لولا «نيللي» لأطلقنا عليه رصاصة الرحمة.. «الإسكندرية السينمائي» دورة «أربعينية» في خريف العمر!!
تاريخ النشر: 7th, October 2024 GMT
وكأنما كان لها من اسمها نصيب، الدورة «الأربعون» لمهرجان الإسكندرية السينمائي، جاءتِ الفعاليات «أربعينية»، في خريف العمر «الناضج» الذي يعتبره البعض رمزًا لبداية «الذبول» وبشائر لـ«صدمة النهايات»، ومع حلول الخريف العالمي بمقاييس الحسابات الفلكية، حل خريف آخر بمدينة الإسكندرية، غُرة أكتوبر، بفعاليات مهرجان «عادي» كان حضور نجمته الأيقونة «نيللي» أكبر حسناته، وسط غياب ملحوظ لنجوم الفن السابع ممَّن كانوا في الماضي القريب يتدافعون دفعًا للسير على السجادة الحمراء للمهرجان العريق على شاطئ عروس البحر.
في أحد الفنادق الكبرى (النائية) بمنطقة المعمورة، شرقي المدينة، وعلى مدار «5» أيام، فقط، تقافزت ساعات الفعاليات، وحاول القائمون على المهرجان مواجهة «الأزمة المالية» التي أجبرتهم على «إلغاء الإصدارات الورقية والنشرة اليومية»، وتفتقت أذهانهم عن إبرام «بروتوكول» مع عدد من المدارس، لحضور التلاميذ عروض أفلام سينما الطفل، للتغلب على مشكلة «قاعات العرض الخاوية»، كما عقدت ورشة التصوير السينمائي لمدير التصوير سمير فرج، و«ماستر كلاس» المخرج محمد عبد العزيز، وجرى الاحتفال بتخرج الدفعة الثانية من معهد السينما بالثغر، ولم تشفع محاولات جذب النجوم، ولو بالحضور في ندوات تكريم الكبار (نيللي، ولطفي لبيب)، وترددت أصداء التصريحات «المؤلمة» لرئيس المهرجان، الأمير أباظة، بالشكوى من ضعف الميزانية التي لا تتعدى «2.5 مليون جنيه»، وهي نفس الميزانية التي لم تتغير منذ 2016!
شهدتِ الدورة الحالية سلسلةً من الاعتذارات، أولهم الفنان السوري أيمن زيدان الذي اعتذر عن عدم المجيء لتكريمه، بسبب الحرب على لبنان، كما اعتذرتِ الفنانة بدرية طلبة عن التكريم لظروف صحية طارئة، وبرغم إصدار «كتاب» عنها يحمل اسم «نوارة السينما»، غابت النجمة منة شلبي عن التكريم دون سبب معلن، وفي آخر أيام المهرجان تم تأجيل إعلان جوائز مسابقة ممدوح الليثي للسيناريو، لظروف طارئة للإعلامي عمرو الليثي، حتى أن حفل الختام بدا هزيلًا ولم يرقَ حتى إلى كونه «دعوة على العشاء»، فمَن حضر من النجوم لا يتعدى أصابع اليدين، على رأسهم نيللي والمخرج يسري نصر الله ومحمد رياض وزوجته رانيا محمود يس (لكونها عضو لجنة تحكيم)، وسامح حسين (لكونه رئيس لجنة تحكيم أفلام الطفل)، وخالد سرحان (رئيس لجنة تحكيم)، وعدد قليل من الفنانين.
وبإعلان فوز الفيلم التونسي (الما بين) كأفضل فيلم عربي وحصد أيضًا جائزة أفضل ممثلة للفنانة أمينة بن إسماعيل، والفيلم المصري «الماعز» بجائزة لجنة التحكيم الخاصة، واليوناني «أغنية الماعز» كأفضل فيلم روائي، والمغربي «خلف الجبال»، كأفضل فيلم وثائقي، وفوز الفيلم الكرواتي «الاحتفال» بجائزتَي أفضل سيناريو ومخرج، يكون الستار قد أُسدل على المهرجان.
في هذا العام، استُحدثت مسابقة «أفلام الطفل»، وخضعت مسابقتا «أحمد الحضري» لأفضل فيلم قصير، و«أفلام شباب مصر» للجنة تحكيم واحدة، برئاسة الفنان خالد سرحان، وشارك بمسابقة أحمد الحضري «8» أفلام «إنسانية»، هي: «لعل الله يراني، ضفائر تائهة، نور، وصلة، وحيد، سوء اختيار، الرؤيا، وحلاوة الدنيا»، وللعام الثاني على التوالي، تقام مسابقة أفلام شباب مصر، بفرعيها الوثائقي والروائي، واختار القائمون على المهرجان، أفلامًا تسلط الضوء على التحديات الراهنة. أما الحرب الدائرة في غزة، فكانت حاضرة بقوة بتخصيص يوم كامل باسم «فلسطين»، شمل معرضًا للفن التشكيلي، ضم «13» عملًا مصوَّرًا يجسد أهوال غزة، وتقديم سهرة فنية وطنية لفرقة «مقام» الفلسطينية، وتنظيم عروض لأفلام فلسطينية، منها «الموت في جنين»، و«دوامة الحياة»، و«سأعود إليك»، و«خلاويص»، وعالجت أفلام لبنانية تداعيات الحرب في «6» أفلام، هي: «أمي المحبة»، «روح»، «أنا يا بحر منك»، «تالت مرة بموت»، «كيل»، و«لو غرقت الشمس في بحر الغمام»، فيما شاركت سوريا بفيلم «كانو 4» عن معاناة جيل ضائع أنهكته الحرب.
وتأرجحت معالجات السينما المصرية بين قضايا الهوية والصراعات النفسية والاجتماعية، في مسابقة الأفلام القصيرة، في «بحر»، «بيت الصدى»، «إسكندر»، «مش منكوشة»، و«الهرم». أما مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، التي تحمل اسم نور الشريف، فلم تخلُ من القصص الإنسانية، بمشاركة «6» أفلام، بدأت بفيلم الافتتاح «يومين» بطولة الفنان الكبير دريد لحام، وإخراج باسل الخطيب، في ثالث تعاون بينهما، وتناول آلام الشعب السوري خلال فترة الحرب، وشاركت تونس بفيلمَي «خلف الجبال»، و«الما بين» الذي رشحته تونس لتمثيلها في مسابقة الأوسكار، ومن المغرب «على الهامش»، وشارك الفيلم المصري «الماعز»، تأليف وإخراج إيلاريا بوريللي، بطولة نيللي كريم وعمرو سعد وسيد رجب، والذي أثار جدلاً لمخالفته قواعد المهرجان نظراً لعرضه جماهيريًّا في سبتمبر الماضي، وفيلم «بحر الماس» الذي يضم نجومًا من مصر والسعودية.
مهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي، لدول البحر المتوسط، الذي يترأسه الناقد الأمير أباظة، تحت رعاية أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، والفريق أحمد خالد حسن محافظ الإسكندرية، استقبل في دورته الأربعين «63» ضيفًا، من دول البحر المتوسط، بمشاركة «140» فيلمًا من «26» دولة في مختلف المسابقات الرسمية، والبرامج الموازية، وتحت شعار «السينما تصنع الحب»، كرمت إدارة المهرجان عددًا من الرموز، على رأسهم: أيقونة الاستعراض نيللي، التي أُهديت الدورة لها، وأسماء أخرى منها الفنان القدير لطفي لبيب، والناقد العراقي مهدي عباس، والممثلة المغربية سعاد خويي، والإيطالية إيزابيل أدرياني، والفرنسية آن باريو، واسم الكاتب الراحل أبو السعود الإبياري، بمناسبة مرور «90» عامًا على تقديم أول أعماله، واسم الأيقونة الراحلة هند رستم، احتفالًا بمرور «75» سنة على ظهورها الأول بفيلم «غزل البنات»، والتي تتصدر أفيش المهرجان بشخصيتها السينمائية الأشهر «هنومة» في فيلم «باب الحديد»، كما اختارتٍ الدورة الأربعون «17» فنانًا من مبدعي الثغر لمنحهم أوسمة التكريم، منهم: عارفة عبد الرسول، شريف دسوقي، الشاعر الغنائي عماد حسن، المطرب عمر محمود، وآخرون.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: لطفي لبيب الفنانة نيللي عارفة عبد الرسول الإسكندرية السينمائي لجنة تحکیم أفلام ا فیلم ا
إقرأ أيضاً:
الخطاب السياسي الذي أشعل الحروب في السودان
الخطاب السياسي لدولة السادس والخمسين منذ مجيئها إلى حيز الوجود، قبل إعلان (الاستغلال) ببضعة أشهر ساهم في اندلاع جميع الحروب، ابتداء من حرب الجنوب الأولى – تمرد توريت – وانتهاء بالحرب القائمة الآن، دشن السياسيون الشماليون خطاباً عدائياً تجاه نخب الجنوب السياسية، وتمركز التوجه العام لهذا الخطاب حول الكراهية العرقية والدينية والفرز الجهوي، واشتغلت الأجهزة الإعلامية والصحفية على ترميز الجنوب والجنوبيين على أساس أنها شعوب بدائية لم تبلغ الحلم، وبالتالي لابد من وجود كفيل يقوم برعايتها، استمر ذلك الخطاب طيلة مدة اشتعال حروب الجنوب الثلاث، وتم تغييب وعي المجتمعات الشمالية، فتبنت السردية المجحفة بحق شقيقهم شعب الأبنوس الجميل، فالحروب بالشرق الأوسط وافريقيا تندلع بدوافع التباينات الجغرافية والدينية والعرقية، فأخذ الجنوبيون حظهم من الفرز الوطني بحجة أن غالبهم يعتنق المسيحية، فعمل الخطاب السياسي للشمال المسلم ما في وسعه لقطع صلات التلاقي الاجتماعي بين الجهتين، ولا يجب أن ننسى الدور الفاعل الملعوب من الإدارة البريطانية، وقرارها ببذر بذور الشقاق وسياسة فرق تسد والمناطق المغلقة، ولكن، ما كان يجب على النخبة الحاكمة بعد ذهاب "الخواجة" أن تواصل فيما خلّفه المستعمرون من سياسات ظالمة، وأيضاً لا يستقيم منطقاً أن يكون هذا مبرراً للفاشلين من الحكام لإخفاقهم في حل مشكلة الجنوب.
تمددت الحرب شمالاً وغرباً لذات السبب – الخطاب السياسي الرافض للآخر والمشيطن له، وجميعنا يستحضر خطاب الدكتاتور عمر البشير بعد انفصال جنوب السودان، ووصفه لفترة حكومة الوحدة الوطنية (بالدغمسة) – عدم الوضوح، في إشارة لانعدام الإرادة الوطنية من جانبهم لاستكمال اهداف اتفاق السلام الشامل، والدكتاتور في حقيقة قوله يعني خروج الجنوب المسيحي، وبقاء الشمال (المسلم) خالصاً لأهله لإقامة (دولة الخلافة الراشدة)، متناسياً المسيحيين المتبقين بالشمال، فالخطاب السياسي الداعم لخط الانحياز الديني أدى لتقطيع الوطن إلى جزئين، مختلفاً عن الخطاب الموجه للسودانيين بعد تمرد دارفور حيث دق إسفين العروبة والأفريقانية، بين المكونين الاجتماعيين اللذين عاشا ردحاً من الزمن، في تماسك اجتماعي واقتصادي وسياسي، أما الخطاب المدشن بعد اندلاع الحرب بين الجيش المختطف من الحركة الإسلامية وقوات الدعم السريع، لم يجد منظروه بداً من وصف أفراد القوة العسكرية الشقيقة بأنهم غزاة أجانب، في مهزلة مضحكة للطفل قبل الشيخ الهرم، إذ كيف لرمز سيادة البلاد أن يكون سيّداً وأجنبياً في آن واحد؟، فالخطاب الأخير جاء غير مقنع لقطاعات عريضة من المجتمعات السودانية، وفضح الجذر المتأصل للمأساة الممتدة من بدايات تأسيس دولة السادس والخمسين، والذي عمل مصدروه بكل جهد لتفكيك وحدة البلاد واستمراء المضي قدماً في ذات الاتجاه السالب.
الفشل الكبير للخطاب السياسي المركزي عبر الحقب، ظهرت آخر مخرجاته في القفز على الواقع الداخلي وإصدار التهم للدول الجارة والشقيقة، التي تضامنت مع السودانيين في محنهم، فبعد أن أكدت الحرب المشتعلة بين الجيشين على سقوط السيادة الوطنية، وخروج الدولة من الفاعلية الإقليمية والدولية، بفقدانها لنظام الحكم الشرعي الذي كان قبل انقلاب أكتوبر، اصبح الجيش المختطف من جماعة الاخوان يتأرجح مثل الذي يتخبطه الشيطان من المس، في نهاية منطقية للاستمرار في توجيه هذا الخطاب الفطير داخلياً، والمحاولة اليائسة لتسويقه خارجياً، لقد صنع هذا الخطاب كادر حزبي وعسكري لا يعي أهمية العلاقات الدبلوماسية ولا الروابط الودية بين الشعوب، فأساء هذا الكادر للوشائج الأزلية بين السودان وجواره العربي والإفريقي، وعمّق الأزمة الوطنية ودولها وأقلمها، فزيادة على كارثة الحرب التي ما يزال المواطنون يدفعون ثمنها الباهظ، خلق توترات حدودية ودبلوماسية لا مبرر لها مع بلدان مباركة لمساعي الحل السلمي التفاوضي، ولها أياد بيضاء في ساحة العمل الإنساني السوداني، ومارس فوضوية في خلط الأوراق لدرجة أن المراقبين والمحللين والمسهّلين دخلوا في حيرة من أمرهم، جراء هذه المهزلة الحكومية التي ألمت بالسودانيين، والتي آخرها تلعثم مندوب جيش الاخوان وهو يقدم دعواه الباطلة أمام محكمة العدل الدولية ضد دولة الإمارات.
إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com