الآثار البيئية للحرب في السودان: تلوث المياه والتربة والهواء والأثر على المكونات الغذائية
تاريخ النشر: 7th, October 2024 GMT
بروفيسور: حسن بشير محمد نور /القاهرة
للحرب تأثيرات مدمرة على البيئة، تتجاوز الأضرار المباشرة التي تلحق بالبنية التحتية والمجتمعات. في السودان، حيث تشهد العديد من المناطق نزاعات وحروب مستمرة، تأثرت الموارد البيئية بشكل كبير، بما في ذلك المياه، التربة، الهواء، والمكونات الغذائية النباتية والحيوانية. يتفاقم هذا التدهور البيئي ليشكل تحديات صحية واقتصادية واجتماعية للمجتمع.
تشهد مصادر المياه في السودان تدهورًا كبيرًا نتيجة النزاعات المسلحة والحرب الجارية الان. استخدام الأسلحة الثقيلة، وتسرب المواد الكيميائية والنفطية، وتدمير البنية التحتية للمياه، يؤدي إلى تلويث الأنهار والبحيرات والآبار. تؤدي هذه الظروف إلى تفاقم أزمة المياه الصالحة للشرب، حيث يتعرض السكان لمخاطر الأمراض المرتبطة بتلوث المياه، مثل الكوليرا والتيفوئيد. كما يتأثر الري الزراعي، مما يؤثر على إنتاج المحاصيل ويهدد الأمن الغذائي في المناطق الريفية.
تمتد اثار الحرب الي التربة التي تعتبر عنصرا أساسيا للزراعة في السودان، لكن الحرب تسبب تدهورًا خطيرًا في جودتها. يؤدي استخدام الأسلحة الكيماوية والانفجارات إلى تلويث التربة بالمواد السامة، مما يجعلها غير صالحة للزراعة لفترات طويلة. كما تؤدي حركة النزوح الواسعة إلى تدهور الأراضي الزراعية بسبب الاستخدام العشوائي الذي يضاف لعمليات التعدين العشوائي عن الذهب، مما يفاقم من تدهور الموارد الزراعية ويزيد من تلوث التربة والتصحر. هذا يؤثر بشكل كبير على الإنتاجية الزراعية ويؤدي إلى نقص الغذاء في المناطق المتضررة.
يتأثر الهواء ايضا في مناطق الصراع نتيجة للحرائق والانفجارات وإطلاق المواد الكيميائية السامة من الأسلحة، والغازات السامة والدخان التي تؤثر على الجهاز التنفسي للسكان المحليين وتزيد من معدلات الأمراض المزمنة مثل الربو وأمراض القلب. كما تؤثر هذه الملوثات على المناخ المحلي، مما يؤدي إلى اضطراب النظام البيئي وقد يفاقم من ظواهر مثل الاحتباس الحراري.
كما ان الحرب تؤدي إلى تدمير النظام البيئي الذي تعتمد عليه الحياة النباتية والحيوانية. تلوث التربة والمياه والهواء يؤثر على صحة النباتات والحيوانات التي تعد جزءًا أساسيًا من السلسلة الغذائية. النباتات تتأثر مباشرة بالتلوث الكيميائي في التربة والماء، ما يؤدي إلى تراجع جودة المحاصيل الزراعية وانخفاض الإنتاجية. الحيوانات البرية والمواشي تتأثر أيضًا، حيث يتعرض العديد منها للتسمم بسبب المواد الكيميائية في المياه والنباتات الملوثة. هذا لا يؤثر فقط على النظام الغذائي المحلي ولكنه يهدد التنوع البيولوجي في البلاد.
نشير هنا الي ان الدراسات تؤكد أن تدمير البيئة بسبب الحروب يؤدي إلى تكاليف اقتصادية واجتماعية باهظة. التدهور البيئي يؤدي إلى فقدان الموارد الزراعية والمائية، ما يؤثر على الإنتاج الاقتصادي في القطاعات الحيوية مثل الزراعة والرعي. هذه التأثيرات تؤدي إلى زيادة الفقر وانعدام الأمن الغذائي، وتفاقم النزوح والهجرة القسرية. كما تؤكد أن إصلاح البيئة المتضررة يتطلب استثمارات ضخمة وجهودًا طويلة الأمد، مما يزيد من الأعباء الاقتصادية على الدولة والمجتمع.
الحرب في السودان لها آثار بيئية مدمرة تؤثر على مصادر المياه والتربة والهواء، وتؤدي إلى تدهور المكونات الغذائية النباتية والحيوانية. هذه التأثيرات تؤدي إلى تفاقم الأزمات الصحية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد. ويمكن فهم أن تكلفة تدمير البيئة تتجاوز الأضرار المباشرة لتشمل خسائر اقتصادية واجتماعية بعيدة المدى، مما يتطلب جهودًا كبيرة لإعادة بناء واستدامة البيئة في السودان بعد الحرب.
mnhassanb8@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: فی السودان یؤدی إلى تؤدی إلى تدهور ا
إقرأ أيضاً:
هل دخل السودان عصر الميليشيات؟
هناك أكثر من سردية لبداية الحرب في السودان، ومن هو صاحب المصلحة في إشعال الحرب، لكن السردية الحكومية الرسمية تقول إن ميليشيا «قوات الدعم السريع» تمردت على سلطة الدولة وحاولت الاستيلاء على السلطة، فاضطر الجيش للتصدي لها. لكن حتى من يقول بتلك السردية يعترف بأن «قوات الدعم السريع» تكونت في عهد حكومة الإنقاذ الإسلامية، وكانت مهمتها هي القيام بالأعمال التي لا يمكن للجيش أن يقوم بها، بخاصة في دارفور التي كانت مشتعلة. وصدر قانون «الدعم السريع» في ظل حكومة الإنقاذ، وتم السماح لها بالتمدد من ناحية العدد ونوعية التسليح حتى صارت تشكل خطراً حقيقياً، ثم جاء الفريق عبد الفتاح البرهان وعدّل قانون «الدعم السريع» ليمنحها مزيداً من الصلاحيات، ويعطيها قدراً من الاستقلالية عن القوات المسلحة السودانية.
إذا افترضنا حسن النية في كل ما حدث، إن كان ذلك ممكناً، فالطبيعي أن يتعلم الناس من التجربة، ويمتنعوا عن تكرارها، على الأقل في المستقبل القريب، ويتجهوا ناحية تقوية الجيش الرسمي، وإعادة تأهيله وتسليحه وتدريبه ليكون القوة الوحيدة الحاملة للسلاح، ولكن ما حدث عكس ذلك تماماً.
أعلنت الحكومة الاستنفار، وكان المفهوم هو قبول متطوعين من المدنيين للالتحاق بالجيش. وفعلاً بدأ هذا العمل في عدد من الولايات، لكن في الوقت ذاته ظهرت «كتيبة البراء بن مالك» التابعة للحركة الإسلامية، وبدأت من جانبها فتح باب التجنيد وسط الشباب، واتخذت لنفسها شعاراً وراية مختلفين، وأدبيات مستوحاة من تاريخ الحركة الإسلامية وفصائلها المسلحة في العهد الماضي، ثم أعلنت حركات دارفور المتحالفة مع الحكومة تخليها عن الحياد وانضمامها لصفوف الجيش، مع فتح معسكرات للتجنيد والتدريب داخل وخارج السودان، وبالتحديد في دولة إريتريا المجاورة، ثم ظهر نحو خمسة فصائل من شرق السودان فتحت معسكراتها في إريتريا وبدأت تخريج المتطوعين. وكان الملمح الظاهر لكل هذه المجموعات المسلحة، بما فيها حركات دارفور وشرق السودان، هو الطابع القبلي للحشد والتعبئة والتجنيد.
الاختلاف الوحيد ظهر في منطقة البطانة، شرق الجزيرة، وولايتَي سنار والنيل الأزرق، حيث ظهرت مجموعات مسلحة انضمت لـ«الدعم السريع»، بقيادة أبو عاقلة كيكل في منطقة البطانة، والبيشي في منطقة سنار، والعمدة أبو شوتال في النيل الأزرق. وبالطبع كان الطابع القبلي لـ«قوات الدعم السريع» أظهر من أن يتم إخفاؤه؛ فقد اعتمدت بشكل أساسي على القبائل العربية في ولايات دارفور.
كانت التحذيرات تتردد من دوائر كثيرة، ليست فقط بين المجموعات المدنية التي وقفت ضد الحرب، ولكن حتى من بين صفوف السلطة والقوات المسلحة، واتفقت كلها على أن تمرد ميليشيا لا يمكن محاربته بتكوين عشرين ميليشيا أخرى لا تخضع بشكل مباشر لسلطة القوات المسلحة، وإنما لسلطة القبيلة.
بعد الانقلاب الكبير الذي قاده أبو عاقلة كيكل في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، وانضمامه للقوات المسلحة مع قواته المسماة «درع السودان»، شنت «قوات الدعم السريع» حملات انتقامية على مدن وقرى منطقة البطانة وشرق النيل، وقتلت المئات من المدنيين، وشردت مئات الآلاف من قراهم، ونهبت متاجرهم وممتلكاتهم. ورغم السخط الكبير على كيكل باعتبار أنه كان مسؤولاً عن استيلاء «قوات الدعم السريع» على ولاية الجزيرة، فإنه استفاد من التعبئة القبلية في المنطقة وضاعف حجم قواته، واستطاع أن يحقق انتصارات كبيرة ضد «الدعم السريع».
مع تقدم الجيش وتحقيق الانتصارات سرعان ما بدأ صراع الفصائل يظهر على السطح، بخاصة من خلال صفحات «السوشيال ميديا»، بين مجموعات «القوات المشتركة» المكونة أساساً من حركات دارفور المسلحة، وقوات «درع السودان» التي تمددت في منطقتَي شرق وغرب الجزيرة حتى غطت على ما عداها، ومجموعات الكتائب الإسلامية التي أحست بوجود منافسة مبنية على الأساس القبلي والمناطقي تحد من تمددها في المناطق المختلفة. وتحولت الانتقادات إلى اتهامات بالفساد وارتكاب الجرائم والتصفيات، ووصلت لمرحلة تبادل اتهامات الخيانة والعمالة. وتزامن ذلك مع تبني البرهان وأركان الحكومة لما يُعرف بـ«خريطة الطريق» لمرحلة ما بعد الحرب، والتي أعدتها قوى سياسية ومسلحة متحالفة مع البرهان لم تشرك الحركة الإسلامية في إعدادها. وتضمن «الخريطة» للبرهان حكماً مطلقاً خلال فترة انتقالية قادمة، رأت فيها بعض الفصائل إنكاراً لدورها في الحرب.
الخطر الذي يخشاه السودانيون هو تحول هذه الصراعات الإسفيرية إلى صراعات ميليشيات مسلحة على الأرض، وهو ما بدا ظاهراً الآن؛ إذ تحول السودان إلى «كانتونات» تدخل البلاد في دوامة لا يعرف أحد حدودها وخطوط نهايتها.
فيصل محمد صالح
نقلا عن الشرق الأوسط