزيز قابلية العيش من خلال الإطار الشامل لمفهوم المدينة المؤطِّرة لأنماط العيش المختلفة التي تلبي احتياجات قاطنيها، وتوفِّر لهم الفرص الاقتصادية المتعددة وفق منظومة المفاهيم الاجتماعية والثقافية التي تنتمي إليها، ولهذا فقد تميَّزت المدن العمانية في كل محافظة عن الأخرى وفقا لتلك المفاهيم، والمتغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تتوفَّر فيها، فالمدن في المحافظات الساحلية تختلف من حيث التخطيط والرؤية عن المدن الداخلية أو الشرقية وهكذا.
ولقد حافظت المدن العمانية على نظامها العمراني عبر الحقب التاريخية، إلاَّ أن تطوُّر مفهوم المدينة أحدث الكثير من التغيُّرات الحضارية، انعكست على بنية المدينة؛ وأصبحت هناك متطلبات جديدة في الممارسات الحضرية نفسها، دفعتها إلى إنشاء أنماط جديدة من المدن الحديثة كما هو الحال في مدن محافظة مسقط والمدن الرئيسة في المحافظات، التي تتميَّز بقدرتها على التوسُّع في البنية الأساسية والخدمات تماشيا مع تغيُّرات الهجرة الداخلية وزيادة الاستثمارات، بُغية إحداث توازن بين التنمية وحماية البيئة، الأمر الذي يجعلها تنتهج مفاهيم الاستدامة والإدارة الذكية للموارد.
والحال أن توجُّه الدولة في لامركزية المحافظات، يعزِّز من تبني مفاهيم المدن المستدامة في المحافظات؛ فعلى الرغم من أن المدن العمانية متميِّزة ولها إمكاناتها ومواردها، إلاَّ أن الهدف هنا هو جعلها أكثر قدرة على جذب السكُّان القاطنين على المستوى الاجتماعي والثقافي وكذلك جذب الاستثمارات على المستوى الاقتصادي، مما يدعم نموها وتحقيق مستويات أعلى من الرفاهية، وبالتالي فإن الدور المنوط بالمحافظات يتجلى في تنمية المدن وجعلها أكثر قدرة على الصمود من ناحية ومرنة مستدامة من ناحية أخرى.
ولأننا نحتفل بيوم المدينة العربية الذي يصادف 15 مارس من كل عام، فإن الاحتفال بمدننا العمانية يستوجب التطوير المرن لهذه المُدن بما يتناسب والرؤية العمرانية وأهداف التخطيط الحضري الذي تدعو إليه «رؤية عمان 2040» إنها رؤية قائمة على أن تكون المُدن مرنة ومستجيبة للتغيير في ظل عالم سريع التطوُّر ومنفتح، ولذلك فإن المدن الحديثة لا تنشد التغيير في المعمار وحسب بقدر ما تحتاج إلى التوازن، وتعزيز التكامل والشفافية والتواصل.
فالمدينة العمانية تمثِّل تاريخا اجتماعيا وثقافيا حافلا، وهي في ظل المتغيرات المتسارعة تحتاج إلى توسعة من حيث الخدمات ودراسة الأولويات التي تضفي الطابع الإنساني وتعزِّز مفهوم (قابلية العيش)، لتكون أكثر جاذبية للقاطنين، وللاستثمارات التي سيكون لها أثر بالغ في تعزيز رفاهية حياة الناس فيها، إضافة إلى أهمية تبني رؤى تخطيطية تتناسب مع احتياجات المواطنين وتوقعاتهم المستقبلية، وهذه الرؤية تجعل من تشجيع الأنشطة الاقتصادية والابتكار ركيزة أساسية في تحسين قابليتها التنافسية للعيش وقدرتها على التكيُّف مع المتغيرات.
عائشة الدرمكية باحثة متخصصة فـي مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة