ترى الفنانة السودانية المقيمة بأستراليا ياسمين إبراهيم، أن الفن خاضع في أغلب الأحوال لتوفر بيئة محفزة وأدوات جمالية وفكرية تدفع بقدرات الصنع والابتكار، لكنها لا تعتقد في الفن كوراثة، ومع ذلك فقد تعدى تأثير الأسرة المبدعة في إتجاهها الإبداعي والدها ووالدتها إلى الجد والجدات والبيئة المحفزة.

ياسمين كانت تلاحق مشروعها الإبداعي الخاص بعد تجربتها الثرة مع فرقة ساورا، فبدأت مشروعها الخاص فور وصولها إلى استراليا في العام 2005م رفقة أسرتها الصغيرة.

. وقد تحدثت في حوارها مع (التغيير) عن تأثير الأسرة والبيئة والدراسة العلمية في تجربتها الفنية، فماذا قالت؟:

حوار: عبد الله برير- د. طلال دفع الله

* تأثير الأسرة في إتجاهك الإبداعي، ابتداءً بالأب الشاعر وليس ختاماً بالشقيقات المبدعات في مجال الدراما والتشكيل؟

في الحقيقة التأثير من جانب البيئة تعدّى والدي ووالدتي إلى الجد والجدات، لكني هنا أشير إلى جدي، النقابي والزعيم العمالي، الحاج عبد الرحمن المعروف بنضاله وكذلك بشعره البليغ وكتاباته الصحفية المقتدرة. كان جدّي حكاءً وراوياً للقصص بشكل مدهش وكان يُلحن أشعاره ويلقيها بصوتٍ جميل جداً. ثم، نعم، والدي كان شاعراً، قاصاً، رساماً وحرفياً وعازفاً للعود ووالدتي كذلك كانت تنهل الثقافة من أبيها الحاج عبد الرحمن وكانت ولا زالت تملك صوتاً طروباً. تضافرت كل تلك السمات والقدرات الثقافية الفنية لتخلق بيئة كثيفة الجمال الإبداعي ومحفزة للإبداع في ضروبه المختلفة، فجئت وأخواتي وأخواني لنستكشف تلك المساحات الفنية ونصنع فيها ومنها إنتاجاً فنياً متنوعاً.

* هل للدراسة العلمية (الطب البيطري) أي إسقاطات على تجربتك الإبداعية؟

لا أظن أن دراستي وعملي كطبيبة بيطرية كان له ارتباط مع مشروعي الإبداعي لكني أعتقد أن أي مهنة فيها مساحات للتفكير، التجريب وصنع الجديد، ولربما هذا لُب ما نكونه في عمليات التجريب والإنتاج الفني.

* مَن من المبدعين ساندوا مسيرتك الإبداعية وبأي صورة من الصور؟

لا أستطيع هنا حصر أسماء المبدعين والمبدعات الذين ساندوا مسيرتي الإبداعية، وهم كُثر، لكني ممنونة لوجودهم ووجودهن ليس فقط بمحاذاة مشروعي الإبداعي، وإنما كمكّون أساسي له. فمثلاً الشعراء والموسيقيين الذين تشاركت المشوار الإبداعي معهم، لم يكن حصراً على قصائد وألحان، بل امتد ليشكّل مساحات من التفاكر والتثاقف والتجديد. ثم هنالك أناسٌ منهم، كانت لي معهم علاقات صداقة أكثر عمقاً وأثّروا في حياتي بشكل كبير على المستوى الشخصي والفني وكانوا سنداً ممتداً وأصيلاً. أنا لا أمَلّ من ذكرهم وشكرهم جميعاً على منحى شرف أن نكون جميعاً جزءاً من مشاريع إبداعية متداخلة، تشكل حراكاً للإثراء والتجاوز.

ياسمين إبراهيم * الغناء الأفريقي والسوداني عُرِف تاريخياً بالجماعية، فما إفاداتك عن تجربة ساورا والإتجاه للغناء منفردة؟

نعم، الجماعية الفنية سمةٌ متأصلة وجميلة في السودان ومجموعة ساورا الغنائية الموسيقية استلهمت خصائصها من هذا الواقع السوداني المميز ثم أثرته بالجديد المتجدد والمجوّد فنياً وإنسانياً. كنت في كثير من الأحاديث أشير إلى ساورا باعتبارها النقلة النوعية في مسيرتي الفنية، حيث كانت مساحات اللقيا بمؤسسي ساورا المبدعين فكراً وثقافةً ثم مَن تبعهم من المبدعين وكذلك كانت مساحة للتعرف على الشعراء عن قرب وتناول قصائدهم بالتفكر والتذوق والغناء. ساورا هي التي ساعدتني على صقل قدراتي الفنية وتعلّم الكثير عن الموسيقى وتطويع الصوت لكنها أيضاً كانت مدرسة فكرية وثقافية لا تُعنى بالفن من أجل الفن بقدر إيمانها وعملها لأجل تقديم وعي جمالي يحفز المشاعر والفكر. لذلك، جاء مشروعي الإبداعي الفردي بعد هجرتي من السودان ليحمل الكثير المشترك بيني وساورا من حيث الرؤية وطبيعة الأشعار المُتناوَلة والوعي بارتباط كل هذا الحراك بالواقع الثقافي، الإجتماعي والسياسي في البلاد.

* ما حكايتك مع التلحين لنفسك وتقييمك للتجربة؟

في البدء، لم أكن أفكر في التلحين كنشاط قائم بذاته في مشروعي وكنت أحسبه مجرد خواطر لحنية تصدف أن تكون جيدة في بعض الأحيان، لكني انتبهت ووجدت أنني أسير في طريق التلحين، بل التأليف الموسيقي بخطى ثابتة. أذكر أني ومنذ طفولتي كنت أحب تجريب تلحينٍ ما على بعض القصائد او كلماتٍ من عندي، لم تكن شعراً بالمعنى، ثم جاءت فرصة صقل تلك القدرة عملياً حين التحقت بدراسة الموسيقى بأستراليا، من خلال دراسة التأليف الموسيقي. أذكر أن أول لحن لي بشكل علمي وعملي مؤسس، كان لأغنية من كلماتي، نفذتها على الپيانو وصاحبتني فيها زميلتي بالجيتار ولاقت استحساناً كبيراً من أستاذة تلك المادة. بعدها وجدتني حين أكتب بعض الأشعار القصيرة، أجرب فيها تلحيناً ثم مضى الأمر ليشمل قصائد شعراء وشاعرات آخرين وهكذا تطورت قدرة التلحين والتأليف الموسيقي بالتجريب والممارسة والتفاكر مع المبدعين الذين أتعاون معهم.

* ماذا عن تجربة ممارسة الإبداع بأستراليا؟

مشروعي الإبداعي بدأ منذ وصولي إلى أستراليا مباشرةً، فما ضاع زمنٌ على الإطلاق للتأسيس. كونتُ فرقة موسيقية من موسيقيين أستراليين وبدأت التواصل مع بعض المنابر الموسيقية لتقديم أعمالنا التي نالت إعجاباً وإستحساناً كبيراً، قاد لأن نُعرَف أكثر في الوسط الفني في سيدني وصرنا بعد ذلك نقدم عروضنا الغنائية الموسيقية في مناسبات ومنابر عديدة داخل سيدني وفي ولايات أخرى أيضاً. طبعأ الأغنيات هي مزيج من تعاونات مع مبدعين آخرين كشعراء وموسيقيين وكذلك أغنيات من تأليفي.

* علمنا أن أحد أبنائك من ممارسي فن الغناء والموسيقى؛ مستصحبين الأسرة الكبيرة هل يمكن أن نقول إن الفن يكمن في الجينات ويُوَرَّث؟!

أنا لا أعتقد في الفن كوراثة، بل أظنه خاضع في أغلب الأحوال لتوفر بيئة محفزة وأدوات جمالية وفكرية تدفع بقدرات الصنع والابتكار، لكن مؤكد تتفاوت المهارات وقدرة العطاء بين الناس، كلٌ حسب خصائصه الإنسانية، الفكرية والثقافية وما يتوفر في المحيط الاقتصادي والإجتماعي. أحياناً هذه البيئة المحفزة، قد لا تكون أكثر من جَدّة تحذق صنعةً فنية، أمٌ تغني وتمارس الغناء على طول عملها، أبٌ يمارس حرفةً فنية وصحابٌ يصنعون كل شئ من لا شئ.

* سؤال انتظرتِ أو تمنيتِ طرحه لتصل إجابته لمسانديك ومعجبيك!

سؤالٌ طرحه بعض الناس، سائلين “لماذا لديك أغنيات صعبة وغير مباشرة؟”. طبعاً كي نعرّف ماهية “الصعوبة”، نحتاج إلى نقاشات طويلة، لكن بشكل عام في طبيعة الإنسان أنه يسكن إلى المألوف في حياته وتهزّه الأشياء الجديدة أو الغير معروفة، وربما تثير قلقه، بل وغضبه في بعض الأحيان. لو نظرنا إلى التاريخ، لما وجدنا شيئاً بقي على حاله وديمومة الحياة بكليّاتها تستوجب التجديد وتجاوز السائد، طبعاً إن كنا نتحدث إبداعاً وابتكاراً. لذا هذا المتجدد- هنا نشير إلى الشعر والموسيقى- ليس منبتّاً على الإطلاق من ماضيه، بل هو مواصلةً لما تمّ بناؤه من قبل وإضافةً إليه، هو تقديم مساحات لهزّ الثوابت من الأفكار والمشاعر وقوالب التذوق بإتجاه التعاطي مع جديدٍ، متجاوزٍ في خطابه الثقافي والجمالي، وهو ما يمنح طعم المتعة، الاستكشاف والتفاعل هو ما يمنح المتلقّي مساحة أن يكون فناناً بنفسه في استخدام معرفته وخبرته وخياله في عملية التذوق والتحاور مع العمل الإبداعي المطروح.

لك جزيل الشكر.

الوسومأستراليا السودان الفنانة ياسمين إبراهيم ساورا سيدني

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: أستراليا السودان الفنانة ياسمين إبراهيم سيدني یاسمین إبراهیم

إقرأ أيضاً:

“دبي للثقافة” تختتم مشاركتها في مؤتمر الاقتصاد الإبداعي بأوزباكستان

اختتمت هيئة الثقافة والفنون في دبي “دبي للثقافة”، أمس، مشاركتها في فعاليات المؤتمر العالمي الرابع للاقتصاد الإبداعي الذي استضافته العاصمة الأوزباكستانية طشقند، تحت شعار “الإبداع الشامل: واقع متغير”.

وتأتي هذه المشاركة في إطار حرص الهيئة على ترسيخ حضور دبي على الخريطة العالمية، إلى جانب تبادل الخبرات وتوطيد العلاقات مع الهيئات والمؤسسات الدولية العاملة في القطاع الثقافي والإبداعي، واستعراض أفضل الممارسات في الاقتصاد الإبداعي والقطاع الثقافي الذي تعمل “دبي للثقافة” على تعزيزه.

وشهد المؤتمر العالمي الذي نظمته مؤسسة تنمية الفن والثقافة في أوزبكستان بالتعاون مع وزارة السياحة والاقتصاد الإبداعي في إندونيسيا، ومنظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، والمنظمة العالمية للملكية الفكرية، بالشراكة مع المجلس الثقافي البريطاني، مشاركة أكثر من 2000 شخصية مبدعة من مختلف أنحاء العالم.

وتضمن برنامج المؤتمر تنظيم سلسلة من الجلسات وورش العمل والأنشطة والعروض التقديمية، التي ناقشت تشكيل مستقبل الاقتصاد الإبداعي، واستكشاف التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تفرضها التقنيات سريعة التقدم، وتطور أنماط الحياة الإبداعية وديناميكيات القوى العاملة، وانتشار الذكاء الاصطناعي وحقوق الملكية الفكرية، ومستقبل التعليم في هذا القطاع الحيوي.

وخلال المؤتمر الدولي شاركت هالة بدري، المديرة العامة لهيئة الثقافة والفنون في دبي في جلسة حوارية حملت عنوان “كيف تعيد الفنون والثقافة تشكيل الدبلوماسية؟” تحدثت فيها عن تأثير القطاع الثقافي ودوره في تعزيز التعاون العالمي، وتناولت خلالها أهمية الدبلوماسية الثقافية بوصفها أداة فاعلة في توطيد العلاقات الدولية، كما استعرضت فيها رحلة دبي الإبداعية، وكيف تمكنت من توظيف أدوات الدبلوماسية الثقافية والقوة الناعمة في مد جسور التواصل مع الثقافات.

واستعرضت ما حققته الإمارة من إنجازات لافتة تمثلت في تصدرها المركز الأول عالمياً في مؤشر الاستثمار الأجنبي المباشر في الصناعات الثقافية والإبداعية، والرابعة عالمياً والأولى إقليمياً في معيار “التفاعل الثقافي” ضمن مؤشر “قوة المدن العالمي”، وفوز الإمارة باستضافة وتنظيم “منتدى المدن الثقافية العالمي 2024” الذي سيقام نهاية الشهر الجاري لأول مرة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكذلك المؤتمر العام للمجلس الدولي للمتاحف (آيكوم) 2025، وذلك لأول مرة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا، إضافة إلى كونها أول مدينة مبدعة في التصميم بمنطقة الشرق الأوسط ضمن شبكة اليونسكو للمدن العالمية المبدعة.

كما تناولت بدري في الجلسة تفاصيل “استراتيجية دبي للاقتصاد الإبداعي” الهادفة إلى تحويل الإمارة إلى مركز عالمي للاقتصاد الإبداعي بحلول عام 2026، وعرضت الجهود التي تبذلها “دبي للثقافة” لإثراء مشهد دبي الثقافي ودعم قوة الصناعات الثقافية والإبداعية، من خلال سلسلة شراكاتها الاستراتيجية مع المؤسسات والجهات الفاعلة في مختلف القطاعات.

وكجزء من مشاركة الوفد في المؤتمر العالمي، قام وفد “دبي للثقافة” بجولة واسعة في مدينة طشقند شملت مجموعة من أهم مواقعها الثقافية والتراثية، من بينها “راخيموف ستوديو”، المركز الفني العريق المتخصص في صناعة الخزف، و”مركز الفن المعاصر” الواقع في إحدى أحياء طشقند التاريخية، و”مجمع الإمام الخزراتي”، و”مسجد تِليا شيخ”، بالإضافة إلى مكتبة تحتوي على مجموعة من المخطوطات النادرة، وورشة “سوزاني كاسيمباييفا”، و”مدرسة عبد القاسم الشيخ” التي بنيت في القرن السادس عشر ، و”متحف الفن التطبيقي”، و”بيت التصوير الفوتوغرافي في طشقند”.وام


مقالات مشابهة

  • الهدهد: المرأة العربية كانت ملهمة المبدعين من العرب شعرا ونثرا
  • نجلاء بدر تستعيد ذكريات دخولها كلية الإعلام وبداياتها الفنية
  • بحضور يوسف القعيد.. إبراهيم أبو ذكري يعيد تفعيل شعبة المبدعين العرب «صور»
  • في الظهور الأول منذ زفافهما.. محمود شاهين يحتفل بعيد ميلاده برفقة زوجته
  • “دبي للثقافة” تختتم مشاركتها في مؤتمر الاقتصاد الإبداعي بأوزباكستان
  • نجوي فؤاد: الفن ملهوش أمان.. ونفسي اتحجب زي الفنانة شادية واعتزل
  • رحيل نعيمة المشرقي أيقونة الفن في المغرب عن 81 عاما
  • شاهد بالفيديو.. حسناء الفن السوداني تخطف الأضواء بإطلالة ساحرة على طريقة جميلات موريتانيا
  • في عيد ميلادها.. تفاصيل لا تعرفها عن قرابة شمس البارودي وغادة عادل وفنانة شهيرة