طوفان الأقصى… معركة كسر الأوهام وتوجيه البوصلة
تاريخ النشر: 7th, October 2024 GMT
القدس المحتلة-سانا
عام ينقضي على معركة طوفان الأقصى والشعب الفلسطيني يخط بمقاومته ودمائه وثباته تاريخاً جديداً، بعدما اندفعت في مثل هذا اليوم من العام الماضي نخبةً من مقاوميه من قطاع غزة إلى الأراضي المحتلة عام 1948 لتسطر ملحمة نصر استثنائية حطمت صورة المحتل الإسرائيلي الذي زعم أنه لا يقهر، وكسرت الأوهام التي رسمها حول نفسه.
عند السادسة والنصف من صباح السبت السابع من تشرين الأول 2023، غداة الذكرى الـ 50 لحرب تشرين التحريرية، باغتت المقاومة الفلسطينية العدو الإسرائيلي بآلاف الصواريخ، مستهدفة تل أبيب وعشرات المستوطنات في الأراضي المحتلة عام 1948، فيما دوت صافرات الإنذار في 160 مستوطنة بدءاً من أطراف القطاع وصولاً إلى تل أبيب لتدب الرعب بين المستوطنين وجنود الاحتلال، وتجبرهم على الاختباء في الملاجئ.
وبينما كانت الأنظار تتجه إلى حيث سقطت الصواريخ كان أكثر من 1000 مقاوم فلسطيني يتقدمون باتجاه هدفهم الرئيسي، ويخرقون تحصينات الاحتلال على أطراف القطاع، ويقتحمون المستوطنات المحاذية له جواً وبراً وبحراً، عبر عمليات إنزال جوي بالمظلات، وانقضاض بعشرات المسيرات على مواقع العدو واقتحام بري، ليشتبكوا مع جنود الاحتلال ومستوطنيه في مستوطنة سديروت ومواقع أخرى، وقتلوا عدداً من جنود الاحتلال ومستوطنيه وأسروا آخرين، بينما نفذت خمسة زوارق محملة بمقاتلي الكوماندوز البحري للمقاومة عملية إنزال ناجحة على شواطئ جنوب عسقلان المحتلة، وسيطرت على مناطق عدة وكبدت العدو خسائر فادحة.
بعد ساعة ونصف على ذلك، أعلنت المقاومة بدء معركة طوفان الأقصى، رداً على اعتداءات الاحتلال اليومية على المسجد الأقصى وجرائمه المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني في ظل دعم أمريكي وغربي غير محدود، مؤكدةً أنها قررت وضع حد لكل ذلك ليفهم العدو أن الوقت الذي يعربد فيه دون حساب قد انتهى.
الاحتلال سارع للإقرار بأن ما حدث شكل صدمة له، وفشلاً استخباراتياً هائلاً، حيث كان هناك ارتباك كبير في التعامل مع عدد غير مسبوق من الصواريخ استهدفت المستوطنات واقتحام أكثر من 1000 مقاوم فلسطيني المستوطنات المحاذية للقطاع والسيطرة عليها، ليرد على طوفان الأقصى بحرب إبادة جماعية أسفرت حتى الآن عن استشهاد وإصابة وفقدان 150 ألف فلسطيني في القطاع، وتشريد أكثر من مليونين، وتدمير 86 بالمئة من بنيته التحتية، وتحويله إلى كومة من الركام وأكبر مقبرة مفتوحة في العالم، بعد قصفه جواً وبراً وبحراً بأكثر من 85 ألف طن من المتفجرات بما فيها المحرمة دولياً زوده بها، ويستمر بذلك داعمه الرئيسي الولايات المتحدة وأتباعها في الغرب.
بالتوازي مع حربه على القطاع شن الاحتلال منذ السابع من تشرين الأول عدواناً واسعاً على الضفة الغربية، عبر تصعيد اقتحامات المدن والقرى والاعتداء على أهلها، ما أسفر عن استشهاد أكثر من 600 فلسطيني، فضلاً عن إصابة واعتقال الآلاف، إلى جانب توسيع الاستيطان الذي مزق مع مئات الحواجز العسكرية أوصال الضفة وفصل شمالها عن جنوبها، ورغم همجية الاحتلال في قمع المقاومة بالضفة إلا أن أبطالها نفذوا عشرات العمليات البطولية فيها وفي الأراضي المحتلة عام 1948، أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات من جنود الاحتلال ومستوطنيه.
إرهاب الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني دفع المقاومة في لبنان واليمن والعراق لإسناده ودعمه، مستهدفة بالصواريخ والمسيرات عمق كيان الاحتلال، حيث أجبرت المقاومة اللبنانية المستوطنين في شمال فلسطين المحتلة على الهروب جنوباً، بعد أن أمطرتهم بآلاف الصواريخ مكبدةً العدو خسائر كبيرة دفعته لتوسيع نطاق حربه العدوانية لتشمل لبنان، وتصعيد اعتداءاته على الأراضي السورية، وقصفه مناطق عدة في اليمن، لتمتزج دماء المقاومين في جبهات الإسناد مع دماء الشعب الفلسطيني على طريق تحرير فلسطين من نير الاحتلال.
حرب الإبادة جعلت كيان الاحتلال في عزلة دولية غير مسبوقة، تمثلت بانتفاض شعوب العالم قاطبةً لنصرة الشعب الفلسطيني في معركته لنيل حريته، إذ لم تتوقف المظاهرات في القارات الخمس منذ الأيام الأولى للحرب، مطالبةً بوقف آلة القتل الإسرائيلية، الأمر الذي أعاد القضية الفلسطينية إلى رأس أولويات العالم ووجه البوصلة إليها من جديد، ليسجل ذلك إخفاقاً جديداً للاحتلال الذي حاول جاهداً على مدى عقود إخفاء جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يستمر بارتكابها منذ نحو مئة عام بحق الشعب الفلسطيني.
وللمرة الأولى في تاريخه يمثُل كيان الاحتلال أمام محكمة العدل الدولية لارتكابه جرائم إبادة جماعية ضد الفلسطينيين، بينما ينتظر بنيامين نتنياهو وكبار مسؤولي الاحتلال صدور مذكرات اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية في إجراء لم يخطر ببال الكيان أنه سيحدث يوماً، بعد أن تمكن بفضل الحماية الأمريكية والغربية له من التنصل من تنفيذ قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة المطالبة بوقف العدوان وإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع المنكوب ورفض تهجير أهله.
عام مضى وبدأ آخر والشعب الفلسطيني يقدم التضحيات الجسام، ورغم الفاتورة الباهظة التي يدفعها من شهداء وجرحى، وهدم المنازل والبنى التحتية، والتنقل بين الخيام البالية الممزقة والنزوح تحت القصف والتدمير، إلا أنه بقي شامخاً عصياً على كل محاولات التهجير والاقتلاع، ثابتاً في أرضه ووطنه، وصنع بطوفان الأقصى وما تبعها حدثاً فارقاً في نضاله، أسقط إلى الأبد نظرية الردع التي حاول الاحتلال فرضها منذ قيامه، وفتح الباب أمام المقاومين الأحرار للالتحام مع المقاومة الفلسطينية، ليبقى طوفان الأقصى مستمراً حتى تحرير فلسطين.
جمعة الجاسم-عاليا عيسى
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
كلمات دلالية: الشعب الفلسطینی طوفان الأقصى أکثر من
إقرأ أيضاً:
خبراء إيرانيون يقيّمون طوفان الأقصى بعد اتفاق غزة
طهران – مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة حيز التنفيذ، يرى سياسيون في إيران أن معركة طوفان الأقصى بشكل عام وصمود المقاومة الفلسطينية في القطاع على وجه الخصوص؛ جنبا الشرق الأوسط تطورات إقليمية خطيرة كان الاحتلال الإسرائيلي قد خطط لها.
وبالعودة إلى التطورات التي سبقت "طوفان الأقصى"، نرى أنه بعد احتواء إيران احتجاجات مهسا أميني الشابة الكردية التي توفيت عام 2022 إثر إصابتها بإغماء جراء اعتقالها من قبل "شرطة الإرشاد" بسبب ارتدائها "ملابس غير مناسبة"، انهالت العقوبات الأميركية والأوروبية على طهران بزعم "استخدامها العنف المكثف ضد المتظاهرين السلميين".
وقالت السلطات الإيرانية حينها إن لديها معلومات استخبارية تشير إلى وقوف جهات خارجية وراء الأحداث التي شهدتها البلاد.
في السياق، اتهم المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، في أكتوبر/تشرين الأول 2022، الولايات المتحدة وإسرائيل ومن وصفهم بـ"عملاء واشنطن" وبعض "الخونة" من الإيرانيين المقيمين في الخارج "بالتخطيط لزعزعة الأمن والاستقرار وإثارة الشغب في البلاد"، وفق تعبيره.
اتفاقيات أبراهام
وتزامنت تلك الأحداث بتكثيف واشنطن نشاطها الدبلوماسي لدفع بعض الدول العربية للتوقيع على اتفاق سلام مع كيان الاحتلال الإسرائيلي في إطار اتفاقيات أبراهام، حتى أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الأسبوع الماضي، في كلمة أمام المجلس الأطلسي بأن هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 "أثرت على مسارات التطبيع".
إعلانوعلى وقع التقديرات الأمنية لدى محور المقاومة -كما ورد على لسان قادته- واستشرافه مخططًا إسرائيليا للانقضاض على فصائله الواحدة تلو الأخرى، قررت حركة حماس مباغته فجر يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، فخلطت أوراق إسرائيل وبرهنت على هشاشة منظومتها الأمنية.
ويعتبر الباحث الإيراني المختص في النزاعات الإقليمية مصطفي نجفي، أن اتفاقيات التطبيع والمخطط "الصهيوأميركي" لتصفية القضية الفلسطينية، محركًا أساسيا لعملية طوفان الأقصى التي استبقت الإعلان الأميركي عن تطبيع دولة عربية وازنة مع الكيان الإسرائيلي بـ3 أيام فقط.
طوفان الأقصى
وفي حديث مع الجزيرة نت يرى الباحث الإيراني، أن تفجيرات أجهزة التنبيه (البيجر) والاتصالات اللاسلكية في لبنان وكذلك ما كشفته المخابرات الإيرانية من عملية تخريب واسعة كانت تستهدف صناعاتها الصاروخية وبرنامج الفضاء، وكذلك اجتياح كيان الاحتلال مؤخرا للأراضي السورية وتدميره تسليحاتها الإستراتيجية؛ يدل على صوابية تقديرات محور المقاومة بشأن ما كانت تدبره إسرائيل طوال السنوات الماضية للمنطقة بأسرها.
وتابع نجفي أن محور المقاومة قد دشن "إستراتيجية وحدة الساحات" إثر عملية طوفان الأقصى، وفرض موازنة جديدة للقوة بالمنطقة بانتقاله من موقع الدفاع إلى الهجوم في رسالة للجهات المعنية على الصعيدين الإقليمي والدولي حول عدم السماح باستفراد الأعداء بحلقات محور المقاومة بعد السابع من أكتوبر.
وخلص الباحث المختص في النزاعات الإقليمية إلى أن عملية طوفان الأقصى أربكت مخططات الاحتلال الإسرائيلي، وجنبت المنطقة تطورات أمنية خطيرة لم يكن تفويتها بالحسبان سوى بتجرع مرارة تداعياتها التي استمرت نحو 15 شهرا، على حد تعبيره.
صمود غزة
من جهته، يضيف مدير معهد العلاقات الدولية مجيد زواري، أن صمود المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وإسناد فصائل المقاومة في لبنان واليمن والعراق لأهالي غزة قد جنّب المنطقة حربا واسعة بين طهران وتل أبيب لاسيما بعد أن حظيت الأخيرة بشتى أنواع الدعم التسليحي والمالي والسياسي من قبل حلفائها الغربيين.
إعلانوفي حديث للجزيرة نت، يشير زواري إلى فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها بالقضاء على المقاومة بالقطاع، والسيطرة الكلية الآمنة على غزة بشكل كامل، واستعادة الأسرى لدى المقاومة، مضيفا أن عجز حكومة الاحتلال عن مواجهة فصيل مقاوم على رقعة جغرافية لا تتجاوز مساحتها 360 كيلومترا يطرح تساؤلات جدية عن مدى جاهزيتها لمواجهة محور المقاومة بكامل طاقاته وأوراق قوته.
وبرأي المتحدث نفسه فإنه ما كان لصواريخ ومسيرات فصائل المقاومة أن تدك عمق كيان الاحتلال بشكل يومي خلال أكثر من عام لولا صمود جبهتي غزة وجنوب لبنان اللتين استنزفتا قدرات العدو الإسرائيلي الذي كان يمنّي نفسه بالإجهاز على ما يسميه "رأس الأفعى" بالمنطقة.
واستدرك زواري أن المواجهة الصاروخية المباشرة بين طهران وتل أبيب وكذلك الرسائل التي أرسلتها طهران بشكل صريح عن تصورها لليوم التالي لأي هجوم قد يستهدف أراضيها قد أقنعت الدول الإقليمية بضرورة الضغط على الولايات المتحدة لكبح جماح إسرائيل واحتواء التوتر بالمنطقة.
وختم بالقول إنه بعدما أفشلت عملية طوفان الأقصى مخططات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتصدير أزماته الداخلية إلى الخارج هروبا من المحاكمة، فإن المجازر التي ارتكبها في غزة قد فضحته في الأوساط الدولية وجعلته ملاحقا بعد صدور مذكرة المحكمة الجنائية الدولية ضده، مما يجعل حلفاءه الغربيين يفكرون جيدا قبل إعطائهم الضوء الأخضر لإقدامه على أية مغامرة جديدة في الشرق الأوسط.