بروفيسور: حسن بشير محمد نور /القاهرة

للحرب تأثيرات مدمرة على البيئة، تتجاوز الأضرار المباشرة التي تلحق بالبنية التحتية والمجتمعات. في السودان، حيث تشهد العديد من المناطق نزاعات وحروب مستمرة، تأثرت الموارد البيئية بشكل كبير، بما في ذلك المياه، التربة، الهواء، والمكونات الغذائية النباتية والحيوانية. يتفاقم هذا التدهور البيئي ليشكل تحديات صحية واقتصادية واجتماعية للمجتمع.

في هذا المقال، نعود لما كنا قد تعرضنا له في مؤلف لنا صادر عن دار عزة للطباعة والنشر في العام 2005 بعنوان (التقييم الاقتصادي للاصول البيئية). سنستعرض هنا بعض تأثيرات الحرب على البيئة في السودان مع التركيز على تلوث المياه والتربة والهواء، وتأثيرها على السلسلة الغذائية، مشيرين إلى رؤيتنا حول التكاليف الاقتصادية والاجتماعية لتدمير البيئة.
تشهد مصادر المياه في السودان تدهورًا كبيرًا نتيجة النزاعات المسلحة والحرب الجارية الان. استخدام الأسلحة الثقيلة، وتسرب المواد الكيميائية والنفطية، وتدمير البنية التحتية للمياه، يؤدي إلى تلويث الأنهار والبحيرات والآبار. تؤدي هذه الظروف إلى تفاقم أزمة المياه الصالحة للشرب، حيث يتعرض السكان لمخاطر الأمراض المرتبطة بتلوث المياه، مثل الكوليرا والتيفوئيد. كما يتأثر الري الزراعي، مما يؤثر على إنتاج المحاصيل ويهدد الأمن الغذائي في المناطق الريفية.

تمتد اثار الحرب الي التربة التي تعتبر عنصرا أساسيا للزراعة في السودان، لكن الحرب تسبب تدهورًا خطيرًا في جودتها. يؤدي استخدام الأسلحة الكيماوية والانفجارات إلى تلويث التربة بالمواد السامة، مما يجعلها غير صالحة للزراعة لفترات طويلة. كما تؤدي حركة النزوح الواسعة إلى تدهور الأراضي الزراعية بسبب الاستخدام العشوائي الذي يضاف لعمليات التعدين العشوائي عن الذهب، مما يفاقم من تدهور الموارد الزراعية ويزيد من تلوث التربة والتصحر. هذا يؤثر بشكل كبير على الإنتاجية الزراعية ويؤدي إلى نقص الغذاء في المناطق المتضررة.
يتأثر الهواء ايضا في مناطق الصراع نتيجة للحرائق والانفجارات وإطلاق المواد الكيميائية السامة من الأسلحة، والغازات السامة والدخان التي تؤثر على الجهاز التنفسي للسكان المحليين وتزيد من معدلات الأمراض المزمنة مثل الربو وأمراض القلب. كما تؤثر هذه الملوثات على المناخ المحلي، مما يؤدي إلى اضطراب النظام البيئي وقد يفاقم من ظواهر مثل الاحتباس الحراري.

كما ان الحرب تؤدي إلى تدمير النظام البيئي الذي تعتمد عليه الحياة النباتية والحيوانية. تلوث التربة والمياه والهواء يؤثر على صحة النباتات والحيوانات التي تعد جزءًا أساسيًا من السلسلة الغذائية. النباتات تتأثر مباشرة بالتلوث الكيميائي في التربة والماء، ما يؤدي إلى تراجع جودة المحاصيل الزراعية وانخفاض الإنتاجية. الحيوانات البرية والمواشي تتأثر أيضًا، حيث يتعرض العديد منها للتسمم بسبب المواد الكيميائية في المياه والنباتات الملوثة. هذا لا يؤثر فقط على النظام الغذائي المحلي ولكنه يهدد التنوع البيولوجي في البلاد.

نشير هنا الي ان الدراسات تؤكد أن تدمير البيئة بسبب الحروب يؤدي إلى تكاليف اقتصادية واجتماعية باهظة. التدهور البيئي يؤدي إلى فقدان الموارد الزراعية والمائية، ما يؤثر على الإنتاج الاقتصادي في القطاعات الحيوية مثل الزراعة والرعي. هذه التأثيرات تؤدي إلى زيادة الفقر وانعدام الأمن الغذائي، وتفاقم النزوح والهجرة القسرية. كما تؤكد أن إصلاح البيئة المتضررة يتطلب استثمارات ضخمة وجهودًا طويلة الأمد، مما يزيد من الأعباء الاقتصادية على الدولة والمجتمع.

الحرب في السودان لها آثار بيئية مدمرة تؤثر على مصادر المياه والتربة والهواء، وتؤدي إلى تدهور المكونات الغذائية النباتية والحيوانية. هذه التأثيرات تؤدي إلى تفاقم الأزمات الصحية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد. ويمكن فهم أن تكلفة تدمير البيئة تتجاوز الأضرار المباشرة لتشمل خسائر اقتصادية واجتماعية بعيدة المدى، مما يتطلب جهودًا كبيرة لإعادة بناء واستدامة البيئة في السودان بعد الحرب.

mnhassanb8@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی السودان یؤدی إلى تؤدی إلى تدهور ا

إقرأ أيضاً:

أطفال السودان.. البراءة بين الجوع والمرض والعنف والنزوح

أبوظبي (الاتحاد)

أخبار ذات صلة الجيش الإسرائيلي يعترف بمسؤوليته عن مقتل موظف أممي إسرائيل تمنع وصول المساعدات إلى غزة منذ 7 أسابيع

منذ اندلاع النزاع في السودان، في أبريل 2023، أصبح الأطفال الضحايا الأبرز لصراع مسلح لا يرحم، إذ يواجهون مزيجاً مميتاً من الجوع، والمرض، والعنف، والنزوح.
وكانت نقابة الأطباء السودانيين قد كشفت عن وفاة أكثر من 45 ألف طفل بسبب سوء التغذية، بينما تُسجَّل وفاة طفل أو طفلين كل ساعة في مخيمات النزوح، مثل «زمزم وكلمة» في دارفور، و«أدري» في تشاد، والتي أصبحت ملاذاً لأكثر من 600 ألف لاجئ سوداني.
وبعيداً عن الأرقام التي لا تروي سوى جزء من المأساة، يعيش الأطفال في السودان تجربة قاسية، وسط انهيار شبه كامل للبنية الصحية والتعليمية، وغياب شبه تام للمساعدات الإنسانية في مناطق واسعة من البلاد، خاصة في دارفور وكردفان والنيل الأزرق.
وتشير تقارير المنظمات الدولية والأممية، وفي مقدمتها منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسف»، إلى أن السودان يواجه واحدة من أسوأ أزمات الطفولة في العالم، حيث يعاني أكثر من 3 ملايين طفل، تحت سن الخامسة، سوء التغذية، بينهم 700 ألف معرضون للموت الفوري إذا لم يتلقوا تدخلاً عاجلاً.
ولا تقتصر الأزمة على نقص الغذاء، بل تشمل غياب مياه الشرب النقية، وتفشي أمراض يمكن الوقاية منها بسهولة في الظروف الطبيعية، مثل الحصبة والملاريا والإسهال الحاد، كما يعاني الأطفال من انقطاع تام في برامج التطعيم الدورية، وتدمير واسع للمراكز الصحية والمستشفيات.
وكان وزير الصحة السوداني، هيثم محمد إبراهيم، قد أوضح أن 15% من الأطفال في المناطق المتأثرة بالنزاع يعانون سوء تغذية حاد، وهو ما يتجاوز الحد الذي يستدعي تدخلاً طبياً فورياً المحدد بـ 6%.
لكن الواقع على الأرض يُعد أكثر تعقيداً مما تظهره بعض التقديرات، إذ إن القيود المفروضة على حركة منظمات الإغاثة تعرقل وصول الدعم إلى من هم في أمس الحاجة إليه.
وأكد الأمين العام للمجلس القومي للطفولة، عبدالقادر الأمين أبو، أن 87% من أطفال السودان يعيشون تحت خط الفقر، وغالبيتهم لم يتلقوا أي نوع من الدعم الطارئ منذ بداية الحرب.
وتُعاني فتيات السودان مخاطر مضاعفة، تتراوح بين الزواج القسري، والاعتداءات الجنسية، والاستغلال في مناطق النزوح، حيث أفادت تقارير حقوقية بأن آلاف الفتيات تم تزويجهن قسراً في سن مبكرة، إما بدافع الحماية أو نتيجة الفقر المدقع، في ظل غياب شبه كامل لأي آليات حماية.
أوضح القيادي في حزب المؤتمر السوداني، أيمن عثمان، أن الانتهاكات والجرائم المرتكبة ضد الأطفال في السودان منذ اندلاع الحرب، في أبريل 2023، تُعد وصمة عار على جبين الإنسانية، وتُنذر بتدمير جيل كامل، مشيراً إلى أن الانتهاكات تشمل التجنيد القسري، والقتل العمد، وترك الأطفال يواجهون المجاعة، وغيرها من الاعتداءات التي تُمارس ضد الأطفال من دون رادع.
وذكر عثمان، في تصريح لـ«الاتحاد»، أن القوات المسلحة السودانية والميليشيات المتحالفة معها، يجندون الأطفال قسراً ويحولونهم إلى وقود لحرب عبثية، في انتهاك صريح لكل القوانين الدولية.
وأفاد بأن تقارير عدة صادرة عن «اليونيسف» وثقت مقتل وإصابة آلاف الأطفال، بينما كشفت مشاهد مصورة عن جرائم مروعة، مثل حرق أطفال أحياء في ولاية الجزيرة، وتحديداً في ود مدني، خلال العام الماضي، من قبل قوات متحالفة مع القوات المسلحة السودانية، كانت قد استهدفت قرية «كمبو» المكتظة بالسكان.
من جانبه، قال مصعب يوسف، المحلل السياسي، إن المجاعة تهدد 14 مليون طفل سوداني، ما يفاقم حجم الكارثة الإنسانية، حيث يُترك الأطفال يتضورون جوعاً، وسط الحصار وغياب المواد الغذائية، بينما تتسبب ظروف النزوح في تعريضهم لمزيد من المخاطر، بما في ذلك العنف والمرض والإهمال.
وأضاف يوسف لـ«الاتحاد» أن الانتهاكات التي يتعرض لها أطفال السودان ترقى إلى مستوى «جرائم الحرب».

مقالات مشابهة

  • جنوب السودان على شفا الحرب الأهلية
  • البصرة.. تظاهرات حاشدة للمطالبة بتوفير الخدمات ومعالجة تلوث المياه (فيديو)
  • توقعات ما بعد الحرب والاتفاق السياسي في السودان: فرص التحوُّل ومخاطر الانكفاء
  • شاهد | مجموعة الأزمات الدولية: الحرب الأمريكية على اليمن امتداد للحرب على غزة
  • أطفال السودان.. البراءة بين الجوع والمرض والعنف والنزوح
  • القابلية للارتزاق والابتزاز
  • ???? انقلاب حميدتي
  • تزيد تلوث الهواء.. منظمة أمريكية تحذر من خفض ترامب موظفي وكالة البيئة
  • حماية التنوع الأحيائي ودوره في استدامة النظم البيئية محور نقاش ضمن فعاليات أسبوع البيئة 2025
  • خلافات حادة بين المكونات اليمنية الموالية للتحالف مع بدء السعودية ترتيبات ما بعد الاتفاق مع صنعاء